الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاحد 17/12/2023 العدد 884
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
هآرتس 17/12/2023
مَقْتلة الخطاب الديني المسيحاني
بقلم: شاؤول ارئيلي
أحد الأسباب الرئيسية لزيادة التطرف في المجتمع الإسرائيلي وفي المجتمع الفلسطيني هو التغيير الذي حدث في الخطاب حول النزاع في العقدين الأخيرين، من خطاب وطني – جغرافي الى خطاب ديني – مسيحاني. الجمود السياسي حول النزاع مع الفلسطينيين نتيجة سياسة بنيامين نتنياهو وضعف م.ت.ف والسلطة الفلسطينية، خدم بشكل جيد التيارات الأصولية – المسيحانية في المجتمعين. الخطاب السياسي والجماهيري في أوساط الشعبين، الذي اعلن كل واحد منهما عن الآخر بأنه "غير شريك"، كان الأرضية الخصبة للقيادات الدينية فيهما من اجل تعميق القطبية بينهما، عندما اعتبر طرف منهما نفسه مؤمن وورع، وأن الطرف الثاني كافر وشرير.
في الطرفين تحارب التيارات الأصولية المسيحانية ضد التهديد الأكبر لمعتقداتها، العملية السياسية واتفاق الحل الدائم. معارضة أي مصالحة بخصوص البلاد ليست وليدة السنوات الأخيرة، بل هي موجودة منذ بداية النزاع الذي يستمر منذ 100 سنة. الاصوليون اعتبروا الاتفاقات السياسية ظاهرة قطرية غير شرعية، تناقض المكافأة التي يستحقونها بسبب ايمانهم، والوعد الإلهي حسب تفسيرهم.
هكذا فانه حسب ميثاق حماس من العام 1987: "الأيديولوجيا العلمانية تناقض بشكل جوهري الأيديولوجيا الدينية... نحن لا يمكننا استبدال الإسلام الموجود في فلسطين، في الحاضر وفي المستقبل، بالايديولوجيا العلمانية. الإسلام في فلسطين هو جزء من عقيدتنا. بناء على ذلك فان "المبادرات، وما يسمى بحلول لسلام مؤتمرات دولية، تناقض مباديء حماس". ومن ناحية إسرائيل، تعكس ذلك جيدا الاقوال التي كتبها مناحيم فليكس، وهو من رؤساء غوش ايمونيم، ردا على اتفاق أوسلو: "لا يوجد للنظام الحاكم الحالي في دولة إسرائيل أي صلاحية لمواصلة السيطرة على دولة اليهود. النظام... الذي يفصل دولة إسرائيل عن تاريخ شعب إسرائيل وعن هدفه هو نظام غير مشروع" ("نكوداه"، ص 173، كانون الأول 1993). والى ذلك يجب إضافة مركب من المركبات الثلاثة الكهانية، عقيدة ايتمار بن غفير الذي يرفض العلمانية والليبرالية والديمقراطية، ويقول إن دولة إسرائيل الديمقراطية والعلمانية هي كيان غير مشروع وسيتم استبداله مستقبلا بدولة شريعة.
بين حين وآخر وعلى مدى تاريخ النزاع فان الطرفين عبرا كما يبدو بشكل صحيح بدرجة معينة عن الاستعداد للمصالحة مع إدارة العيون. قبل النقاشات في كامب ديفيد حول الاتفاق الدائم (تموز 2000)، رئيس حماس، الشيخ احمد ياسين، اقترح أن تعلن حماس عن "هدنة"، تعني وقف أحادي الجانب للقتال بشكل مؤقت، 10 أو 20 سنة، مقابل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها شرقي القدس. "الجيل القادم سيقرر اذا كان سيستأنف القتال". في 2007 اعلن موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، أنه "في ظروف معينة حماس أيضا يمكن أن تعترف بقانونية إسرائيل، اذا تمت إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها شرقي القدس في حدود 1967 في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، وتم السماح لملايين اللاجئين بالعودة الى بيوتهم داخل إسرائيل". من ناحية إسرائيل، ردا على خطة الانفصال عن القطاع في 2005، شرح زئيف حيفر، المدير العام لـ "امانة" التنازل الذي حدث: "أنت تصل الى الاستنتاج بأنه في ظروف قاسية جدا يجب عليك الانسحاب. ولكن الانسحاب يتم من خلال الادراك الواضح بأنه لا يوجد أي خيار، وبدون أي شك في الحق. أنت تقول: الحق المطلق لي، ولكن في هذه السن لا توجد لدي القوة من اجل تحقيقه".
هؤلاء وأولئك رأوا في التنازل فقط خطوة تكتيكية، تمت بدون التنازل عن ادعاء "كلها لي". الحاخام تسفي يهودا كوك، الزعيم الروحي للتيار القومي المتطرف – المسيحاني، قال بعد حرب الأيام الستة: "هذه البلاد لنا، لا يوجد هنا أراضي عربية واراضي للعرب، بل أرض إسرائيل، هي الملك الخالد لآبائنا، وهي بكل حدودها التوراتية تعود لسلطة إسرائيل". حسب ميثاق حماس فان "ارض فلسطين هي ارض وقف إسلامية لاجيال المسلمين حتى يوم القيامة".
في الطرفين التيار الاصولي يستند الى الوعد الذي اعطي له كما يبدو من الله. في تموز 1979، في نقاشات في المحكمة العليا (المحكمة العليا 79/390) شرح فليكس دافع الاستيطان اليهودي في ارض إسرائيل كما يلي: "نحن استوطنا... لأننا أمرنا بوراثة هذه البلاد التي منحها الله تعالى لآبائنا. لذلك تم أمرنا بأنه يجب عليكم وراثة الأرض واستيطانها لأنني اعطيتكم إياها كي ترثوها". ويفسر الراشي: "ورثتم الأرض من سكانها" وبعد ذلك "استوطنتم فيها". ارض إسرائيل تم الاستيلاء عليها بهذه الطريقة كشرط ضروري لوجود الشعب اليهودي ومن اجل تحقيق الوعد الإلهي، "أعطيت لنسلك هذه البلاد". لذلك فان أي تنازل عن أي جزء من ارض البلاد هو احتجاج على الوعد الإلهي. ومعارضة اغودات إسرائيل لخطة التقسيم في 1947، مثلا، تم تبريرها من قبل احد رؤسائها، الحاخام مناحيم زمبا، بأن ارض إسرائيل التي يتم انتقاص شبر واحد منها هي مثل كتاب التوراة الذي ينقص فيه حرف واحد (لذلك هو مرفوض).
من الجهة الثانية، حماس تطرح في ميثاقها ارض إسرائيل كارض تم وقفها للمسلمين من قبل الخليفة عمر بن الخطاب الذي احتل ارض إسرائيل في العام 638م، وبناء على ذلك فانه لا توجد لأي جهة صلاحية التنازل عن أي جزء منها: "محظور التنازل عنها (فلسطين) أو عن جزء منها، ولا توجد أي صلاحية لفعل ذلك لأي دولة عربية ولا حتى جميع الدول العربية، أو أي ملك أو رئيس، أو جميع الملوك والرؤساء... أصحاب الأرض هم الذين يمكنهم التمتع بخيراتها، لكن البلاد ستبقى فقط أملاك إسلامية".
هذه المقاربة الدينية – المسيحانية رافقت النزاع منذ البداية. المفتي الحاج امين الحسيني ادرك على الفور بعد تصريح بلفور في 1917 قوة الدين وأنه القاسم المشترك الواسع والاسهل لتجنيد الجماهير العربية في فلسطين/ ارض إسرائيل للقضية القومية. وهو حتى قام بتوسيع التجنيد الى خارج فلسطين، الى العالم العربي والإسلامي. وقد أراد اقناع العالم العربي بقوة الادعاء أن الصهيونية تنوي استخدام ارض إسرائيل كقاعدة لاحتلال جميع الدول العربية، واراد اقناع العالم الإسلامي بادعاء أن اليهود يريدون تدمير المسجد الأقصى وإقامة على انقاضه الهيكل.
الاحداث القاسية في 7 تشرين الأول وبعدها لم تغير أي شيء في هذه الرؤية الأصولية. غازي حمد، المتحدث بلسان حماس، تعهد بأن "حماس ستنفذ الكثير من الهجمات مثل هجوم 7 أكتوبر كي تحقق أهدافها" ("واي نت"، 1/11). من جهة أخرى اعلن سموتريتش في مقابلة مع "كان 11": "ربما كان يجب علينا تلقي هذه الضربة الفظيعة والمؤلمة كي نتذكر للحظة من نحن" ("هآرتس"، 2/11). وقد كتب البروفيسور يوئيل اليتسور بأن المذبحة التي نفذتها حماس في الجنوب هي جزء من خطة الهية للاسرائيليين، "يجلبون الكوارث لشعب إسرائيل ويدمرون الخطة الإلهية". وقد ربط بين المذبحة وبين العلمانية وعدم الدفع قدما بفكرة "ارض إسرائيل الكاملة" ("سيروغيم"، 13/10).
فهم الشمولية والتعصب الاصولي والاستعداد للتضحية في هذه التيارات التي توجد في المجتمع الاسرائيلي والمجتمع الفلسطيني، تقتضي رفض نهجها، سواء كنهج سياسي لحل النزاع أو كطريق لسلوك المجتمع. القرارات التي يطالب بها هؤلاء المتطرفون غير محتملة، سوى بثمن اجتماعي واخلاقي غير مقبول بشكل عام، وفي القرن الواحد والعشرين بشكل خاص. وقد أوضحت ذلك احداث 7 أكتوبر، للأسف الشديد. يجب علينا البحث عن إمكانية للتوصل الى حل وسط على أساس القانون الدولي وقيم الديمقراطية الليبرالية لدى العلمانيين في المجتمعين، الذين يمكنهم تصور "اشباع نصف الشهوة". ويجب على الجمهور في الطرفين فتح العيون والتحرر من فكرة الحل الشامل، لأنه اذا تحقق هذا الحل فان كل طرف من الطرفين ربما هو الذي سيختفي.
--------------------------------------------
إسرائيل اليوم 17/12/2023
السلام يُصنع مع الأعداء
بقلم: يوسي بيلين
منذ ابتكار "السلام مقابل السلام" لنتنياهو (الذي "أبطل تماماً" الحاجة الى تنازلات إقليمية، مثلما فعل مناحم بيغن عندما تنازل، مقابل السلام مع مصر عن مساحة اكبر بثلاثة اضعاف من إسرائيل السيادية)، لم يكن كالاختراع الذي عرضه لأول مرة في جلسة لجنة الخارجية والامن في الكنيست هذا الأسبوع، وبموجبه "السلام يصنع مع من يمكن الوصول معه الى السلام".
قايس رئيس الوزراء بين عدد القتلى في 7 أكتوبر وبين عدد القتلى منذ اتفاق أوسلو كزعيم المشهرين باوسلو دون أن يشير فيما اذا كان باروخ غولدشتاين أيضا، الذي فتح أبواب جهنم، من ضمنهم. رغم كونه مؤرخاً هاوياً، نسي أيضا ان يشير الى أن الانتفاضة الثانية بدأت (بالصدفة تماما) بعد يوم واحد من حجيج زعيم الليكود ورئيس المعارضة في حينه، اريئيل شارون، الى الحرم مع كتلة الليكود ومع الف شخص آخرين، كي يعلن للعالم بان التنازلات التي وافق رئيس الوزراء في حينه اهود باراك على تقديمها في القدس، لن تكون ابدا.
نتنياهو أضاف بان المشكلة المركزية ليست اتفاق أوسلو ذاته (!؟)، بل الطرف الفلسطيني الذي وقع عليه. وكي تكون رسالته واضحة اخترع قاعدة جديدة في علوم العلاقات الدولية: السلام يصنع مع من يوافقون، او – حسب الاقتباس في وسائل الاعلام – "اذا كنت تريد أن تصل الى توافق، فخذ الجهات التي يمكن لك ان تصل معها الى توافق. لا تجلب الأسوأ".
وفي هذا قصد، في اغلب الظن، ان يرد على رئيس الوزراء في حينه، الراحل اسحق رابين، الذي قال في 1992 الامر الذي ينبغي أن يكون مسلما به: "السلام يُصنع مع الأعداء". لم يشر نتنياهو متى مؤخراً نجحت الصيغة السحرية هذه (هل قصد محاولة اقناع رئيس بلدية الخليل، محمد علي الجعبري، بإقامة حكومة فلسطينية بتشجيع إسرائيل، او بعد حرب الأيام الستة؟ المحاولة الفاشلة لشارون، من خلال مناحم ميلسون ويغئال كرمون، إقامة "روابط القرى" في بداية الثمانينيات كشريك لإسرائيل؟).
السلام يصنع مع الجهة القادرة على ان تتحدث باسم شعبها، والتي تعترف بوجودك ومستعدة لمساومات متبادلة. هكذا كان أنور السادات، الرئيس المصري (الذي كان في ماضيه مؤيدا متحمسا لادولف هتلر)، وهكذا كان الملك حسين (الذي لولا انضمامه الى التحالف مع مصر وروسيا عشية حرب الأيام الستة، لكان بوسعنا أن نعفي انفسنا من الجدال الذي يمزقنا منذ 57 سنة على مستقبل الضفة الغربية).
اعتقد نتنياهو بأنه يصنع السلام مع السودان، وهو بالتأكيد ليس سعيداً من ان اتحاد الامارات، درة التاج لاتفاقات إبراهيم خاصته (الإيجابية بحد نفسها)، هي المتصدر الأساس للهجوم الدبلوماسي على إسرائيل في اعقاب ردنا المحق على احداث 7 أكتوبر.
ادعاء نتنياهو في أن كل الفرق بين حماس وم.ت.ف هو أن حماس تسعى لابادتنا فورا بينما تسعى م.ت.ف على ابادتنا على مراحل قد يكون صحيحا حتى 1988، عندما توصلت م.ت.ف الى الاستنتاج بان الحل الصحيح من ناحيتها سيكون حل الدولتين، وزعماؤها يتمسكون بهذا الحل، هو لم يفعل هذا انطلاقاً من الصهيونية بل من الواقعية السياسية، بالضبط مثلما توصلت القيادة الإسرائيلية البراغماتية الى حل الدولتين. لعل الطرفين كانا سيكونان سعيدين لو انهما نهضا في الصباح ورأيا ان الآخر اختفى، لكن بالنسبة للوطنيين البراغماتيين من الطرفين هذا ليس سببا كافيا لعدم اجراء مفاوضات.
م.ت.ف هي العنوان الفلسطيني الوحيد الذي لإسرائيل، ولن يكون لنتنياهو مغفرة عن الخطأ الرهيب الذي ارتكبه بتعزيزه لحماس. اتفاق أوسلو لم يكن معدا لأن يستمر لـ 30 سنة بل لـ 5 سنوات، وهو لا يجب ولا يمكن ان يواصل الوجود. عليه أن يستبدل بسرعة قدر الإمكان، باتفاق دائم إسرائيلي – فلسطيني. نتنياهو يسعى لان يقنع نظراءه بأنه رغم كل شيء، عليه أن يبقى في منصبه لأنه هو وحده يعرف كيف يمكن أن يعرقل إقامة دولة فلسطينية، لكن رئيس الوزراء التالي يتعين عليه أن يعطي اليد لإقامتها كي يحقق المصالح الإسرائيلية الحيوية.
--------------------------------------------
يديعوت أحرونوت 17/12/2023
إسرائيل في حرب “اللا مفر”: لن نتوقف.. فالسنوار لن يكتفي بـ”التبادل”
بقلم: آفي يسسخروف
البلاغ المحزن الذي أصدره الناطق العسكري العميد دانييل هجاري يوم الجمعة، عن إطلاق النار بالخطأ من جنود الجيش على ثلاثة مخطوفين نجحوا في الهروب من خاطفيهم من حماس، بلاغ عكر المزاج الوطني لدولة إسرائيل، الذي كان في ذروته، على أقل تقدير. وانتقلت الأجواء أيضاً إلى استوديوهات التلفزيون والشبكات الاجتماعية حيث أطلقت تساؤلات بالصوت وخطياً عن جدوى استمرار الحملة البرية وعن الحاجة إلى العمل على صفقة لتحرير المخطوفين “الآن”. مساء الجمعة، وصل بضع مئات من الأشخاص للتظاهر في تل أبيب رافعين مطلباً كهذا، وهم أساساً أبناء عائلات المخطوفين، ولكن أيضاً مع كثيرين آخرين أعربوا عن استيائهم من سياسة الحكومة في موضوع الرهائن.
يمكن أن نفهم هذا الإحباط، في ضوء الوضعية الرهيبة وأزمة الثقة الشديدة لدى كثير من مواطني إسرائيل تجاه الحكومة، لكن، مثلما تعلمنا في الماضي أيضاً من المفاوضات لتحرير جلعاد شاليط، فإن الاحتجاج الشعبي المغطى إعلامياً والرامي إلى الضغط على حكومة إسرائيل للعمل في موضوع الصفقة يؤدي إلى تصلب مواقف حماس وإبطاء أكبر للاتصالات. وهنا الخطر الأكبر – صور المظاهرات يوم الجمعة ليلاً من تل أبيب ربما تعزز يحيى السنوار في مطالبته بمقابل أعلى في المفاوضات المستقبلية لتحرير الموجة التالية من الرهائن. هذه طريقه ومنها يتغذى. هو الرجل الذي حاول بنفسه أن يعرقل صفقة شاليط لاعتقاده أنها ليست جيدة بما يكفي لحماس. السنوار، من مكان اختبائه في أنفاق خان يونس أو رفح، سيواصل محاولة التنكيل بعائلات المخطوفين قدر الإمكان، وسيفهم في الأيام القريبة القادمة مناورات وأحابيل نفسية غير قليلة أخرى كي يشدد الضغط على الحكومة لوقف الخطوة البرية. هو يحتاج إلى هذا، وعليه عول منذ البداية: أن يعطيه الرهائن الضمانة والحصانة من الإبادة أو التصفية. وعليه، يبدو أننا سنسمع غير قليل من التصريحات من كبار مسؤولي حماس في الأيام القريبة القادمة بأنه إذا توقف الهجوم الإسرائيلي فسيكون ممكناً الحديث عن تحرير سجناء. لكن هذا لا يعني أن تحريراً كهذا سيأتي. السنوار وعصبته سيحاولون تمديد الوقت ليحصلوا على بضعة أيام أخرى، في محاولة لضمان بقائهم. وربما ينبغي قول الحقيقة للجمهور الإسرائيلي ولعائلات المخطوفين: لن تحصل صفقة “الآن”. حتى لو عرضت إسرائيل تحرير كل الرهائن مقابل كل السجناء الفلسطينيين، فلن يوافق السنوار على ذلك دون ضمانات دولية واضحة تعطيه هو ورفاقه الحصانة وتتمكن حماس من العودة إلى السيطرة في القطاع.
وهنا ينبغي أن نقول أيضاً بضع كلمات عن الخطوة البرية. رغم الثمن الذي تجبيه بحياة الإنسان، ورغم الخطر على حياة الرهائن ورغم الأصوات في الاستوديوهات التي تتراوح بين النشوة والاكتئاب، هذه الخطوة تعطي ثمارها في الميدان. في النهاية يجب أن نتذكر: لو لم يطلق الجنود النار على الثلاثة، لتركزت الأغلبية الساحقة من هذا التحليل على أن هذا مؤشر واضح على تفكك حماس وقدرة القيادة والتحكم لدى قادة المنظمة. هذا يستغرق وقتاً وهذا سيستغرق وقتاً. العملية البرية الواسعة على هذا النمط الذي نشهده الآن في خان يونس قد يغير وجهها وتصبح نشاطات موضعية أكثر وتستند إلى معلومات استخبارية دقيقة – الإدارة الأمريكية تفهم هذا وتقبله – لكنها ستستمر. حماس تدفع ثمناً باهظاً على قرارها الخروج إلى هجومها في 7 أكتوبر، وستواصل دفع الثمن. وفضلاً عن كل هذا، يجب أن نتذكر أيضاً الأيام التي تتسبب فيها الأخبار لأن نغرق جميعنا في الاكتئاب الوطني العام: لا خيار آخر لدولة إسرائيل غير العمل حتى القضاء على حماس. محظور حظراً تاماً أن تتمكن هذه المنظمة، المسؤولة عن المصيبة الأكبر في تاريخ الدولة، بالعودة إلى حكم غزة. إذا حصل هذا الأمر، فسنشهد المزيد من محاولات تنفيذ أعمال على نمط 7 أكتوبر. عملية عنيدة وثابتة ضد حماس هي ما يمكنها منع مثل هذه المصائب مستقبلاً.
--------------------------------------------
هآرتس 17/12/2023
كيف تنظر كل من مصر وإيران لتهديدات الحوثيين في البحر الأحمر؟
بقلم: تسفي برئيل
إن انزلاق الحرب في غزة إلى البحر الأحمر وانضمام الحوثيين للمعركة ضد إسرائيل، تطورت وأصبحت تهديداً استراتيجياً إقليمياً، ربما يتحول إلى حرب مستقلة لن تكون متعلقة بالضرورة بالتطورات في القطاع. إذا كانت النظرة لتهديد الحوثيين في بداية الحرب هامشية وحظيت برد تكتيكي مثل اعتراض مسيرات وصواريخ أطلقت من اليمن نحو إيلات وعلى السفن المبحرة في البحر الأحمر، فإننا نقول إنه لا رد حقيقياً على تهديدات الحوثيين الآن.
إن وجود مدمرات أمريكية وسفن إسرائيلية في البحر الأحمر وإرسال سفينة حربية فرنسية إلى المنطقة، لم يردع الحوثيين. الخميس، فشلت محاولة لضرب سفينة “مارسيك غبلرتار” التي كانت في طريقها إلى قناة السويس. ولكن قرار أصحاب هذه السفينة -شركة النقل البحري “مارسيك”- تجميد استخدامها للطريق البحرية في البحر الأحمر، وفي أعقابها شركة “هافاغ لويد” التي تمت مهاجمة سفينة لها أول أمس، يبين أن الهجمات التكتيكية ضد الحوثيين مثل قصف محدد لمنصات إطلاق الصواريخ أو فرض العقوبات الاقتصادية على من يساعدونهم خارج اليمن غير كافية. قررت الولايات المتحدة تسريع تشكيل التحالف الدولي الذي سيعمل في البحر الأحمر لضمان حرية الملاحة، لكن يبدو أن من يمكنهم المساعدة بشكل فوري لا يسارعون إلى الانضمام لهذا التحالف.
مصر، التي أعلنت أمس أنها قد أسقطت جسماً طائراً قرب مدينة دهب في شبه جزيرة سيناء، لم تعلن رسمياً حتى الآن نيتها الانضمام للتحالف. في العام 2015 عندما شنت السعودية الحرب ضد الحوثيين، كانت مصر بالذات من أوائل الدول التي انضمت للتحالف العربي الذي شاركت فيه الإمارات والبحرين والسودان، حتى لو كانت مشاركتها في حينه إعلانية.
الآن في الوقت الذي باتت فيه مصر هي المتضررة الرئيسية من حرب الحوثيين ضد إسرائيل، حيث أدخلت لها قناة السويس في السنة الماضية حوالي 9.5 مليار دولار، 34 في المئة أكثر مما في العام الذي سبقها، ربما تخسر معظم مداخيلها. رغم ذلك، ما زالت مصر مترددة. حسب رأيها، الانضمام لهذا التحالف برئاسة أمريكا ضد الحوثيين لا يتساوق مع جهودها في إظهار أنها مؤيدة لسكان غزة في ضائقتهم، وكدولة تريد التوسط من أجل التوصل إلى حل سياسي. الإمارات، شريكة السعودية في الحرب ضد الحوثيين، انسحبت من الساحة في نهاية 2019، ومنذ ذلك الحين، بعد التوقيع على اتفاقات تعاون مع إيران، تحررت من تهديد الحوثيين. وفي آب 2022 أعادت أبو ظبي فتح سفارتها في طهران وأصبحت الشريكة التجارية الأهم لإيران في الشرق الأوسط رغم تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
السعودية نفسها أيضاً لا تظهر أي حماسة للانضمام إلى التحالف الأمريكي بسبب الخوف، وبحق، من إمكانية أن تتحول مجدداً إلى هدف للحوثيين بعد أن منحها وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نيسان 2022 فترة هدوء طويلة.
تنشغل السعودية الآن في استكمال مسودة اتفاق سلام مع الحوثيين، وهي العملية التي تؤيدها الولايات المتحدة التي استجابت لطلب السعودية عدم تصعيد ردها ضد الحوثيين. يضاف إلى اعتبارات السعودية أيضاً رغبة في الحفاظ وحتى تحسين علاقاتها مع إيران، كما أعلن نائب وزير الخارجية أول أمس في لقاء ثلاثي في بكين مع نظيريه الإيراني والصيني.
أمام شبكة مصالح دول الخليج ومصر – الدول العربية الأساسية التي تضررت من نشاطات الجناح اليمني لمحور المقاومة – تقف الولايات المتحدة في مكان المنافسة وليس كدولة عظمى من شأن تعاون حلفائها أن يكون أمراً مفهوماً ضمناً.
في موازاة هذه القوى شريك رئيسي هو إيران، التي أعلن وزير الدفاع فيها محمد رضا آشتياني، أمس، بأن “التحالف الدولي المناهض للحوثيين قد يواجه مشكلات كبيرة إذا بدأ العمل في منطقة نتمتع فيها بالتفوق”. إذا سعت إيران حتى الآن لتقديم نفسها كمتفرج لا ينخرط عسكرياً في المشهد، سواء في غزة أو لبنان أو اليمن، ويبدو أنها تكتفي بالتعبير عن دعمها للمقاومة وللتحركات الدبلوماسية التي ستؤدي إلى وقف إطلاق النار، فإن تصريح آشتياني يضع إيران، للمرة الأولى، كدولة مواجهة مباشرة، ومنطقة البحر الأحمر كمنطقة نفوذ لإيران.
هذه الخطوة قد تكون لها تأثيرات بعيدة المدى في ساحة متفجرة أخرى، وهي الخليج الفارسي. الطريقة التي سترد فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها على تهديد الحوثيين في البحر الأحمر ستكون نقل رسالة حاسمة ضد تهديدات إيران والمس بالملاحة في مضيق هرمز. في تشرين الأول الماضي، هدد عضو البرلمان المحافظ حسن نيروزي، بأنه “إذا تدخلت الولايات المتحدة في الحرب في غزة… فستكون للمقاومة في الشرق الأوسط وغرب آسيا قوة للرد. ومن غير المستبعد أيضاً أنه يمكننا إغلاق المضيق. وإذا ساعدت الولايات المتحدة إسرائيل بشكل مباشر فسنغلق مضيق هرمز”.
هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها إيران التهديد ضد الملاحة في الخليج الفارسي، ولكن إذا كان هذا التهديد موجهاً لنشاطات أمريكية مباشرة ضد إيران، فإنها الآن تستخدم غزة والحوثيين كقاعدة لإطلاق هذا التهديد.
--------------------------------------------
هآرتس 17/12/2023
بعد اتهام الضحية.. جدعون ليفي: يخجلني أنني إسرائيلي
بقلم: جدعون ليفي
بن كسبيت هو الوسط الإسرائيلي. له بيت في “هود هشارون”، وهو عدو ليانون مغيل، وصحافي ذو علاقات، ومهم وناجح. في نهاية الأسبوع، كتب مدير عام “نحطم الصمت”، افنر غبرياهو، في “اكس”: “لا توجهوا أنظاركم، مراسلة “سي.ان.ان” ذهبت إلى جنوب القطاع وفتحت نافذة على جهنم غزة”. هكذا رد كسبيت، المعتدل والعقلاني في نظر نفسه: “لماذا نوجه الأنظار؟ هم كسبوا جهنم هذه بحق. ولا أملك ذرة تعاطف إزاءهم”، كسبيت كالعادة، يتكلم باسم التيار العام في إسرائيل.
7 آلاف طفل هم المذنبون بموتهم. 20 ألف شخص هم المسؤولون عن قتلهم. 2 مليون شخص تسببوا بتهجير أنفسهم. هكذا دائماً يتحدث الثري عن الفقراء، الناجح عن المتخلفين، المعافى عن المعاقين، القوي عن الضعفاء، الأشكنازي عن الشرقيين: هم الذين يتحملون الإثم بكونهم ضحايا. في إسرائيل بعد 7 تشرين الأول، يمكننا اتهام عشرات الرضع والأطفال بموتهم، دون أن يكون لإسرائيل أي ذرة من مسؤولية وذنب عن موتهم المخيف. في إسرائيل بعد 7 تشرين الأول يمكننا الشعور بأننا أبرياء من كل ذنب، لأن حماس هي التي بدأت الأعمال الفظيعة الأولى.
أرض مدمرة وكل سكانها يعيشون في جهنم، ومن جلب هذا الجحيم لا يتحمل أي ذنب حتى لو كان صغيراً أو بصورة مشتركة مع حماس. ولكن لا يوجد أي “مليغرام واحد من التعاطف” في قلب الإسرائيلي – العادي تجاه الأطفال مبتوري الأرجل كما جاء في المقال الشجاع والفظيع لغرليسا فيرد من داخل المستشفى في رفح. ليقطعوا الأرجل وليموت الأطفال وليتخلف الغزيون وليخنقوا في جهنم، لا علاقة لنا. هم يتحملون ذنب كارثته. عثر كسبيت هنا على شيء: الضحية هي المذنبة في وضعها.
اتركوا الذنب والمسؤولية جانباً، فكل ذلك ملقى على حماس، ولا شيء تتحمله إسرائيل، التي يهيج جنودها وطياروها في غزة منفلتي العقال. لا يد لنا في ذلك. الأساس هو عدم الشعور بأننا مذنبون بشيء. لكن الأمر بحاجة إلى قدر كبير من قسوة القلب والوحشية والبربرية، كي لا تشعر بالقليل من التعاطف مع الأطفال الذين يحتضرون، الأشخاص الذين يحتضرون على الأرض في المستشفيات، الأب الذي يصرخ فوق جثة ابنه، والطفل الذي يعلوه الغبار من أنقاض بيته ويبحث عن شخص ما في العالم، الناس الذين يعيشون في هذا الرعب واليأس وينقصهم كل شيء منذ شهرين، الجائعون والمرضى والمعاقون والمهجرون في غزة. حتى التعاطف محظور في نظر كسبيت وأمثاله كي لا يثور التفكير المحظور والخطير بوجود بشر يعيشون في غزة. مع ذلك، لا يمكنهم التعامل، فهذا يعتبر تجاوزاً خطيراً للحدود قد تظهر أفكار غريبة للإسرائيليين حول المسافة المسموح السير فيها نحو هدف محق وحول المسموح وبالأساس الممنوع في أي سيناريو.
هناك أمور محظورة في كل سيناريو: قتل 7 آلاف طفل في غضون شهرين مثلاً. الـ “بن كسبيتيون” يريدون التصفيق لجيش الأبطال ولا ينظرون لما تفعله أيديهم. الإنسانية ممنوعة – لأننا إسرائيليون. عندما يحدث زلزال في مكان ما في العالم نرسل المساعدات ونتفاخر، لكن القتل الجماعي في غزة لا يعنينا. الأخلاق الإسرائيلية في ذروتها، تستهدف التأكيد على أن مغيل وبن كسبيت يشعران برضا ذات إزاء ما يحدث في غزة.
في مؤتمر دولي عقد في نهاية الأسبوع الماضي في إسطنبول، قلت إنني لم أخجل في أي يوم بهذا القدر من أن أكون إسرائيلياً كما شعرت عندما شاهدت الصور من غزة. هذه الأقوال نشرت في موقع إسرائيلي شعبي للتسلية. وفي نهاية الأسبوع تلقيت آلاف المكالمات الهاتفية والشتائم الخطية. أحياناً يمكن معرفة شيء عن المجتمع حسب مياه المجاري فيه، معاً سننتصر. ولكن المسافة بين مياه المجاري التي تدفقت نحوي والأقوال التي من المفروض أن تكون لائقة بكسبيت، أقل مما هو متوقع. لا فرق بين كراهية العرب وتجريدهم من إنسانيتهم باللهجة الفظة للمتحرشين الأشرار وبين أقوال كسبيت المهذبة. إسرائيل السفلى وإسرائيل العلوية فقدت إنسانيتها. هذا سبب جيد للخجل من كونك إسرائيلياً.
--------------------------------------------
يديعوت أحرونوت 17/12/2023
بعد قتل الثلاثة “خطأ”.. للإسرائيليين: هل صدقتم نتنياهو حين قال “هذه هي الحياة”؟
بقلم: ناحوم برنياع
“مأساة”، يقول رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان، مأساة لا مثيل لها، يبكون مع العائلات ويعانقون مطلقي النار. سأحاول الخروج قليلاً عن الإجماع المعانق. في نظري، ما حصل الجمعة في حي الشجاعية لا يتلخص في كلمة مأساة. زميلنا رون بن يشاي كتب أمس في “Ynet”: “هذه ليست مأساة – هذه مهزلة”. وأسمح لنفسي بأن أعدل كلمة واحدة: ليست مأساة – بل جريمة. وكما ثبت التحقيق العسكري الإسرائيلي، كان هنا خرق مواظب لأوامر الجيش. كما كانت هنا جريمة حرب أيضاً: القانون الدولي واضح جداً في هذا الموضوع.
تقع حالات خلل في الحرب. والجرائم تقع. لم أكن في الشجاعية أول أمس، بل في أماكن أخرى كهذه، مشحونة بقدر لا يقل. أعتقد أني أعرف كيف ألاحظ بين الخلل والإهمال الإجرامي، وبين الخطأ والتسيب. ما وقع أول أمس في الشجاعية لم يكن خللاً.
ثلاثة مواطنين إسرائيليين تركهم آسروهم يخرجون إلى الشارع. يفهمون بأن حياتهم في خطر: للقوتين العسكريتين اللتين تحيطان بهم أصابع رشيقة على الزناد، كانوا خالعين قمصانهم ورافعين عصا تعلوها خرقة بيضاء، رافعين الأيادي. على الرغم من ذلك، مقاتل مسلح بناظور خاص يراهم جيداً، من فوق، من مسافة بضع عشرات الأمتار، يطلق النار عليهم كي يقتلهم. ثم يتبعهم جنود آخرون بالنار. حسب إحدى الروايات، ضابط هتف: “أوقفوا النار”. مطلقو النار لم يطيعوه. ينجح أحد المخطوفين الثلاثة في النجاة. يخرج، وعندها، وبأمر من ضابط كبير، يطلقون النار عليه فيقتلوه. هذا يحصل ليس بقرار لحظة وليس في عصف المعركة؛ هذه مسيرة متدحرجة. هذه هي الحقائق التي تصدر عن تحقيق الجيش الإسرائيلي. يتباهى الجيش أنه كشف تفاصيل التحقيق للجمهور، بخلاف الماضي. بالفعل، الجيش يستحق الثناء على هذا، لكن النشر ليس هو الأساس. أكدنا التعليمات، يضيف الجيش. ما معنى هذا بالضبط: “أكدنا” كلمة سمعناها مئات وآلاف المرات، عقب كل إخفاق لجسم سلطوي. يجب أن يكون التأكيد قبل الحدث وليس بعده.
مع كل الاحترام، هذا لا يكفي.
كتيبة 17، الكتيبة التي أطلقت النار تنتمي إلى لواء مدرسة القتال، مدرسة قادة الحظائر. السبت، بعد 24 ساعة من الحدث، نتوقع بياناً يقول إنهم سيتخذون إجراءات ضد قائد الكتيبة والضباط والجنود الذين المشاركين في قتل الثلاثة. لا شيء من هذا. ضابط كبير لم يعرف عن نفسه بالاسم، وعد المراسلين بأن الجيش سيحرص على تقديم المساعدة النفسية لمطلقي النار. هم يعيشون في صدمة ويجب معالجتها. الكتيبة ستواصل القتال، أضاف بفخار. الجيش الذي أبعد جنوداً سيطروا على مكبر صوت داخل مسجد، لن يمس جنوداً قتلوا ثلاثة من مخطوفينا. ما هذا التوازن؟
أصدر رئيس الأركان بياناً عقب الحدث. كما درج، فقد تحمل المسؤولية وكذا غالنت. في هذه الحالة، ليس لمسؤوليتهما معنى. لا أحد منهما يتوقع أن يتحمل المسؤولية عن كل حادثة إطلاق نار في الجيش الإسرائيلي. اعترف في بيانه عن خرق الأوامر، لكنه لم يتحفظ ولو بكلمة إزاء خارقي الأوامر. كان هذا في زمن القتال، قال رئيس الأركان وأخطأ.
نحن في حرب الآن، وقلوبنا مع المقاتلين، لكن لا منفعة من حب أعمى. وصف أفعالهم ذليل: عندما ينجحون يصبحون أبطالاً عظماء؛ وحين يفشلون هم كالأطفال. حتى لو أن ما يريد معظم الإسرائيليين أن يشعروا به الآن، فثمة مسؤولية لرئيس الأركان وللجيش تخرج عن المزاج العام. لا يمكن أن يتصرف الجيش مثلما تتصرف مجموعة معالجين. هناك أوامر وانضباط وإجراءات.
ثمة من يربط الحدث في الشجاعية والحدث في القدس. الخيط الذي يربط بينهما هو تجاهل ما تراه العيون، والاستخفاف بحياة الإنسان. ثمة من يربط الحدث بانعدام حذر الجيش في كل ما يتعلق بحياة المخطوفين. لست واثقاً بوجود رابط. لكن لا يحتمل أن يمر موت ثلاثة مواطنين أبرياء في صباح يوم صاف في ظروف لا جدال فيها، كما مر هكذا، بلا شيء، مثلما قال نتنياهو “هذه هي الحياة”. ليست هذه هي الحياة.
--------------------------------------------
هآرتس 17/12/2023
“اختفى” وسلم الميكروفون لهاغاري.. وعائلات المحتجزين: لا نثق بنتنياهو واستخباراته الفاشلة
بقلم: عاموس هرئيل
الحادثة القاسية التي جرت في الشجاعية كانت من اللحظات الحزينة، حزينة ومثيرة للإحباط؛ لأنها لحظات نادرة كان يمكن أن تنتهي بصورة مختلفة تماماً. ثلاثة من المخطوفين هم يوتم حاييم وألون شمريز من كيبوتس “كفار عزة” وتامر طلالقة من قرية حورة البدوية، نجحوا بطريقة ما في التحرر من الأسر والاقتراب من قوة الجيش الإسرائيلي في الحي، لكن لحظة الأمل والخلاص تحولت في ثوان إلى مأساة مخيفة عندما أطلق الجنود النار عليهم بالخطأ وقتلوهم.
من التحقيق الأولي في الحادثة كما عرض على عائلاتهم وفي وسائل الإعلام، تظهر صورة طويلة من الأخطاء المثيرة للقشعريرة. يبدو أن الجنود استخفوا بخرق التعليمات وبصورة كان يكتنفها الخطر على حياة المخطوفين، المدنيين بشكل عام. مع ذلك، يجب الأخذ في الحسبان أيضاً المحيط العملياتي الذي حدثت الحادثة فيه، حيث تجري في الشجاعية معارك قاسية منذ أسبوعين، والثلاثاء الماضي قتل 9 ضباط وجنود من لواء “غولاني” ومن وحدة الإنقاذ 669.
تحاول حماس قضم ذيل القوات بالتصادم من مسافة الصفر. في الأسبوع الماضي سجلت أحداث، في غزة وخان يونس، اقترب فيها فلسطينيون يرتدون الملابس المدنية من جنود الجيش الإسرائيلي وهم يرتدون أحزمة ناسفة وعبوات ناسفة. وأي عقاب انضباطي سيتخذ بحق من أطلقوا النار بالخطأ لن يزيد عن الألم الذي يرافقهم منذ الحادثة.
مهمة نقل البشرى الصعبة للجمهور مساء الجمعة ألقيت على المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، العميد دانييل هاجري. كان يصعب تفويت نظرة الألم على وجهه – كان من الصعب أيضاً نسيان من يختفي وراءه، دون الجرأة على التحدث بشكل مباشر مع الجمهور. لو أن انتهت الحادثة بإنقاذ بطولي للمخطوفين لما كان هناك شك أن يلقي رئيس الحكومة خطابه أمام الشعب حتى السبت، وكان سيتفاخر بأن سياسته الحازمة أمام الإرهاب هي فقط التي أدت لهذا الإنجاز.
لكن ما حدث العكس، ونتنياهو خلافاً للقائد، اختفى. اكتفى مكتبه بإصدار بيان خطي مقتضب فيه مشاركة في الحزن. على الأقل هاجري كان يمكن أن يكون على ثقة بأنه إذا حدثت تطورات إيجابية في القتال، فسيلتقط منه نتنياهو الميكروفون.
الصدمة والحزن إزاء الأنباء الواردة من الشجاعية أخرجت أبناء عائلات المخطوفين الباقين للعمل. أمس، جرت مظاهرة غاضبة أمام مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، بعد مرور أسبوعين على انهيار وقف إطلاق النار، عندما وصلت صفقة التبادل الأولى مع حماس إلى طريق مسدود، وتوقفت حماس عن إطلاق سراح عشرة من المخطوفين في اليوم مقابل تمديد الهدنة على الأرض. بعد ذلك، جرت الأمور بشكل بطيء في الطرفين؛ فحماس لم تسارع إلى استئناف المفاوضات، وفي هذا الأسبوع طلبت جهات رفيعة من حماس وقف كلي للقتال وانسحاب كل قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع شرطاً للبدء في المفاوضات.
وإسرائيل أيضاً لم تسارع بنفسها. نتنياهو يخشى من انهيار سياسي إذا خضع لصفقة “الجميع مقابل الجميع”، التي ستبيض السجون الإسرائيلية من السجناء الأمنيين الفلسطينيين. الجيش لا يريد وقف القتال مرة أخرى لعقد صفقة أخرى خوفاً من فقدان زخم الهجوم في شمال القطاع وجنوبه. اتخذت هيئة الأركان هذا الموقف قبل الصفقة الأولى، وتراجعت عنه تحت ضغط الجمهور. هذه المرة، يبدو أن مقاربته ضد الهدنة حازمة أكثر.
أهداف العملية الآن تصل مرة أخرى إلى التصادم. تصعب رؤية كيف يمكن تفكيك سلطة حماس وتحرير جميع المخطوفين من خلال صفقة. على الأقل على المدى الآني، من المرجح أن العملية الثانية ستقوي حماس بدلاً من إضعافها. هكذا نحن أمام وضع يسمع فيه الكثير من الشعارات الفارغة والقليل من التقدم الفعلي. مصدر سياسي قال إن رئيس الموساد دادي برنياع وحاكم قطر محمد الثاني، التقيا في أوروبا وتناقشا حول إطلاق سراح المخطوفين. وحسب تقرير نشر في “وول ستريت جورنال”، كان هدف اللقاء البدء بالتفاوض قبيل الاتفاق على صفقة لإطلاق سراح المخطوفين مقابل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين.
الصورة تتضح أكثر لعائلات المخطوفين وأصدقائهم؛ فهم لا يصدقون ذريعة نتنياهو ووزير الدفاع وكبار الجيش الإسرائيلي بأن استمرار الضغط العسكري السبيل الوحيد لصفقة جديدة وإطلاق سراح المخطوفين. وباستثناء إنقاذ الجندية اوري مغيدش في بداية العملية البرية، لم يتم تسجيل أي عمليات ناجحة لإسرائيل أدت إلى تحرير مخطوفين. المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية عن المخطوفين تبدو جزئية (قوات الجيش الإسرائيلي لم تعرف أن المخطوفين الثلاثة الذين قتلوا كانوا في الشجاعية. وحسب علمنا، لم يعط أحد توجيهات مسبقة للحذر من المس بهم). بعض المخطوفين الذين عادوا من الأسر قالوا إن هجمات الجيش الإسرائيلي عرضت حياتهم للخطر.
الأهم من ذلك، أن كل يوم في القطاع ينطوي على خطر لموت المخطوفين. مؤخراً، أعيد من القطاع خمس جثث لمخطوفين عثر عليها هناك بعد عمليات التفتيش. جثتان منها لجنود من وحدة الارتباط في معبر إيرز، وقد تم تصويرهم في غزة وهم على قيد الحياة بعد عملية الاختطاف. الاستنتاج، إما أن حماس تقتل المخطوفين بشكل متعمد، كما حدث في عدة مرات، أو أنهم يموتون جراء ظروف الأسر أو بسبب هجمات الجيش الإسرائيلي. كل ذلك يثير خوفاً في أوساط العائلات ويزيد مطالبتها بإطلاق سراحهم بأي شروط.
إن الضغط الداخلي في إسرائيل يشجع قيادة حماس في القطاع برئاسة يحيى السنوار. ورغم تقدم قوات الجيش الإسرائيلي، فحماس لم تنهر حتى الآن، والدمج بين ضائقة المخطوفين وتوقع أمريكا من تغيير إسرائيل مضمون العملية في القطاع قريباً، يحثها على مواصلة الصمود. خسائر حماس مرتفعة، وحجم الضرر أيضاً الذي أصاب بناها التحتية العسكرية والمدنية في القطاع كبير. ولكن الضغط الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي لن يؤدي بالضرورة إلى استسلام قريب.
رقعة الثمن
زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، لإسرائيل الخميس، مكنت من تحقيق فهم أفضل للفجوة بين المواقف الأمريكية والإسرائيلية. فقد عبر سوليفان عن دعم إسرائيل وحربها العادلة ضد حماس، لكنه طلب أن تقلص إسرائيل حجم قواتها وتغير طبيعة الهجوم في القطاع خلال ثلاثة أسابيع.
سياسياً، يعتقد نتنياهو أنه من المفيد مواجهة الإدارة الأمريكية حتى يعيد لنفسه تأييد ناخبي اليمين الذين يريدون مواصلة الحرب حتى هزيمة حماس. وعملياً، من غير الواضح أن لديه جدولاً زمنياً كهذا. في هذه الأثناء، يهاجم رئيس الحكومة في الخارج ويستسلم في الداخل. بعد أن صرح بعدم دخول أي نقطة وقود إلى القطاع، فالوقود يصل بشكل ثابت وبكمية غير قليلة بضغط من أمريكا وبموافقة إسرائيل.
أرسل نتنياهو أمس أيضاً هيئة الأمن القومي لإصدار بيان غريب ومضلل حول نقل البضائع من مصر إلى القطاع في معبر كرم أبو سالم الواقع في أراضي إسرائيل. التراجع الإسرائيلي حول هذا الشأن عرض كجزء من المفاوضات على تبادل المخطوفين رغم أن المرحلة الأولية للصفقة انهارت في 1 كانون الأول. فعلياً، يبدو أنه لم يكن من خيار إلا الموافقة على طلب المجتمع الدولي. ولكن الأمر المغضب هو محاولته المستمرة لتضليل الجمهور في كل خطوة وشبر.
قدرة أمريكا على المساومة أمام إسرائيل تتعزز أكثر إزاء اعتماد الجيش الإسرائيلي على السلاح وعلى الاحتياط من الإنتاج الأمريكي. هبطت في البلاد هذا الأسبوع طائرات نقل أمريكية كبيرة أنزلت معدات وسلاحاً من أجل الحرب في القطاع، ومن أجل تعزيز قدرة الجيش الإسرائيلي على سيناريو حرب ضد “حزب الله” في لبنان. السخاء وحسن النية من قبل واشنطن لها ثمن؛ فعلى الحكومة تنسيق الخطوات مع الإدارة الأمريكية وأخذ مواقفها في الحسبان. هذا بالتأكيد صحيح عندما تتفاقم الأزمة الإقليمية وتشمل تشويشاً ممنهجاً للملاحة في البحر الأحمر إزاء هجمات الحوثيين في اليمن، التي تتم بتعليمات من إيران.
---------------------------------------------
هآرتس 17/12/2023
اليهود في إسرائيل: الفلسطينيون شعب زائد عن الحاجة
بقلم: عميره هاس
قطاع غزة آخذ في الاختفاء، بعائلاته وأناسه وأطفاله، بابتساماتهم وضحكهم. ما الذي يمكن معظم سكان الدولة اليهودية من تأييد المحو الممنهج والجماعي هذا، ورؤية ذلك وكأنه رد وحيد مناسب على المذبحة التي نفذها أعضاء حماس ومرافقوهم، وعلى الإهانة العسكرية التي تعرضت لها إسرائيل، وعلى المعاناة التي لا يمكن وصفها للمخطوفين والمصابين والناجين وعائلاتهم وعائلات مئات القتلى؟
جيش الدفاع الإسرائيلي يقوم بمحو مدن غزة، شوارعها، بلداتها، حقولها، بساتينها الرائعة، أزقة مخيمات اللاجئين الموجودة فيها، متنزه الشاطئ، المؤسسات، الجامعات والمواقع الأثرية. والبنية العسكرية لحماس تم تدميرها، وربما سيتم تدميرها بالكامل، آلاف المسلحين فيها قتلوا أو سيقتلون. حماس وقادتها سيتعافون ويزدهرون، في كل مجتمع ومكان يستمر فيه محو غزة واشتعاله.
لماذا لم ينصدم معظم اليهود في إسرائيل من قتلنا لحوالي 7 آلاف طفل (عدد مؤقت) خلال شهرين بمساعدة القنابل المتقدمة التي زودتنا بها الولايات المتحدة؟ لماذا لم يختنق معظم اليهود خوفاً من حشر 1.8 أو 1.9 مليون نسمة في منطقة مساحتها حوالي 120 كم مربع، تتعرض للقصف بشكل مستمر؟ لماذا لا يصرخ اليهود عندما يسمعون تقارير عن تجويع 2.2 مليون فلسطيني، وأمراض تنتشر بسبب الاكتظاظ وعدم وجود المياه والمستشفيات؟ ما الذي يمكن من محو الأطفال وذبحهم بشكل جماعي بمشاركتنا الإيجابية والسلبية؟ هاكم بعض الإجابات.
التربية على إيمان مطلق بقدرة حصرية لقوة عسكرية طوال على ضمان وجود الدولة وازدهارها، مع حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه.
محو أي “صلة” بجعلها التحريض المرادف لدعم حماس وتبرير فظائعها.
الاحتقار الذي أخذناه نحن اليهود عن مفهوم المعاناة الذي تتسبب به وحشية الآخر.
اختيار عدم معرفة ومشاهدة الصور التي يصعب تحملها، التي تظهر الأطفال الفلسطينيين وهم يرتجفون ووجوههم مغطاة بالرماد ويتم إنقاذهم من بين الأنقاض. ولا نعرف من هو الأكثر حظاً، هل هم أم الذين قتلوا.
كل قتل جماعي أو تدريجي ننفذه ضد الفلسطينيين منذ سنوات وكل سلب وإهانة وتنكيل، كل ذلك يمر في المصفاة الإعلامية والنفسية والأكاديمية. المنتج المطلوب هو إقناع الذات بأن وضعهم أفضل من وضع الصوماليين أو السوريين. لذلك، يجب ألا يتذمروا.
تذكر كل مذبحة ارتكبها ضدنا الفلسطينيون، ونسيان كل مذبحة ارتكبناها نحن ضدهم.
الاعتياد على العيش بسلام وهدوء، على بعد خمس دقائق عن ساحتنا الخلفية، التي تقوم فيها إسرائيل (نحن) بتدمير بيوت الفلسطينيين ونبني لليهود، ونضخ المياه لنا ونعطّش الفلسطينيين. وكل ما بقي فهو مكتوب في تقارير “موكيد” للدفاع عن الفرد و”بتسيلم” و”عدالة”.
استمرار تجاهل تحذيرات فلسطينيين “معتدلين” من أن سرقة الأراضي وعنف المستوطنين بمساعدة الدولة هي أمور تقلص أفق أولادهم وتولد اليأس، فتجعلهم لا يؤمنون إلا بالقوة والسلاح والثأر.
النظرة الأساسية للعالم: الفلسطينيون مخربون لأنهم هكذا. ولدوا ولديهم جينات كراهيتنا.
إقناع الذات بأننا ديمقراطية رغم أننا نحكم ملايين الرعايا دون إعطائهم الحقوق المدنية، ونسيطر على أراضيهم واقتصادهم.
الاستهانة العنصرية العميقة بالفلسطينيين التي طورناها لتبرير معرفي ونفسي لسحقهم تحت الأرجل.
إنكار التاريخ الفلسطيني وجذرية الوجود الفلسطيني بين النهر والبحر.
إمكانية محو غزة، لأننا فوتنا الفرص التي عرضها علينا الفلسطينيون منذ 1994، مثل التخلي عن ملامحنا ككيان للسلب والاستيطان، وإعطائهم دولة على 22 في المئة من الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن. كتبت في تموز 2021: “في الحديث الانفعالي عن الأبرتهايد يختفي ويشحب البعد الديناميكي النشط والخطير، الذي هو الكولونيالية الاستيطانية اليهودية. الحديث يدور عن أيديولوجيا تبين أن الفلسطينيين “زائدون”. ويدور الحديث عن أفعال شكلت هذه الأيديولوجيا، التي تتشكل بإلهامها وتغذيها. باختصار، يمكن ومن الجدير ومن المرغوب فيه أن يكون ذلك بدون الفلسطينيين. وجودهم هنا مشروط، مثل المنّة وليس كحق، يعتمد على إرادتنا وحسن نوايانا، هذه مسألة وقت. أيديولوجيا “الزيادة سم ينتشر عندما تصل عملية الاستيطان التهجيري للذروة. الكولونيالية الاستيطانية هي في حركة دائمة من السيطرة على الأراضي وتقليص الحدود التاريخية وإعادة تشكيل وطرد السكان الأصليين”.
لقد تطرقت في حينه إلى “عدم لزوم الفلسطينيين في الضفة الغربية”. وحذرت من نوايا طردهم. وقد اعتقدت أن النظرة إلى سكان غزة بأنهم غير ضروريين اقتصرت على عزلهم عن عائلاتهم الذين هم خلف حاجز ايرز. ولكن هاكم الآن “الزيادة” تنعكس في طردهم (“طوعاً” في ظل عمليات القصف). بمحو الغزيين جسدياً وبخطط لاستئناف الاستيطان اليهودي في القطاع. الويل لهم والويل لنا.
--------------------------------------------
معاريف 17/12/2023
محظور التشويش
بقلم: د. حاييم مسغاف
صور الشهداء التي تنشر كل صباح تقريبا، تخرجني عن توازني. من جهة، عائلات الجنود الذين سقطوا في المعركة؛ ومن جهة أخرى عائلات المخطوفين الذين ما يزالون يحتجزون في قطاع غزة.
لا يوجد أي سبيل للجسر بين ضائقة هؤلاء وبين معاناة أولئك. القتال عنيد، ولا يمكن وقفه دون ان يؤدي هذا الى الانهيار التام لكل ما بني هنا منذ 1948. كل شيء يوجد في هذه اللحظة على كفة الميزان – واذا لم نكمل المهمة الان، بفضل التفاني الذي لا ينتهي لجنودنا، فان جسارة اعدائنا ستفيض – واصدقاؤنا أيضا سيفقدون، على نحو شبه مؤكد، صبرهم.
الى جانب ذلك لا يجب أن نتجاهل، بالطبع، رغبة أقرباء المخطوفين في أن يعودوا ليروهم في البيت. المعضلة شديدة، لاعتبارات واضحة. الضائقة تمزق القلب – ومع ذلك من المهم ان نقول هذا بصوت جلي: لا يجب الهروب من الحسم.
في إسرائيل يعيش اليوم اكثر من سبعة ملايين يهودي، وكثيرون آخرون يدقون أبوابها. ملايين اليهود في كل العالم يوجهون الان نظرهم نحو المكان الذي يفترض به ان يشكل لهم ملجأ عند الضائقة. وحتى لو هاجر بعضهم فقط الى هنا، فان مجرد المعرفة بانه يوجد مكان مستعد لان يستوعبهم، يضيف القوة للكثيرين منهم. هم لا يسعون الى إخفاء محبتهم للدولة اليهودية. في مظاهرات التأييد يرفعون اعلام الأزرق – الأبيض.
ليس مثلما سعى النازيون للتخلص من اليهود – ودول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، رفضت استيعابهم – الان توجد دولة واحدة، لن تغلق أبوابها ابدا في وجه اليهود. لكن لا يكفي هذا – على الدولة اليهودية أن ترى بان بوسعها ان تحمي كل أولئك الذين يسعون الى المجيء الى أبوابها، والطريق الوحيد لان نري العالم هذا هو المحو العملي لكل أولئك الذين فعلوا كل ما فعلوه في السبت الأسود.
اعرف انه يوجد الكثير، في اوساطنا أيضا، مجرد فكرة "دولة يهودية" تبعث الاشمئزاز فيهم. فقد كانوا يريدون اجمالا ان يسكنوا في "دولة غربية". الليبرالية – التقدمية المهزوزة تسحرهم مثلما سحرت اليهود الذين سكنوا في أوروبا بين الحربين العالميتين. الكثيرون منهم سعوا لان يندمجوا بين جيرانهم غير اليهود. هذه الجهود لم تنجح ابدا. كل دول أوروبا، الى هذا الحد أن ذاك، تعاونت فقط في موضوع واحد: الرغبة في التخلص من اليهود. في معسكرات الإبادة التي بنيت على أراضي بولندا مثلا، لم يخدم الالمان فقط.
سمعت الرئيسات الثلاث للجامعات الرائدة في الولايات المتحدة للاستماع الذي اجري لهن. كل الثلاثة لم يتحفظن من الدعوة لابادة اليهود. الإيرانيون بالتأكيد كان يمكنهم ان يستمدوا الراحة من هذا النقاش. فهم منذ سنين يتحدثون عن إبادة "الدولة الصهيونية". حماس، لو أتيح لها فقط، لكانت واصلت حتى قلب المدن في غوش دان. ليس كثيرون مستعدين لان يعترفوا بهذا، وبالتأكيد ليس في استديوهات الثرثرة.
---------------------------------------------
معاريف 17/12/2023
صفقة لتحرير المخطوفين
بقلم: آنا برسكي وآخرين
التقى رئيس الموساد دادي برنياع في ليل السبت في أوسلو مع رئيس وزراء قطر لأجل البحث في صفقة مخطوفين. في وقت سابق من هذا الأسبوع افاد الصحفي مجدي حلبي بأن قطر وإسرائيل يجريان اتصالات سرية في إحدى العواصم الأوروبية حول صفقة لتحرير مزيد من المخطوفين. ومع ذلك في إسرائيل نفوا الامر.
وحسب التقرير فان الصفقة كفيلة بان تتضمن أطفالا، نساء ورجالا، وبالمقابل تحرر إسرائيل نحو 300 سجين فلسطيني وبينهم أيضا 10 سجناء قدامى يقضون فترة حبس طويلة في إسرائيل. أحدهم، حسب التقرير، هو مروان البرغوثي.
وقال مسؤولون كبار في حماس لقناة "العربية" بانهم ابلغوا الوسطاء بان شرطهم لاستئناف المفاوضات هو وقف نار شامل. وذلك بعد أن رفضت مصادر في حماس بزعمها اقتراحا إسرائيليا بوقف نار مؤقت لاجل تنفيذ صفقة اسرى.
والقى الناطق بلسان الذراع العسكري للمنظمة امس خطابا ونشر صورة لاحدى المخطوفات التي سبق أن تحررت من الاسر، وكتب عليها "الخيار لكم ان اردتموهم بالتوابيت أم على قيد الحياة". وقال في خطابه: "إن العدو ما يزال يراهن على حياة جنوده الاسرى لدى المنظمة دون أن يهتم بمشاعر عائلاتهم. وامس، اعدم العدو ثلاثة منهم عن عمد، وفضل قتلهم بدلا من تحريرهم. إن هذا السلوك الإجرامي الذي تتخذه إسرائيل يتواصل ضد الأسرى في غزة في محاولة يائسة لإعفائه من هذا الملف".
---------------------------------------------
طوفان الأقصى... الموقف اليوم الأحد: 17/12/2023 الساعة: 08:00
عبدالله أمين
خبير عسكري وأمني
أولاً: الموقف
في اليوم 71 لبدء الحرب على غزة؛ ما زال العدو يشن هجومه البري والجوي والبحري على مختلف مناطق العمليات في مسرح القتال. كما بقيت المقاومة الفلسطينية تتعرض للعدو على كافة محاور القتال، خاصة في منطقة عمليات مدينة غزة، كما وتتصدى لمحاولات تقدمه في مناطق جنوب الوادي، خاصة منطقة خان يونس التي تحولت إلى منطقة جهد رئيسي للعدو. أما في تفصيل موقف في الـ 24 ساعة الماضية:
ففي صفحة العدو القتالية؛ عاد العدو للعمل في معظم مناطق مدينة غزة، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ، باستخدام التشكيلات القتالية التي تم ذكرها في موقف 8/12/2023، بالإضافة إلى كتيبة " كركال 33" التي انضمت إلى الجهد القتالي في الأيام الماضية.
كما أدام العدو عملياته القتالية عبر الإجراءات التالية:
- تحليق مكثف للطائرات المقاتلة والمسيرة في جميع أجواء مسرح العمليات، يصحبه قصف مدفعي وجوي لمعظم مدن ومخيمات قطاع غزة، من الشمال فالوسط حتى الجنوب.
- قصف عنيف بري وبحري على المنطقة الوسطى من قطاع غزة / دير البلح، النصيرات، البريج، في جهد ثانوي لتثبيت تشكيلات المقاومة العاملة في منطقة المسؤولية.
- الضغط على قلب مدينة خان يونس / منطقة الجهد الرئيسي، عبر محاور القتال من الشمال / القرارة، والشرق / عبسان والغرب، وقصف الأحياء والمخيمات المحيطة بها. هذا وقد تركز قصف العدو بالأمس على قلب المدينة وشرقها / عبسان وبني سهيلة، كما لم تسلم مناطقها الساحلية من القصف المعادي، كما تجدر الإشارة هنا إلى أن العدو استخدم بالأمس طائرات "الكوابكبتر " في استهدافه الموطنين في منطقة خان يونس.
- قصف الأحياء والحارات الداخلية في مدينة غزة: الزيتون، مخيم جباليا، الشاطئ، الصبرة،، الدرج، الرضوان، التفاح، الشجاعية، مشروع بيت لاهيا، النصيرات، ومخيمي البريج المغازي الذين قصفتهما مدفعية العدو بالأمس.
- قطع العدو الطريق الواصل بين محافظتي، دير البلح وخان يونس، والطريق الموصل بين خان يونس ورفح.
- زيادة زخم وتركيز ناره على مدينة رفح ومحيطها، حيث استهدفت بالأمس برشقات مدفعية متفرقة.
- خروج مظاهرات لعوائل أسرى العدو لدى المقاومة، أمام مقر رئاسة هيئة الأركان للمطالبة بعقد صفقة لتحرير ذويهم، بعد مقتل 3 منهم على يد قوات العدو في منطقة الشجاعية.
- هذا وقد قصف العدو قواعدنار استهدفت قواته في شمال فلسطين المحتلة في: يارون، عيترون، ميس الجبل، جبل الباط، اللبونة، حامول، العباسية، طير حرفا، كونين، حولا، الخيام، كما مشتطت رشاشاته الثقيلة محيط رويسات العلم والسماقة.
وعلى صلة؛ فقد اعترف العدو بمقتل وإصابة 33 من جنوده في معارك غزة، كما أفادت تصريحات العدو أنه قتل من جنوده 20 جندياً في الأسبوع الأخير من القتال. وعلى صلة فقد اعترف العدو بالأمس بمقتل جندي وإصابة ثلاث آخرين جراء قصف حزب الله أحد ثكناته في شمال فلسطين. وفي تصريح لافت؛ ذكر أحد قادة لواء "جولاني" السابقين أن اللواء خسر ربع قدراته القتالية في العمليات الدائرة في قطاع غزة.
وفي صفحة المقاومة القتالية؛ فما زالت المقاومة مشتبكة مع العدو على مختلف محاور القتال في مسرح عمليات قطاع غزة، إلّا أن أعنف المعارك في الـ 24 ساعة الماضية شهدها محور الشجاعية وجباليا وبيت لاهيا شمالاً، وخان يونس جنوباً، وفي التفصيل:
- اشتباكات عنيفة مع العدو على محاور بيت لاهيا، وحي الزيتون والرضوان الذي أفادت بيانات المقاومة أنها قنصت على محاورهما 5 من جنود العدو، ومنطقة جباليا، وحي الشيخ رضوان الذي ذكرت بيانات المقاومة أنها استهدف آليات وناقلات الجنود معادية العاملة على هذا المحور بالقذائف المضادة للدروع العبوات الناسفة.
- معارك عنيفة مع العدو على محور بين حانون.
- قصف تجمعات العدو في منطقة جحر الديك بقذائف الهاون.
- اشتباكات عنيفة على كامل محاور عمل العدو في محافظة خان يونس، حيث استهدفت المقاومة 6 دبابات وناقلات جنود على محاورها، كما فجر المقاومون عبوة من نوع "رعد" في قوة مشاة معادية مكونة من 7 جنود.
- قصف مغتصبات على غلاف غزة / سدروت، صوفا، كيسوفيم.
- هذا وقد أفاد الناطق باسم كتائب الشهيد عزالدين القسام في خطاب مسجل بالأمس أن المقاومة قد أعطبت أو دمرت في الـ 5 أيام الماضية ما لا يقل عن 100 آلية معادية.
هذا وقد استهدفت المقاومة الإسلامية في لبنان "حزب الله" في الـ 24 ساعة الماضية مواقع العدو الإسرائيلي في: بريكة ريشة بالصواريخ الموجهة، ثكنة راميم ومرغليوت بالطائرات المسيرة، المطلة، المنارة، حرج راميم. كما أفادت المعلومات القادمة من اليمن أن القوات المسلحة اليمنية قصفت أهدافاً في إم الرشراش المحتلة بالطائرات المسيرة، كما قصفت المقاومة العراقية قواعد العدو الأمريكي في المالكية شرق سوريا، وفي حقلي العمر وكنكو النفطيين، بالطائرات المسيرة.
وفي الضفة الغربية؛ فقد اقتحمت قوات العدو يطا، ومخيم العروب / الخليل، ضاحية الشويكة ومخيم نور شمس / طول كرم، عناتا / القدس، ومنطقة الخضر في بيت لحم، حيث بلغت حصيلة اقتحامات العدو لمدن الضفة ومخيماتها بالأمس الـ 6 شهداء.
وفي الدعم الشعبي للمقاومة وأهلنا في غزة؛ لا زالت تجوب المدن والعواصم على شكل:
- مظاهرات ومسيرات.
- اعتصامات ووقفات أمام بعض المقار والممثليات.
- ندوات وخطب ولقاءات.
وفي الجهود السياسية؛ لم تفض الجهود السياسية إلى أي نتيجة تنعكس إيجاباً على أهلنا المحاصرين في غزة، حيث ما زال العدوين الأمريكي والصهيوني على موقفيهما الرافض لأي وقف إطلاق نار دائم أو مؤقت، أو عقد هدنة إنسانية. إلا أن حديثاً بدء يصدر عن مصادر صحفية في الكيان المؤقت؛ الذي عقد وزير دفاعه بالأمس؛ وفي يوم عطلتهم المقدس - السبت - جلسة تقدير شارك فيها رؤساء أجهزته الأمنية، وبحضور رئيس هيئة الأركان. كما أفادت المعلومات أن رئيس الموساد الذي فُوض من رئيس وزراء الكيان المؤقت، قد عقد لقاء مع رئيس الوزراء القطري في دولة أوربية لبحث موضوع استئناف تبادل الأسرى، الأمر الذي لم يرشح عنه مزيداً من المعلومات أو المعطيات. وفي سياق متصل؛ فقد أعادت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التذكير بأن لا مفاوضات لتبادل الأسرى قبل وقف العدوان على أهلنا وشعبنا في قطاع غزة.
ثانياً: التحليل والتقدير
ما زال العدو عالقاً في جبهة شمال قطاع غزة، حيث لم يستطيع حتى كتابة هذه الموقف إنهاء أو وقف تعرض تشكيلات المقاومة على قواته، أو استهدافها له؛ فقد بقي إطلاق الصواريخ على غلاف غزة، والاشتباكات اليومية، وبمختلف تكتيكات القتال مع قواته العاملة في بقع العمليات، بقيت مستمرة وبشكل مؤثر ويومي، الأمر الذي منع العدو من تحرير بعضاً من قواته، والدفع بها للعمل على محور مدينة خان يونس محور الجهد الرئيسي لقتال العدو، والتي يناور على محاورها من الشمال والشرق والغرب، كما بدأ بتركيز النار على قلب المدينة ووسطها. كما بدأ العدو بتشغيل مزيد من قدراته القتالية في التعرض على مدينة رفح أقصى جنوب القطاع.
هذا وقد أبدت، وتبدي المقاومة شراسة ظاهرة في التصدي للعدو على كافة المحاور، وفي كامل مناطق المسؤولية في مسرح عمليات قطاع غزة. كما أنها بقيت قادرة على تشغيل قدرات نارية، مستهدفة غلاف غزة وعمق فلسطين المحتلة، موقعة خسائر فادحة بقوات العدو ومعداته، الأمر الذي يشي بأن تشكيلاتها ما زالت تمتلك من قدرات القتال، ووسائط السيطرة، ما يشكل تهديداً ذا مصداقية على قوات مناورة العدو في مختلف بقع القتال في مسرح العمليات، كما يمنعه من تقديم صورة نصر حقيقي - تحرير أسرى، تحييد قيادات وازنة، منع تشغيل قدرات نارية ضد العمق الفلسطيني المحتل - يبحث عنه منذ بدء حربه على غزة في 7/10/2023.
وعليه وأمام هذه المعطيات، فإننا نعتقد أن الموقف في الـ 24 ساعة القادمة سوف يكون على النحو الآتي:
1. زيادة تركيز نار العدو ومناورته على محافظة خان يونس، في محاولة لاختراق أحيائها الداخلية بحيث يُضيّق هامش المناورة على تشكلات المقاومة، وما يعتقد أنه مركز ثقلها السياسي، الأمر الذي يتطلب من تشكيلات المقاومة العاملة في منطقة المسؤولية هذه من إجراءات الأمن للمحافظة على الأصول البشرية والمادية لها.
2. بقاء العدو عاملاً في منطقة شمال غزة بهدف إخماد بؤر التهديد أو تقليص خطرها، وتحييد ما يمكن من أصول بشرية ومادية للمقاومة فيها.
3. تخصيص قدرات نار ومناورة معادية للتعامل مع تشكيلات المقاومة العاملة في المنطقة الوسطى من قطاع غزة، وفي مدينة رفح جنوباً.
4. قد يعمد العدو إلى القيام بعمليات إنزال جوي في المناطق الغربية أو الشرقية لمدينة خان يونس، الأمر الذي يجب التنبه له، وتخصيص جهود نارية وهندسية مسبقة، لمنع العدو من تحقيق هدفه هذا، حال قرر السير بمثل هذا الخيار.
5. نعتقد أنه وبعد وقوع عدد كبير من القتلى في صفوف العدو، ومن مختلف الرتب والتشكيلات، أنه - العدو - سوف يعيد تقيم مناورته البرية، وطرق تشغيل سلاح المشاة فيها، بحيث يزيد من استخدام نار التمهيد والاخماد، ومن مختلف الصنوف، قبل دفع جنود المشاة إلى المناطق السكنية للتعامل مع أهداف فيها، الأمر الذي يتطلب من تشكيلات المقاومة نقاط التأمين التي جئنا على ذكرها في موقف 14/12/2023.
6. بقاء المقاومة الإسلامية في شمال فلسطين المحتلة - حزب الله - مشتبكة مع العدو بمختلف صنوف النار، وفي كامل المنطقة الحدودية، من رأس الناقورة غرباً، وحتى العرقوب شمالاً.
7. استئناف المقاومة العراقية في ساحة العراق وسوريا، استهدافها لقواعد ومقرات العدو الأمريكي بصنوف النار المناسبة.
8. استئناف " أنصار الله " في اليمن اشتباكهم مع العدو الصهيوني بنيران الصواريخ أو المسيرات المتوجهة نحو أهداف في العمق الفلسطيني، والتعرض لقطعه البحرية في البحر الأحمر.
9. لا نعتقد أن الجهود السياسية ستفضي إلى توقف الأعمال القتالية، أو هدنة، أو وقف دائم لإطلاق النار.
------------------انتهت النشرة-----------------
أضف تعليق