25 تشرين الثاني 2024 الساعة 08:44

عـن فـلـسـطـيـنـيـي ١٩٤٨..

2023-12-10 عدد القراءات : 189
عمرو حمزاوي

طوال الأسابيع الثقيلة الماضية للحرب في غزة تردد السؤال عن أحوال المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، أي داخل حدود ١٩٤٨، وعن موقفه مما يتعرض له الفلسطينيون والفلسطينيات في القطاع وأيضاً في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين.
تواترت أيضاً تساؤلات بشأن أسباب عزوف المجتمع الفلسطيني في الداخل عن الاحتجاج على الحرب والعنف اللذين تمارسهما الحكومة الإسرائيلية والمستوطنون المتطرفون.
التقيت على مدار اليومين الماضيين في العاصمة الأردنية عمان، وذلك في إطار ورشة بحثية نظمها كل من معهد السياسة والمجتمع في الجامعة الأردنية وبرنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي حول التداعيات المحلية للحرب في فلسطين وإسرائيل وتداعياتها في مصر والأردن ولبنان وسورية، التقيت بعدد من المحامين والباحثين والسياسيين القادمين من المدن ذات الكثافة السكانية الفلسطينية المرتفعة كحيفا ويافا والناصرة والذين فصلوا في شرح مواقفهم مما يدور ورؤيتهم للمستقبل.
• • •
فيما خص غياب احتجاجات فلسطينيي ١٩٤٨ منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، أشار البعض إلى أن الحكومة الإسرائيلية تطبق العديد من الإجراءات التعسفية كالاعتقال الإداري للمحتجين واتخاذ إجراءات قانونية عقابية بحقهم وفصلهم عن أعمالهم تارة وإيقافهم تارة أخرى.
كما أشار البعض الآخر إلى الضغوط المتزايدة التي يتعرضون لها من قبل المجتمع اليهودي داخل إسرائيل الذي صار إما يتخوف من المجتمع الفلسطيني ويتوقع منه اعتداءات وعنفاً أو يبتعد عنه بالكامل، وفي الحالتين تُشن حملات كراهية ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي على فلسطينيي ١٩٤٨ ويُتهمون جماعياً بالفرح لقتل الإسرائيليين وبتأييد حماس والفصائل الأخرى ويُحرّض ضدهم.
وبين الإجراءات التعسفية للحكومة وخطاب الكراهية والتحريض المنتشر شعبياً، يبدو أن الفلسطينيين داخل إسرائيل تجنبوا الاحتجاج في المساحات العامة بحثاً عن الخروج من الموجة الراهنة بأقل الخسائر.
ويرتبط غياب الاحتجاجات الشعبية بفهم المجتمع الفلسطيني لتداعيات ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ على إسرائيل التي تشعر أغلبية مواطناتها ومواطنيها اليهود بأن ما حدث هو «هولوكوست اليوم الواحد» الذي أسقط في ساعات قليلة عدداً من القتلى اليهود لم يحدث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتوقف جرائم الإبادة التي ارتكبها النازي بين ١٩٣٩ و١٩٤٥.
دفعت الصدمة الجماعية هذه الفلسطينيين والفلسطينيات في الداخل إلى الابتعاد عن استفزاز مشاعر المجتمع اليهودي باحتجاجات واسعة أو تحركات جماهيرية ضد الجرائم التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في غزة وضد عنف المستوطنين في الضفة الغربية.
غير أن غياب الاحتجاجات الشعبية والتحركات الجماهيرية لا يعني غياب المواقف السياسية الرافضة للحرب في غزة والتي تأتي من عديد الأحزاب التي شكلها المجتمع الفلسطيني ولبعضها مقاعد في البرلمان الإسرائيلي، الكنيست.
في هذا السياق، أصدرت أحزاب اليسار ويسار الوسط الفلسطينية العديد من البيانات الرافضة لما يجري في غزة والضفة والمطالبة بتوظيف الوسائل الدستورية والقانونية والسياسية المتاحة لمحاسبة حكومة الحرب بقيادة بنيامين نتنياهو على الجرائم المرتكبة.
ورغم كون الرأي العام الإسرائيلي ليس في وارد المطالبة بمحاسبة الحكومة على قتل الناس في غزة أو على توفير الحماية للمستوطنين المتطرفين في الضفة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، بل فقط في وارد التشديد على حتمية محاسبة نتنياهو وحكومته على الإخفاق في منع هجمات ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ والإخفاق في إعادة جميع الرهائن إلى إسرائيل، رغم ذلك تظل المواقف السياسية التي تتخذها الأحزاب الفلسطينية داخل إسرائيل مهمة ومؤثرة بتعبيرها عن التضامن مع أخواتهم وإخوانهم في غزة والضفة والقدس وعن وحدة القضية الفلسطينية بين أراضي ١٩٤٨ والأراضي المحتلة في ١٩٦٧ والمهاجر المختلفة التي ذهب إليها الفلسطينيون في الإقليم وفي العالم.
• • •
يشعر المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل بخيبة أمل كبيرة في حصاد عملية السلام التي أطلقت في تسعينيات القرن العشرين ولم تنتج إلى اليوم الدولة الفلسطينية الموعودة. ويشعرون بخيبة أمل أكبر لكون عملية السلام، وبصرف النظر عن عدم اكتمالها وعن تنصل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من تطبيق البنود المتفق عليها وتعويق حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني والتحايل على وعد دولته المستقلة، همشتهم منذ البداية ولم تنظر إليهم سوى كمواطنين لإسرائيل لا يسألون عن مدى رغبتهم في البقاء داخل الدولة العبرية أو في الرحيل إلى الدولة الفلسطينية حين تُعلن ويعترف بها دولياً وتستقر أوضاعها.
هذا التجاهل العميق لحقوق المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل يؤلم أفراده ويجعلهم في حيرة من أمرهم بشأن قضايا الهوية والانتماء والمكان.
وقضايا الهوية والانتماء والمكان ليست قضايا نظرية كما أنها ليست من الترف السياسي في شيء، بل هي في صلب ما يواجهه المجتمع الفلسطيني ويتخوف منه وهو يتابع الصعود المستمر لليمين الديني واليمين المتطرف في إسرائيل، وتداعيات ذلك على تشكيل الحكومات وعلى القوانين والسياسات المطبقة.
يدرك فلسطينيو الداخل جيداً أن اليمين الديني والمتطرف يريد تهجيرهم قسرياً مثلما يريد تهجير أهل غزة والضفة والقدس قسرياً لكى تخلو أرض فلسطين التاريخية من غير اليهود. يدركون أيضاً حقائق الفصل العنصري داخل إسرائيل التي تميز قوانينها وسياساتها ضدهم وتعتبرهم من مواطني الدرجة الثانية.
ليس حديث فلسطينيي الداخل عن ضرورة أن يشتركوا في تحديد المصير الفلسطيني، شأنهم شأن من يعيشون في المهاجر ولهم حق العودة وبجانب أهل غزة والضفة والقدس، بترف سياسي، بل هو يدخل في صلب بحثهم عن بدائل حقيقية في مواجهة التهديد الوجودي الذي يمثله صعود اليمين الديني والمتطرف وخططه للتهجير القسري وتفريغ الأرض من غير اليهود.

أضف تعليق