25 تشرين الثاني 2024 الساعة 11:01

غزة .. خطوة الهدنة المؤثرة..

2023-11-26 عدد القراءات : 147
عمرو حمزاوي

يحتاج أهل غزة إلى أيام الهدنة لالتقاط الأنفاس بعد أسابيع من الهجمات والعمليات العسكرية المتتالية التي أسقطت آلاف الضحايا من الأطفال والنساء والرجال، وعطلت المرافق الرئيسة في القطاع بما فيها المستشفيات وخلفت المروّع والمفزع من مشاهد الدماء والدمار والنزوح الداخلي للأسر الفلسطينية من الشمال والوسط إلى الجنوب.
يحتاج أهل غزة إلى أيام الهدنة لحماية الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، ولكي تصلهم المساعدات الطبية والغذائية اللازمة والوقود الضروري لعودة قدر يسير من اعتيادية الحياة والحد من الكارثة الإنسانية التي تابع العالم تفاصيلها المؤلمة ووثقتها شبكات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام التقليدية دون هوادة على الرغم من قيود وصعوبات بالغة.
يحتاج الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى أيام الهدنة من أجل لفت أنظار المحيط الإقليمي والعالم إلى العنف الممنهج الذي مارسته خلال الأسابيع الماضية وبحماية من الشرطة الإسرائيلية مجموعات المستوطنين المتطرفين والمسلحين، وكذلك لفت الأنظار إلى الهجمات المتكررة للقوات الإسرائيلية على بعض المخيمات في الضفة والتي أسقطت ضحايا بين قتلى ومصابين وهددت بتفجر الأوضاع وتحولها إلى مواجهات مفتوحة.
توقفت الحياة في الضفة والقدس خلال الأسابيع الماضية وأغلق الكثير من المؤسسات والمحال وتعطلت مصالح الناس وتراجعت دخولهم وهم يتألمون لمصاب أهلهم في غزة، وستمكنهم أيام الهدنة أيضاً من التقاط الأنفاس ومواجهة عنف المستوطنين والمشاركة في الجهود الإغاثية الموجّهة إلى القطاع.
• • •
أما على الجهة الأخرى، في إسرائيل، فإن مجتمعها يحتاج إلى الهدنة، ليس فقط لاستعادة بعض الرهائن المختطفين من قبل حماس وفصائل ومجموعات أخرى، بل لإعادة النظر في الحرب القاتلة على غزة وأهدافها وتداعياتها اليوم وغداً.
خلال الأسابيع الماضية، صارت قضية الرهائن هي قضية الرأي العام الأولى في إسرائيل، وضغطت سياسياً بشدة على حكومة الحرب، وأحدثت انقسامات بداخلها بين جناح يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يرى أن ما يسمونه «تدمير حماس» هو الهدف الأساسي للحرب وبين جناح آخر يتزعمه الوزير بيني غانتس يعتبر أن عودة الرهائن لها الأولوية القصوى.
 
 
 
 

في النهاية، انحنى نتنياهو أمام الضغوط الشعبية والسياسية وأعاد ترتيب الأهداف المعلنة لتصبح عودة الرهائن متبوعة بالهدف غير الواقعي «تدمير حماس» وانخرط في مفاوضات أدارتها بكفاءة مصر وقطر وتدخلت بها الولايات المتحدة الأميركية وأدت إلى إقرار الهدنة الراهنة وعودة بعض الرهائن الإسرائيليين والإفراج عن بعض المحتجزات الفلسطينيات وبعض القاصرين.
ستظل قضية الرهائن حاضرة في المشهد العام والسياسي في إسرائيل، فأغلبيتهم ما زالت في غزة وقطعاً ستواصل أسر من لم يطلق سراحهم الضغط على حكومة الحرب لمواصلة التفاوض وقبول صفقة تبادلية جديدة وهدنة ثانية.
كذلك ستمكن أيام الهدنة، وعلى الرغم من التشديد المتكرر من قبل نتنياهو وكافة الأطراف المشاركة في الحكومة وقيادة الجيش على أن توقف العمليات العسكرية خلال الأيام القادمة لا يعني انتهاء الحرب، ستمكن المجتمع الإسرائيلي من إدارة نقاش حول الأحداث المتتالية منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ يتراجع به وإن جزئياً القبول العام للنزوع الانتقامي من غزة ومن أهلها ومن عموم الشعب الفلسطيني الذي روج له اليمين المتطرف وقبلته الأغلبية على وقع الصدمة الجماعية التي أعقبت هجمات حماس.
 
 
 
 

قطعاً، ستفتح أيام الهدنة أبواب النقاش السياسي والإعلامي لتناول مسؤولية حكومة نتنياهو عن ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ والنتائج السياسية التي قد تترتب على تقرير الإخفاق الحكومي والمتوقع لها أن تدفع بإسرائيل باتجاه انتخابات برلمانية مبكرة، وربما نهاية رئيس الوزراء المتورط في قضايا فساد وعراب اليمين الديني المتطرف ومجموعات المستوطنين المتطرفة التي أرادت بما سمته إصلاحات قضائية تغيير طبيعة النظام السياسي في الدولة العبرية.
ستفتح أيام الهدنة أيضاً أبواب النقاش السياسي والإعلامي حول مدى عقلانية رد الفعل الإسرائيلي الذي أطلق آلة قتل على غزة أسقطت آلاف الضحايا وأحدثت دماراً مروّعاً وغير معلوم بعد حدود اقترابه من تحقيق الهدف المعلن «تدمير حماس» الذي يشكك به كل من يدرك استحالة اجتثاث حركة مقاومة شعبية من نسيجها المجتمعي دون حل جذري للقضية الوطنية التي تتبناها المقاومة أي حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة الدولة المستقلة.
وربما تخرج تدريجياً أصوات نافذة، لا ترفض فقط سيناريوهات الانتقام والجنون التي يروج لها اليمين المتطرف من تهجير أهل غزة قسرياً إلى إبادتهم جماعياً بقنبلة نووية، بل تبحث أيضاً عن أفق تفاوضي حقيقي للوصول إلى إدارة سلمية للصراع مع الشعب الفلسطيني ربما في مرحلة تهدئة انتقالية ثم في مرحلة تسوية نهائية لا بديل عن أن يكون لها جدول زمني معلوم وهدف وحيد معلن هو تقرير المصير والدولة المستقلة للشعب الفلسطيني.
المجتمع والسياسة والرأي العام في إسرائيل ليست كيانات صماء لا تنوعات أو اختلافات بها، وأيام الهدنة قد تمكن الأطراف المختلفة مع انتقام نتنياهو واليمين المتطرف من أهل غزة من التعبير عن أن القتل والدماء والدمار لن تنتج مجتمعة الأمن المطلوب لإسرائيل، وأن السبيل الوحيد لذلك هو الحل السلمي والدائم للصراع، وأن خطوات الحل الفعلية تبدأ برفض تجدد الحرب، ورفض طرح الوجود العسكري والأمني طويل المدى للقوات الإسرائيلية في غزة والذي يعنى إعادة احتلالها، ورفض تهميش الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية وفصائله المتنوعة التي لن تلغي من معادلاتها حماس، والضغط على السياسة الإسرائيلية للعودة إلى التفاوض مع الفلسطينيين في إطار قرارات الشرعية الدولية وبجدول زمني محكم وهدف نهائي معلن.
• • •
ليست الهدنة، وعلى الرغم من التوقع السائد بكونها لن توقف الحرب نهائياً أو تمنع تجدد العمليات العسكرية، بالخطوة محدودة النتائج بالنظر إلى تداعياتها الإنسانية فيما خص الشعب الفلسطيني في غزة الذي لم يعد يتحمل القتل والدمار ويريد استعادة شيء من اعتيادية الحياة وإبعاد شبح سيناريوهات الجنون المتعلقة بالتهجير القسري والقنابل النووية، وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية حيث البحث عن حماية من عنف المستوطنين وتدخلات الجيش الإسرائيلي وعن عودة ممكنة إلى مؤسسات ومحال أغلقت. وليست الهدنة أيضاً بالخطوة محدودة النتائج على إسرائيل التي حتماً ستتصاعد بها الصراعات السياسية والنقاشات الإعلامية الداخلية، وبعد أن عاد بعض الرهائن، حول تفاصيل الأسابيع الماضية وتداعياتها الكثيرة وربما تراجع بها التأييد الشعبي الكبير للحرب وسطوة النزوع الانتقامي ليفسح من ثم المجال، بعيداً عن نتنياهو وحلفاء حكومته في اليمين المتطرف، لشيء من التعامل الموضوعي والتفكير الهادئ في سبل استعادة الأمن وعلاقة ذلك بتسوية سلمية محتملة للقضية الفلسطينية.
• • •
الهدنة، التي أدارتها بكفاءة الدولة المصرية ودولة قطر، هي خطوة مهمة ومؤثرة على طريق فلسطيني وإسرائيلي صعب وشائك، وانفراجة مؤقتة ومحدودة قد تتبعها انفراجات أطول في المدى الزمني وأشمل.

أضف تعليق