17 تشرين الثاني 2024 الساعة 10:56

الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 1/12/2023 العدد 871

2023-12-02 عدد القراءات : 234
الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

هآرتس 1/12/2023

 

غزة: "الدبلوماسية الإنسانية" عنوان المرحلة القتالية الجديدة

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

أربع مرات وضعت على طاولة مجلس الأمن مشاريع قرارات تطالب بـ «هدنة» وفتح ممرات انسانية الى قطاع غزة. فقط في المرة الخامسة، بعد «تعديلات على الصيغة» مخففة، من بينها استبدال كلمة «يطالب» (بفتح ممرات) بكلمة «يدعو»، حصل القرار على المصادقة في 15 تشرين الثاني، في التصويت الذي امتنعت فيه الولايات المتحدة عن فرض الفيتو الذي فرضته على المشاريع السابقة. وبعد رفض اقتراح لروسيا يدعو الى وقف دائم لاطلاق النار. السفير الاسرائيلي في الولايات المتحدة جلعاد اردان، قال رداً على ذلك بأن «لا توجد أي اهمية عملية لهذا القرار. اسرائيل تعمل حسب القانون الدولي في حين أن حماس لم تقرأ أبداً القرار ولم تعمل بحسبه».

القرار نفسه لن يضطر الى أن يتعرض لاختبار عملي لأنه ليس هو، بل الضغط المباشر والثقيل للولايات المتحدة على اسرائيل هو الذي أجبرها على القيام بهدنة والسماح بعبور محدود للمساعدات الانسانية. لكن الاختراقة الكبيرة للممرات الانسانية خلقتها المفاوضات المتواصلة بين حماس واسرائيل بوساطة قطر ومصر واميركا، التي تواصل إملاء استمرار الهدنة. هذه الهدنة التي يتوقع أن تستمر طبقاً للظروف والاتفاقات التي ستعقد حول اطلاق سراح المخطوفين والسجناء الفلسطينيين، بدأت في خلق واقع جديد على الارض، الذي هو ليس نتيجة مباشرة للقتال بل لما يعرف بـ «الدبلوماسية الانسانية».

هذا النوع من الدبلوماسية دخل الى العمل بشكل عام في حالة الكوارث الطبيعية، التي تقرب احياناً بين الدول المتعادية أو المتخاصمة، مثل المساعدات التي حصلت عليها تركيا من اليونان في اعقاب الزلزال المدمر الذي تعرضت له تركيا وسورية في شهر شباط الماضي. في الواقع لم يتوقف العداء بين انقرة واثينا، لكن بادرة حسن النية الانسانية على الاقل اوجدت الفرصة للحوار السياسي.

لا أحد يتوقع أنه فجأة سيتطور حوار سياسي بين اسرائيل وحماس حول ادارة القطاع أو حول الاعتراف المتبادل في اعقاب فتح ممر انساني ووقف اطلاق النار. اسرائيل تتمسك بالقرار الاستراتيجي تصفية حماس ماديا وسلطويا، لكن ايضا تحرير جميع المخطوفين. وحسب رأيها لا يوجد أي تناقض بين الأمرين. والدليل على ذلك هو أنها تقول بأن الدمار الكبير الذي ألحقته بغزة وتصفية آلاف المخربين ومن بينهم قادة في حماس، اجبرت حماس على طلب الهدنة مقابل اطلاق سراح المخطوفين.

حتى لو تجاهلنا اقتراح حماس في 28 تشرين الاول، في بداية العملية البرية في قطاع غزة، اطلاق سراح جميع المخطوفين مقابل تحرير جميع السجناء الامنيين في اسرائيل، فانه لا يوجد أي يقين بأن استمرار العملية العسكرية ستنتج عنه صفقات تبادل تشبه ما خرج الى حيز التنفيذ حتى الآن. من غير المشكوك فيه  أن الحرب انتقلت الى مرحلة جديدة بسبب جوانبها الانسانية.

في الطرف الاسرائيلي الضغط العام والمبرر لاطلاق سراح المخطوفين اجبر الحكومة على وضع التحرير كهدف يساوي في قيمته هدف تصفية حماس، بعد أن كان نوع من «ملحق» للجهد الاساسي، وهو الذي يملي الآن اجندة استمرار القتال وطبيعته المتوقعة. في الطرف الفلسطيني الدمار الكبير وعدد القتلى الكبير (15 ألف شخص تقريبا، من بينهم عدد كبير من غير المشاركين و4 آلاف طفل، حسب معطيات السلطات في غزة التي تسيطر عليها حماس)، خلقت مكبسا للضغط الدولي برئاسة الولايات المتحدة، التي اجبرت على السماح بادخال مساعدات انسانية واسعة النطاق. في الحقيقة واشنطن لم تطلب وحتى الآن لا تطلب وقفا طويلا لاطلاق النار، لكنها لا تعارض ذلك اذا تم الاتفاق عليه في اطار المفاوضات المتواصلة حول اطلاق السراح المتبادل.

اذا كان في المرحلة الاولى من الحرب قد تم تبرير ضرورة نقل المساعدات للسكان بالحاجة الى رفع الضغط الدولي قليلا، بالاساس الضغط العربي، عن اسرائيل، وبذلك السماح باستمرار القتال في الوقت الذي يستمر فيه الدعم الاميركي، فانه الآن المساعدات الانسانية اصبحت عاملا مستقلا، وهذا بفضل المقابل الذي يعطيه لاسرائيل على صورة اطلاق سراح المخطوفين والأمل الذي بواسطته يتم تحقق على الاقل أحد اهداف الحرب.

الدبلوماسية الانسانية هي التي خلقت المرحلة التي فيها مئات الشاحنات تعبر الحدود نحو القطاع كل يوم، والهدنة مستمرة واطلاق سراح المخطوفين والسجناء يتم بصورة منظمة نسبيا.

 

الولايات المتحدة تولت القيادة

 

في هذه الاثناء، حيث يفحص الطرفان امكانية عقد صفقة اكبر، التي ربما ستشمل ايضا الجنود مقابل اطلاق سراح سجناء امنيين فلسطينيين، فان الدبلوماسية الانسانية هي الساحة الرئيسة التي تستمر فيها الحرب الآن، وهي ايضا من شأنها أن تضع بعد ذلك الاساس للدبلوماسية السياسية التي تعمل على صياغة خطة اليوم التالي. لأنه الى جانب القضية الحالية، اطلاق سراح المخطوفين، الجانب الانساني سيملي استراتيجية الشراكة الدولية، العربية والفلسطينية، لادارة قطاع غزة بعد الحرب.

مئات آلاف الاشخاص الذين لا مأوى لهم والانهيار الاقتصادي والبنى التحتية المدمرة، كل ذلك لم يعد يكفيه شاحنات الدواء والغذاء. اعادة اعمار غزة ستكون بعد ذلك جزءا لا يتجزأ من خطة أمن اسرائيل.

في هذه الساحة فان الولايات المتحدة تولت زمام القيادة، وهي تعبر عن السياسة القيمية التي طرحها بالتفصيل الرئيس الاميركي في خطابه عن «وضع اميركا في العالم»، الذي القاه في وزارة الخارجية في شهر شباط 2021. «يجب علينا البدء بدبلوماسية التي تتجذر في قيمها الديمقراطية الاكثر تجذرا لاميركا، الدفاع عن الحرية، تشجيع الفرص، حماية الحقوق العالمية، احترام سلطة القانون والتعامل مع كل انسان باحترام. في نفس الوقت ايضا «ترجم» بايدن هذه السياسة بالافعال عندما اوضح وقال «نحن نزيد الآن الدبلوماسية من اجل انهاء الحرب في اليمن، الحرب التي تسببت بكارثة انسانية واستراتيجية. لقد طلبت من طاقم الشرق الاوسط لدي بأن يؤكد على دعمنا لمبادرة الامم المتحدة لفرض وقف لاطلاق النار وفتح ممرات انسانية واحياء محادثات السلام».

بعد ذلك اعلن بايدن عن قرار وقف أي دعم عسكري لهجمات على اليمن، وضمن ذلك بيع السلاح. القصد كان بالاساس بيع السلاح للسعودية لاستخدامه في الحرب. تغيير اسم اليمن في اسرائيل يمكن أن يعطي فكرة واضحة عما يسعى اليه بايدن ايضا في غزة. عمليا، هو اصبح الان يقول ذلك بصراحة عندما اعطى توجيهات لاسرائيل بالعمل حسب القانون الدولي. وعندما ضغط من اجل فتح ممر انساني. وعندما عرض في الوقت نفسه رؤيته السياسية لحل النزاع.

صحيح أن القيم لا تعبر عن كل شيء في العلاقات الدولية. في المعركة في غزة بايدن يخضع لضغوط داخلية بسبب تأييده غير المتحفظ لاسرائيل، ويتراكم عليه ضغط وطلبات من الدول العربية الصديقة ومن دول اوروبية حليفة من اجل الاهتمام بمصير السكان في قطاع غزة. في الوقت نفسه يمكن التقدير بدرجة كبيرة من الثقة كيف كان الرؤساء ترامب أو بوش الأب أو بوش الابن سيردون على كارثة انسانية في قطاع غزة أو على ضغوط مشابهة كانت ستستخدم عليهم من اجل كبح اسرائيل. ولكن حتى الرئيس الديمقراطي براك اوباما لم يتأثر بشكل خاص من ابادة الشعب التي حدثت في سورية، ولم يتدخل حتى عندما استخدم النظام هناك السلاح الكيميائي ضد أبناء شعبه.

---------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت 1/12/2023

 

 

المــذلــــة الإســرائيـلـيـة الكـــبرى

 

 

بقلم: اريئيلا رينغل هوفمان

 

«ذُللنا»، قال أمس حاييم يلين، رجل باري، رئيس المجلس الإقليمي اشكول سابقا، والذي كان نائبا في الكنيست عن حزب «يوجد مستقبل» – وكأن به يريد أن يقول اذا كنا سندقق القول - دولة إسرائيل ذلت – وذكر كيف أن حماس اعتبرت على مدى السنين «منظمة هامشية». يلين ليس الأول، ولا الوحيد، ومن المؤكد ليس الأخير، الذي يتحدث بتعابير المذلة، التعبير الذي يسود في الخطاب الجماهيري منذ 7 أكتوبر ويثور المرة تلو الأخرى. كيف يحتمل أن لواء في الجيش الإسرائيلي، مزودا ببندقية متطورة مع موجه تلسكوبي، يشاهد من بين الأشجار بضع مئات من المتزمتين الإسلاميين، ترافقهم جموع من الغزيين، ليس فقط يذبحون، يغتصبون ويحرقون بل وأيضا يتجولون في داخل كيبوتسه بدراجات أطفال البلدة، يدوسون ويسحقون كل ما يلوح لهم وكأنه كان ساحة بيتهم. وبصياغة احد المحللين: «هذه مذلة على نطاق لم نشهده أبداً».

وعلى ذلك ينبغي ان تقال ثلاثة أمور. الأول، هو أن هذه ليست المذلة التي يصعب جدا احتمالها. انه الغضب العظيم، الإحباط وانكسار القلب على إهمال كل من كان ينبغي له وكان بوسعه ان يمنع المصيبة الرهيبة. أولاً وقبل كل شيء هذه الحكومة السيئة، التي وجهت وتوجه اعتبارات سياسية ومصالح شخصية اعمالها؛ وبعدها أذرع الامن المختلفة، بما فيها الجيش الذي بعض من ضباطه الكبار لم يبدوا فقط استخفافاً وتعالياً بل وأيضا تجاهلوا تماماً تقارير مجندات المراقبة اللواتي دفع بعض منهن الثمن بحياتهن على ذلك. كل أولئك الذين سمحوا لنا بأن نفهم بأن الحديث يدور بالفعل عن عصبة من بضع عشرات الآلاف الذين لا يشكلون خطراً حقيقياً. ما يؤدي بنا الى الملاحظة الثانية: الى تجاهل الدرس التاريخي الذي يعلمنا بأن ليست الاعداد هي التي تلعب دورا في هذه المواجهة الدموية، بل الدوافع. في آذار 1954 حصد الجيش الفرنسي -المنظم والمسلح حتى الرقبة، في معركة دموية جبت عشرات الاف القتلى من الطرفين ضد التنظيم السري الشيوعي في فيتنام- «كارثة ديان بيان فو»، هكذا اسموا هذه بالفرنسية، لدى تناولهم «الهزيمة الأكثر اذلالا التي تكبدتها قوة عظمى غربية منذ الحرب العالمية الثانية»، في معركة ضد «أناس صُفر صغار». ما كرر نفسه في الحرب التي خاضتها فرنسا في الجزائر على مدى سبع سنوات، في حرب فيتنام، في الحرب في افغانستان التي خاضها الاتحاد السوفياتي على مدى قرابة عقد، او في الانسحاب الأميركي من العراق. باستثناء أنه بخلاف ما حصل هنا، فان تلك الحروب لم تدر على مسافة بضع مئات الأمتار من بيوت البلدات الفرنسية، الاميركية او الروسية. والملاحظة الثالثة تتعلق بالضبط بهذه الحقيقة. فليست المذلة هي التي يجب ان تقف امام ناظرينا وان توجه الجهود الإسرائيلية في غزة او في لبنان. انها حقيقة انه على طول قسم كبير من حدود إسرائيل تجري معركة جهادية لم تجد إسرائيل بعد لها الجواب الصحيح.

جواب لا يكمن أغلب الظن في حقائب الدولارات ولا في إضافة الاف تصاريح العمل. معركة ما يميزها هو الدافع الذي ليس فقط لا يوجد لإسرائيل بل ولا يوجد للغرب أيضا له جواب جيد.

واذا كنا نريد أن نتحدث عن المذلة، فينبغي اذن ان نموضعها جيدا في المكان الصحيح: في القدس، بين الوزارات الحكومية وكنيست إسرائيل.

ان نوضح بن من يذلنا هو ليس جهاديا من غزة بل من يفترض به أن يمد اليد للمحتاجين في هذه الساعة الصعبة، ويتجاهل. ان في مجرد حقيقة مثلا انه في مخايط مدارس تصميم الموضة في إسرائيل ينكب مئات المتطوعين والمتطوعات على خياطة ستر للجنود بينما تجيز الكنيست ميزانية معيبة تقصي قسما كبيرا من الشعب وتتجاهل الاحتياجات اليائسة في ضوء الحرب؛ وزراء يصعدون الى المنصة فيما أن سحابة مسيحانية تحوم فوق رؤوسهم، ويقترحون إقامة مستوطنات في غزة بينما قسم كبير من المواطنين مجند لأن ينقل الى الجنود بطانيات دافئة، سترات وجرابين، وباساس الأساس، مذلة كبرى في ضوء الهروب من المسؤولية.

--------------------------------------------

إسرائيل اليوم 1/12/2023

 

تحريـر الأسرى أولاً

 

 

بقلم: يوآف ليمور

 

في الأيام الأخيرة استؤنف فجأة في الشبكات الاجتماعية الخطاب الثاقب عن استمرار المعركة البرية في غزة. ليس واضحاً من أين طل: ربما من نبأ على لسان مصادر غامضة ادعت بأن حماس تقترح صفقة شاملة لتحرير المخطوفين مقابل وقف القتال.

كان هذا كافياً لسلسلة من المغردين للصراخ والتهديد. وعلى رأسهم وقف كما هو الحال دوماً وزير الأمن القومي، الذي هدد بإسقاط الحكومة. دعونا ندع للحظة مدى المصداقية التي ينبغي أن نوليها له ولتهديداته، لكنه واجب التساؤل: يدور الحديث عن عضو كابينت، يمكنه بمكالمة واحدة الى السكرتارية العسكرية لرئيس الوزراء ان يستوضح فيما اذا كانت هذه حقيقة أم هراء. هكذا كان سيتصرف كل انسان عاقل، وبالتأكيد كل وزير عاقل.

لسوء الحظ، لا شيء هنا عاقل حقاً. بالتأكيد ليس الوزير آنف الذكر. فمع ان الحديث يدور عن حياتنا جميعاً، وبالتأكيد عن حياة من هم محتجزون في غزة، فانه هو وبعض من زملائه يواصلون التصرف وكأنهم يتنافسون في برنامج تلفزيوني واقعي. ليست حياة المخطوفين أو مستقبل المخلين تهمهم، بل حفظ الائتلاف والانتخابات القادمة. في العالم الافتراضي الذين يعيشونه كل شيء بسيط: بالتلويح بكليشيه او تغريدة نحل كل مشكلة.

اما العالم الحقيقي فأكثر تعقيداً، لسوء الحظ. هناك حاجة للمناورة فيه بين توترات معقدة وقوى عظيمة: مخطوفون من جهة واستمرار المعركة لسحق حماس من جهة أخرى، شرعية للعملية في مواجهة مصاعب إنسانية متصاعدة، دول غربية ودول عربية في مواجهة ايران والخيار لمعركة متعددة الساحات. قيادة مسؤولة يتعين عليها أن توازن بين كل هذا، على الممكن وغير الممكن الذي فيه، وتحاول الوصول الى افضل نتيجة ممكنة.

هذا خيار بين بدائل سيئة، في محاولة لتحقيق الأقل سوءاً بينها. زميلي حنان غرينوود كتب هنا أمس وعن حق، عن الصعوبة الأمنية التي يثيرها تحرير «مخربين» الى الضفة. فالماضي يدل على أن معظمهم يعودون آجلا أم عاجلاً الى الإرهاب، وعليه فان تحريرهم الآن – كجزء من صفقة مع حماس تعيد المخطوفين الى الديار – يزيد الخطر من الضفة. لكن القيادة، بخلاف الصحافة، لا يمكنها أن تكتفي بعرض المشاكل فقط: هي مطالبة بان تعطي الحلول أيضا، وبالتأكيد بعد أن كانت تركت سكانها لمصيرهم لحماس في السبت الأسود.

إسرائيل لا يمكنها أن تبقي المخطوفين في الخلف. يمكنها حقاً ان تؤخر استمرار المعركة. اذا ما تنازلت اليوم عن الجهود لاعادتهم فإن من شأنها أن تفقدهم غداً. أنا لا أعرف ما الذي حصل لابناء عائلة بيباس – ينبغي الأمل في أن تكون حماس تكذب وتنكل بنا جميعاً، وانهم لا يزالون على قيد الحياة. لكني اعرف بانه اذا لم تبذل كل الجهود الآن، فسيكون هنا الكثير من البيباسيين الآخرين، وحكومة لا يمكنها أن تنظر الى عائلاتهم في العيون وان تقول بصدق انها قلبت كل حجر كي تعيدهم الى الديار.

خير تفعل إسرائيل حين تحاول استنفاد الخطوة الحالية. حبذا ان هذه الخطوة تتيح إعادة كل المخطوفين الى الديار، احياء ام امواتاً، حتى آخرهم. بعد ذلك سيكون الوقت للقتال. رئيس الوزراء يعلن ان هذا سيحصل، وزير الدفاع يعلن ان هذا سيحصل، رئيس الأركان يعلن ان هذا سيحصل (وامس حتى اقر الخطط العملياتية للخطوات التالية). ينبغي أن نصدقهم: فهم يعرفون افضل منا جميعاً بأنه اذا لم يتحقق حسم، فان الهزيمة ستكون مسجلة على أسمائهم.

--------------------------------------------

هآرتس 1/12/2023

 

مليشيات بن غفير تمتد خلافاً للقوانين.. من يوقف هذا المجرم؟

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

يسرائيل أفيسار، رئيس قسم ترخيص السلاح في وزارة الأمن القومي، هو أيضاً مسؤول عن إصدار الرخص لحيازة مسدسات وأسلحة نارية للمواطنين. عملياً، هو الذي يفترض به أن يكون حامي الحمى المركزي من توزيع جماهيري للسلاح لكل من هو معني به.

منذ 7 أكتوبر وأفيسار، مثل آخرين من وزارة الأمن القومي يستسلمون للوزير المسؤول عنهم، بن غفير، ولتطلعاته الخطيرة، ويساعدونه في تسليح الجمهور دون إشراف ورقابة تقريباً. في غضون أقل من شهرين، أقرت وزارة الأمن القومي أكثر من 25 ألف قطعة سلاح، إضافة إلى 145 ألفاً كانت قبلها، وهذا لا يتضمن الأسلحة التي هي في أيدي قوات الأمن والشرطة.

اعترف أفيسار هذا الأسبوع في أثناء مداولات في لجنة رقابة الدولة بأنه منذ نشوب الحرب وبضغط الوزير بن غفير، عين أناساً دون التخويل المناسب بل ودون صلاحيات قانونية لأن يقروا للمواطنين رخص سلاح.

كما أكد افيسار ما كشفت “هآرتس” النقاب عنه أول أمس (جورج براينر) في أنه بين الأشخاص الذين خولوا بإعطاء السلاح كان أيضاً مقربو بن غفير، ممن عقدوا من داخل مكتبه غرفة حربية لإقرار إصدار الرخص لحمل المسدسات. هذه أمور لا يفترض أن تهز الجمهور فقط، بل ستؤدي أيضاً إلى فتح تحقيق جنائي ضد أفيسار وبن غفير.

وفي المداولات كشف النقاب عن أن الأمور تمت دون إذن وزارة العدل والمستشارة القانونية للحكومة، وعملياً أتاحت لمحافل جنائية توزيع السلاح. إلى جانب تحقيق جنائي يجب أن تلغى فوراً عموم الرخص التي أصدرتها محافل غير مخولة.

تحت رعاية الحرب والإعلام المجند وحماة الحمى التعبين، يتحقق التهديد في أن “بن غفير سيقيم ميليشيات مسلحة” أمام ناظرينا دون معيق. بن غفير يستغل الفراغ ليقيم “ثلل تأهب” تتجول دون رقابة وإشراف في الشوارع، وبالتوازي يوزع السلاح على الجماهير. من سيدفعون الثمن هم النساء والأطفال والعرب. إضافة إلى ذلك، ثمة خطر بتسلم السلاح إلى أيدي محافل إجرامية.

إن الخطر الذي في إعطاء حقيبة الأمن القومي لمجرم مدان لم يعد مثابة تخمين، بل هو حقيقي. عنوان الضحية التالية مطلي بالدم على الحائط.

--------------------------------------------

يديعوت أحرونوت 1/12/2023

 

للإسرائيليين: حتى لو خرج السنوار رافعاً يديه.. لن ننتصر

 

 

بقلم: ناحوم برنياع

 

حين أكتب هذه السطور ثمة رائحة حرب تحوم في الهواء مرة أخرى. الخميس مساء يفترض بنا أن نستقبل مجموعة أخرى من المخطوفين. قد تضمن عودة بلينكن وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة يوماً آخر لنا، 10 مواطنين ومواطنات آخرين نجوا. هذا كثير، لكنها ليست نهاية الطريق. إذا لم يحدث تغيير في اللحظة الأخيرة فستستأنف النار. الصيغة التي سمحت للأطفال وأمهاتهم بالخروج مقابل وقف النار وتحرير سجناء خفيفين نسبياً، استنفدت نفسها، بعضها بالتحرر إلى البلاد، وبعضها بطريقة مأساوية.

  الجدال الدائر حول ما الذي أدى إلى الإنجاز في الجانب الإسرائيلي، هل هو تأييد وزيري الكابينت غانتس وآيزنكوت لوقف النار وضغط العائلات والرأي العام على الحكومة، أم الضغط العسكري في الميدان والمواقف الفاعلة ليوآف غالانت وقيادة الجيش؟ كان جدالاً مسموحاً به في سبيل تحرير المخطوفين: كان الصراع على الطريقة. ولم يحسم ولم ينته.

كان السنوار مطالباً الآن بتحرير الصنف التالي: نساء شابات ورجال مسنين. لكنه رفض الخميس صباحاً – مع إشارة جانبية: ففي القائمة التي رفعت في إسرائيل، أدرجت ثلاث نساء شابات مخطوفات من حفلة “نوفا”. فهل كان ضمهن يشكل دعوة لما سيأتي؟ من الصعب معرفة ذلك.

 حسب الوسطاء، هو يرى في النساء بعمر 40 فما دون، قوة مقاتلة. ربما يخشى مما سيروينه عند عودتهن. لعله يشعر بأنه سيحقق ثمناً آخر مقابل هذا الذخر. لقد وضع الجانب الإسرائيلي أمام خيار وحشي: إما مواصلة وقف النار والاستعداد لتنازلات كبيرة في طرفنا، أو استئناف النار والأمل بالخير. شئنا أم أبينا، سلم الأولويات يتغير مرة أخرى: أولاً المناورة العسكرية، ثم المخطوفين.

ينطوي استئناف النار على مواجهة قاسية مع الرئيس الأمريكي. كان يفترض بغالانت أن يرى بلينكن أمس ويقول له: ما دمت وزيراً للدفاع، فلن نتوقف. سنهاجم في منطقة خانيونس وسنواصل القتال حتى تفكيك كتائب حماس هناك. إن تعلق إسرائيل بالإدارة الأمريكية أكبر من أي وقت مضى. فأمريكا توفر لنا إلى جانب الردع حيال إيران وفروعها إسناداً دولياً. ونحن متعلقون بها أيضاً في التموين العسكري الفوري. قد يبتلع البيت الأبيض الرفض الإسرائيلي، ويواصل القطار الجوي على عادته؛ ويمكنه أيضاً أن يوقفه.

 القتال في وسط وجنوب القطاع سيكون أكثر تعقيداً مما في الشمال، وسيتم بينما قرابة مليوني مواطن يملأون الشوارع، وبينما حماس أكثر تنظيماً وجاهزية للقتال، في أرض مدينية مكتظة، وبقدر ما يدور الحديث عن خانيونس ومحيطها، قرب الخنادق التي يعمل منها السنوار والضيف، قرب المخطوفين. إن تصفية سريعة لزعيمي حماس ستكون بشرى طيبة، لن تنهي قصة المخطوفين ولن تبيد حماس، لكنها ستعطي القيادة السياسية وقيادة الجيش إنجازاً للتمسك به.

 فتح فصل جديد في الحرب، هو أكثر تعقيداً من ناحية عسكرية، ومحدود في الزمان والمكان. كما أنه فصل جديد وخطير في حياة ورفاه المخطوفين. لا داعي للانشغال بالتخويف، يقول غالنت. لن نتمكن من الوصول إلى كل منطقة خانيونس، لكننا سنفكك حماس.

 

أسبوع جيد للإعلام الرسمي

 

سجلت على الطريق انعطافة إيجابية في مجال الإعلام الرسمي. في وابل النذر السيئة التي هبطت علينا في الشهرين الأخيرين، فإن كل بشرى طيبة جديرة بالإبراز.

أتعلم من أحاديث مع أجانب بأن الأسبوع الأخير كان الأفضل لصورة إسرائيل ولإعلامها، منذ بداية الحرب. فكل مساء، شهد العالم الجدات وأحفادهن يقتادهم إرهابيون مسلحون، ملثمون. كان المشاهدون يريدون أن تكون أولئك جداتهم: قويات، عزيزات، حكيمات؛ أرادوا أن يكونوا أبناءهن وأحفادهن: جميلون، يلمسون شغاف القلب.

اعتقدت حماس أن صور المخطوفين ستعرض المنظمة في ضوء إنساني: الأم تريزا ولدت من جديد، مسلحة بكلاشينكوف. هكذا أيضاً تخوف المحللون في قنوات التلفزيون في البلاد. الإخراج أثار أعصابهم: سيطرة حماس على الحدث. وداعات المخطوفين. شعر المحللون بأنهم مهزومون ومهانون. وربما هكذا شعر المشاهدون أيضاً.

لم يشاهد العالم الحدث على هذا النحو. شبكات التلفزيون الأمريكية، التي بعثت بأفضل موهوبيها، ملأت التغطية بمقابلات مؤثرة على المحررين ومع أبناء عائلاتهم. كان التضامن كاملاً، وكان هذا مخالفاً للتغطية الأولية، التي عرضت، في قسم منها على الأقل، المخربين كمقاتلي حرية، وكانت على نقيض أيضاً من تغطية السيطرة على مستشفى الشفاء في غزة، التي كانت معادية وضارة.

ليس مؤكداً أن التشديد الذي وضعه الجيش الإسرائيلي على احتلال المستشفيات وعلى رأسها “الشفاء” صحيح من ناحية عسكرية. لقد كان إشكاليا من ناحية إعلامية: قلة في العالم فهموا أهمية مهاجمة مستشفى، قلة اقتنعوا مما تم العثور عليه. منذ الاحتفال امتنعت إسرائيل عن مهاجمة المستشفيات. يخيل لي أنهم نسوا أن يبلغوا مواطني إسرائيل بذلك.

 

في الطريق إلى خانيونس

 

لقد كان وقف النار مطلوباً لحماس، وكان كذلك للجيش الإسرائيلي. في 49 يوماً من القتال، أثبت المقاتلون تمسكاً بالمهمة وشجاعة وقدرة مهنية مبهرة، لكن الجانب الآخر موجود أيضاً: تبذير ذخيرة، اكتظاظ زائد في الميدان، دمار زائد، أخطاء عملياتية كلفت ثمناً باهظاً. حتى اليوم، لا يوجد في إسرائيل نظرة متفق عليها حول اليوم التالي. ثمة مداولات داخل الجيش وهيئة الأمن القومي، لكن يُحظر على المتداولين عرض استنتاجاتهم على المسؤولين عنهم. اضطر نتنياهو تحت ضغط عضو كابينت الحرب غادي آيزنكوت، أن يطرح مسألة اليوم التالي على جدول الأعمال. أعدّ آيزنكوت ثلاث أوراق موقف في هذا الموضوع، لكن وبأمر نتنياهو، بقيت المداولات حبيسة وعقيمة. فدس الرأس في الرمال هو السبيل للحفاظ على حلفه مع سموتريتش وبن غفير. تتصرف الحكومة وكأنه لم يكن 7 أكتوبر؛ ويتصرف “كابينت الحرب” وكأنه لا حكومة موجودة. والكثير من الكلمات تقال للبروتوكول، ولكن في أحيان بعيدة تخرج منها تعليمات وتوجيهات للجيش.

لقد كتب سموتريتش مؤخراً كتاباً لنتنياهو – هو أحد الأشخاص الأخيرين في البلاد الذين يحرصون على إرسال الكتب – اتهم فيه قادة الجيش بأن ما يسيرهم هو معهد بحوث الأمن القومي، الجسم الذي يعتبره يسارياً؛ ليس يسارياً تماماً، ولا يسيّرهم تماماً، كل هذا لا يهم؛ المهم أن لسموتريتش عدواً ينشغل به.

إن الهجوم على معاقل حماس في الوسط والجنوب لن يتم بثلاث فرق: سيكون أكثر تركيزاً بكثير، وأكثر انتقائية بكثير. فقرابة مليوني نازح من الشمال نزلوا جنوباً يمنعون بوجودهم وابل القصف من النوع الذي كان في الشمال. وحسب تقرير الأمم المتحدة، قتل منذ بداية الحرب 15 ألف مواطن فلسطيني. كثير منهم بقوا تحت الأنقاض: العدد الحقيقي أعلى بكثير.

نشر نداف ايال هذا الأسبوع في الصحيفة تقدير الجيش عن عدد قتلى حماس: 5300. وعرض جهاز الأمن تقديرات أدنى بكثير: نحو 4 آلاف. عدد المقاتلين في منظمات الإرهاب يتراوح، حسب تقديرات إسرائيلية، بين 40 ألفاً و50 ألفاً. بكلمات أخرى: قتلنا من سُدس إلى عُشر القوة المقاتلة من العدو.

الاستنتاج: معنى الأعداد محدود. مثلما تعلمنا في حرب فيتنام وفي حروب أخرى، فإن التلويح لعدد قتلى العدو هو تضليل ذاتي. لا يمكن استبعاد إمكانية أن تتدرب الآن في رفح وجنين دورة تدريب جديدة لحماس.

أقوال عن حرب حتى النصر، وإبادة حماس وتصفية الإرهاب، كلام فقط. حماس فكرة وحركة تاريخية: لا يمكن إبادة فكرة. الإرهاب ظاهرة: لا سبيل لتصفيتها بعملية عسكرية. أحد وزراء اليمين قال لي هذا الأسبوع: حتى لو خرج السنوار من الخندق بيدين مرفوعتين، وسار كل المخطوفين وراءه في صف واحد، لن تنتهي هذه الحرب بالنصر.

--------------------------------------------

معاريف 1/12/2023

 

ماذا بعد أن حول السنوار “المخطوفين” إلى برنامج واقعي على شاشات التلفاز؟

 

 

بقلم: ألون بن دافيد

 

ستقترب إسرائيل في نهاية هذا الأسبوع من إحدى المعضلات الوحشية التي تستدعيها الحرب: الاختيار بين استئناف القتال والمخاطرة بمصير المخطوفين الذين لم يتحرروا بعد، وبين استمرار المفاوضات ومعها المخاطرة في ألا نتمكن من استئناف القتال.

لا توجد على الطاولة صفقة “الكل مقابل الكل”، أي: تحرير كل المخطوفين مقابل وقف الحرب. ولم تقترح حماس صفقة، وحتى لو اقترحت، ما كانت إسرائيل لتقبل بها. وعليه، فإن التطلع هو لاستنفاد آلية المفاوضات الناجعة نسبياً التي نشأت مع قطر ومصر والولايات المتحدة، وإعادة أقصى قدر من المخطوفين، رجالاً وربما مجندات أيضاً – قبل أن نكون مطالبين بحسم المعضلة.

طرحت في الأيام الأخيرة أفكار ستكون إسرائيل بموجبها مستعدة للنظر بخطوات بعيدة الأثر لم تكن حتى الآن على الطاولة، مقابل تحرير كل المخطوفين – لكن وقف القتال ليس بين هذه الخطوات. إسرائيل مستعدة لتكون سخية بشاحنات الوقود والغذاء، بل حتى بتحرير عدد كبير من القتلة، لكن الرافعة القوية الوحيدة التي لدى إسرائيل على حماس هي استمرار القتال، ومحظور التنازل عنها.

يصف محللون كثيرون كيف تهزنا حماس بصفقات المخطوفين وتجر دولة كاملة إلى برامج تلفزيونية واقعية كل مساء، لكن في مساء كل يوم من الأيام الأخيرة، أنقذنا أكثر من 10 أرواح من لظى الجحيم، وقيمة إنقاذ الحياة أساس جوهري لقوتنا. الحقيقة أن حماس وقيادتها تخاف خوف موت من استئناف القتال، لأنها فهمت أن لدينا القدرة والجاهزية لتفكيكهم تماماً.

بعد شهر من المناورة البرية، تبين لنا ولحماس أيضاً بأن الجيش الإسرائيلي يصل إلى كل نقطة يريد الوصول إليها في غزة، وهزيمة قوة حماس. هذه المعرفة وإنجازات الجيش أدت بحماس إلى تحرير المخطوفين في الأسبوع الأخير، وإلى صفقة كانت إسرائيل مطالبة بأن تدفع فيها الثمن الذي دفعته بصفقات أسرى: عشرات من السجناء الصغار، وإدخال غذاء ووقود وتوقف في القتال.

وعليه، فإن احتمال أن يتجه زعيم حماس يحيى السنوار إلى صفقة إعادة كل المخطوفين، طفيف حتى الصفر. فالسنوار يعرف بأنه حتى لو وافقنا على تبييض سجوننا من السجناء الأمنيين تماماً، فستكون خطوة إسرائيل التالية هي إبادته، وسيكون ملزماً بإبقاء مخطوفين حوله كي يضمن بقاءه. فهذه هي بوليصة التأمين الوحيدة التي لديه. وعلينا أن نتطلع إلى تفريغ الأنفاق وشقق الاختباء من أكثر قدر من المخطوفين قبل أن نستأنف النار. وفي اللحظة التي تستأنف نستخدم الضغط العسكري لتحرير المزيد.

 

في مديح البطء

 

نعم، حماس تستغل أيام الهدنة كي تتسلح وتعزز قوتها. فهي تملأ خزانات الوقود التي لديها، وتشحن منصات إطلاق الصواريخ، وتنثر عبوات ناسفة شديدة الانفجار كي تضرب آلياتنا الثقيلة وتستعد لمواصلة القتال. لكننا نستغل هذا الوقت ونستعد لما سيأتي. في ندوة تعليمية أجرتها قيادة المنطقة الجنوبية هذا الأسبوع مع قادة الوحدات المناورة وسلاح الجو، طرحت سلسلة من الدروس بعد شهر من القتال البري.

إن الاستعدادات الطويلة التي سبقت المناورة ساهمت كثيراً في نجاحها. وإن التدريبات والتعلم وتأهيل العتاد والرجال قبل الدخول إلى المعركة، أدت إلى نتائج أفضل وأسرع في القتال. ويستغل الجيش الهدنة لإخراج القوات من غزة للانتعاش وللتدريب ولتعلم المهمة التالية. كما يستغلها أيضاً لمعالجة مناعة المقاتلين، ممن اجتازوا في زمن قصير تجارب قتالية شديدة لم يشهدها الجيش منذ سنين.

السرعة ليست فضلاً بالضرورة، كما يدعي القادة. فحقيقة تقدمنا إلى الأهداف بسرعة لم تؤدّ إلى إبادة ناجعة للعدو، بل العكس؛ التقدم البطيء أثبت نفسه أنه أكثر نجاعة في إبادة العدو. إن التطهير البطيء والجذري للمنطقة يقود إلى نتيجة أفضل ويحقق ضربة أكبر للعدو من التقدم السريع. كما أنه يجلب معلومات كثيرة جمعتها القوات، وتعمق الضربة للعدو. قادة البر يشعرون بثقة بقدرتهم على حماية أنفسهم ولا يخشون من أن تصبح الحركة البطيئة “مراوحة في المكان”.

الآليات المحصنة، الدبابات والمجنزرات، أثبتت نفسها بأنها توفر حماية جيدة في مواجهة قدرات مضادات الدروع لدى العدو، لكن بقاء القوات في الآليات تقلص الإنجاز. بعد تقدم سريع في الآليات، هناك حاجة لإنزال قوات المشاة كي تصل إلى المباني العليا والتحت أرضية وتوجيه ضربة أكبر للعدو.

الوحدات الخاصة، التي لم تجد مكانها في حروب إسرائيل الماضية تقليدياً، تندرج هذه المرة في كل رؤوس رماح المناورة البرية وتحقق إنجازات. الوحدة البحرية وأولاً وقبل كل الآخرين ووحدة “شلداغ” من سلاح الجو، اللتان تعرضتا لضربة أليمة في 7 أكتوبر، هما جزء لا يتجزأ من القتال، وهذا يجد تعبيره في النتائج. “شلداغ” مثلاً احتلت مجمع مستشفى الشفاء دون طلقة واحدة.

في الجانب السلبي، كان عدد القتلى بنار صديقة عالياً بل وعالياً جداً، وبالتأكيد على خلفية تكنولوجيات القيادة والتحكم القائمة في الجيش الإسرائيلي. 9 مقاتلين، أكثر 10 في المئة من عموم الخسائر في المناورة، سقطوا بنار صديقة وبحوادث عملياتية مثل انفلات رصاصة أو دهس. هذا عدد غير مقبول ويجب أن ينزل مع تجدد القتال. كما أن تفعيل النار، الجوية والمدفعية، على قرب من القوات يجب أن ينفذ مع الحرص على مسافات أمان أكثر تحفظاً.

انضباط عملياتي: شعب إسرائيل لم يتميز بالانضباط قط، لكن تعبير هذا في القتال مقلق. أجريت زيارة إلى جهاز لوائي في غزة، حيث يتجول الجنود بالملابس الداخلية والمجندات بلباس مدني، أعطت إحساساً وكأني أزور تلة حلفون. يحتاج الجنود بعد المعركة إلى التنفيس، لكن مثل هذا التنفيس لا يمكن أن يكون في أرض العدو.

الجيش الإسرائيلي جاهز ومستعد هذا الأسبوع لاستئناف القتال في شمال القطاع ووسطه وجنوبه. بانتظاره معارك غير سهلة أمام قوات حماس. يمكنه أيضاً أن ينتظر إذا ما تبين أنه سيكون ممكناً تحرير المزيد من المخطوفين في هذا الوقت. لكن إذا أوقفت القيادة الإسرائيلية الجيش من إبادة من كان شريكها على مدى تسع سنوات – يحيى السنوار – فسينزع جيش الاحتياط البزة وربما يجتاح القدس أيضاً. وعليه، لا يمكن احتمال الخسارة في هذه الحرب.

--------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 1/12/2023

 

 

هكذا ولد بايدن جديد بعد 7 أكتوبر

 

 

بقلم: يوسي بيلين

 

تنافس على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة منذ 1988 دون نجاح، وجرب حظه لاحقاً عدة مرات. في نهاية السبعينيات من حياته، كان يخيل أنه لن يتنافس على الرئاسة، لكن في 2019 بعد أن أنهى ولايتين كنائب للرئيس أوباما، بينما لا يشغل أي منصب رسمي وانضم إلى طاقم جامعة بنسلفانيا، قرر التنافس مرة أخرى. انتخب عن حزبه كمرشح للرئاسة، وفاز في عمر 78 على دونالد ترامب. والآن، بعد ثلاث سنوات، يواصل تحقيق أرقام قياسية بصفته الرئيس الأمريكي الأكبر سناً قبيل ولايته الثانية.

أعرفه منذ سنوات عديدة، وأقدر اطلاعه على قضايانا ومحبته لإسرائيل، لكني اعتقدت أنه ليس من الصواب أن يأخذ على عاتقه في عمره هذا، مثل هذه المسؤولية الجسيمة. فهذا منصب، من يريد أن ينجح فيه لا يحق له أن يذهب إلى النوم، وعليه أن يكون منصتاً للخبراء في مجالات مختلفة، وأن يتخذ القرارات التي تستوجب جهوداً وطاقات كثيرة.

عندما تسلم منصبه، أوصته معاهد البحوث الواشنطنية التي جند بعضاً من باحثيها للإدارة، أن يسحب يديه من الشرق الأوسط. حذروه بأن كل من يحاول الانشغال في هذه المنطقة يكتوي سياسياً، وقد أخذ بنصيحتهم. ركزت السياسة الخارجية الأمريكية على الصين، حتى الغزو الروسي لأوكرانيا، وبعد ذلك على الحرب المتواصلة بين الدولتين. اللهيب في الشرق الأوسط بدا لإدارته منخفضاً، وهو نفسه لم يتحمس للزعماء من الجانب الإسرائيلي وفي الجانب الفلسطيني، واعتقد أنهم لن يدفعوا قدماً بأي مسيرة سلمية، لذا فلا معنى لتكبد العناء.

لكن منذ 6 أكتوبر انكشف بايدن آخر تماماً: وصل إلى إسرائيل بعد أن رفض استقبال مكالمة هاتفية من نتنياهو (بل وأهانه في لقاء قصير في نيويورك) على مدى فترة طويلة، وبدأ يبعث بسلاح وحاملات طائرات، ويتحدث مع رئيس الوزراء يومياً، وجعل حرب إسرائيل ضد حماس موضوعاً مركزياً في جدول أعماله. هو مطلع على التفاصيل، ويتصل بزعماء المنطقة، يدخل إلى أسئلة تفصيلية، وبالأساس يعارض على الملأ وقف المعركة ويؤيد إزالة حماس من الحكم وتوجيه الضربة لقدراتها العسكرية.

يريد بايدن أن يقود من المعركة العسكرية إلى معركة سياسية، ثم يبحث فيها عن الحل الوحيد في نظره لمستقبل المنطقة: سلام بين الدولة اليهودية والدولة الفلسطينية المستقبلية. هو يكرر حل الدولتين، ويفقد مؤيدين في حزبه، ويتعرض لنقد من ترامب، وتظهر الاستطلاعات أن تصميمه على تأييد إسرائيل يمس بشعبيته، ولا يغير سياسته. المسؤول الراشد في العالم يفعل ما يؤمن به، وقد يكون بخلاف بعض من سابقيه ممن لم ينجحوا في تقريبنا من السلام الذي يضمن إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.

 

دولة نتنياهو الفلسطينية

 

الرجل الذي لا يعنى بالسياسة في أثناء الحرب، قال لأعضاء كتلته هذا الأسبوع، إنه لا ينوي الاعتزال بعد الحرب، لأنه الوحيد الذي يمكنه منع إقامة دولة فلسطينية. آمل أن يكون بين مستمعيه (الذين يعتقدون بأنه من الأفضل دولة تفقد الأغلبية اليهودية فيها على دولة لها حدود شرقية، فتضمن لذلك الأغلبية اليهودية وطابعها الديمقراطي) من ذكروه بالمنسيات.

كان بإمكانهم أن يذكروا أمير الصراع ضد المصلحة الإسرائيلية الصرفة بخطاب بار إيلان خاصته في 2009 وبالأساس زيارته لواشنطن في كانون الثاني 2020 كي يصفق لـ “خطة ترامب” حول الدولة الفلسطينية التي كان يفترض بها أن تقوم على 70 في المئة من الضفة وعلى 14 في المئة أخرى من الأراضي السياسية لإسرائيل التي تنقل إلى سيادة الدولة الفلسطينية. وسائل الإعلام لم تبلغ عن ملاحظات من الجمهور.

 

لا للانثناء

 

لا لقبول شروط حماس. لا للموافقة على وقف نار طويل. لا لوقف المعركة قبل تصفية حكم حماس في قطاع غزة. لن نسمح لأنفسنا بهذا.

--------------------------------------------

 

رئيس الشاباك السابق: أدعم قيام دولة فلسطينية مستقلة

 

 

أحمد صلاح

 

 

قال يوفال ديسكين الرئيس السابق لجهاز "الشاباك" الإسرائيلي: إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان في حالة صدمة خلال الأسبوعين الأولين من الحرب مع "حماس".

وفي مؤتمر عقد تحت عنوان "الاختطاف - مسألة ثمن؟"، اعتبر ديسكين أن "دولة إسرائيل خانت تمامًا أولئك الذين اختطفوا وقتلوا في الأيام الأولى"، مشيرا إلى أنه كان "معارضا شديدا لصفقة تبادل الأسرى الشاملة ووافقت على تبادل متناسب للأسرى.. لكن اليوم غيرت تفكيري 180 درجة وأنا أؤيد ذلك".

ولفت إلى أن "نتنياهو كان في حالة صدمة خلال الأسبوعين الأولين ولم تعمل الحكومة على الإطلاق، فقط المنظمات المدنية والمجتمع الإسرائيلي"، مبينا أنه "يدعم دولتين لشعبين. لكن في الوقت الحالي ليس لدينا شريك".

وأضاف: "السلطة الفلسطينية فاسدة وضعيفة ومتهالكة لدرجة أنها تشكل مخاطرة كبيرة للغاية. يحتاج الأمريكيون إلى المشاركة والسؤال هو ما إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن سيفوز في الانتخابات".

وكان قال يوفال ديسكين في تصريحات سابقة: "تنشأ شيئا فشيئا الى جانب دولة إسرائيل، دولة أخرى هي دولة يهودا. لقد غابت على الدوام لدى السياسيين الإسرائيليين الرغبة في التعامل مع هذا الواقع". وقد جاءت اقوال ديسكين في اعقاب العملية الإرهابية اليهودية التي وقعت في قرية دوما في الضفة الغربية وفيها تم حرق الرضيع الفلسطيني.

وكشف عن تخوفه من «نهاية إسرائيل.. قريبا لأسباب ومؤثرات داخلية، متوقعا أن إسرائيل لن تبقى للجيل القادم.

وحذر الجنرال السابق من «مخاطر» على وجود إسرائيل كدولة بعد جيل واحد (25 عاما)، وأن المخاطر التي تهدد وجود الدولة لن تكون خارجية بل داخلية، وإذا لم نتدارك الوضع الآن، فإننا سنفقد وقتا ثمينا، وربما نفقد دولتنا بعد سنوات جيل واحد من اليوم.

 

وأضاف ديسكين: أنا لا أتحدث عن التهديد النووي الإيراني، وصواريخ حزب الله أو الإسلام السلفي المتطرف، أتحدث عن التحولات الديمغرافية، الاجتماعية والاقتصادية التي باتت تغير جوهر الدول ومن شأنها تشكيل خطر على وجودها بعد جيل واحد. وتابع: إن الانشقاقات الداخلية آخذة بالتعمق، بينما أصبح الشرخ بين اليمين واليسار مركزيا أكثر من الشرخ بين اليهود والعرب، وانعدام الثقة في مؤسسات الحكم المركزية يتعاظم، والفساد مستفحلا في أجهزة الحكم المحلية والقطرية، والتضامن الاجتماعي متدنيا للغاية، وقيادتنا تفتقر إلى قدوة شخصية، وقيم الكثيرين منا هي ثمرة العقلية المحمومة للمفكر ميكي زوهار (رئيس الائتلاف في الكنيست). ويتضح أن المجلس الإقليمي الذي يسمى دولة إسرائيل غير قادر على حكم مناطق كثيرة في مناطقه السيادية، سواء في النقب، الجليل، القدس أو بني براك «المدينة الحريدية». وأضاف المسؤول الإسرائيلي السابق: إن معظم العبء الاقتصادي والعسكري في إسرائيل سيتحمله قريبا 30% فقط من الإسرائيليين، وهذا مستحيل، ولا حاجة لأن يكون المرء خبيرا من أجل أن يدرك أن المجتمع الإسرائيلي لن يتمكن من الصمود اقتصاديا، واجتماعيا، وكذلك أمنيا في هذا الوضع، والأخطر من ذلك أن الكثير منهم سيفضل العيش في أماكن أخرى في العالم وليس في دولة بات تقاسم العبء فيها اليوم غير متساو، وبهذه الطريقة لن ينجو المجتمع الإسرائيلي مما ينتظره من مشاكل.واوضح أنه «وفقا لأرقام الجهاز المركزي للإحصاء، فإننا سنكتشف قريبا أنه بعد 40 عاما سيكون نصف سكان إسرائيل من المتدينين والفلسطينيين، ومن المهم أن نفهم القاسم المشترك بينهما اليوم، ولماذا سيشكل مستقبلهما صورة إسرائيل ويؤثر على قدرتها على الوجود خلال 30 إلى 40 عاما، اليهود الحريديم باتوا عبئا، ومنهم من باتوا منتشرين في الاتجاهات المعادية للصهيونية، وبالنسبة لهم فإن إسرائيل في طريقها للخسارة. وذكر ديسكين أنه «بجانب الحريديم هناك قبائل متعددة الهوية، علمانية تقليدية، قومية دينية، متشددة، مزراحيم وأشكنازيم، والطبقة الوسطى، والأثرياء، والمحرومون والمهمشون، ممن يجدون صعوبة بتحمل العبء الزائد نتيجة عدم مشاركة الأرثوذكس في الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي، والخدمة العسكرية، والاقتصاد.

--------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 1/12/2023

 

 

بغطرسة ولامبالاة.. ماذا حدث بالمعلومة الذهبية عن خطة حماس؟

 

 

بقلم: يوآف ليمور

 

تحدثت صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية في مقال لمحلل الشؤون العسكرية، يوآف ليمور، عن الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي الذي سبق هجوم حماس في تشرين الأول/ أكتوبر، مشيرةً إلى أنّ الاستخبارات الإسرائيلية كان لديها علم بوجود مخطط هجوم لدى حماس، لكنها تصرفت بإهمال حيال هذه المعلومات.

التفاصيل المحيطة بالفشل الاستخباري الذي سبق هجمات 7 تشرين أول/أكتوبر ترسم صورة مقلقة. الوحدة 8200، فشل قسم التشغيل ولواء الأبحاث، كلهم فشلوا: من الإهمال في التعامل مع المعلومات حول الخطة، مروراً بطلب عدم تفعيل جميع وسائل الجمع للتأكد من أن غزة لن تفاجئنا، وصولاً إلى تحذيرات الرتيبة "و"، وخمنوا من يحاول استغلال التقارير حول فشل "الجيش" من أجل تبرئة نفسه.

عندما تولى منصبه كقائد لـ 8200 في شباط/فبراير 2021، صرح العميد ي. أنّ الشعار الجديد للوحدة سيكون "المسؤولية ليس لها حدود". كلمات جميلة ومهمة، تهدف إلى توضيح ما هو بديهي: أنّ مسؤولية الوحدة، تماماً مثل قدراتها، لا حصر لها.

بعد عامين ونصف، اتضح أنّ مسؤولية وحدة 8200 قد تكون بلا حدود، لكن مسؤولية قائدها غير موجودة. بعد ما يقرب من شهرين من أكبر كارثة في تشهدها "إسرائيل"، لا يزال قائد وحدة الجمع المركزية في سلاح الاستخبارات الإسرائيلي يرفض أن يقول "أنا مسؤول"، أو حتى الصيغة الجماعية - "نحن مسؤولون".

في الأسبوع الماضي كشفنا هنا الفشل الاستخباري المدوي للوحدة 8200، كجزء من انهيار جهاز الاستخبارات بأكمله. منذ النشر، تراكمت العديد من التفاصيل، مما يكشف عن صورة أكثر إثارة للقلق مما كان معروفاً من قبل. إلى حد كبير، إنها قصة مأساة معروفة سلفاً، تستند إلى خطيئة الغطرسة: القيادة السياسية، القيادة الأمنية، وكالات الاستخبارات، القيادة على الأرض.

قيل مسبقاً إنه حتى اليوم لا يمكن الحديث سوى عن جزء صغير. ما يُنشر هنا يتم تقديمه بموافقة الرقابة العسكرية والتملصات الضرورية في القضايا الحرجة لأمن "إسرائيل". لم يكن القصد من قرار نشرها الآن، خلال الحرب، إلقاء تهمة، بل ضمان معالجة الأمور – أيضاً بمفعول رجعي وخاصة فيما هو قادم - من أجل ضمان ألا تفاجأ "إسرائيل" مرة أخرى في المعركة المعقدة التي تشنها حالياً.

الإعلان له سبب آخر. رئيس أركان "الجيش" الإسرائيلي هرتسي هليفي قال إنّ "الجيش" الإسرائيلي لن ينشغل بالتحقيق فيما حدث حتى الحرب، حتى يتمكن من التركيز على الحرب نفسها. وقال: "أولاً سننتصر، ثم سنحقق في الأمر"، فيما جاء كتعليمات لجميع الوحدات العسكرية. لكن اتضح أنّ وحدة 8200 حاسبت نفسها. العميد ي. عيّن اثنين من كبار القادة السابقين للتحقيق فيما حدث، وعززهما بأفراد استخبارات نظاميين من الوحدة.

هذا العمل إشكالي مرتين. المرة الأولى لأنّ رئيس الأركان نهى صراحة عن ذلك. والثانية لأن هناك إمكانية حقيقية لتحديد رواية. وبما أن لجنة تحقيق ستوضح ذلك في المستقبل، فهناك قلق من أنّ العميد ي. يرغب في تشكيل رواية الوحدة لليوم التالي. على الرغم من أن عمليتي التحقيق منفصلتين، إلا أنه في الحالة التي نشأت، من الضروري على الأقل الحصول على موافقة النيابة العامة العسكرية ومواكبتها للعملية. وعلاوة على ذلك، فإن الادعاء المحتمل من قبل العميد ي. بأن استخلاص المعلومات كان مخصصاً لأغراض التعلم الداخلي يمثل مشكلة، لأنه لم يقبل أي مسؤولية عن الفشل.

 

معلومة ذهبية

 

في سنة 2022، تلقت إسرائيل معلومة استخبارية ذهبية ألّفتها حماس، بعنوان "خطة هزيمة فرقة غزة". هذه المعلومة الذهبية، التي جلبتها الوحدة 8200، كان لديها كل شيء: استعدادات "الجيش" الإسرائيلي (بتفاصيل تقشعر لها الأبدان) وطرق التعامل معها، وطريقة اختراق الجدار وتنفيذ الهجوم، والأهداف والغايات أثناء الهجوم وبعده. المعلومة نُشرت على الجميع. لا يمكن لأحد داخل "الجيش" الإسرائيلي أو خارجه، بما في ذلك المستوى السياسي، أن يدعي أنه لم يعرفها. وإذا لم يعترف، كان مهملاً في وظيفته، لأن هذه كانت معلومة ذهبية تأسيسية كان يجب أن تؤدي إلى أحد أمرين: تغيير عميق في التفكير من شأنه أن يلغي التصور السائد بأن حماس مردوعة، وتريد الهدوء، أو سلسلة من الخطوات التي من شأنها أن تدحض المعلومة الذهبية حتى يمكن للتصور القائم أن يستمر.

 

هذا لم يحدث.

 

الوحدة 8200 لم تفعل ذلك من داخلها، كما هو مطلوب. كان قائدها، العميد ي.، راضياً عن جلب المعلومة الذهبية، لكنه لم يقلب العوالم داخلياً وخارجياً للتأكد من أن ما هو ضروري قد تم به. فهو لم يبنِ نموذجاً كاملاً لمراقبة خطة حماس أو تعطيلها أو تقديم تحذير كافٍ لتمكين "الجيش" الإسرائيلي من الاستعداد لها. كما أنه لم يقُد الوحدة إلى مثل هذه الاستعدادات، ولم يغير الأولويات في جمع المعلومات الحساسة، ولم يخض في القضية مع قادة "الجيش" الإسرائيلي، وخاصة لم يستعد كفاءة الأنظمة التي شُلّت خلال فترة ولايته. إنها تشكيلات أمكن أن تساعد في إعطاء إنذارات، مثل نظام الاتصالات التكتيكية (walkie-talkie) ونظام الاستخبارات العلنية (OSINT).

كما أن العميد ي. لم يضمن أن كبار المسؤولين في "الجيش" الإسرائيلي سمعوا بشكل مباشر الأصوات في وحدته التي صرخت في الأيام والأسابيع التي سبقت السبت الأسود بأن خطة حماس تتحقق عملياً. وحتى في الساعات التي سبقت الحدث، عندما أجريت مشاورات هاتفية محمومة في ضوء إشارات مقلقة قادمة من غزة، لم يقدر أو يُشِر إلى احتمال أن تكون هذه الإشارات مرتبطة بنفس الخطة ونفس المخاوف التي أعربت عنها جهات في وحدته.

قائد 8200 ليس وحده. رئيس لواء التشغيل في أمان، العميد غ.، لم يكلف نفسه عناء الشروع في خطوة واضحة لتوضيح ما يحدث بالضبط في غزة. تم إنشاء لواء التشغيل كدرس مستفاد من حرب لبنان الثانية، من أجل مزامنة جميع الأنشطة الاستخباراتية مع الهدف الرئيسي لشعبة الاستخبارات، الإنذار من حرب. كان غ. ورجاله على دراية بالمعلومة الذهبية لحماس، لكنهم لم يحولوها إلى خطة عمل: تماماً مثل 8200، لم يتصرفوا لتأكيدها أو دحضها، وبالتالي أهملوا في وظيفتهم. تماماً مثل العميد ي.، العميد غ. مقتنع بأنه تصرف بشكل لا تشوبه شائبة. حتى أن من حوله مقتنعون بأنه في نهاية الحرب سيتم تعيينه القائد التالي لـ 8200.

أيضاً رئيس لواء الأبحاث، العميد عميت ساعر، الذي تُعتبر غزة والفلسطينيون جوهر خبرته، لم يطالب باستخدام جميع وسائل الجمع لضمان ألا تفاجئنا غزة. ومثله ضباط الاستخبارات في المنطقة الجنوبية وفرقة غزة - الذين كان من المفترض أن يستيقظوا كل صباح مع حرب أمام أعينهم، الذين كانوا أسرى لنفس التصور، ورفضوا أي محاولة لتحديهم فكرياً.

 

"خيال" أصبح حقيقة

 

في 3 تشرين الأول/أكتوبر، زار مدير الاستخبارات العسكرية، أهارون حليفا، قاعدة الجمع الرئيسية لوحدة 8200 في الجنوب. كان ذلك وسط عيد "السوكوت"، وكان حليفا في يوم عمل مزدحم. بدأ باجتماعات في الفرقة 91، التي تسيطر على الجليل، لضمان الاستعداد الاستخباراتي في مواجهة حزب الله، وتابع إلى الفرقة 210 في مرتفعات الجولان ليرى أن كل شيء على ما يرام في القطاع السوري، وطار من هناك إلى النقب لفحص نبض قطاع غزة.

في القاعدة التي وصل إليها تخدم الرتيبة و.، التي كانت تحذر منذ فترة طويلة من أن شيئاً غريباً يحدث في غزة، بشكلٍ مختلف عما يعتقده الجميع، أنّ جميع التدريبات والخداع على السياج هي جزء من خطة كبرى تنتهي بهجوم. قارنت الرتيبة و. الخطة بما كان يحدث على الأرض، وحاولت الصراخ. أرسلت ثلاث رسائل بريد إلكتروني مفصلة حول هذه المسألة، لكنها لُوّح لها بالادعاء بأن السيناريو الذي كانت ترسمه كان خيالياً.

الوحيدون الذين استمعوا إليها ودعموا رأيها هم أولئك الذين عملوا معها عن كثب. حتى أنّ قائدها المباشر، ف.، قطع إجازة لحضور اجتماع في ذلك اليوم مع رئيس الاستخبارات العسكرية. حاول تحذيره، لكن حليفا رفض كلامه. يدعي مكتب رئيس الاستخبارات العسكرية أن هذا لم يحدث: وأنّ مثل هذا الإنذار، في هذا الوقت، لم يصدر. نظراً لأنه كان اجتماعاً شارك فيه كثيرون، على الأرجح أن تكون هناك جهات كافية للشهادة على ما حدث.

الفشل الاستخباراتي لا يتوقف عند المخابرات العسكرية. المسؤولية عن غزة مقسمة بينها وبين الشاباك. إنه هيكل غريب يتطلب الآن الفحص وربما إعادة الترتيب. الميزة الواضحة للاستخبارات العسكرية هي في السايبر والبصريات المختلفة (من الأقمار الصناعية إلى الطائرات المسيرة والمناطيد والرصدات)، في حين أن الميزة الواضحة للشاباك من المفترض أن تكون الاستخبارات البشرية، والتي ستجلب له معلومات ذهبية في الوقت الفعلي. هذا لم يحدث.

شارك السنوار نواياه الدقيقة مع عدد قليل فقط من الأشخاص من حوله، ولم يعرف المسؤولون الميدانيون عنها إلا في الوقت الفعلي في وقت مبكر من صباح يوم السبت. لذلك، ليس من المؤكد أن مصادر جيدة في حماس كانت ستتمكن من جلب المعلومة مسبقاً، لكنها كانت ستنجح في إعطاء الحد الأدنى من التحذير الذي كان من شأنه أن يجعل من الممكن اتخاذ بعض الإجراءات السريعة، استدعاء قوات وفصائل استنفار ودفع وسائل جوية، التي كان من شأنها تقليص الضرر.

في الساعات الأولى من صباح يوم السبت، تلقى الشاباك عدة مؤشرات أدت إلى مشاورات في قيادته وبينها وبين "الجيش" الإسرائيلي. وكان الاستنتاج الذي توصل إليه جميع المشاركين هو أنها مناورة، كما فعلت حماس عدة مرات في العام الماضي. اشتبه الشاباك في احتمال حدوث شيء ما، ربما عملية اختطاف، وأرسل فريق تيكيلا (مكون من مقاتلي الشاباك والقوات الخاصة "يمام") إلى الجنوب. وهنا أيضاً، هناك خلل في التفكير: فالاختطاف في غزة ليس مسألة تكتيكية، بل هو حدث استراتيجي. وإذا كان هناك خطر تحققه، فلا بد من اتخاذ تدابير أكثر أهمية بكثير من تلك المتخذة.

وقد أعلن بعض المسؤولين المذكورين هنا بالفعل مسؤوليتهم عن فشل الاستخبارات في منع الهجوم. ومن أبرزهم رئيس جهاز الشاباك، رونين بار، ورئيس الاستخبارات العسكرية حليفا، ورئيس لواء الأبحاث ساعر. يتصرف العميد ي. من وحدة 8200 والعميد ج. من لواء التشغيل كما لو أن الحادث لا يعنيهما. من ناحية أخرى، أوضح الشاباك بالفعل أن رئيس المنطقة الجنوبية، أ.، ورئيس قسم غزة في المنطقة، م.، قد أوضحا بالفعل أنّ المسؤولية تقع على عاتقهما. كان من المفترض أن يترك م. منصبه بعد أسبوع من الهجوم. بقي، بالطبع، وسوف سيستقيل بعد الحرب.

يجب على جميع المذكورين هنا العودة إلى بيوتهم كجزء من الإصلاح بعد الحرب. وليس فقط هم: قائد القيادة الجنوبية الحالي يارون فينكلمان وسلفه إليعازر توليدانو، الذي كان شريكا مؤسسا للتصور والفشل الدفاعي الذي رافقه خلال فترة عمله كقائد لفرقة غزة ولاحقا قائدا لفرقة غزة، وكذلك قائد فرقة غزة آفي روزنفيلد وقادة الألوية التابعين له، الذين فشلوا في مهمتهم الأساسية – حماية سكان الغلاف – عندما تحطم مفهوم الأمن والدفاع بأكمله في يوم السبت الأسود.

لا شيء من هذا يزيل ذرة من المسؤولية عن المستوى السياسي، وخاصة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، هو أب الفشل في غزة، الرجل الذي بنى وعزز ودلل حماس بشكل أساسي، ومنع أي اقتراح أو محاولة لاغتيال رؤسائها (وكانت هناك عدة مقترحات مفصلة قدمها له رؤساء الشاباك في السنوات الأخيرة). كان واجب نتنياهو أن يعرف، أن يسأل، أن يزعج ويطلب. لم يفعل أياً من هذه، على العكس من ذلك: لقد روج للتصور ورسخه. الرجل الذي أرسل رئيس الموساد لإنجاز اتفاق الحقائب (النقود) مع قطر، الذي فضّل حماس على السلطة الفلسطينية، الذي تبادل قصاصات ورقية مع السنوار، الذي ركز على السلام مع السعودية وأقنع نفسه بأن المشكلة الفلسطينية قد حلت، والذي تجاهل جميع الإنذارات الاستراتيجية التي أعطيت له خلال العام الماضي بأن "الجيش" الإسرائيلي يضعف وأن أعداء "إسرائيل" يرون في ذلك فرصة لضربها.

ومن غير الواضح ما الذي كان سيفعله السنوار لو كانت "إسرائيل" أقوى. ربما كان سيهاجم، أو ربما لن يهاجم. لكن حقيقة أن نتنياهو اختار عدم الاستماع لا تقل إثارة للأعصاب من حقيقة أن "الجيش" الإسرائيلي لم يستمع إلى المستويات الميدانية الاستخباراتية أو الراصدات. لو كان هناك أقل ثقة بالنفس والمزيد من الإصغاء للآخرين في هذه السلسلة بأكملها، فلربما لم نكن لنقع في الكارثة التي ضربتنا في 7 تشرين أول/أكتوبر.

 

بين غزة وكفار عزة

 

يعتقد الكثيرون أنه لا ينبغي الإعلان عن هذه التفاصيل في زمن الحرب، بحجة "سكوت، نطلق النار"، يعني أنهم يقاتلون الآن وبعد ذلك سيكون هناك وقت للتحقيقات. أعتقد خلاف ذلك. دور وسائل الإعلام هو إلقاء الضوء على الزوايا المظلمة: للماضي، وخاصة للمستقبل، حتى لا تتكرر حوادث مماثلة. بما أن "إسرائيل" على وشك الحرب على جبهات أخرى، يجب أن نتأكد من أن ما حدث لن يحدث مرة أخرى، ليس في الاستخبارات، وليس في "الجيش" الإسرائيلي والشاباك، وليس في القيادة السياسية.

للأسف، هناك من يحاول استغلال هذه التقارير من أجل تحميل المسؤولية للاستخبارات والمؤسسة الأمنية وتبرئة نفسه. نتنياهو والمحيطون به منشغلون بذلك منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وأكثر من ذلك في الأيام الأخيرة. لا تحتاج إلى ذكاء لمعرفة ذلك: وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالبصمات.

آلة السموم هذه لا تتردد في لصق الأكاذيب بالحقيقة. يُزعم، على سبيل المثال، أن الرتيبة و. التقت حليفا وحذرته شخصياً: هذا لم يحدث أبدا. تزخر الآلة أيضاً بالتلاعب المغرض، المصمم للإشارة إلى إهمال متعمد. هكذا حقيقة أنّ رئيس الاستخبارات العسكرية كان في إجازة في إيلات في عطلة نهاية الأسبوع من الهجوم. هذا صحيح، لكن نتنياهو كان أيضاً في إجازة ولا أحد يهاجمه بسبب ذلك.

لدى المؤسسة الأمنية والعسكرية قدر كبير من الزبدة على رأسها (غرور وغطرسة) كما أوضح هنا (وهذا دون الخوض في تفاصيل الفشل في الاستعدادات الدفاعية)، لكن نتنياهو لديه مصنع زبدة على رأسه ليس فقط بسبب ما حدث قبل 7 تشرين أول/أكتوبر، بل بشكلٍ أساسي بسبب سلوكه بعد الهجوم: سوء التعامل مع الأشخاص الذين تم إجلاؤهم والمستوطنات، والسلوك الفاضح لوزارة المالية وتمويل الائتلاف، ومواصلة الإبقاء على حكومة متضخمة ووزراء ووزارات غير ضروريين. صغائر السياسة في زمن الحرب، وقبل كل شيء، الجُبن.

من الحكمة قليلاً الدخول إلى غزة برفقة "الجيش" والشاباك. نصف العالم كان هناك قبله. من الحكمة أكثر بكثير مقابلة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الغلاف، الذين دمرت منازلهم وحياتهم، وقُتل أحباؤهم وأُسروا. قبل أن يزور نتنياهو غزة، فليلتق بسكان كفار عزة.

يوم الاثنين من هذا الأسبوع، وصل مع إيلون ماسك إلى كفار عزة وأخذه إلى منزل إيتامار كوهن، الذي تحصن لمدة 27 ساعة في غرفة آمنة مع زوجته دورين وابنهما البالغ من العمر 3 سنوات وطفلهما البالغ من العمر 4 أشهر. لهذه الجولة التي حظيت بدعاية كبيرة، في منزله المدمر، لم يدعُ أحد كوهِن. كما أن نتنياهو لم يكلف نفسه عناء مقابلته أو بقية سكان الكيبوتس. ولا سكان بيري ونير عوز. الاستماع إليهم، إلى أولئك الذين لم يكلف نفسه عناء زيارتهم ولو مرة واحدة خلال سنواته الطويلة في منصبه حتى وقوع الكارثة، لأنهم ليسوا جزءاً من ناخبيه. انظر في أعينهم: عيون أولئك الذين دفعوا أغلى ثمن لاختلال وظائف جميع العناصر في الهرم الذي يرأسه.

--------------------------------------------

 

«المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)» 1/12/2023

 

 

المعركة على جبهة الوعي العالمية: عن "الهسبراه" الإسرائيلية في وقت الحرب

 

 

بقلم: وليد حباس

 

باحث في «مدار»

«الهسبراه» هي الجهود التي تبذلها إسرائيل لنشر «معلومات إيجابية» عنها، وتسويق نفسها للعالم الخارجي، وإعادة إنتاج الروايات التي تدعم موقفها و«تبيّض» صورتها أمام العالم. وكنا في مركز «مدار» قد تناولنا جهود «الهسبراه» على مدار سنوات سابقة، لكن سياق الحرب الحالية يستدعي إعادة فتح هذا الملف. هذه المقالة تلقي الضوء على منظومة «الهسبراه» خلال الحرب على قطاع غزة.

 

ما هي «الهسبراه»؟

 

 

عادة ما يتم استخدام لفظة «الدبلوماسية العامة» (public diplomacy) للإشارة إلى الأدوات المتنوعة التي تستخدمها الدولة في سعيها لبناء تصورات الدول والمجتمعات الأخرى عنها. وفي حين أن هذه الأداة تبدو مشروعة إلا أنها غالباً ما تستخدم بشكل فعال من قبل البلدان المعتدية أو تلك التي لها أجندات سياسية مشكوك فيها. وبالتالي تعتبر الدبلوماسية العامة، لدى هذه الدول، وسيلة لتطهير صورتها وحشد الدعم الدولي. فقد تنخرط هذه الدول في الدبلوماسية العامة لإخفاء أعمالها العدوانية أو انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها، وهي تفعل ذلك عادة من خلال التستر بواجهة النوايا الحسنة ورواية «الحقوق المسلوبة» أو «التهديد الوجودي». وعليه، يمكن أن تكون الدبلوماسية العامة بمثابة أداة لشرح المواقف أمام العالم، لكنها في أحيان عديدة ممكن أن تكون أداة تضليل وتلاعب. في إسرائيل، تسمى هذه منظومة الدبلوماسية العامة بالـ «هسبراه». 

 

كيف يرى ناقدون وظيفة «الهسبراه» الإسرائيلية؟

 

يقترح بعض الباحثين أن ننظر إلى «الهسبراه» الإسرائيلية على أنها مرتبطة بالحروب. منذ العام 1948، كانت دولة إسرائيل إما في وضعية حرب وإما في وضعية «ما بين حربين»، وهي كانت باستمرار تحتاج إلى توضيح تصرفاتها، وتبرير الحروب المتكررة، واستمرار الاحتلال العسكري.  ثمة خطابان متلازمان لـ«الهسبراه» الإسرائيلية: الأول يتعلق بنزع أخلاقيات الآخر من خلال الاستعانة بخطاب ومفردات لها وقع خاص على المجتمع الدولي، تحديدا العالم الغربي «الحر». مثلا، تقوم إسرائيل بوسم حركة مقاطعة إسرائيل على أنها معادية للسامية. أو أنها تصف حركة حماس بأنها ظلامية داعشية. من جانب آخر، تقوم الهاسبراه بـ «تبييض» صورة الأنا الإسرائيلية على اعتبار أن إسرائيل تنتمي إلى العالم الحر. هنا، تركز «الهسبراه» على إبراز إسرائيل باعتبارها واحة التكنولوجيا، وحامية القيم الديمقراطية والنيوليبرالية، وواحة في احترام وتقدير حقوق الأقليات لا سيما المثليين، وهي دولة صاحبة جيش قوي وعصري لكنه أخلاقي وصاحب مبادئ. وهي دولة سيادة القانون وتفتخر بجهابذة الفقهاء المتربعين على رأس محكمتها العليا.

 

هذان الخطابان (نبذ الآخر وتبييض الأنا) يشكلان أجندة عمل منظومة «الهسبراه»، التي تنطوي على العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، الإسرائيلية منها والأجنبية المناصرة لإسرائيل. ويرى تشاس فريمان، سفير أميركي سابق لدى السعودية، أن وظيفة «الهسبراه» عادة «تحويل أفراد وجماعات إلى جهات غير مقبولة سياسيا على المسرح الدولي». و«الهسبراه» تتعامل مع نفسها على أنها سلاح يعمل على جبهة الوعي العالمي بهدف وضع خطوط واضحة أمام الرأي العالمي ليتمكن من الفصل بين من يمثل القيم الحرة وبالتالي يجب التعاطف معه ومن ينتهك الإنسانية وبالتالي يجب نبذه.  

 

ولا بد من اقتباس قدر أطول من شرح فريمان حول «الهسبراه» في حرب إسرائيل على غزة العام 2014، لما يعكسه الأمر من دلالات. فهو يقول إن إسرائيل تمتلك تشكيلة واسعة من الوسائل التي تساعدها على إنشاء سردية والحفاظ عليها. إسرائيل توظف هيئات ومنظمات ووحدات عسكرية واستخباراتية للسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقيد المحتوى وتعزز محتويات أخرى. كما أنها تستند إلى خطاب ديني له مكانة وآذان صاغية في العالم الغربي. في حربها على غزة العام 2014، إسرائيل أعلنت الحرب على تويتر، وهيمنت على الشبكة العنكبوتية، وضخت ميزانيات هائلة لـ«الهسبراه». ويتابع فريمان ويقول بأن حجم الضحايا من قطاع غزة في حرب 2014 فاق 32 مرة حجم الضحايا الإسرائيليين، ومع ذلك أقنعت إسرائيل العالم بأنها تدافع عن نفسها. 

 

«الهسبراه» في إسرائيل عشية 7 أكتوبر؟

 

خلال العقد الأخير، ركزت الحكومات الإسرائيلية كل مواردها، وجهودها، وطواقمها في منصة حكومية واحدة ومركزية. حصل ذلك عدة مرات، وفي كل مرة كانت المنظومة تسجل فشلا محققا مقارنة بما تم استثماره فيها. آخر منظومة كانت تدعى «مؤسسة كونسرت» (concert)، وعملت تحت جناح وزارة الشؤون الاستراتيجية. ومهما يكن من أمر، فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية، وفور تشكيلها، أعادت إحياء وزارة الإعلام/«الهسبراه» الإسرائيلية، وهي وزارة ظهرت لأول مرة العام 1974، لكنها كانت أيضا قصة فشل بحيث أنها عملت فقط 5 سنوات متفرقة ما بين 1974 و2023.

المرة الأخيرة التي تم فيها تفعيل وزارة الاعلام/«الهسبراه» فيها كانت في كانون الثاني 2023، وكانت على ما يبدو نتاجاً لتوزيع الحقائب الوزارية بشكل يرضي كافة أعضاء الائتلاف، بحيث أعيد إحياء الوزارة. هذا يعني، أنه لم تكن هناك خطة عمل واضحة للوزارة، ولا مهمات ملموسة، وكانت عبارة عن «دكان» أخرى لديها ميزانية ضئيلة (24 مليون شيكل للعامين 2023-2024)، بالإضافة إلى 29 منصب مدير عام (وهي درجة توظيف مرموقة في السلك الحكومي تضمن دخلا شهريا جيدا). بعد اندلاع الحرب، وبالتحديد في 12 تشرين الأول، استقالت وزيرة «الهسبراه» الإسرائيلية غاليت ديستل أتبريان، وبعد أسبوعين قررت الحكومة تفكيك الوزارة بشكل نهائي، ونقل ميزانيتها (بالإضافة إلى مدرائها العامين) إلى هيئة جديدة لا علاقة لها بـ«ـالهسبراه»، وهي «هيئة البعث والإحياء» والمسؤولة عن إعادة بناء مستوطنات الغلاف التي تعرضت للهجوم.

 

لماذا استقالت وزيرة «الهسبراه» بعد بدء الحرب؟

 

ثمة ثلاثة أسباب لاستقالة وزيرة الإعلام التي عملت على مدار 10 شهور فقط (12 كانون الثاني 2023- 12 تشرين الأول 2023). السبب الأول، هو الانتقادات الحادة التي تلقتها وزارتها خلال الأيام الخمسة الأولى للحرب بسبب عدم تفعيل دور وزارة الإعلام/«الهسبراه» في أعقاب هجمات 7 أكتوبر. فبحسب المراسل إيتمار آيخنر، فإن وزارة الإعلام قدمت «صفر» مقابلات وإحاطات إعلامية مع الإعلام الأجنبي خلال الأيام الخمسة الأولى للحرب.

السبب الثاني، هو أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أقام منتدى آخر موسعاً لـ«الهسبراه»، وألحقه بما يسمى «هيئة الهسبراه القومية»، وهي هيئة تابعة لمكتب رئيس الوزراء نفسه. ومع أن الوزيرة غاليت التي قدمت استقالتها هي عضو في حزب الليكود (بمعنى أنها وزارة ليكودية حسب تقسيم الوزارات بين كتل الائتلاف الحاكم)، فإن نتنياهو تعامل مع الوزيرة باستهتار، وأبقاها خارج المنظومة الجديدة التي أنشئت لغرض الحرب، وهو ما اعتبرته غاليت «إهانة» وقدمت إثر ذلك استقالتها على الفور.

والسبب الثالث، هو أن جمعية حقوقية باسم «عموتات هتسلاحا»، قدمت تسعة طلبات إلى وزارة الإعلام تحت بند «حرية المعلومات» طلبت خلالها الكشف عن تفاصيل أنشطة الوزارة المنحلة (في الحقيقة، لا توجد لها أنشطة)، خصوصا خلال الأيام الأولى للحرب (قدمت «صفر» مقابلات وإحاطات إعلامية). ومع أن الوزارة تم تفكيكها في مطلع تشرين الثاني 2023، فإن المدراء العامين الذين عملوا فيها لا يزالون مطالبين بالمثول أمام القضاء في ما يبدو أنه تهمة فساد وسوء استخدام لأموال الجمهور.

 

كيف تدير إسرائيل «الهسبراه» بعد اندلاع الحرب؟

 

فور استقالة غاليت من وزارة الإعلام/»الهسبراه»، قام نتنياهو بحل الوزارة، وتركيز كل جهود «الهسبراه» المتعلقة بالحرب داخل ما يسمى «هيئة الهسبراه القومية» التابعة لمكتبه. وهي هيئة تأسست العام 2007، وبسبب وجودها داخل مكتب رئيس الحكومة، فإن لها قدرة خاصة على التشبيك بين الأذرع السياسية والعسكرية والاستخباراتية للدولة ودمج كل الموارد المتاحة في خطة عمل أكثر احترافية. وبعد استقالة غاليت شكل نتنياهو طاقم عمل خاصاً بـ«هسبراه الحرب» ووضعه تحت إمرة هذه الهيئة التي تجلس في الغرفة المجاورة لمكتبه.

 

وتقوم هذه الهيئة بترتيب المؤتمرات الصحافية لرئيس الحكومة، وهي مسؤولة عن ترتيبات الاتصال للاجتماعات الحكومية والمناسبات العامة بمشاركة رئيس الوزراء. وهي تشمل بداخلها مستشار رئيس الوزراء لشؤون الإعلام الأجنبي، مستشاري رئيس الوزراء للاتصالات الإعلامية الجديدة، منسقي الاتصالات، وقسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وهي تشمل أربع دوائر: الأولى مختصة بـ«الهسبراه» الأمنية- العسكرية، والثانية بـ«الهسبراه» المدنية، والثالثة بـ«الهسبراه» الموجهة للعرب، والرابعة بـ«الهسبراه» المتعلقة بالتكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي. 

ومع ذلك انتقدت الصحافة الإسرائيلية السبات العميق الذي حل على عمل هذه الهيئة منذ سنين. فهذه الهيئة التي قامت العام 2007 كنتاج الدروس والعبر التي تعلمتها إسرائيل من حربها على لبنان العام 2006 وضرورة غزو الوعي العالمي من جديد، كانت في سبات عميق عشية 7 أكتوبر. وبحسب صحيفة «غلوبس» فإن هذه الهيئة، باعتبارها «الهسبراه» الحكومية، لا تعمل لزيادة تعاطف العالم وحسب، وإنما أيضا لكي تقنع العالم بأن إسرائيل من حقها أن تعمل ويجب منحها الشرعية. لكن في الأيام الأولى التي أعقبت هجمات 7 أكتوبر، كان واضحا بأن الهيئة لم تكن مستعدة للقيام بحرب من أجل كسب قلوب وعقول العالم والرأي العام. ومن هنا، وكجزء أساس مع إعلان الحرب على قطاع غزة، قام نتنياهو بتشكيل طاقم جديد، واسع، وذي صلاحيات يعيد الاعتبار إلى «الهسبراه» الإسرائيلية من جديد.

اليوم، وبعد مرور أكثر من 50 يوما على بدء الحرب، تشير التقديرات إلى حصول «قفزة نوعية» نحو إعادة ضخ دماء جديدة في منظومة «الهسبراه» الإسرائيلية. فالمؤشرات الحالية المتعلقة بوضعية إسرائيل في الوعي العالمي بعد مشاهدة الدمار الهائل في القطاع، بالإضافة إلى الدروس والعبر التي طورتها إسرائيل خلال هذه الأيام، تدل على أن إسرائيل تسعى إلى إعادة دمج مفهوم «الهسبراه» ليغدو جزءاً من الزمن القومي، ليس فقط في وقت الحرب، وإنما كمشروع ضروري أيضا بعد انتهاء الحرب والدخول مجدّداً في فترة «ما بين الحربين».

------------------انتهت النشرة------------------

أضف تعليق