25 تشرين الثاني 2024 الساعة 08:20

الهدنة وصفقة تبادل الأسرى

2023-11-28 عدد القراءات : 249
أسامة خليفة / باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

عقدت إسرائيل العديد من صفقات تبادل أسرى مع فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ومع كل صفقة يثار جدل في الأوساط الإسرائيلية وبخاصة على المستويين السياسي والأمني على الثمن الذي تدفعه، ووجهت انتقادات حادة إلى الحكومات الإسرائيلية التي ارغمت على تقديم ثمن باهظ في هذه الصفقات بتحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين والعرب من السجون الإسرائيلية، مقابل جنود وأفراد إسرائيليين وقعوا في أسر رجال المقاومة، وقد أدى الفشل الإسرائيلي في تحرير أي من الرهائن والأسرى بالقوة المسلحة إلى إقناع دوائر صنع القرار في إسرائيل وواشنطن أن لا مفر من المفاوضات ودفع الثمن كسبيل وحيد لعودة المحتجزين.

في صفقة شاليط تعرض بنيامين نتنياهو للانتقاد لموافقته على الإفراج عن 1027 أسيراً فلسطينياً في صفقة «وفاء الأحرار»، اليوم هناك بدل شاليط الكثير من أمثاله في أسر رجال المقاومة، وبقيت الحكومة الإسرائيلية على عنادها في رفض دفع ثمن مقابل صفقة تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية، وأصرت على تحريرهم من خلال المعركة البرية التي فشلت بعد أكثر من 45 يوماً من عملية طوفان الأقصى في الوصول إلى أسير واحد وتحريره من قبضة المقاومة، وتعرضت قوات الاحتلال لخسائر كبيرة خلال أسابيع من المعارك الضارية في محاور عدة بقطاع غزة قبل إبرام هدنة إنسانية لمدة 4 أيام في مفاوضات غير مباشرة مع المقاومة، وكان أبرز ما ركزت عليه وسائل الإعلام من بنود الهدنة هو الإفراج عن عدد من الإسرائيليين في قبضة المقاومة الفلسطينية، مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ولا شك أن قضية الأسرى واحدة من القضايا الإنسانية في هذا الصراع الدائر، وفي هذا الأمر تشمل السمة الإنسانية الجانبين، لكن الأحوج إنسانياً في هذه الهدنة ومن بنودها الأخرى هم المتضررون بشدة من جراء الإجرام الإسرائيلي وحرب الإبادة أي الفلسطينيين.

وبعد إتمام هذه الصفقة وتبادل الأسرى خلال أيام الهدنة، رغبت إسرائيل بتمديد الهدنة على أساس كل يوم إضافي مقابل إخلاء سبيل 10 محتجزين، وجرت مساع لتمديدها، وضغطت قطر ومصر والولايات المتحدة من أجل تمديد الهدنة يومين إضافيين بعد يوم الاثنين.

في اليوم الرابع والأخير للهدنة المؤقتة من صفقة التبادل مع حركة حماس، تسلمت تل أبيب قائمة الأسرى الاسرائيليين المتوقع إطلاق سراحهم في المرحلة الرابعة والأخيرة، وسط تعثر اتمام التبادل الذي تأخر بشأن قوائم الرهائن الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين المقرر إطلاق سراحهم، إذ تتم مراجعة القوائم من قبل إسرائيل، وتجدها إشكالية، وطلبت أن تجري مفاوضات من أجل تغييرها، وفي الوقت ذاته تنتظر إسرائيل رد حركة حماس على تمديد الهدنة بعد انتهاء مدة الأيام الأربعة الحالية، وأكدت حماس أنها تسعى لتمديد الهدنة، والبحث الجاد لزيادة عدد المفرج عنهم من أسرى ومحتجزين في إطار اتفاق الهدنة الإنسانية التي تتضمن السماح بدخول عدد أكبر من القوافل الإنسانية والمساعدات الإغاثية، بما فيها الوقود المخصص للاحتياجات الإنسانية، ووقف اختراق الطائرات الإسرائيلية أجواء غزة، والسماح لسكان قطاع غزة بالتحرك من شمالي القطاع إلى جنوبه عبر ممر آمن لمن يريد المغادرة، بينما يركز الجانب الأميركي والإسرائيلي على إطلاق سراح الرهائن.

في رد حركة الجهاد الإسلامي على التمديد، يرى داود شهاب القيادي في حركة الجهاد، أن تمديد الهدنة الإنسانية في غزة خاضع لتقييم المقاومة الفلسطينية، وفق ما تمليه مصالح الشعب الفلسطيني أكثر من أي شيء آخر، ولن تسمح للاحتلال بتغيير شروط المقاومة الفلسطينية المتمثلة بوقف الحرب العدوانية، والتصدي لمخطط التهجير.

في صفقة «وفاء الأحرار»، أعادت إسرائيل اعتقال 48 أسيراً محرراً تم تحريرهم في صفقة الجندي الأسير الإسرائيلي شاليط، وهدد رئيس قسم الإعلام العربي والناطق باسم الجيش الإسرائيلي، بإعادة اعتقال الأسرى المحررين، تنبهت المقاومة الفلسطينية لهذا الأمر، وفرضت شرطاً جديداً لم يكن في شروط صفقة «وفاء الأحرار»، لحماية الأسرى المحررين من إعادتهم للأسر مرة ثانية مثلما حصل مع صفقة شاليط 18/10/ 2011؟. والسؤال هل ينفع الاتفاق مع إسرائيل، إدراج شرط من ضمن شروط اتفاق تبادل الأسرى عدم إعادة اعتقال المفرج عنهم لاحقاً بذات التهم التي اعتقلوا بسببها ولو بضمانات الدول الراعية للاتفاق؟. وإن صار إلى إصدار عفو إسرائيلي شامل عن أحكامهم السابقة، وإسرائيل كما عهدناها لا تلتزم بأي اتفاقات ومواثيق، وأبرزها اتفاقات أوسلو، والأمريكيون لن يكونوا ضامنين إلا لأمن إسرائيل وضامنين لتفوق إسرائيل عسكرياً، وتساند إسرائيل وتدعمها في عدوانها وخرقها للعهود والمواثيق، وفي العمل على التسويف والتأجيل والمماطلة وعدم التنفيذ وكسب الوقت للتملص من التزاماتها.

وإذا كانت إسرائيل لا يثق بها في تنفيذ الوعود فإن حكومات الولايات المتحدة المتعاقبة ليست محل ثقة أيضاً، لاسيما في قضايا التحرر العربي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية فهي ليست جادة في الشعارات التي تطرحها وتتراجع عما ألزمت نفسها به والأمثلة كثيرة على المستوى الإقليمي، ومنها الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران، وعلى المستوى الفلسطيني، الموقف الأميركي من الاستيطان في المناطق المحتلة عام 67 إلى غض النظر عنه إلى تبريره، الموقف المتناقض الغامض من حل الدولتين، إلى إدراج منظمة التحرير الفلسطينية على قائمة الإرهاب فضلاً عن باقي فصائل المقاومة، وفي موضوع الأسرى لا تهتم حكومة الولايات المتحدة ورئيسها بايدن سوى بإطلاق سراح المحتجزين وإظهارها على أنها المسألة الإنسانية ذات الأولوية، والسؤال الإنساني الملح: ماذا عن مليون ونصف فلسطيني هجّروا ودمرت بيوتهم، ومازالوا في العراء خلال هذا الطقس الشتائي البارد؟. ماذا عن أحياء وأموات تحت أنقاض البيوت؟.  

يركز البيت الأبيض في بياناته وإفاداته الصحفية على إظهار بايدن بحس إنساني مرهف مهتم لأبعد الحدود في التوصل إلى الهدنة المؤقتة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الهدف الأساسي منها هو حل مشكلة الأسرى الاسرائيليين.

ويسارع إلى حل أزمة تأخير تسليم الرهائن لساعات عدة، فقد ذكرت إدريان واتسون نائبة المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أن الرئيس بايدن تحدث مع أمير قطر ورئيس الوزراء القطري يوم السبت كجزء من جهود الإدارة لمحاولة حل التأخير في اليوم الثاني من إطلاق سراح الرهائن، في العاشرة تماما بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة تحدث بايدن إلى أمير دولة قطر وإلى رئيس وزرائها بشأن تعطيل تبادل الرهائن، وطلب منهما التدخل وحل المشكلة ويجري مكالمة مع كبار مسؤولي إدارته للمسارعة في بذل الجهود والاتصال بالجانب القطري والإسرائيلي والمصري، للعمل على التغلب على الخلافات والنقاط المعلقة، وينهض الرئيس الأميركي بايدن في الصباح الباكر ليطلع على تطورات أزمة الرهائن وجهود الإفراج عنهم في ثاني أيام الهدنة المؤقتة، ولا يستطيع أن يخلد إلى النوم حتى يتم حل المشكلة، ويتم إطلاع الرئيس على آخر التطورات من مسؤولي البيت البيض نقلاً عن الجانب القطري أن الصفقة سارية، وأن ممثلي هيئة الصليب الأحمر الدولي في طريقهم لاستلام الرهائن، بايدن صاحب الحس الانساني المرهف، أين منك ومن تدخلاتك بالمشاكل التي يعاني منها شعب فلسطين؟

أضف تعليق