الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاحد 26/11/2023 العدد 866
الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
معاريف 26/11/2023
إخلاء ثم بناء
بقلم: الون بن دافيد
حتى لو استطالت الهدنة وتواصلت صفقات المخطوفين على مدى زمن طويل، في المستوى السياسي والعسكري توجد وحدة آراء بان بعدها سيستأنف القتال بكل القوة حتى تحقيق هدف تفكيك حماس في الأسابيع الأربعة الأخيرة اثبت الجيش الإسرائيلي بان بوسعه ان يحقق هذا الهدف. لكن الإنجاز العسكري الذي اشتري حتى الان بثمن أليم سيكون عديم القيمة اذا لم يأتِ بعده فعل سياسي يصمم واقعا جديدا في غزة.
بعد الفشل الرهيب في 7 أكتوبر صحا الجيش الإسرائيلي، نفض عنه صدمة المفاجأة والقصور- وضد كل المستخفين الساخرين وأنبياء الغضب على انواعهم أرانا بانه يعرف كيف يسيطر على احد المربعات الأكثر تحصنا في العالم ويهزم منظومات دفاع حماس. رغم القيود التي تفرضها المنطقة المبنية المكتظة في شمال القطاع، والتي تملي حركة في عدد قليل من المحاور المعروفة، نجح الجيش الإسرائيلي في أن يفاجئ ويهاجم كون العدو لم يتوقعه.
قوات فرقة 162 التي تحركت في محور الشاطئ، هاجمت مخيم الشاطئ للاجئين من الشرق والتقت خط الدفاع الذي عبواته الناسفة كانت متجهة غربا. فقد افترضت حماس على ما يبدو باننا سنأتي الى الشاطيء من جهة البحر. هكذا كان أيضا في جباليا وفي الزيتون حين اتجهت منظومات الدفاع لديهم شرقا وهوجمت من الخلفية الغربية مركز مدينة غزة الذي هوجم من الجنوب، من الغرب ومن الشمال، اخضع بسرعة.
في نهاية أربعة أسابيع من القتال نجحت إسرائيل في السيطرة على معظم شمال القطاع باستثناء احياء التفاح، الدرج والشجاعية. وفي اطار ذلك اخلت إسرائيل، في خطوة غير مسبوقة كل سكان شمال غزة تقريبا، 1.4 مليون نسمة، الى جنوب القطاع. هذا الإنجاز اشتري بثمن باهظ وأليم من نحو 70 قتيلا لقواتنا، لكنه ليس قريبا من توقعات مئات القتلى التي كانت لدى انبياء الغضب مثل اللواء المتقاعد اسحق بريك.
غزة أولاً
لكن بينما تجسد آلة حرب الجيش الإسرائيلي بانها مزيتة وناجعة، فان الطابق السياسي فوقها بقي غافيا ويتصرف بكسل. مجلس الامن القومي، جسم اركان يفترض به أن يخلق الخطوة السياسية التي تكمل وتثبت الإنجاز العسكري، لا يزال يبدو كجسم معد لتقديم خدمات غسيل وتنظيف جاف لعائلة نتنياهو. قبل لحظة من استئنافنا القتال، وأغلب الظن استكمال احتلال شمال القطاع هو الانطلاق الى خطوة برية في جنوبه- فان قدرات هيئة الامن القومي لتصميم وضع نهاية الحرب تصبح حرجة. اذا لم تعرف إسرائيل كيف ترسم آلية تدير غزة في اليوم التالي وتجند القوات الدولية اللازمة لمثل هذه الالية فلن نتمكن من انجاز الهدف العسكري. هذه الالية يجب أن تعرض منذ الان في نهاية الهدنة سيعرف الجيش كيف يستكمل احتلال شمال القطاع ويخضع كتائب حماس المتبقية فيه. لكن قبل أن نخرج الى المناورة الحاسمة في جنوب القطاع، فان إسرائيل ملزمة بان تخطط وضع النهاية والا فلن تكون لنا شرعية للوصول اليه.
منذ فترة ويسود التقدير بان قيادة حماس توجد في خانيونس وعلى ما يبدو أيضا معظم المخطوفين. واختار الجيش البدء بالمناورة الى الشمال انطلاقا من الفهم بان هناك توجد أساس القوة العسكرية ومؤسسات حكم حماس. الإنجاز المادي وفي الوعي في احتلال مدينة غزة جاء لحمل قيادة حماس على الاعتراف بانهم يوشكون على فقدان كل شيء، وبالفعل أدى بهم احتلال غزة الى البدء بتحرير المخطوفين.
يحيى السنوار يفهم ما الذي فقده في غزة منذ الان، ويفهم بان اخضاع خانيونس لن يكون صعبا جدا بالنسبة لنا. وعليه فهو يحاول تأجيل النهاية. في جنوب القطاع توجد مناطق مفتوحة أكثر تقيد المناورة اقل. ولكن حتى قبل ان نبدأ بالتحرك نحو خانيونس سيكون مطلوبا أن نخلي اكثر من 200 الف من سکانها، وسنقف امام هدف انساني مرغوب جدا الا يوضع امام اعتابنا.
منذ اليوم يوجد أكثر من مليون لاجيء غزي نزلوا الى جنوب القطاع. اذا ما اضفنا الى هذا خانيونس والبلدات بمحيطها سنصل الى 1,8 مليون لاجيء سيحشرون في 250 مؤسسة عامة تحددت في جنوب القطاع وفي مدن الخيام التي قامت على الشاطيء من سيكون مسؤولا عنهم؟
هذا بالضبط هو السؤال الذي وجهه الوزير غادي آيزنكوت الى منسق اعمال الحكومة في المناطق. ظاهرا، لا يكلف القانون الدولي الجيش الإسرائيلي بالمسؤولية عن السكان في زمن القتال لكن إسرائيل تتصرف تحت القانون الدولي في صيغته المتشددة. معظم الاحتمالات في أنه في الأيام الوسطى التي بين نهاية المناورة في غزة وبين إقامة آلية حكم فيها - فان المسؤولية عن هؤلاء الناس ستلقى علينا وعلى آلية منسق اعمال المناطق.
العودة الى فيلادلفي
اذا لم نعرف منذ الان كيف نخطط مبنى الحكم في غزة ما بعد حماس- سنجد انفسنا نغرق ليس فقط في وحل غزة بل أيضا في مجاريها وامراضها. المشكلة هي انه لا يوجد لنا اليوم شمعون بيرس الذي يعرف كيف يربط زعماء العالم بمثل هذه الخطوة. يوجد لنا رئيس وزراء منبوذ الذي باستثناء الرئيس جو بايدن يمد له أي شخص اليد وحتى بايدن يفعل هذا بتحفظ.
شئنا أم أبينا ، الجواب لغزة ملزم بان يتضمن السلطة الفلسطينية. بدونها لن يكون ممكنا ربط الأمريكيين، الأوروبيين والدول العربية بإدارة وتعمير القطاع في اليوم التالي. أبو مازن ليس كأس الشاي لمعظم الإسرائيليين، وهو بالتأكيد ليس صهيونيا أو مؤيدا لإسرائيل، لكنه الجهة الوحيدة التي ليست بتأثير إيراني والتي يمكنها أن تأخذ المسؤولية عن القطاع بدعم دولي. لا يزال يوجد لها 27 الف موظف من متلقي الرواتب في غزة الذين هم بنية لنظام مستقبلي ، ولا يزال هو لا يمكنه أن يدخل الى هناك على ظهر دبابات إسرائيلية. سيكون مطلوبا تحالف غربي - عربي باسناده- بالشرعية وبالمال.
وتوجد مسألة دراماتيكية أخرى لم تحسمها إسرائيل بعد ما هو مستقبل معبر رفح ومحور فيلادلفي- الحدود التي بين القطاع ومصر. حتى 2005 كان المحور بسيطرة إسرائيلية، ومعبر الحدود بسيطرة مشتركة من إسرائيل والسلطة الفلسطينية. في فك الارتباط تخلت إسرائيل عن القبضة في خط الحدود وفي المعبر.
إسرائيل لم تقرر بعد اذا كانت ستسيطر من جديد على الحدود وعلى المعبر، واساسا بسبب الحساسية تجاه مصر. لكن ينبغي أن يكون واضحا بانه لا يمكن لاي جهة عربية كانت أم دولية ان تضمن لنا منع عبور السلاح من مصر الى القطاع. اذا لم تعد إسرائيل للسيطرة على المعبر الى غزة - فاننا نبدأ في عد تنازلي نحو التسلح المتجدد لحماس.
---------------------------------------------
هآرتس 26/11/2023
الـقـصـور الاقـتـصـادي قادم
بقلم: أسرة التحرير
ستعمد الحكومة في نهاية الأسبوع إلى إقرار تعديل الميزانية للعام 2023. هذا تعديل واجب بسبب النفقات العالية للحرب والتي حطمت إطار الميزانية. بشكل غير مسبوق صاغ مشروع التعديل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بنفسه متجاوزا المستوى المهني في وزارة المالية ومتجاهلا التوصية المهنية بالاقتطاع قدر الإمكان من الزيادة في النفقات من خلال حرف وجهة نفقات غير ضرورية. فالنفقات غير الضرورية الكبيرة للغاية في الميزانية هي الأموال التي وعد بها كجزء من الاتفاقات الائتلافية.
حسم سموتريتش في زيادة الميزانية بنحو 35 مليار شيكل واقتطاع مضاد بـ 4 مليار، منها 1.6 فقط من الأموال الائتلافية. هذا قرار عديم المسؤولية سيمس جدا بمصداقية إسرائيل في أسواق المال العالمية. فقدان ثقة الأسواق معناه أزمة مالية من شأنها أن تصبح مصيبة اقتصادية.
كما أن سموتريتش رفض حتى الآن البحث في تقليصات واجبة في ميزانية 2024 رغم أن نفقات الحرب الجسيمة ستحطم إطارها. اقترح المستوى المهني في المالية تقليص نحو 10 مليارات شيكل في ميزانية 2024، بما في ذلك نحو 6 – 7 مليار في الأموال الائتلافية. أما سموتريتش الذي يعتبر وحدة الائتلاف اعز في نظره من منع أزمة مالية في إسرائيل فقد أجل النهاية.
إذا لم يصحُ سموتريتش، نتنياهو وباقي أعضاء الائتلاف المشوهين في الشهر والنصف القريبين فإن ميزانية 2024 ستنهار ولن يكون من مفر غير تقليص عشرات مليارات الشواكل بشكل لا يميز بين النفقات الضرورية وغير الضرورية في ظل تعطيل عمل قسم من الوزارات الحكومية. حكومة إسرائيل ستفقد قدرتها على أداء مهامها في إطار الحرب لأن الوزراء وعلى رأسهم رئيس الوزراء يرفضون أخذ مسؤولية عن إدارة الميزانية.
نتنياهو كان هناك في العام 2003 حين تصدر في ضوء الانتفاضة الثانية والأزمة المالية خطة تقليص كاسحة في الميزانية وهو يعرف أن المسؤولية في الميزانية تستوجب قرارا عن سلم الأولويات في ميزانية 2024 الآن وعلى رأسها التنازل عن التبذير المطلق للأموال الائتلافية. غير انه ضعيف، واهن، ومستسلم لكل طلب من شركائه في الائتلاف. هو غير أهل للقيادة.
--------------------------------------------
يديعوت أحرونوت 26/11/2023
مال الصفقة «يُعَدّ» في بيت الدرج!
بقلم: رونين بيرغمان
في موعد ما من مساء يوم أمس، اتخذ القرار بأن ينسحب الجيش الإسرائيلي من مربع مستشفى الشفاء قبل دخول وقف النار حيز التنفيذ. معقول الافتراض بأنه قبل أن يفعل ذلك سيفجر الأنفاق التي وجدت من تحت المستشفى. جزء من عقدة المعكرونة التي تمر من تحت الأرض على طول وعرض القطاع التي حفرتها "حماس" على مدى الـ 15 سنة الأخيرة. في اللحظة الأخيرة أدخلت "حماس" إلى قائمة مطالبها الانسحاب من الشفاء. في إسرائيل يقولون، إن هذا الطلب سحب لاحقا. إذا كانت إسرائيل انسحبت بسبب "حماس"، فهذا خطأ. إذا كانت إسرائيل انسحبت وبالفعل فجرت الأنفاق ليس بسبب طلب "حماس" – فهذا خطأ. وفي كل حال – هذا قرار ستأسف عليه إسرائيل جدا سنوات طويلة.
قبل أسبوع ويومين كانت الرغبة اقتحام الشفاء والإثبات بأن "حماس" تستخدم المجال كدرع بشري هي أحد الأسباب التي دفعت الجيش ووزارة الدفاع للاعتراض على التوقيع على الصفقة. الآن، وبالذات حين انتهى احتلال المستشفى بهذا الشكل الناجح بالنسبة للجيش – بدون قتلى، بدون جرحى، مع إخلاء سري للمواليد الخدج في المستشفى إلى مصر الآن بالذات يقطعون الاتصال عن الساحة التي كان يمكنها أن تبقى كمعلم خالد لأكاذيب "حماس" والاستخفاف الذي تمارسه بحق حياة البشر.
في الوقت نفسه، عقد رئيس الوزراء مؤتمرا صحافيا وفي أثنائه بشر بصفقة منتهية، وذلك رغم أن محافل رفيعة المستوى حذرته من أن الأمور ليست منتهية بعد. مصدر وصف بالكبير في محيط رئيس الوزراء قال، إن قائمة النساء والأطفال المرشحين للتحرر توجد لدى إسرائيل منذ الآن رغم أن القائمة لم تكن رفعت بعد على الإطلاق.
بعد الدخول إلى الشفاء، قطع السنوار الاتصال، اختفى، لم يرد على الهواتف، وضع الهاتف صامتا في حالة طيران وهكذا عبر عن غضب "حماس" من أن كذبتها ستنكشف للتو. لكن هذه الصفقة أرادها الجميع ولهذا فقد كان واضحا انه سيعود مرة أخرى إلى المحادثات، ويشارك فيها حتى آخر التفاصيل. رغم هذا النبأ، في هذا المؤتمر الصحافي روى نتنياهو أن إسرائيل تعتزم تصفيته، السنوار إياه الذي لم يقر الصفقة بعد.
"المال يعد في بيت الدرج"، يقول مثل قديم، هذا صحيح لرجال الأعمال. أما نتنياهو فقد قرر أن يعانق الصفقة التي لم يكن قد اتفق عليها من قبل وعلى الطريق أجرى استعراضا لعلاقات عامة ظهر فيه وكأنه تفاجأ. كلمة "أنا" تكررت بلا انقطاع. "وجهت تعليماتي لـ(الموساد)، للعمل ضد قادة (حماس) أينما كانوا"، قال ملمحا بتلميح صريح لقطر، بينما كان رئيس "الموساد" دادي برنيع – الذي يقف على رأس الجسم الذي وجه نتنياهو تعليماته له كي يقوم بحملات تصفية – يوجد في لقاء ممزق الأعصاب مع قادة الإمارة في محاولة عنيدة من جانبه ومن جانب نيتسان الون لحل المسائل الأخيرة التي عرقلت بها "حماس" المفاوضات، وكلما واصل نتنياهو، طلت أمور أخرى كهذه. طلب الانسحاب من الشفاء، مواضيع مختلفة تتعلق بترسيم القوات، المطالبة بالا تناور قوات الجيش في وقت وقف النار، وهذا بعد أن سبق واتفق على أنه على مدى ست ساعات كل يوم تكون سماء غزة معفية من كل طائرة وكل زنانة، مُسيرات التصفية التي اصبح زنها جزءا لا يتجزأ من روتين النهار والليل منذ 7 أكتوبر. الموافقة الإسرائيلية على تهدئة الزن لغير اعتبارات إنسانية مهدت الطريق للصفقة. لكن من شأنها أن يكون لها ثمن عملياتي غير بسيط.
في كانون الأول 2008، اطلع رئيس "الشاباك" في حينه يوفال ديسكن "الكابينت" الأمني بأن قادة "حماس"، وعلى رأسهم محمد ضيف يختبئون تحت الشفاء في القبو الذي بنته إسرائيل قبل بضع سنوات من ذلك، مع تمديدات وتحسينات وإضافات. لاحقا، أصبحت الإضافات الموضوع نفسه – المركز ملجأ كبيرا فر بعض المخربين إليه بعد هجوم 7 أكتوبر، منطقة تخزين سلاح وعتاد كثير، ومعبر إلى الأجزاء الأخرى من المترو.
لو كان للجيش هدف واحد فقط في العملية – ذاك الذي تحدد له في البداية، لكان الأمر سهل التعليل: يجب التقدم بأكبر قدر ممكن حتى تصفية البنية العسكرية والتنظيمية والسياسية لـ"حماس". الضغط الجماهيري أدى بـ"الكابينت" السياسي – الأمني "لتعديل أهداف الحرب" وإضافة تحرير المخطوفين لها. غير أنه رغم أن الجميع يفعل كل شيء في محاولة لتحرير المخطوفين في اقرب وقت ممكن، من شأن هذين الهدفين أن يصطدما.
في إسرائيل واثقون بأن ما ينجح في وسائل الإعلام الإسرائيلية ينجح في وسائل الإعلام الأجنبية، وانه إذا قضت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه توجد أدلة واضحة على أن تحت "الشفاء" يوجد تجمع معكرونة – إذاً، هذا هو، انتهت القصة. لكن رغم الجهد الهائل للناطق العسكري لأن يجلب إلى المكان قطيعا من الصحافيين، فإنه حتى وسائل الإعلام الأكثر عطفا لإسرائيل "فوكس نيوز" مثلا لم تقرر ما انتظره الجيش وأمل به – بأن "حماس" كذبت على العالم، كذبة فظة وغليظة. وبدلا من التفكير كيف يمكن أن تستغل بشكل افضل الساحة التي تكشف فيها الأمور بالشكل الأوضح، في الجيش قرروا تفجيرها.
هل الصفقة جيدة أم لا؟ معظم الخبراء يقولون، نعم. "كل من ينقذ نفسا واحدة، وكأنه انقذ العالم بكامله"، يقول المقدم آفي كالو، رئيس وحدة الأسرى والمخطوفين سابقا في شعبة الاستخبارات "أمان". هو يعتقد أن إسرائيل حققت صفقة جيدة، "لأنه كان يتعين علينا أن نأخذ الأكثر الممكن في هذه الظروف. فمع هذا القدر الكبير من المخطوفين، ومن بينهم الكثير جدا من المدنيين بما في ذلك من أطفال ورضع لا يمكن التطلع إلى صفقة فضلى. نحن في قتال ضد عدو وحشي، بين الطرفين يوجد صفر ثقة وقنوات الوساطة والاتصال معقدة وبطيئة.
مع ذلك يؤمن كالو بأن "حماس" ستنفذ الاتفاق "ليس لأن السنوار اصبح فجأة محبا لإسرائيل بل بسبب الصورة التي أراد دوما أن يخلقها لنفسه، صورة شخص يقف عند كلمته ولا يرغب في أن يحرج المصريين أو القطريين".
سيتأكد الجدال جدا أمام إمكانية صفقة أخرى بعد تحرير من يسميهم السنوار "الرهائن التكتيكيين" ويصل إلى الشعلة حين تضغط الولايات المتحدة على الدواسة وتقول لإسرائيل أوقفوا المناورة البرية.
في هذه الأثناء، حذار على إسرائيل أن تتباهى بالالتزام بإبادة حكم "حماس" وكأن الهدف تحقق. المال من صفقة استكملت، ينبغي أن نتذكر، يُعد في بيت الدرج.
--------------------------------------------
إسرائيل اليوم 26/11/2023
لقادة إسرائيل: لا توقفوا الحرب.. نحن أمام مرحلة حاسمة لـ75 سنة مقبلة
بقلم: أيال زيسر
صفقة المخطوفين التي وافقت عليها إسرائيل، خطوة مهمة في طريق إعادة الأبناء إلى الديار، والحديث يدور هذه المرة عن أمهات وأطفال. ما يؤلم القلب أن بيوت الكثيرين منهم خربت في هجمة حماس الإجرامية بل إن بعضاً من أبناء عائلاتهم لم ينجوا. لكن المخطوفين سيعودون إلى حضن شعبهم الذي سيستقبلهم بعناق حار.
عودتهم إلى الديار هي أقل ما يمكن للدولة أن تفعله من أجلهم بعدما تركتهم لمصيرهم ولم تمنحهم الحماية والأمن. هذه خطوة واجبة، تحظى بتأييد واسع في الرأي العام. وعليه، ينبغي العض على الشفتين في ضوء التنازلات التي تنطوي عليها هذه الصفقة وريح الإسناد التي تعطيها لحماس، والمواصلة إلى الأمام.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى أين الآن؟ من ناحية حماس، الجواب واضح: “التدحرج” إلى وقف نار دائم وإنهاء جولة المواجهة الحالية، مع استمرار حكمها لقطاع غزة، سواء في جنوب القطاع حيث لم تعمل قواتنا، وفي المستقبل انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، من مدينة غزة ومحيطها أيضاً.
هذا، اغلب الظن، هو المنطق الذي وجه يحيى السنوار للموافقة على الصفقة. صحيح أن الحديث يدور عن معتوه مجرم، وحياة الإنسان لا تقدم عنده ولا تؤخر بما فيها حياة الغزيين. ومع ذلك، له خطة عمل مرتبة وأهداف يسعى لتحقيقها. أولاً وقبل كل شيء، أن يخرج منتصراً من الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف تصفية حماس وإزاحتها من غزة. وإن بقاء منظمته – حتى ولو بثمن تدمير القطاع وموت الآلاف من سكانه – هو إذن صورة النصر التي يسعى إليها.
حساب السنوار، وحساب قطر التي تعمل بتكليف منه ومن أجله، بسيط: هم يعولون على آلية ستتطور في الميدان، تؤدي فيها الهدنة في المعارك تداولات في الصفقة التي على الطريق، وضغط دولي متصاعد وتعب في الجانب الإسرائيلي إلى وقف نار دائم وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة. إذا كان هذا هو منطق السنوار وهدفه، فعلى إسرائيل أن تفعل كل شيء كي لا يفلح فيه.
لقد جاءت صفقة المخطوفين بينما كان الجيش الإسرائيلي على شفا تحقيق الحسم في المعركة. كانت الخطوة العسكرية تجري جيداً وتحقق أهدافها رغم المخاوف المسبقة. مدينة غزة حوصرت من كل جهاتها، وقوات الجيش الإسرائيلي آخذة في السيطرة عليها. الناطقون بلسان الجيش والحكومة وعدوا بالتوجه نحو جنوب القطاع أيضاً، وعندما يحصل الأمر ستصفى قدرة حماس على العمل كقوة عسكرية منظمة، بخلاف إرهاب الأفراد. وإضافة إلى ذلك، ستنهار منظومات الحكم لديها، التي تحكم القطاع بواسطتها. غير أنه على شفا الحسم، يتعاظم خوف من أن يفلت هذا من أيدينا.
وصلت إسرائيل إلى حافة الحسم والنصر مرات كثيرة جداً في الماضي القريب والبعيد، وتوقفت في اللحظة الأخيرة، قبل خمس دقائق من الساعة 12. يتذكر الجميع قول دافيد بن غوريون في نهاية حرب الاستقلال عن “البكاء للأجيال” – قرار الحكومة رفض الاقتراح الذي تقدم به إليها في الشروع في خطوة عسكرية تستهدف تحرير القدس واحتلال “يهودا والسامرة”.
إسرائيل، كما هو معروف، أنهت حرب الاستقلال دون السيطرة على “يهودا والسامرة”، وبالمناسبة على قطاع غزة أيضاً، الذي كان بوسعها أن تحتله في المراحل الأخيرة من الحرب. هكذا أيضاً في حرب يوم الغفران، التي توقفنا فيها، تحت ضغط أمريكي، قبل أن تحسم ويهزم الجيش الثالث الذي كان محاصراً من قواتنا. وهكذا سمحنا لمصر بالاحتفال بـ “نصر” لم يكن بالمعركة مع إسرائيل. وفي النهاية، هكذا أيضاً في حرب لبنان الثانية، حين أوقفت النار بينما كان “حزب الله” في موقف وتكبد خسائر وأضراراً جسيمة.
هناك من يرون في الحرب الجارية في غزة بمثابة “حرب استقلال وانبعاث” لجيلنا، فهي كفيلة بأن تقرر مصيرنا في المنطق لـ 75 سنة القادمة. لهذا السبب، محظور التوقف ولو للحظة قبل الحسم وقبل تحقيق أهداف الحرب، والتي ستضمن لنا الأمن وستعيد إسرائيل إلى الطريق السليم، الذي كانت عليه عشية 7 أكتوبر.
--------------------------------------------
هآرتس 26/11/2023
بعد اعترافه أن “تصفية حماس مهمة صعبة”.. بايدن بين “الضغط” العربي ورغبات نتنياهو
بقلم: تسفي برئيل
لرئيس مصر، عبد الفتاح السيسي، مخطط أصيل لإنهاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين؛ ففي مؤتمر صحافي عقده أول أمس مع رؤساء حكومات بلجيكا وإسبانيا، اعترف بأن الحل السياسي لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هو حل “بعيد المنال”. لذلك، اقترح بأنه “على الأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين بدون إجراء مفاوضات”. لدى السيسي أيضاً فكرة عن شكل هذه الدولة. “لقد قلنا إننا على استعداد لتكون دولة منزوعة السلاح، وستقدم الضمانات الأمنية قوات أجنبية من الناتو والأمم المتحدة ودول عربية أو الولايات المتحدة؛ لضمان أمن الدولتين، فلسطين وإسرائيل”.
ريما يشك السيسي بنفسه وبجديته وهو يقول ذلك، لكن الفكرة التي طرحها تدل على تشوش وإحباط وعجز لدى مصر حول مسألة السيطرة على غزة بعد الحرب. ولا يوضح السيسي كيف سيتم نزع سلاح حماس وماذا ستكون حدود الدولة الفلسطينية وما الآلية التي ستضمن الأمن في غزة، وما إذا كان لحماس أي دور في الدولة المستقبلية وما هي السلطة الفلسطينية التي ستحكم غزة.
ليس السيسي وحده هو الذي يجد صعوبة في وضع خطة عقلانية مقبولة لمستقبل القطاع بشكل خاص، و”المناطق” [الضفة الغربية] بشكل عام. حتى م.ت.ف تتخبط تخبطاً كبيراً؛ قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قبل أسبوعين إن رام الله لن توافق على إدارة القطاع إلا في ظل حل سياسي شامل. ولكن المتحدث بلسانه نبيل أبو اردينة، قال الأربعاء في مقابلة مع الشبكة التلفزيونية الأمريكية “الحرة”: “نحن على استعداد لتطبيق مسؤوليتنا في الضفة الغربية وغزة، كما وافقنا في أوسلو، حسب القانون الدولي. منذ 30 سنة ونحن نمول احتياجات قطاع غزة، من كهرباء ومياه وغاز وتعليم، وهناك نحو 88 ألف موظف ومتقاعد يحصلون على الرواتب من ميزانية السلطة الفلسطينية”.
هذا التصريح بعيد عن الدقة، لكن هل السلطة الفلسطينية وبحق مستعدة لتحل مكان حماس في غزة – حتى بدون إطار مفاوضات على الحل الدائم – خلافاً لموقف محمود عباس؟ يمكن إيجاد الإشارة على ذلك في أقوال أبو اردينة عن الحرب في غزة: “لا صلة لنا بما يحدث بين إسرائيل وحماس”، وأضاف “نحن مسؤولون عن الشعب الفلسطيني في غزة… حماس خرجت عن الشرعية الفلسطينية بعد الانقلاب في 2007”. لم يسمع حتى الآن على لسان أي متحدث فلسطيني رسمي مثل هذا التصريح العلني في فترة الحرب، لكن حتى هنا يقفز أبو اردينة في موازاة ذلك على الحقائق وكأنه لم يكن هناك عدد لا يحصى من اللقاءات والمفاوضات وحتى الاتفاقات بين السلطة وحماس حول المصالحة والتعاون في الحكم؛ وكأن محمود عباس لم يلتق قبل شهر من الحرب مع جهات رفيعة في حماس في مصر لمناقشة المراحل القادمة للمصالحة وإمكانية تشكيل حكومة فلسطينية موحدة.
أقوال أبو اردينة، إذا كانت تمثل محمود عباس أيضاً، فإنها تعكس كما يبدو انقلاباً في نظر السلطة لحماس ودورها في غزة. وهي تمثل موقفاً “معدلاً” لم يعد يربط السيطرة في غزة بمفاوضات سياسية شاملة. ولكن من الأفضل عدم التسرع للانجرار. في غداة هذه المقابلة المتفجرة، دعي أبو اردينة لإجراء مقابلة مع قناة “العربية” السعودية لتوضيح قصده. هل تسرعت في أقوالك؟ هل تريد تعديلها أو نفيها؟ سئل. كان جوابه وكأنه أخذ من كراسة الإجابات التي يستخدمها الوزراء وأعضاء الكنيست في إسرائيل عندما يسألون أسئلة محرجة. “طرح هذا السؤال لا يخدم الشعب الفلسطيني”، قال. “هذه ليست حرباً بين فتح وحماس، أو حرب الفصائل الفلسطينية، هذه معركة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والإدارة الأمريكية ووكلائها في المنطقة… أريد منك للمرة الأخيرة عدم تكرار دعاية منهجية تمس بوحدة الفلسطينيين”. وعندما صمم مجري المقابلة على سماع رد واضح، غادر أبو اردينة.
عندما يعرض الرئيس المصري مخططاً خيالياً بدرجة ما، ويعترف أن حل الدولتين “بعيد المنال” وأن احتماليته استنفدت، وعندما تتحدث السلطة الفلسطينية بعدة أصوات غير متماسكة، حينئذ يصعب فهم علام يسند الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حلمه في الحل الدائم، وحتى الخطة المتسرعة لإدارة القطاع على يد “سلطة مجددة” حسب تعبيره. هذا في الوقت الذي ليس له شريك في هذه الأثناء، سواء من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني. ولكن إلحاحية خطة واقعية كهذه آخذة في التعاظم إزاء الجهود التي تبذل الآن لتمديد وقف إطلاق النار في غزة.
في الوقت نفسه، تحاول قطر ومصر وتركيا وبعثة وزراء الخارجية العرب برئاسة السعودية وإيران أيضاً، ترسيخ وقف طويل لإطلاق النار، وحتى وقف دائم. أشار بايدن إلى ذلك في خطابه الذي ألقاه بالأمس عندما ذكّر بوجود احتمالية حقيقية لتمديد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وقال إن هدف إسرائيل تصفية حماس هدف شرعي، لكن تنفيذه سيكون صعباً. فسرت إسرائيل أقواله بأنه مجرد تعامل مع تمديد وقف إطلاق النار، في سياق تبادل المخطوفين والأسرى، وهو التمديد الذي أعلنت إسرائيل نفسها استعدادها له. ولكن عندما يعترف بايدن في الوقت نفسه بأن تصفية حماس ستكون مهمة صعبة، فيجب على إسرائيل أن تفهم من ذلك بأن الولايات المتحدة بدأت تشكك في استكمال أحد أهداف الحرب الأساسية.
نستنتج من ذلك أن واشنطن لا تعتبر وقف إطلاق النار المحدد، حتى لو تم تمديده، عاملاً في الآلية المستقبلية لإطلاق سراح المخطوفين، بل فترة زمنية يجب استغلالها لإيجاد اتفاق على المدى البعيد. ليس حلاً دائماً، بل حل يرتب السيطرة في غزة. هذا الاعتقاد ربما يجعل الإدارة الأمريكية تغير وتسرع استراتيجية الخروج من الحرب، بحيث يتم دفع مبادرات سياسية قدماً في موازاة وقف إطلاق النار، وربما في موازاة استئناف القتال، وأن النقاش الجاري حول الترتيبات لن ينتظر تصفية حماس.
إحدى طرق تطبيق مثل هذه العملية تمت مناقشتها مؤخراً بين جهات أمريكية رفيعة ونظراء لها في مصر والسعودية والأردن. واقترح المشاركون في المحادثات وجوب عقد مؤتمر دولي حتى قبل انتهاء الحرب، كما بمبادرة الولايات المتحدة، لمناقشة الحل الدائم للنزاع. حسب أقوال مصدر دبلوماسي رفيع مطلع على مضمون هذه المحادثات، فإن واشنطن تحت ضغط كبير من قبل الدول العربية للدفع قدماً بمشروع قرار في مجلس الأمن، الذي سيملي وقفاً فورياً لإطلاق النار.
“الرئيس الأمريكي يرفض هذا التوجه في هذه الأثناء؛ لأنه حسب رأيه سيمس أولاً وقبل كل شيء باحتمالية إطلاق سراح المخطوفين مقابل الهدن المحددة”، وأضاف المصدر: “وهو لا يريد أيضاً قطع الطريق على إسرائيل في مواصلتها لتصفية حماس قدر ما تستطيع؛ حتى لو لم يؤمن بأنه يمكنها تحقيق هذا الهدف بالكامل. ولكن استمرار القتال وما سيقع على سكان جنوبي القطاع هذه المرة، قد يضع بايدن في وضع يصعب عليه فرض الفيتو في مجلس الأمن دون الإضرار بشبكة علاقات مهمة مع الدول العربية. بالنسبة له، المبادرة السياسية وتحريك المفاوضات مع السلطة الفلسطينية يمكنها حل مشكلتين في الوقت نفسه: منع نقل القرار بشأن وقف إطلاق النار إلى مجلس الأمن، وترتيب السيطرة على غزة بواسطة السلطة بعد الحرب، بدون وقف القتال. ولكنها خطة، مهما كانت مقبولة لدى الإدارة الأمريكية، ففيها نقطة ضعف صغيرة، وهي أن إسرائيل تعهدت بمواصلة القتال حتى تصفية حماس، وهي ترفض منح أي دور في المستقبل للسلطة الفلسطينية في غزة.
--------------------------------------------
يديعوت أحرونوت 26/11/2023
إسرائيل بعد “الصفقة”: حماس بقوتها والسنوار متحكم وتصريحات نتنياهو فارغة
بقلم: ناحوم برنياع
يجلس 13 من أبناء وبنات “كيبوتس بئيري”، أمهات وأطفالهن في مكان ما في قطاع غزة، ينتظرون، مثلما في 7 أكتوبر، النجدة التي تنتظر الوصول. يجلس أبناء عائلاتهم في المستشفيات، وينتظرون البشرى؛ تقف عائلات الـ 200 مخطوف الآخرين، تلك التي تترقب استقبال أقربائها لاحقاً، وتلك التي تعرف أن الطريق لا يزال طويلاً، وتترنح بين الأمل واليأس والغضب. أمس، كان يفترض أن يكون خليطاً من الفرح والحزن: فرح بالقادمين، وحزن على المتبقين، ولكن على أولئك الذين لن يعودوا أبداً. تلقينا تمزيق أعصاب طويلاً، وبعده تنفس الصعداء. في قائمة القادمين، كان ستة أشعر نحوهم بقرب خاص. من الخير أنهم عائدون إلى الديار.
تؤدي الدراما التي شاهدناها حول الأسرى إلى ثلاثة دروس أولية:
الأول، لا تزال حماس قوية في المنطقة، والسنوار يتحكم بها. الأحاديث عن انهيار حماس كانت سابقة لأوانها وعبرت عن أمنية أكثر مما عبرت عن رؤية واعية للواقع. قوتها تترجم إلى قوة مساومة حيال الوسطاء وإسرائيل، وإلى مطالب تشمل وسط القطاع وجنوبه بل والشمال أيضاً، الذي يخضع في معظمه لسيطرة الجيش الإسرائيلي. تعززت سيطرتها في الميدان في أيام وقف النار.
الثاني، الاتفاق ليس مغلقاً حتى النهاية؛ ستظهر في الأيام القريبة المزيد من فجوات الفهم ومناورات الابتزاز، التي ستصبح حالات دراماتيكية ممزقة للأعصاب على ظهر المخطوفين. انعدام اليقين الأساس بين إسرائيل وحماس متوقع تماماً. المشكلة أنه لا توجد هنا فئة وسيطة يكن لها الطرفان ثقة مطلقة أو يأتمران لإمرتها. هذه الرزمة يجب أن تغلف كل يوم من جديد.
الدرس الثالث: صعب على حكومة إسرائيل أن توقف صفقة كهذه بعد أن تعهدت بها. من اللحظة التي تبدأ فيها الصفقة بالتحقق، تسيطر قوة المشاعر على الخطاب الجماهيري. كل توقف يفسر أنه خيبة أمل، وإحباط، وفشل، كل الأوصاف التي تحذر الحكومات من الدخول إليها. لقد درج أرئيل شارون على تسمية هذه المرحلة “مسار الذبح”: مسار واحد يؤدي بالأبقار إلى مصيرها؛ لا يوجد مخرج آخر. التهديد الذي امتشق أمس، في أنه إذا واصلت حماس تأخير عملية التحرير، ستستأنف إسرائيل النار، كان متسرعاً وعليلاً وفارغاً من مضمونه. ثمة حاجة لأكثر من هذا بكثير لخرق خطوة على هذا القدر من الدراماتيكية والتعقيد والتعلق بحياة الكثيرين.
حماس منظمة إرهاب إجرامية، لا مشكلة لها في استخدام الابتزاز أو طرح ادعاءات كاذبة. مع ذلك، كنت أقترح منذ بداية الحرب التعاطي بشك حتى مع الادعاءات التي تأتي على لسان “مصدر سياسي رفيع” أو “مصدر أمني رفيع” في إسرائيل. فمحافل في المحكومة تخوض صراع بقاء شخصيا وسياسيا في التوازي مع خوض الحرب. أطنان من الزبدة تطلى بها رؤوسهم. وهم يدورون الزوايا بموجب ذلك.
سآتي بمثال واحد لم ينل اهتماماً كافياً: في المؤتمر الصحافي الذي رافق الاتفاق على صفقة المخطوفين الأربعاء الماضي، تطرق نتنياهو إلى موضوع مهم جداً ومشحون جداً: زيارات الصليب الأحمر للمخطوفين. هناك تعهد من حماس للسماح بالزيارات، قال. وكدليل على ذلك، سحب ورقة من جيبه وقرأ منها بنداً يتحدث بالضبط عن هذا: زيارات رجال الصليب الأحمر للمخطوفين.
فوجئت: زيارات الصليب الأحمر للمخطوفين كانت ستغير الصورة كلها من جذورها. كنا سنعرف وضعهم جميعهم، الظروف التي يحتجزون فيها ومكانهم. المخاوف حول حياة المخطوفين كانت ستهدأ دفعة واحدة: وحماس كانت ستفقد جزءاً كبيراً من قوة المساومة التي لديها. لا توجد بشرى أفضل من هذا.
فحصت. تبين لي أن هناك بنداً، لكن لا يوجد أي تعهد بالتنفيذ. بل أكثر من هذا: طرفا المفاوضات افترضا في إطار العمل بأن هذه كلمات عديمة المعنى، ورقة طلبها الطرف الإسرائيلي كي يقنع سموتريتش وكتلته بالتصويت إلى جانب الاتفاق أو لإقناع عائلات المخطوفين بتخفيض النبرة. ماذا يشبه الأمر؟ التعهدات الائتلافية في الماضي للإجهاز على حماس. وعدوا، لكنهم لم يوفوا.
عندما امتشق نتنياهو الورقة كان يعرف أن لا شيء فيها: فهو ليس غبياً. لشدة الأسف، يعتقد أن ناخبيه أغبياء. عدت وشاهدت الشريط من المؤتمر الصحافي. عندما أخرج نتنياهو الورقة، وجه غالنت وغانتس نظرهما إليه وكأنهما يريانه لأول مرة. لم يبدوا سعيدين. لا تنتصر الجيوش بالوعود العابثة.
--------------------------------------------
هآرتس 26/11/2023
“شرطة المشاعر الإسرائيلية” للمحررين الفلسطينيين وأهاليهم: “فرحتكم جريمة”
بقلم: جدعون ليفي
كانت نهاية أسبوع صادمة، لم يكن أحد يستطيع الوقوف دون اكتراث. صور العائدين من مسنات وأطفال، مثل ألف مسلسل تلفزيوني مع نهاية سعيدة. أن ترى اميليا (6 سنوات) وهي تبكي، وترى إيهود (9 سنوات) ترتعش، وحنه كتسير التي أعلن “الجهاد الإسلامي” عن موتها، ويافا هدار التي بقيت على قيد الحياة في سن الـ 85، ثم تشعر بغصة في الحلق. أن يكون وضع الجميع جيداً حقيقة مفرحة لا مثيل لها. هكذا تبدو الفرحة الوطنية ممزوجة بالحزن والخوف والألم الذي تعيشه إسرائيل منذ 7 تشرين الأول. نأمل أن يعودوا جميعاً.
إسرائيل بالفرحة المختلطة، والفلسطينيون بالفرحة المختلطة. أمسموح أن نفرح لفرحهم؟ لمن يُسمح أصلاً أن يفرح في هذه البلاد؟ شرطة المشاعر وضعت الحدود: يُحظر على الفلسطينيين أن يفرحوا. ممثلو شرطة إسرائيل زاروا بيوت المحررين في شرقي القدس، وحذروا السكان هناك من إظهار أي مظهر للفرح. الفرح بعودة أبنائنا مسموح لنا، أما هم فمحظور عليهم الفرح بعودة أبنائهم. ولكن الحظر لا ينتهي هنا؛ فمحظور علينا أيضاً مشاهدة فرحهم.
أشرق الصبح على غزة غداة عودة المخطوفين. كان هذا هو الصباح الأول بعد 50 صباحاً متواصلاً غطت سماء غزة سحب الدخان والغبار بسبب الانفجارات. الناس هناك لم يهربوا طلباً للنجاة هنا وهناك، وهم عاجزون أمام القنابل والصواريخ التي لا يعرف أحد متى ستسقط. الأطفال حتى الآن يبولون في الفراش من شدة الخوف (هذا إذا بقي لهم الآن فراش). لكن هل مسموح لنا الفرح في إسرائيل أيضاً على ذلك؟
على بعد ساعة سفر من المستشفيات التي ضجت بفرح وطني بعد لمّ شمل العائلات، كانت مشاهد مشابهة في شرقي القدس والضفة الغربية، لكن الأب الذي لم ير ابنته منذ ثماني سنوات التقى معها بالاحتضان الدامع. الأم ركضت بشكل هستيري نحو ابنتها التي كانت في السجن منذ سبع سنوات. شاهدت أم ملك سلمان من بيت صفافا وهي تحتضن ابنتها تبكي وتصرخ. ملك صرخت: “أمي، أمي”. شعرت بالفرح. أهذه جريمة؟ أهو عيب نفسي؟ أخلاقي؟
39 امرأة وقاصراً من الفلسطينيين شقوا طريقهم من السجن نحو عائلاتهم والحرية. بعضهم أدين بالطعن وحيازة سكين أو محاولة القتل. آخرون أدينوا برشق الحجارة أو تهمة بسيطة. لا أحد منهم بريئا من جريمة مقاومة الاحتلال العنيفة. وكان مسموحاً للدولة تقديمهم للمحاكمة ومعاقبتهم. ولكنهم من البشر أيضاً. الأطفال يظلون أطفالاً، حتى عندما يدور الحديث عن راشقي حجارة صغار حكمت عليهم إسرائيل بأحكام غير متزنة وبظروف قاسية أكثر بكثير من أبناء جيلهم اليهود. فرحتُ لرؤيتهم يتحررون. أعرف أن هذا الأمر كان محظوراً علي.
في لحظة استثنائية لتغطية تلفزيونية أحادية الجانب المؤلمة في إسرائيل، أظهروا أول أمس في “أخبار 13” لحظة فرح للفلسطينيين بعودة فتاة. الموغ بوكر، المراسل الميداني الذي يتحول من حرب إلى أخرى إلى فنان أكثر منه مراسلاً والذي لم يعد يستطيع أن ينطق كلمة “حماس” دون أن يرفق بها كلمة “نازيين”، صرخ من مكانه بغضب مقدس وقال: “يجب عدم إظهار ذلك”. حاول رفيف دروكر إقناعه بأنه من المهم إظهار سعادة الفلسطينيين لكشف وجوههم، بعد أن فشل في محاولته إقناعه بضرورة نقل كل شيء، لأن هذه هي الصحافة ببساطة.
يعتقد الموغ بوكر أنه يجب إظهار ما يخدم أهداف إسرائيل فقط في الحرب. في الحقيقة، في الإعلام الإسرائيلي ليس الممنوع فقط إظهار معاناة غزة، بل يمنع أيضاً إظهار فرح الوالدين بعودة الابنة من السجن، حتى لا يغرينا التفكير بأنهم بشر ولديهم أحاسيس.
هذه أيام تضج بالمشاعر الآن. قطار الجبال يصعد ويهبط، ومسموح أن نبقي مكاناً صغيراً لفرح الفلسطينيين العاديين. والحرب، كما تقول الحكومة، هي ضد حماس فقط.
--------------------------------------------
هآرتس 26/11/2023
طبيب نفسي عمل في “أمان”: جهاز إشكالي وكثيراً ما يخفق في توقعاته
بقلم: عوفر غروزبرد
منذ آب 2022 وحتى كانون الأول 2022 عملت كطبيب نفسي في قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية “أمان”. مهنتي هي طبيب نفسي، وباحث في مجال علم النفس بين الثقافات. تم استدعائي للعمل في “أمان” بسبب الشعور بأنني أعرض وجهة نظر مختلفة عما لديهم. كنت الطبيب النفسي الوحيد في الجهاز. وحسب معرفتي، فإن الأطباء النفسيين لم يصمدوا في هذا الجهاز مدة طويلة. الهدف من هذا المقال هو انتقاد متعاطف وبناء، وليس البحث عن مذنبين. لا أعتقد أن هناك شخصاً مذنباً بشكل خاص في المذبحة الفظيعة التي وقعت في 7 تشرين الأول. حسب معرفتي، فإن بنية الجهاز لسنوات كثيرة هي بنية إشكالية. وإخفاقات الجهاز في التنبؤ كثيرة وثابتة (حرب يوم الغفران، اتفاقات أوسلو، الانتفاضة الأولى والثانية، والمذبحة الأخيرة).
هذا جهاز بني على مجموعة نوعية من الشباب الصغار نسبياً، الذين اختيروا بعناية ويعملون معاً منذ سنوات. عمل جماعي مغلق لسنوات أمر مطلوب من أجل التأهيل والسرية، لكنه لا يسمح بتنفس الفكر، ويخلق جموداً في التفكير؛ لأن أعضاء المجموعة يدعم بعضهم بعضاً.
هذه مجموعة متجانسة جداً بدون أفراد كبار في السن، مع القليل من النساء في الوظائف العليا، وتقريباً بدون أي تنوع ثقافي. كنت أكبر بحوالي عشرين سنة من الكبار بينهم (الذين كانوا في الأربعينيات). كبار السن هم على الأغلب أقل غطرسة من الشباب وأقل رؤية للعالم بالأسود والأبيض. النساء أقل ميلاً لصراعات “الأنا”، وحاجتهن إلى أن يكنّ هن المحقات، أقل قوة. التنوع الثقافي أداة مهمة جداً. المجموعة المؤهلة في قسم الأبحاث هي في معظمها من الشباب الذين لديهم خلفية عصرية وغربية، فيها أولوية للتفكير التحليلي، لكن لديهم مؤهلات اجتماعية متدنية. لم يتربوا في عائلة واسعة فيها أب موثوق، وهم بحاجة دائماً إلى التعرف على الآخر والانسجام معه.
بنية الاستخبارات العسكرية، مثل كل الجيش، هرمية بشكل يقيد التفكير المنفتح والنقدي والإبداعي. القادة يريدون التقدم نحو قمة الهرم الآخذة في الضيق. بالتالي، لا يسمحون لأنفسهم بالتعبير عن مواقفهم بحرية. هذه أمور مهمة بشكل خاص في الاستخبارات، التي قد تكون العقل المفكر للجيش وللدولة.
شاركت في لقاءات لم يسمع فيها أي إنجاز لأي مشروع جديد. تقدم نحوي ذات مرة شخص كبير واعترف بأنه “يريد ضرب نفسه” لأنه لا يقول موقفه في هذه اللقاءات. من الواضح أنه لم يكن الوحيد. وقال: “رئيس الأركان يثني عليهم لأنهم وصلوا إلى درجة ليس لهم أن يتحسنوا بعدها أكثر”. قيل لي مرات كثيرة بشكل شخصي ما الذي يجب أن أقوله وكيف. مثلاً، يجب ألا تقول في منتدى واسع بأن قسم الأبحاث هو مجموعة مغلقة تعزز نفسها؛ لأن هذا أمر مهين (مع كل ذلك قلت، ببساطة لأنني لم أخش على مكاني)، عدم طرح اقتراحات مختلفة لأنهم “سيرمونني على الأرض”. عندما التقيت مع شخص رفيع رفض أي دور لعلم النفس بين الثقافات، وقال: “لا يمكن التعميم على الثقافات”. قيل لي إنه الأكثر تأثيراً على رئيس “أمان”، وإنني أتسبب بالمشكلات. وعندما اقترحت اقتراحات ظهرت لي أنها ابتكارية، قيل لي إنهم لم يدفعوا بها قدماً؛ لأن المستوى السياسي لن يوافق عليها. وقيل لي إنه ليس الوقت المناسب، وعليّ أن أصبر. طلبت ببساطة إسماع رأيي، وأن من حق هذه الأفكار أن تُقبل أو تُرفض. ولكنهم رفضوا.
موضوع كتابة المقالات في قسم الأبحاث، التي تصل إلى كل الأجهزة الأمنية بشكل سري، حتى هذا الأمر يعدّ إشكالياً. المقال غير حر ومفتوح كما هو سائد في الأكاديميا. فالكاتب هناك يكتب على مسؤوليته، والمؤسسة الأكاديمية لا تكون مسؤولة عما يكتبه. كل مقال يجب أن يصادق عليه شخصان رفيعان يمكنهما التدخل في النص المكتوب (لا يوجد موضوع سري هنا؛ لأن النشر في الأصل محدود). إضافة إلى المس بحرية التفكير، يطرح الفاحصون إنجازات بخصوص مواد لا يعرفون أي فكرة عنها (في حالتي علم النفس).
اختيار مشاريع جديدة في مجال أبحاث متنوعة، التي قد تصل تكلفتها إلى ملايين الشواكل، يتم من قبل شخص مسؤول – عسكري متقاعد رفيع لا يملك أدنى عن المجال مدار الحديث. مثلاً، مشاريع عن بيانات الداتا الضخمة. قادة المشاريع أنفسهم شعروا أن هذا الأمر وهم. تحدثت مع المسؤول عن ذلك وأشركته في الانطباع الذي تولد لدي، وهو أنه ينقص رأي أشخاص مهنيين في المجالات المختلفة للمشاريع. اتفق معي، ولكني لا أعرف إذا حدث تغيير في هذا الشأن.
عملي في قسم الأبحاث وصل إلى النهاية عندما كتبت رسالة لرئيس الجهاز، أطلعته فيها على الصعوبة التي أجدها في إدخال علم النفس بشكل عام، وعلم النفس بين الثقافات بشكل خاص، في عمل “أمان”. وطلبت مساعدته في الموضوع الذي من أجله تم استدعائي. طلب مني المسؤول عني عدم إرسال الرسالة. لم أوافق، وأرسلتها. عندها تمت إقالتي. ولم أسمع أي شيء حتى الآن من رئيس “أمان”.
عندما أنهيت عملي، أرسلت ملاحظاتي المفصلة لبني غانتس عندما شغل منصب وزير الدفاع، وإلى مراقب الدولة نتنياهو انغلمان، ومدير عام رفائيل، الجنرال احتياط يوآف هار ايفن، الذي جزء من قسم الأبحاث كان تحت مسؤوليته. ولكني لم أحصل على أي رد منهم.
--------------------------------------------
هآرتس 26/11/2023
لا تصلحوا قانون القومية بل الغوه
بقلم: أسرة التحرير
القانون الأساس: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي، هو قانون سيئ. تشريعه في 2018 شكل بداية الموجة العكرة المناهضة للديمقراطية التي تغمرنا منذئذ. وهذه هي الموجة إياها التي في ذروتها قامت الحكومة الأكثر قومية وعنصرية في تاريخ الدولة، برئاسة بنيامين نتنياهو وبمشاركة مع اليمين المتطرف التي قادت محاولة انقلاب نظامي بهدف تقويض الأساسات الديمقراطية لإسرائيل. فقد سعى الانقلاب النظامي لمنح قوة غير محدودة بالائتلاف، وذلك ضمن أمور أخرى لأجل تثبيت التفوق اليهودي والدونية العربية، بعد أن نص عليهما في قانون القومية. لو كان الانقلاب خرج الى حيز التنفيذ، لتحول قانون القومية من قانون تصريحي صرف كما حاولوا عرضه عند سنه، الى المرسى الدستوري لسلسلة طويلة من القوانين المناهضة للديمقراطية، وأولا وقبل كل شيء ضد الأقلية العربية. الحكومة التي أشرفت على تفكيك المجتمع والدولة لم توافق على التوقف عن مهمتها الهدامة ولا حتى في ضوء الإخطارات بالخطر الأمني بسبب الانقلاب النظامي. أما كيف انتهى هذا، فالكل يعرف.
في أعقاب سقوط جنود من أبناء الطائفة الدرزية في الحرب في غزة، والذي أنار من جديد الظلم الذي أحيق بمواطني إسرائيل الدروز في قانون القومية، يوجد في الائتلاف من يعملون على قانون أساس ينص على "المكانة المهمة للطائفة الدرزية". أصوات أخرى تروج في محاولات "إصلاح" قانون القومية كي يحسن لأبناء الطائفة.
ينبغي رد كل هذه المحاولات ردا باتا. فهذه محاولات مشوهة لترجمة "حلف الدم" الى مكانة مدنية متساوية (نسبيا)، حسب الصيغة المناهضة للديمقراطية والتي بموجبها المكانة المدنية هي جائزة تمنحها الدولة لمن نجح في اختبار الولاء. هذا في الوقت الذي تعد فيه المواطنة المتساوية بالفعل أساس الديمقراطية. ليس فقط لمن يخدم في الجيش. ليس فقط لهذه الجماعة أو تلك، كجائزة على السلوك الحسن.
إضافة الى ذلك، فإن هجمة حماس لم تتجاوز مواطني إسرائيل العرب. منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ونحن نغمر بالقصص التي تكشف التضامن بين عموم أجزاء المجتمع، البطولة والتضحية التي يبديها الكثيرون جدا. الوحدة الإسرائيلية العامة التي كشفت في السبت اللعين وتتبين منذئذ حيوية ليس فقط لأجل الانتصار في الحرب بل وأيضا وأساسا من أجل انبعاث إسرائيل. قانون القومية يقوض الوحدة الإسرائيلية، لأنه يشخص المساواة كعدو.
وهكذا فإنه يعرض للخطر المجتمع ومستقبل الدولة. إسرائيل قانون القومية هي دولة تقصي الأقليات وتغربهم وذلك بخلاف روح وثيقة الاستقلال.
هذا ليس فقط مناهضا للديمقراطية، هذا خطير أيضا. قانون القومية لا يمكن إصلاحه. يجب شطبه من سجل قوانين إسرائيل. هذه ستكون بداية ترميم مجلس النواب الإسرائيلي وبداية إشفاء المجتمع كله. ونعم، الآن بالذات.
--------------------------------------------
هآرتس 26/11/2023
الجيش الإسرائيلي كان يملك معلومات عن خطة حماس
بقلم: عاموس هرئيل
سبق هجوم حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) لبلدات غلاف غزة، الذي زج بإسرائيل في حرب وفي واقع استراتيجي صعب، مؤشر مهم وصل لجهاز الاستخبارات. من المعلومات التي وصلت لـ"هآرتس"، يتبين أنه خلال أكثر من سنة قبل الهجوم كانت لدى شعبة الاستخبارات معلومات عن خطة هجوم لحماس، التي استهدفت عشرات البلدات والمواقع العسكرية وتضمنت محاكاة لاختراق خط الحدود في عشرات النقاط. معظم هذه المعلومات شاركتها أيضا مع الشباب، ويبدو أن جزءا منها على الأقل كان معروفا للمستوى السياسي، الذي تبدل خلال هذه الفترة. في إسرائيل لم يستعدوا كما ينبغي لمواجهة التهديد، ولم يصدقوا أيضا أن هذه هي الخطة التي تنوي قيادة حماس برئاسة السنوار تنفيذها.
الفشل الاستخباري، إضافة الى الاستعداد المضاد الضعيف جدا على طول الجدار والسياسة الخاطئة في مضمونها للحكومة في الساحة الفلسطينية، أدت الى الحرب التي فاجأت إسرائيل بشكل كامل وأدت الى قتل جماعي للمدنيين ورجال قوات الأمن. المعلومات المعروضة هنا تضاف الى كشوفات سابقة، الكثير منها في "هآرتس"، عن عمق الفشل. هي تشمل، ضمن أمور أخرى، تحذيرات رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية "أمان"، العميد عميت ساعر، حول "العاصفة الإقليمية المتمادية"، التي ستجد إسرائيل نفسها عالقة فيها على خلفية الصراع الجاري حول الانقلاب النظامي؛ وتحذيرات المستوى التكتيكي والمراقبات في فرقة غزة من النساء، التي تجاهل قادتهن المعلومات التي قمن بجمعها عن استعداد حماس لهجوم في الميدان؛ والمشاورات الليلية التي عقدت في الجيش وفي الشاباك قبل الهجوم والتي لم ينتج عنها أي استعداد دفاعي مناسب.
وقف إطلاق النار الأول في الحرب في قطاع غزة يوفر لنا فرصة جيدة للعودة الى أساس الفشل الاستخباري الذريع، للأسف الشديد، وهو نجاح حماس في القتل في بلدات الغلاف. المعلومات المذكورة هنا تعتمد على تحقيقات غير رسمية جرت في جهاز الأمن بعد البدء في الحرب. هذا الفشل توجد له أيضا تداعيات سياسية: محيط رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يدير منذ اليوم الأول للحرب معركة داخلية موجهة ضد كبار في جهاز الأمن -الاستخبارات العسكرية بشكل خاص- بهدف إلقاء المسؤولية الحصرية عن الكارثة عليهم. لا يمكن إعفاء نتنياهو من المسؤولية الشاملة عن الفشل الاستراتيجي-الأمني الذي حدث هنا. ولكن هذا لا يجب أن يقلل من دور جهاز الاستخبارات فيما حدث (المعلومات لا تصل الى "هآرتس" عبر قنوات سياسية).
الفهم يتبلور، لكن غزة تهبط مكانتها في سلم الأولويات
الإدراك بأن حماس تقوم ببلورة خطة هجومية، التي موضوعها محاكاة ضرب البلدات الإسرائيلية ومواقع الجيش الإسرائيلي على طول حدود القطاع، تبلور قبل عملية الجرف الصامد في تموز (يوليو) 2014. فقد كان لدى الاستخبارات العسكرية والشاباك في حينه معلومات أساسية عن شبكة الأنفاق الهجومية التي قامت حماس بحفرها تحت الجدار الأمني القديم جدا الذي أحاط بالقطاع. في إسرائيل، قدروا أن حماس ستحاول استغلال جزء من الأنفاق -ليست جميعها حفرت حتى فتحة الخروج في الأراضي الإسرائيلية- من أجل تنفيذ مثل هذا الهجوم.
عملية الجرف الصامد اشتعلت في نهاية المطاف بسبب معلومات استخبارية إسرائيلية عن نية حماس تنفيذ عملية بواسطة نفق معين في منطقة كيبوتس كيرم شالوم في جنوب القطاع، هذا حدث بعد أربعة أسابيع من التصعيد في الضفة الغربية، حيث اختطفت خلية لحماس ثلاثة فتيان إسرائيليين وقتلتهم في غوش عصيون، عملية "عودوا أيها الإخوة". بعد بضعة أيام على العثور على جثث الفتيان الثلاثة قرب الخليل حدث الاشتعال في القطاع.
لقد سبقت ضرب النفق في كيرم شالوم عملية استخبارية طويلة تمت إدارتها من قبل الشاباك والاستخبارات العسكرية وفرقة غزة. المعلومات التي جمعت أدت الى عمل مشترك بين الأجهزة الثلاثة لإحباط العملية، التي قاد الإعداد لها رئيس الذراع العسكرية في حماس محمد الضيف. من أجل الاستعداد للتصفية، قام في حينه رجال الاستخبارات في الأجهزة المختلفة ببلورة "نموذج تحذير" مشترك، هدف الى تجميع إشارات تدل على تقدم الخطة ومعرفة متى يجب العمل ضدها. في المستوى السياسي وفي جهاز الأمن لم يكونوا معنيين بجولة قتال مبادر إليها مع حماس، والاعتقاد كان أن تدمير النفق الموجود في أراضي القطاع، ولا نريد التحدث عن مهاجمة رجال حماس داخل النفق، سيؤدي الى المواجهة كما حدث بالفعل في نهاية المطاف.
الاستخبارات قدرت أن حماس تخطط لاختراق ولحملة قتل في الكيبوتس القريب من النفق. وحتى أنه تم إخلاء الكيبوتس من السكان لبضعة أيام بسبب الخوف من أن الهجوم يقترب. عندما تجمعت إشارات أخرى عن دخول نشطاء الى النفق، تم تفجيره بتوصية من كبار الضباط في جهاز الأمن وبمصادقة رئيس الحكومة نتنياهو، هذا رغم أنه لم يكن هناك أي معلومة مؤكدة حول أن دخول القوات الحمساوية الى النفق كان بالتأكيد الاستعداد النهائي للهجوم. في حينه تقرر عدم المخاطرة.
حماس ردت بإطلاق مكثف للصواريخ وهكذا بدأت عملية الجرف الصامد التي استمرت 51 يوما. عدد من هجمات حماس عن طريق الأنفاق، التي فيها عبر رجالها الى الأراضي الإسرائيلية وفي بعضها ضربوا مواقع وقوات للجيش الإسرائيلي، أدت الى تغيير تركيز جهود إسرائيل في العملية من ضرب الصواريخ الى تدمير الأنفاق. حتى نهاية العملية تمت معالجة بشكل جزئي أكثر من 30 نفقا. إسرائيل اكتشفت أن الشبكة تحت الأرض التي قامت حماس ببنائها كانت متشعبة وخطيرة أكثر مما قدرت، وأن حماس قد خططت فيما بعد لتنفيذ هجمات مشابهة أكثر طموحا. ولأن الأنفاق كانت ضيقة للعبور فيها ولم تمكن من حركة السيارات فيها، ولأن الفتحات تم حفرها بعيدا نسبيا عن الكيبوتسات، فإنه لم تتبلور حتى ذلك الحين صورة كاملة في هذه المرحلة حول نوايا حماس المستقبلية.
من أجل مواجهة التهديد الآخذ في التعاظم، فقد أقامت إسرائيل مشروعي الجدار والعائق تحت الأرض اللذين كان يمكن أن يوقفا بشكل نهائي خطر الأنفاق الهجومية. التكلفة المقدرة لهذا الجدار قدرت بـ3 مليارات شيكل. وعندما تم استكمال إقامة هذا العائق تفاخر به نتنياهو وكبار الضباط في الجيش الإسرائيلي. وعندما تم نشر وسائل تكنولوجية أخرى، تعزز الاعتقاد (المبالغ فيه والذي ظهر فيما بعد أنه لا أساس له من الصحة) بأن إسرائيل قادرة على الصد، ليس فقط هجمات عبر الأنفاق، بل محاولات الاختراق فوق الأرض. الجيش الإسرائيلي قام بتخفيف جزء من القوات التي تم نشرها في فرقة غزة -حتى قبل ذلك. فقد تم إخراج فصائل كانت في السابق وضعت في بعض الكيبوتسات. وركز الجيش جهوده على قطاعات أخرى. عندما ازداد حجم المقاومة في الضفة الغربية في آذار (مارس) 2022 تم وضع المزيد من القوات على خط التماس وفي الضفة الغربية. القطاع هبط في سلم الأولويات أيضا بسبب التقدير الخاطئ لمعظم أجهزة الاستخبارات ورؤساء الحكومة (نفتالي بينيت، يئير لبيد وبعد ذلك مرة أخرى نتنياهو)، وكأن حماس خائفة نسبيا وتوجهها ليس نحو حرب شاملة.
في عملية حارس الأسوار في أيار (مايو) 2021، وفي أواخر ولاية نتنياهو السابقة، أطلقت حماس الصواريخ نحو القدس في محاولة لتوسيع حدود المعركة. خلال أسبوع تقريبا، تم إطلاق آلاف الصواريخ من القطاع، وحدثت مواجهات شديدة في المدن المختلطة في إسرائيل. ولكن حماس لم تجرب قوتها في هجوم على حدود الجدار. جولات القتال التالية في القطاع، التي كان آخرها في أيار (مايو) الماضي، كانت بين إسرائيل والجهاد الإسلامي وانتهت خلال بضعة أيام. المستوى السياسي والمستوى الأمني كانا راضيين عن نفسيهما لأنهما أوقعا خسائر في الجهاد وأقنعا نفسيهما بأن اختيار حماس البقاء خارج هذه اللعبة يدل على أنها خائفة، وحتى ضعيفة، وبشكل عام هي تفضل الاستثمار في رفاه القطاع وسكانه.
هكذا ولد خطأ آخر وهو زيادة عدد تصاريح الدخول الى إسرائيل لعمال من القطاع. عشية الحرب وبعد بضعة أيام من التوتر على طول الحدود، وعدت إسرائيل الوسطاء القطريين (الدولة التي حولت لحماس مليارات الدولارات، التي جزء كبير منها تم استغلاله لبناء قوتها العسكرية) بأنها ستزيد عدد تصاريح العمل الى 20 ألف تصريح. بعد ذلك، تعزز الشك بأن بعض العمال قاموا بجمع المعلومات لصالح حماس في بلدات الغلاف -المعلومات التي استخدمتها حماس لتدقيق وتحسين خطتها للقتل في النقب الغربي.
ما يظهر بأثر رجعي هو أنه ليس فقط خلال هذه الفترة قامت حماس ببناء خطتها العسكرية للهجوم الشامل والقاتل، الذي سيؤدي الى اندلاع حرب، بل أن التفاصيل والأفكار عن الخطة كانت موجودة في يد الاستخبارات العسكرية، وعن طريقها في يد الشاباك، في مرحلة متقدمة نسبيا. محمد الضيف، كدرس من عملية الجرف الصامد وعملية حارس الأسوار، أدرك بأنه لا توجد أي جدوى من الاحتفاظ بما يخفيه للحرب المقبلة، وأنه من الأفضل البدء بهجوم مفاجئ وقوي قدر الإمكان، إضافة الى الإعدادات العسكرية.
إشارات أولية عن الخطة العملياتية وصلت الى الجيش الإسرائيلي قبل بضع سنوات. ومع مرور الوقت تبلورت صورة أكثر وضوحا. قبل سنة من الهجوم اتضحت لإسرائيل كل الخطة. وقد كان يمكن تكوين من الأفكار التي تبلورت وثيقة مفصلة، التي فُهم منها كيف تنوي حماس استخدام وحداتها وحسب أي فكرة عملية. الأفكار التي تم الحصول عليها عكست للمرة الأولى الى أي درجة تملك حماس التفاصيل التي تتعلق باستعدادات الجيش الإسرائيلي على الحدود، وأنه يجب أن تنتظم من أجل ضرب نقاط ضعفه. العسكريون الذين اطلعوا على هذه المواد فيما بعد قالوا إن قراءتها بعد المذبحة هي تجربة كلها "حزن ودموع".
التحذير الأخير لضابطة إسرائيلية وصل في شهر آب (أغسطس)، في الوثيقة التي وزعت على عدد من كبار الضباط في الوحدة وفي الاستخبارات الميدانية. وقد شرحت في الوثيقة الخطة كما فهمتها والمناورات التي أجرتها حماس. الاستنتاجات تطابق بدقة كبيرة ما حدث بالفعل بعد أقل من شهرين. وقد حذرت من أنه لم يبق للاستخبارات الإسرائيلية هامش للإنذار. وقد قالت "من الآن فصاعدا هذا يمكن أن يحدث".
--------------------------------------------
حرب غزّة في سياق هندسة الوعي والكيّ المتبادل
بقلم: د. عامر الهزيل
بمعزل عن محصّلة الحرب النهائيّة، ستبقى النتائج المستدامة لعمليّة "طوفان الأقصى" صورة وكيًّا إستراتيجيًّا عميقًا للوعي والنفس الإسرائيليّة كما يصفها ديفيد هوروفيتز من صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بأنّه "انتصرت حماس في معركة نفسيّة كبرى ستبقى ذكراها خالدة للأبد"...
لا تقاس الحروب بفتكها العسكريّ فحسب، بل تتعدّاه لتطول موازين هندسة الوعي والنفس وكيّهما كأداة لشلّ الفعل المتبادل. في هذا السياق، عمدت إسرائيل منذ قيامها على تثبيت عقيدتها القتاليّة "الجدار الحديديّ" المتجسّدة في ترويج مقولة "الجيش الّذي لا يقهر" فعليًّا وإعلاميًّا بهدف هندسة وكيّ الوعي الفلسطينيّ، والعربيّ والإسلاميّ. والهدف شلّ سلوكهم المقاوم وإخضاعه لشروطها الجيوسياسيّة. خير مثال على ذلك استهداف منظّمة التحرير الفلسطينيّة واستنزافها في حروب وهجمات ليست كحالة عسكريّة فقط، بل لتجسيدها الوعي الجمعيّ لقضيّة فلسطين، وتوحيد شعبها وتمثيله بعمقه العربيّ والإسلاميّ.
في السياق ذاته تفهم أيضًا حرب لبنان عام 1982 واستخدام القوّة المفرطة والمجازر الوحشيّة بهدف الفرض على منظّمة التحرير الفلسطينيّة الذهاب في مسار تفاوضيّ استسلاميّ تنفي فيه شرعيّة وجودها وتمثيلها، وتشرعن الاستعمار في تجلّيه الأبشع نظام "اليودقراطيّة"، وديمقراطيّة الشعب السيّد وفصله العنصريّ. في آخر المطاف كان لهم ذلك في اتّفاقيّة "أوسلو" وما أفرزته من سلطة فلسطينيّة أصبحت بقيادة محمود عبّاس جزءًا من النظام العربيّ الرسميّ، وأداة لاستنساخ الهزيمة وكيّ الوعي الجمعيّ فلسطينيًّا، وعربيًّا وإسلاميًّا.
في المقابل، زعزعت المقاومة الفلسطينيّة ومنها انتفاضة الأقصى ثوابت الردع الإسرائيليّ، ما أجبر الحكومة والجيش برئاسة شارون ورئيس أركان الجيش موشيه يعالون العودة لاستخدام مصطلح "كي الوعي" الفلسطينيّ والعربيّ مجدّدًا، خصوصًا بعد المشاركة الفاعلة لعرب 48 في ما أطلق عليه تاريخيًّا "هبة أكتوبر"، والّتي ارتقى فيها 13 شهيدًا من الداخل.
وفي السياق نفسه أيضًا، وجه الجيش الإسرائيليّ وقوى الأمن ضربات قاسية للفلسطينيّين لكي وعيهم وتثبيت عجزهم عن تخطّي سلوكيّات ومهامّ السلطة الفلسطينيّة كما حدّدتها وفهمتها إسرائيل في اتّفاقيّة أوسلو، وحاول الراحل ياسر عرفات تحدّيها، إلّا أنّه دفع الثمن باغتياله، وبعده تسلّم محمود عبّاس رئاسة السلطة بقرار أميركيّ وموافقة إسرائيليّة.
حفر في الوعي الجمعيّ الإسرائيليّ بشكل خاصّ ما أطلقت عليه المقاومة الفلسطينيّة "العمليّات الاستشهاديّة"، لما سبّبته من هلع وخوف وفقدان الأمن والأمان في الشوارع والأماكن العامّة. جاء هذا متناغمًا مع أداء المقاومة اللبنانيّة ومقولة حسن نصر اللّه في حفل عيد تحرير الجنوب الأوّل عام 2000: "إسرائيل هذه المدجّجة بالسلاح النوويّ واللّه أوهن من بيت العنكبوت". مقولة أعطتها مرحلة الصواريخ من غزّة منذ عام 2001 بعدًا خاصًّا تعمّق كلّ ما تحوّلت من سلاح بدائيّ إلى تهديد إستراتيجيّ حقيقيّ، ساهم في هندسة وكيّ الوعي الإسرائيليّ بشكل تراكميّ إلى درجة أنّ 37% من الإسرائيليّين فكّروا عام 2012 في الهجرة بحسب استطلاع شركة البحث "سي أي" لصحيفة هآرتس.
ظاهرة تعاظمت حتّى شكّكت قيادات إسرائيليّة رسميّة مثل بيبي نتنياهو بإمكانيّة استمرار الدولة لقوله إنّ "دولة الحشمونائيم عاشت 80 عامًا... علينا ضمان احتفالنا بعيد إسرائيل المئة"، محذّرًا من المخاطر الجسيمة الّتي تهدّد وجود إسرائيل. من عقدة الثمانين هذه حذّر أيضًا رئيس الحكومة السابق، إيهود براك، وغيره من قيادات حتّى وصل الأمر بالمؤرّخ الدكتور يؤاف هلير، رئيس حركة "هريفعون هرفعيّ" القول لصحيفة هآرتس في بداية 2023 إنّ "إسرائيل تمرّ في أخطر مرحلة في تاريخها. كلّ الناس خائفة".
وإن كان هذا لا يكفي، جاءت حرب غزّة ("طوفان الأقصى") واجتياح قوّات النخبة للمقاومة الفلسطينيّة المستوطنات والثكنات العسكريّة لغلاف غزّة في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر، لتشكّل زلزالًا كارثيًّا وضربة إستراتيجيّة في هندسة وكيّ الوعي الإسرائيليّ، أبدع الإسرائيليّون أنفسهم في وصفها. الدبلوماسيّ الإسرائيليّ السابق ألون بينكاس كتب إنّ "السابع من أكتوبر2023 تاريخ سيبقى عارًا على إسرائيل". وكتب الكاتب الإسرائيليّ أوري مسغاف إنّ "إسرائيل القوّة الإقليميّة الكبرى في المنطقة تنهار أمام بضع مئات من مقاتلي حماس". وبدوره وصف آفي ماير رئيس تحرير صحيفة "جيروزاليم بوست" ما حدث بقوله إنّ "هذا هو 11 سبتمبر الإسرائيليّ وبعده لن يعود أيّ شيء كما كان".
ردًّا على ذلك ولمعالجته جاء الاجتياح البرّيّ الإسرائيليّ في حرب غزّة بهذه الدمويّة والوحشيّة إلى حدّ التطهير العرقيّ بأسلوب "عقيدة الضاحية"، لينتقم لكارثة "السبت الأسود" من خلال الحصول على صورتين: الأولى، تصفية قيادات المقاومة وعلى رأسهم يحيى السنوار ومحمّد الضيف ومعهم سلطة "حماس"؛ والثانية، مشهد تحرير الأسرى والرهائن في غزّة بالقوّة.
من جهتها، عمدت وما زالت المقاومة الفلسطينيّة تعميق كيّ الوعي الإسرائيليّ من خلال حصر المعركة معنويًّا، وسياسيًّا وإعلاميًّا، في السابع من أكتوبر وقدرة كتائب القسّام على اختراق أقوى تكنولوجيا عسكريّة في العالم، وجرّ هذه النتائج على كلّ الحرب من خلال الصمود والمواجهة لتحقيق مطلبين: الأوّل، تبييض السجون بإطلاق سراح كلّ الأسرى الفلسطينيّين؛ والثاني، رفع الحصار عن غزّة وكسب الرأي العامّ الإقليميّ والعالميّ لوقف الحرب ومناصرة القضيّة الفلسطينيّة كأداة رافدة لكي الوعي الإسرائيليّ، بتعميق هاجسه من العزلة الدوليّة وشعور "يا وحدنا".
في المعركة على الرأي العامّ وكيّ الوعي الإسرائيليّ في بعده العالميّ، تقدّمت غزّة ومعها القضيّة الفلسطينيّة، إذ تجنّد لنصرتها كلّ من موقعه، الشعب الفلسطينيّ والعربيّ والإسلاميّ، وكلّ أحرار العالم (خصوصًا الشباب ممّن يطلق عليهم جيل Z) من خلال التحكّم التكنولوجيّ والعدديّ والشخصيّ الإبداعيّ في هندسة الوعي لشعوب العالم مع تفاوت ملحوظ بين دولة وأخرى. في هذا السياق، أعادت حرب غزّة القضيّة الفلسطينيّة للصدارة العالميّة شعبيًّا، وسيكون له الأثر الكبير مستقبليًّا على قرارات الأنظمة الحاكمة.
وفي التعامل مع هدف إسرائيل لتحرير الأسرى والرهائن بالقوّة، تفوّقت الفصائل الفلسطينيّة، مرحليًّا وبعد 47 يومًا من المعارك الضارية، على الموقف الإسرائيليّ وثبّتت موقفها المعروض منذ بداية الحرب، وهو إطلاق سراحهم دفعة واحدة أو على مراحل مقابل تبيّض السجون من الأسرى الفلسطينيّين. البيّنة على ذلك قرار الحكومة الإسرائيليّة رقم 1077 بإطلاق سراح 300 من الأسيرات والأطفال الفلسطينيّين (كما نشرته الحكومة نفسها بالأسماء) مقابل 50 من الأسرى والرهائن الإسرائيليّين، نساء وأطفال مع هدنة مؤقّتة. وهذا لا يعني عدم استمرار الحرب الدمويّة بأكثر بشاعة بدعم أميركيّ وغربيّ، وصمت وعجز عربيّ وإسلاميّ.
مع هذا وبمعزل عن محصّلة الحرب النهائيّة، ستبقى النتائج المستدامة لعمليّة "طوفان الأقصى" صورة وكيًّا إستراتيجيًّا عميقًا للوعي والنفس الإسرائيليّة كما يصفها ديفيد هوروفيتز من صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بأنّه "انتصرت حماس في معركة نفسيّة كبرى ستبقى ذكراها خالدة للأبد". بمعنى أنّه لن تكون أيّ صورة انتصار إسرائيليّة قادرة على محو آثار هذه الضربة، لأنّها صورة بألبوم صور كما يصفها المعلّق بن كاسبيت: "نفّذت حماس هجومها لتحصل على صورة نصر لكنّها عادت بألبوم كامل من هذه الصور".
------------------انتهت النشرة-----------------
أضف تعليق