ماذا عن جوعى غزة؟
لم تعد القوانين والمواثيق الدولية، والتصريحات الأممية مُجدية كثيرا من وجهة نظر المنكوبين في قطاع غزة لأخذها معاناة أكثر من 2 مليون فلسطيني يعيشون عذابات ومآسي يومية على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي موضع الوصف والتحليل والتشخيص دون المقدرة على إنهائها.
اليوم بات الأمر مختلفا، ففي شهر رمضان المبارك من كل عام، ينتظر عموم الناس تلك الأجواء الجميلة ليحملون الخير إلى أقاربهم واحبابهم وجيرانهم، كي يزداد روح الأمل والتكافل والمحبة بينهم، ويتبادلون التهاني والمسارعة في فعل الخير والمساهمة في إغاثة الفقراء الذين ما زالوا يبحثون عن الأمل والحياة بين ثنايا الوجع والموت البطيء.
قطاع غزة وشماله الصامد الذي يعيش الموت بأشكال مختلفة، أحد الروايات التي يصعب سردها أو تخيلها، إنما تعاش يوميا دون أن يستطيع سكان هذه البقعة الجغرافية المنكوبة شرح وتفصيل ما يحيط بهم، لقسوة الأحداث التي يمرون بها من جوع وعطش ودمار وخراب واسع في كافة مناحي الحياة.
في الحقيقة أن الأحداث الحربية التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي في شمال غزة بشكل خاص جميعها تهدف للموت، ولن تمنح المواطنين حق الحياة مثل مسألة الجوع التي تعصف بأهلها، كما بات الروح يعادل هذا الحق المكفول في كل قوانين الأرض، حيث تحارب به إسرائيل شعبنا على مدار أكثر من 150 يوما بشكل عميق.
رغم الحصار والعدوان الإسرائيلي الذي خلف العديد من الأزمات الحياتية والتي نعيش ذروتها في شمال غزة، باتت وجبات المساعدات التي تلقيها الطائرات، والأطعمة التي تسمى "حشائش الأرض" هي الخيار الوحيد أمام المواطنين لاستمرار البقاء على قيد الحياة، وهذا يوصف بالتهديد الجديد والأخطر لأنها محدودة الزمن.
بعد إعلان حالات الوفاة لعدد من الأطفال بسبب سوء التغذية وانعدام مقومات الحياة، لم يعد للحديث الدولي أو العربي قيمة أمام جوع الأطفال والنساء والشيوخ وهم يعانون فقدان المواد الغذائية والتموينية، أو حتى غلاء الأسعار المُريب الذي بحاجة إلى تدخل عاجل من قبل الجهات المسؤولة، خاصة وأننا نتحدث عن انسحاب لقوات الاحتلال من شمال القطاع، وتحرك جاد من الوسطاء وأحرار العالم الذين ما زالوا يؤمنون أن هناك شعبا قضيته عادلة ومن حقه أن يعيش، عبر الضغط على الاحتلال.
المسؤول في منظمة اليونيسيف بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا عمار عمار يقول: "إن اليونيسيف تقوم بنشاطات لمنع حدوث الأسوأ، وأن بيان الوكالات المشتركة يدعو إسرائيل إلى الايفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان بتوفير المساعدات وتسهيل الإغاثة كالغذاء والامدادات الطبية، ورغم دخول مساعداتنا إلا انها غير كافية"، مضيفا: نحن نقوم بعملنا لكن المسؤولية الأكبر تتوقف على دول العالم.
وتابع: يجري عبر مركز تنسيق الشؤون الإنسانية "الاوتشا" إدخال بعض الكميات القليلة الغير كافية مثل التطعيمات والحليب الصناعي، وهذا يمكن أن يساعد بشكل قليل لكنه لن يمنع المأساة التي تتجلى، وبالتالي سنكون أمام انفجار في حالات وفاة الأطفال، مشيرا للعوائق المفروضة التي تعيق عمل المنظمات.
تحذيرات الأمم المتحدة بأن 576 ألف شخص أصبحوا على بعد خطوة من المجاعة لم تردع سلوك وتفكير الاحتلال الاجرامي، ومنعه لدخول المساعدات لشمال القطاع باعتباره العائق الأكبر والسبب الرئيسي في ارتفاع عدد وفيات الأطفال وانتشار الأمراض كالكبد الوبائي وسوء التغذية جراء التلوث وفقدان الغذاء المناسب والمياه الصحية.
الجميع يدرك وخاصة الاحتلال أن حرب التجويع التي يمارسها ضد الفلسطينيين لن تقتل الإرادة بداخلهم، لكنها بالفعل قتلت اجسادهم الهشة المريضة بفعل فقدان الغذاء، وهذا ما حذرت منه مؤسسات دولية وأممية.
إجرام الاحتلال ودمويته المعهودة برحيل أكثر من 30 ألف شهيد و71 ألف إصابة، ينسجم تماما مع خطته التي يحاول خلالها فرض وقائع جديدة هدفها "حسم الصراع" مع شعبنا من خلال التهجير والقتل والتجويع.
هشاشة القوانين والأعراف الدولية، وتبجح إسرائيل بارتكابها المجازر الدموية باتت مفضوحة ومعلنة للرأي العام، فهذا العصر يحمل صورة إسرائيل القديمة الجديدة وهي "إسرائيل النازية" لأنها مصدر الإرهاب بحق الإنسانية.
أضف تعليق