غزة تواجه جرائم الإبادة الجماعية لوحدها
في غزة، كل شيء فيها تغير نحو الأسوأ بفعل العدوان الإسرائيلي الهمجي والوحشي المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على مدار ستين يوماً ما أدى لاستشهاد أكثر من 15 ألف فلسطيني إلى جانب نحو 6 آلاف مفقود ما زالوا تحت أنقاض المباني والبيوت التي تم قصفها بكل عنجهية ودون سابق إنذار، إضافة إلى إصابة نحو 40 ألفاً من المدنيين العزل، نحو 45٪ من الأطفال و35٪ من النساء في صفوف الضحايا من الشهداء والجرحى.
لم يكتفِ جيش الاحتلال الإسرائيلي بقواته الجوية والبرية والبحرية باستهداف المدنيين العزل والآمنين في بيوتهم وممتلكاتهم، بل استهدف الصحفيين رغم ارتدائهم ستراتهم وخوذاتهم حيث بلغ عدد الشهداء الصحفيين 70 صحفياً وعشرات الجرحى وعدد من المفقودين، إلى جانب استهداف الطواقم الطبية وسيارات الاسعاف، وطال القصف المؤسسات الرسمية والأهلية وعلى وجه الخصوص المشافي والعيادات والمدارس والجامعات، ومقرات لمؤسسات طبية دولية، وتدمير البنى التحتية والشوارع والمصانع والمولات والمحلات التجارية.
إن الوضع الإنساني خطير جداً ولا سيما أن القطاع الصحي في مدينة غزة وشمال قطاع غزة خرج عن الخدمة وبما يهدد بارتفاع عدد الشهداء في صفوف الفلسطينيين، وفي مقدمته المشفى الأكبر في القطاع وهو مجمع الشفاء الطبي، إلى جانب حجم الدمار الشامل ما يجعل إعادة تأهيله صعبة، إضافة إلى نقصان المعدات الطبية والأدوية.
حيث أن أوضاع قطاع غزة الذي يبلغ مساحته 365 كيلو متر مربع وعدد سكانه مليونين و200 ألف نسمة، صعبة للغاية وخاصة في مناطق النزوح، حيث بلغ عدد النازحين في كافة مناطق القطاع نحو مليون و800 ألف نازح منهم مليون ومئة ألف نازح يحتمون في 156 منشأة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» التابعة للأمم المتحدة والتي طالها القصف الإسرائيلي وأدى إلى استشهاد المئات من الفلسطينيين جلهم من الأطفال والنساء. حيث يقدر عدد المواطنين المتواجدين في مدينة غزة وشمال قطاع غزة بنحو 850 ألف نسمة.
ووفق إحصائيات رسمية كشفت عن انتشار الأمراض والأوبئة في أوساط النازحين نتيجة عدم النظافة ونقص وتلوث المياه ولا سيما مع دخول فصل الشتاء. كما أظهرت الاحصائيات شبه الرسمية أن نسبة الفقر وانعدام الأمن الغذائي وتلوث مياه الشرب وصل إلى معدلات فلكية في السوء.
فيما أن المساعدات الإنسانية التي وصلت وتصل إلى قطاع غزة وخاصة في مدينة غزة وشمال القطاع غير كافية ولا تلبي احتياجات المواطنين، ولم تصل هذه المساعدات إلى مستحقيها سواء في مراكز الايواء أو في مناطق النزوح الأخرى، فيما أن الوقود اللازم لتشغيل محطات الصرف الصحي وتحلية المياه وتشغيل سيارات ومرافق الصحة والدفاع المدني والبلديات والاتصالات لم تلبي احتياجاتها...
إن الهدنة الإنسانية بأيامها السبع لم تسعف الطواقم الطبية والدفاع المدني من انتشال جثامين الشهداء تحت الأنقاض، حيث أن مجموع ما تم انتشالها 200 جثة من أصل 6 آلاف مفقود نظراً لضعف الإمكانيات لدى تلك الطواقم مقارنة مع حجم الدمار الكبير في المنازل والمباني والبنى التحتية.
حيث أن الاحتلال في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قسم القطاع إلى نصفين ، شمالي يضم محافظة غزة ومحافظة الشمال، وجنوبي يضم المحافظات الوسطى وخان يونس ورفح، بوضع حاجز عسكري تحرسه الآليات العسكرية الإسرائيلية على شارع صلاح الدين شرق قطاع غزة في مفترق الشهداء (مستوطنة نتساريم سابقاً) قبالة منطقة المغراقة وسط قطاع غزة، وتستطيع قوات الاحتلال اعتقال أو توقيف أي شخص أثناء سيره والتحقيق معه، حيث جرى اعتقال وتوقيف المئات من الشباب والنساء والأطفال .
ولكن بعد انتهاء الهدنة الإنسانية قامت آليات الاحتلال بتقسيم قطاع غزة إلى أربعة أقسام وهي رفح، خان يونس، والوسطى، وأبقت شارع الرشيد (ساحل البحر) مفتوحاً لنزوح المواطنين نحو محافظة رفح جنوب قطاع غزة على الحدود الفلسطينية المصرية، فيما أبقت على مدينة غزة وشمال القطاع مفتوحاً لتنقل المواطنين. كنا قسمت قوات الاحتلال قطاع غزة لنحو 2300 بلوك ودعت المواطنين الفلسطينيين إلى النزوح نحو بلوكات سكنية تحت مزاعم أنها آمنة إلا أن العدوان الإسرائيلي طالها.
ما يجري في قطاع غزة من جرائم إبادة وتطهير عرقي جماعي وسياسة الترانسفير والتي كشفت زيف ادعاءات المجتمع الدولي وسياسة ازدواجية المعايير الدولية تجاه الشعب الفلسطيني، وكل ذلك لم يسعف مدعي عام محكمة الجنايات الدولية كريم خان لزيارة قطاع غزة والإطلاع على حجم تلك الجرائم وفظاعتها وفتح تحقيق عاجل بتلك الجرائم الموصوفة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. كما جرى في زيارته لإسرائيل يوم السبت 2 كانون أول (ديسمبر) على الرغم أنها ليست دولة طرف في نظام روما ومتجاهلاً كل الدعوات والمطالب الفلسطينية بضرورة فتح التحقيق وسط تخوفات فلسطينية من مساواة الضحية والجلاد.
أمام تلك التحديات والمخاطر الكبيرة، ورغم فظائع العدوان الإسرائيلي وازدواجية المعايير الدولية والتي لم تغير المزاج الرسمي العربي والغربي لوقف العدوان وجرائم الإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة في قطاع غزة، إلا أن الشعب الفلسطيني ما زال صامداً على أرضه ومدافعاً عن نفسه وحقوقه وكرامته الوطنية في مواجهة كافة مشاريع التهجير القسري والتطهير العرقي، وملتفاً حول مقاومته، وهي تكبد القوات الغازية الإسرائيلية خسائر كبيرة في صفوفها رغم حجم النيران والقصف العشوائي من الجو والبر والبحر.
أضف تعليق