نيويورك تايمز: في تجربة الشاب أحمد الناعوق..الفلسطينيون ليسوا أرقاماً
في مكالمة هاتفية حديثة مع فرح ستوكمان من صحيفة "نيويورك تايمز"، أضاف: "لقد غرقتُ في اكتئاب عميق"، لكن صديقاً أمريكياً أقنعه بالكتابة عن شقيقه وتحويل حزنه إلى شيء مثمر وفق تقرير الصحيفة نفسها. وقاما معاً بتأسيس مشروع "نحن لسنا أرقاماً"، وهو مشروع يدرب الكتّاب الشباب في غزة وينشر مقالاتهم الشخصية باللغة الإنكليزية..
ما الذي يمكن أن يجعلني أسامح
الاسم هو إشارة إلى كيف يمكن أن تكون الأرقام مخدرة. كلما ارتفع عدد القتلى، قل ميل البشر إلى الاهتمام، لأن حجم المعاناة الإنسانية يمكن أن يكون هائلاً وفق ستوكمان. الإحصاءات لا تثير التعاطف والتحرك. القصص الشخصية تفعل ذلك.
قال الناعوق واصفاً الاستجابة التي تلقاها المشروع خارج غزة: "لقد غيّر هذا المشروع حياتي لأنني اعتقدت للمرة الأولى أن بعض الناس يمكن أن يهتموا بنا".
بدأت حملة "نحن لسنا أرقاماً" كوسيلة لإحياء ذكرى الموتى، لكنها سرعان ما تحولت إلى شريان حياة للأحياء. وبالنسبة إلى شباب غزة العالقين في نظام سياسي يمنح حقوقاً قليلة وفي اقتصاد محاصر لا يقدم سوى القليل من الوظائف، يوفر ذلك منفذاً حيوياً للتعبير عن الذات. شارك في الحملة أكثر من 350 شخصاً منذ بدايتها. لقد كتبوا عن الوقوع في الحب في زمن الحرب مثل "أخشى أن أكون العروس الميتة التالية"، وعن النحت ("تحويل الرصاص إلى فن") والمال ("دورة حياة الخريج الفلسطيني"). لقد ساهموا بمقالات عن الشوق لمغادرة غزة والشوق للعودة إليها.
الهدف
تتمثل مهمة المشروع في منح الفلسطينيين فرصة لسرد قصصهم الخاصة بدون الاعتماد على مقررين غربيين أو وسطاء أجانب. بالرغم من أن المشروع يجمع بين صحافيين وناشطين طموحين ومرشدين في الولايات المتحدة وأوروبا يقدمون لهم النصائح بشأن كتاباتهم، يبقى الهدف هو السماح للفلسطينيين بتحديد القصص التي سيتم سردها، حسب بام بيلي التي شاركت في تأسيس المشروع مع الناعوق .
إنه جزء من اتجاه أوسع للفلسطينيين كي يتحدثوا مباشرة إلى العالم والذي تم تمكينه من خلال ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات مثل ترجمة غوغل. ولعل هذا هو السبب وراء إظهار استطلاعات الرأي قيادة مؤسسة غالوب تعاطفاً متزايداً مع الفلسطينيين منذ سنة 2018، خصوصاً بين جيل الألفية والديموقراطيين.
غضب
لقد كان من الصعب في الولايات المتحدة سماع وجهة نظر فلسطينية حول الصراع. وفي حين أن لدى الإسرائيليين سفارة في واشنطن ومروحة من المجموعات المعروفة المكرسة للتواصل مع الجمهور الأمريكي – والتدقيق في ما يكتبه الصحافيون – لم يتمتع الفلسطينيون بنفس القدرة في العلاقات العامة. والآن يتم سد هذه الفجوة من خلال منشورات مؤلمة على وسائل التواصل الاجتماعي لأشخاص عاديين قُتل أفراد عائلاتهم للتو على يد الجيش الإسرائيلي.
يشعر العديد من الإسرائيليين واليهود الأمريكيين بالغضب من الانتقادات الصريحة لإسرائيل في المسيرات الاحتجاجية خلال الأسابيع الأخيرة، والتي تبدو مؤلمة بشكل خاص في أعقاب هجمات حماس المدمرة في 7 أكتوبر على المدنيين الإسرائيليين. في بعض الأحيان، انحرف المتظاهرون المؤيدون للفلسطينيين إلى معاداة صارخة للسامية أو ما هو أسوأ من ذلك وفق الصحيفة. في الواقع، وصف بعض النقاد مشروع "نحن لسنا أرقاماً" بأنه منظمة معادية لإسرائيل. لكن عدد وسائل الإعلام التي اتُهمت بالتحيز في الأسابيع الأخيرة خفف أيضاً من تأثير هذه الانتقادات.
عبر الجدار
حصل الناعوق على إذن لمغادرة غزة في 2019 للالتحاق بكلية للصحافة في بريطانيا. هو يعيش الآن في لندن ويساعد في إدارة المشروع من بعيد. وأخبر ستوكمان أنه "يؤمن من كل قلبه بالسلام ويناهض العنف بشدة"، وهي وجهة نظر عالمية قال إنه طورها كصحافي ومدافع عن حقوق الإنسان. وقال إنه يرفض قتل أي مدنيين، بمن فيهم أولئك الذين قتلوا في هجمات 7 أكتوبر. كما أصر على أن التعايش السلمي لا يمكن تحقيقه إلا عندما يفهم الإسرائيليون الظلم الذي يعاني منه الفلسطينيون ويعالجونه.
قبل بضع سنوات، بدا الأمر كما لو أنه قد يحدث، عندما بدأ يهود بترجمة مقالات "نحن لسنا أرقاماً" إلى اللغة العبرية ونشرها على فيسبوك. وعلى أمل أن يكون التغيير ممكناً، بدأ الناعوق مشروعاً جديداً مع صحافي إسرائيلي يسمى "عبر الجدار"، وقد أنتج قصصاً من غزة لجمهور إسرائيلي.
هل يسامح؟
لكن منذ السابع من أكتوبر، تبددت الآمال بفعل أعمال عنف لا تطاق. أصبح "نحن لسنا أرقاماً" الآن مليئاً بالكتابة عما يعنيه أن تعرفوا أنه يمكن أن تموتوا في أي لحظة، وعن تحية إلى أرواح الكتّاب الذين قُتلوا. من بين هؤلاء هدى السوسي، شابة كتبت السنة الماضية مقالاً عن الفن قُتلت بفعل غارة جوية إسرائيلية يوم 23 أكتوبر حسب الموقع. وقُتل يوسف ماهر دواس الذي كتب عن تدمير بستان الفاكهة الخاص بعائلته في 14 أكتوبر. وفي 20 أكتوبر، قُتل محمود الناعوق، وهو الشقيق الأصغر لأحمد الناعوق، وقد أجرى مقابلات مع سكان غزة حول آرائهم بالعقوبات الأمريكية على فنزويلا. حدث ذلك عندما سوت قنبلة منزل والدهم بالأرض، مما أسفر عن مقتل 21 فرداً من أفراد عائلتهم.
"ما الذي يمكن أن يجعلني أسامح؟" سأل الناعوق في منشور على فيسبوك عن مقتلهم. "وكيف سأسامح نفسي على عدم وجودي معهم في مثل هكذا أيام؟"
ماذا عن إيمانه؟
مع ذلك، حتى في حزنه، هو يقف خلف قوة القصص. أخبر الناعوق ستوكمان أن شقيقته ولاء، المهندسة التي قال إنها أذكى شخص التقى به على الإطلاق، حصلت أخيراً على وظيفة بعد سنوات من المحاولة. وكان شقيقه محمود يستعد للسفر إلى أستراليا لدراسة العلوم السياسية. أمضى والده نصري الناعوق عقوداً في بناء ناطحات سحاب تل أبيب.
وأضاف: "بعد أن فقدت عائلتي، لم أتوقف عن الإيمان بما أؤمن به. لا أريد أن يشعر الآخرون بما أشعر به. لا الإسرائيليون، ولا الفلسطينيون".
أضف تعليق