الأساطير والكذب سلعة اسرائيلية
قامت إسرائيل على أساطير وخرافات دينية بهدف التضليل وتشويه الواقع والحقيقة، واختلقت الحركة الصهيونية كذبتها الكبيرة عن إنكار وجود شعب، وفق مقولة «فلسطين أرض بلا شعب»، واحتاج هذا الادعاء الكاذب إلى طمس هوية هذا الشعب المتمسك بأرض وطنه بكل أساليب التهجير والإبادة الجماعية، وخداع الرأي العام العالمي، فارتكزت سياستها وإعلامها على ترويج الأكاذيب لتدعم بها سياستها العدوانية العنصرية، ولما فشلت الصهيونية وداعمتها القوى الامبريالية في استلاب الهوية الوطنية لشعب فلسطين، بدأت ببث الشك حول حق الفلسطينيين الأخلاقي في أرضهم، وتشويش الفهم التاريخي للصراع، لتتمكن من التملص من المسؤولية عن جرائمها ومجازرها بحق الشعب الفلسطيني.
يرى «إيلان بابيه» المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية، «أن هناك عشر أساطير محورية حول القضية الفلسطينية تسعى إسرائيل للترويج لها، هذه المغالطات المبنية على تشويه حقائق الماضي والحاضر تمنعنا من فهم أصول الصراع الدائر، وهو ما يتيح استمرار إراقة الدماء من طرف الجانب الإسرائيلي الذي ينتهك حرمة كل المواثيق الدولية الرامية للدفاع عن السكان المدنيين»، منذ ظهورها حولت الحركة الصهيونية كذبة «الأرض الفارغة» إلى سلعة والاستمرار في تسويقها، لتتستر على الوضع في فلسطين باعتبار الحركة الصهيونية حركة استعمارية استيطانية جاءت لتهجير السكان الأصليين في فلسطين واستبدالهم بمستوطنين جاؤوا من مختلف مناطق العالم.
ما زالت إسرائيل مستمرة في ترديد الأساطير واختلاق الأكاذيب وتصديرها معلبة للعالم من خلال أبواق الإعلام ومراكز وصناع القرار لا سيما في الولايات المتحدة، التي تساهم بترويج التبريرات للعدوان الوحشي على شعب فلسطين، وتظل تخادع حتى تنفذ غايتها، وإن ظهر للعالم زيفها فيما بعد، فقد حدث ما حدث وأصبح أمراً واقعاً .
ماذا أفاد العراق وشعبه بعد الاحتلال الأميركي حين ثبت كذب الولايات المتحدة بامتلاك العراق سلاحاً نووياً، واتخذت منها ذريعة لغزو العراق واحتلاله؟. حتى أن الولايات المتحدة لم تعتذر عن جرائمها، ولو اعتذرت، هل يعيد الاعتذار الضحايا إلى الحياة؟. أم هل يتغير الواقع الجديد المفروض أمريكياً؟. هل قدمت الولايات المتحدة المساعدات والأموال لإعادة الإعمار؟. على العكس تماماً ما زالت تنهب ثروات العراق، وتعمل على إضعافه، وخلق النزاعات بين طوائفه ومكوناته، وتقيم قواعدها العسكرية على أرضه.
كذلك أقامت إسرائيل وداعموها الغربيون الدنيا ولم يقعدوها على رواية إسرائيلية عن أطفال من مستوطني غلاف غزة ذُبحوا من قبل عناصر من كتائب القسام، ووظفت إسرائيل الأكذوبة في تبرير حملة إبادة جماعية لسكان غزة، ولتغطية لجوء جيشها إلى سياسة الأرض المحروقة، وثبت كذب الرواية، ولم يتوقف العدوان، وما زال لها من الأكاذيب ما هو مستجد، أن المقاومة الفلسطينية تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية، وهناك أنفاق ومراكز قيادة تحت المشافي والمدارس ودور العبادة.
في المثل الشعبي الفلسطيني يقال لمن أساء واعتذر وتأسف بعد أن فعلت الإساءة فعلها: أين يُصرف هذا الأسف؟. أين يصرفه شعب فلسطين المنكوب، أطفاله ونساؤه وعموم المدنيين الذين قتلوا، أو دفنوا تحت أنقاض بيوتهم، أو شوهوا أو يتموا، أو أصيبوا بإعاقة جسدية دائمة، أو نجوا لكن صدموا وأصيبوا بإعاقة نفسية، هل نشكر مراسلة «سي إن إن» سارة سيندر على اعتذارها وتأسفها عن مزاعم ذبح المقاومة الفلسطينية أطفالاً إسرائيليين، لقد فعلت الكذبة فعلها وتصاعدت تفاعلاتها في تسارع لا يصدق كالكذبة نفسها، حالما نشرت سارة تغريدة على موقع «إكس» في بث مباشر، وفي غضون 4 ساعات من نشر التغريدة الأولى، كان هناك 30 ألف تفاعل من حوالي 25 ألف حساب على إكس، وكشف التحقيق أن التغريدات حظيت بأكبر قدر من التفاعل في الولايات المتحدة خلال الساعات الأولى من تداولها، كما لاقت رواجا في الهند وإسرائيل والمملكة المتحدة، فلتهنأ سارة أن منشورها أصبح ترند على حساب الدم الفلسطيني، وأصبح هذا الاتهام مطية لكل من يرغب من إعلامين وناشطين على منصات التواصل الاجتماعي أن يصلوا إلى الترند في نشر الادعاء الكاذب، وانتشرت التغريدات على نطاق واسع من اليمين المتطرف والأميركيين الصهيونيين في الولايات المتحدة، ووصفت حركة حماس هذا بأنه سقوط إعلامي في محاولة للتستر على الجرائم الإسرائيلية في غزة.
الأدهى أن يردد هذا الاتهام الكاذب الرئيس الأميركي المتصهين جو بايدن، فتتعزز مفاعيلها بادعائه أنه شاهد صور أطفال إسرائيليين ذبحتهم حماس، ابتلاه الله بالعمى حين نفى البيت الأبيض لاحقاً مشاهدة بايدن للصور بنفسه، وابتلاه الله بالطرش حين أكد أنه سمع عنها فقط من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وابتلاه بالخرس لما تراجع البيت الأبيض عن التصريح الذي أدلى به بايدن عندما ادعى أنه شاهد صورا لـ «إرهابيين» يقطعون رؤوس أطفال في إسرائيل.
وإذ تعتذر الصحفية الأميركية، وتحاول نفي المسؤولية عن كاهلها بادعاء أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» هو من أعلن قيام مقاتلي حركة حماس بقطع رؤوس الأطفال والرضع، فكانت النعجة المبتلية بغريزة القطيع تتبعه دون أن تتبين الطريق الصحيح والخبر الأكيد، لم يعتذر الرئيس الأميركي -مثلما فعلت الصحفية- عن كذبته غير البيضاء كيديه الملوثتين ردم الأبرياء، لأنه أراد منذ البداية مبررات لمشاركة بلاده إسرائيل في عدوان وحشي على قطاع غزة.
لم يصدق أحد ما قالته حماس، إن المقاومة وكتائب عز الدين القسام تتجنب المدنيين، وتستهدف المنظومة العسكرية الصهيونية فقط في هذه المعركة، نافية ما تناقلته وسائل إعلام غربية من أخبار، أن الحركة قتلت أطفالا رضعاً، وقطعت رؤوسهم واستهدفت مدنيين.
بعد الكذبة تلك، اشتغل الإعلام باتهام كتائب القسام أنهم ارتكبوا مذبحة بقتل العديد من المشاركين بالحفل الموسيقي في ريعيم بغلاف غزة يوم 7 تشرين أول/ أكتوبر، صاغها كذباً مسؤولون إسرائيليون، ورددها وراءهم مسؤولون غربيون، دون أدلة قاطعة، قالوا: إن عناصر من كتائب عز الدين القسام ارتكبوا مجزرة في رواد الحفل، ليتبين بعد نحو 43 يوماً أن الطائرات الاسرائيلية هي من قصفت احتفال ريعيم يوم 7 أكتوبر.
ومنذ بدء معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي، لجأت إسرائيل إلى سياسة التلفيق والتضليل، وممارسة الدعاية السوداء لتبرير حرب الإبادة الجماعية التي تشنها، واستندت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى سلسلة من الأكاذيب التي انهارت الواحدة تلو الأخرى، لكنها استمرت في عدوانها الدموي على قطاع غزة، بدعم وغطاء أميركي وأوروبي، يشمل السلاح والمال والإعلام، ليعكس واحدة من أقذر أشكال ازدواجية المعايير في العصر الحديث.
مهما يكن طال أو قصر حبل الكذب، لا بد للحقائق أن تظهر وتنكشف الأكاذيب، بعد أكثر من 40 يوماً من عملية طوفان الأقصى تظهر حقائق جديدة، فقد تسرب لوسائل الإعلام التحقيق الذي تجريه الشرطة الإسرائيلية في الشكوك حول من قتل المشاركين بالحفل الموسيقي في ريعيم بغلاف غزة، نشرت صحيفة هآرتس مقتطفات من تحقيقات للشرطة الإسرائيلية فيما حصل في الحفل الموسيقي الذي كان يقام في غلاف غزة، ويشارك فيه 4 آلاف بينهم أجانب، إذ كشفت اعترافات إسرائيلية لعدد من الطيارين الإسرائيليين، أقروا بأنهم قد قصفوا إسرائيليين لأنهم «لم يكونوا يعرفون أين ولا من يقصفون»، بادعاء أن حماس سيطرت على فرقة غزة الإسرائيلية وعطلت كل وسائل التواصل، الطيارون هنا أيضاً يكذبون بأنه لم يكونوا على علم بحقيقة الواقع على الأرض، والحقيقة أنه كانت لدى الطيارين الإسرائيليين أوامر بقصف وقتل الأسرى مع آسريهم. فقد تحدث إسرائيليون في شهادات على حساباتهم الشخصية أو في مقابلات صحفية عما حدث في يوم 7 أكتوبر، وأكدوا أن الجيش الإسرائيلي هو الذي قتل وأحرق أعداد كبيرة من الإسرائيليين بقصفه المباشر لمنع أسرهم، ليس فقط باستخدام الطائرات الحربية والمروحية بل أيضاً من خلال قصف الدبابات للمستوطنات لأن الاعتقاد أن مجموعات من كتائب القسام مازالت تتواجد فيها.
وأشارت أخبار التحقيق إلى أن وجود جثث متفحمة يؤكد ما خلص إليه تحقيق الشرطة، لأن كتائب القسام لا تملك أسلحة حارقة، وبالتالي فإن الطيران الإسرائيلي هو من قتل المحتفلين. وأقر مارك ريجيف -كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- أن إسرائيل أعلنت في البداية عن 1400 قتيل ثم تبين أن 200 منهم جثث محترقة للمقاتلين من غزة، وتبين أيضاً أن كتائب القسام لم تكن على علم بالحفل الموسيقي، وتفاجأ مظليوها أثناء عبورهم إلى مستوطنات غلاف غزة بوجود إسرائيليين في ساحة قرب مستوطنة ريعيم، وعندما هبطوا هناك قصفهم الطيران الحربي الذي تلقى معلومات عن عمليات أسر، وحسب التحقيقات الأولية فإن مروحية حربية انطلقت من قاعدة رمات داڤيد، وقصفت المسلحين من الجو، وقتل 364 من المشاركين في الحفل الموسيقي، وأصابت عدداً آخر من المحتفلين في الموقع.
ليس هذا الكذب الاسرائيلي من أجل الإفلات من العقاب، أنها بكل الأحوال، وبدعم أميركي، تفلت من العقاب في كل مرة ترتكب بها مجازر، وما أكثرها بحق الشعب الفلسطيني، ربما هو كذب قهري مصابة به الحركة الصهيونية منذ ولادتها، يكذبون ويصدقون كذبتهم، لكنه الكذب الواعي المؤذي المغرض الذي يريد إلحاق الضرر البالغ بالآخرين، وهو كذب مفضوح إذا أراد المجتمع الدولي البحث عن الحقائق، الحقيقة واضحة جداً تحت الشمس، لكن ماذا يمكن القول بمن يصدق دون أن يتبين، أقول إنه يشارك المجرم في الجريمة، قالت مديرية المخابرات العسكرية الفرنسية إن الانفجار الذي وقع في مستشفى المعمداني في غزة لم يكن بسبب ضربة صاروخية إسرائيلية بل على الأرجح بسبب خطأ في إطلاق صاروخ فلسطيني.
مجزرة المستشفى الأهلي العربي أو مجزرة مستشفى المعمداني، في حي الزيتون جنوب مدينة غزة في ليل يوم السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، ارتكبها الطيران الحربي الإسرائيلي، وأدت إلى استشهاد 500 حسب وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، وادعى ناطق باسم الجيش الاسرائيلي أن صاروخاً أطلقته سرايا القدس ضل هدفه وأصاب المشفى.
بعد كل ما يتضح ويفتضح من أكاذيب فمن غير المتوقع نشر الحقائق جلية كاملة أمام الرأي العام العالمي أو أمام الجمهور الإسرائيلي، وأن ضغوطاً سياسية ستمارس على القضاء لإخفاء الحقائق، وستتدخل الرقابة العسكرية لمنع وسائل الاعلام من النشر في موضوع ضحايا ريعيم تحديداً، خشية أن يتحول لإدانة إسرائيل وشطب كل مبررات العدوان على غزة، ستعمل ماكينة إعلامهم المنحازة للمتطرفين إلى إسكات الأصوات التي تكذب الرواية الاسرائيلية عن قتل المحتفلين في ريعيم 7 أكتوبر، لأن هذه الأخبار ستمثل صدمة للمجتمع الإسرائيلي والدولي، وستنهار الثقة ببيانات الجيش الإسرائيلي ليس فقط عن ما جرى، بل عما يجري من حقيقة المعارك على الأرض، وأرقام الخسائر في المعدات والأرواح التي تلحقها المقاومة بجنوده وآلياته، وستدفع المجتمع الإسرائيلي إلى الغليان واسقاط حكومته، فالكذب الأسود بدء يرتد على صاحبه.
أضف تعليق