22 تشرين الثاني 2024 الساعة 10:24

دمشق.. حريق ساروجة يقضي على منزل أمير "محمل الحج الشامي"

2023-07-20 عدد القراءات : 268
دمشق(الاتجاه الديمقراطي)

أتى حريق اندلع في سوق ساروجة العريق فجر الأحد على منزل تراثي وسط العاصمة السورية دمشق يعود تاريخ بنائه إلى القرن الـ19، وفق مصادر عديدة بينها المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا نظير عوض.
واندلعت النيران في منزل سكني بمنطقة ساروجة في وسط دمشق، التي كانت أول منطقة خارج السور الدمشقي العريق، وامتدت لتصل إلى بيت أثري يُعرف بأنه منزل عبد الرحمن باشا اليوسف، أمير محمل الحج الشامي في عهد السلطنة العثمانية.

الباشا والرئيس

وينحدر عبد الرحمن باشا اليوسف (1871-1920) لأُسرة كُردية جاءت من مدينة ديار بكر إلى دمشق، وكان نائب دمشق في "مجلس المبعوثان" – البرلمان العثماني، وعين لاحقا رئيسا لمجلس الشورى في نهاية عهد الملك فيصل الأول الهاشمي (ثالث أبناء شريف مكة الحسين ومؤسس المملكة السورية التي لم تدم طويلا)، وقُتل اليوسف خلال الأسابيع الأولى من الانتداب الفرنسي في سوريا عام 1920.

وأتت النيران التي أخمدت بعد ساعات على كامل منزل اليوسف، كما ألحقت أضرارا محدودة بمنزل الرئيس السوري السابق خالد العظم (1903- 1965) المحاذي له (الرئيس الـ11 بصفة مؤقتة للدولة السورية بين 4 أبريل/نيسان و16 سبتمبر/أيلول 1941) ورأس العظم حكومة بلاده 6 مرات وتولى منصبا وزاريا أكثر من 20 مرة قبل انقلاب حزب البعث على الرئيس ناظم القدسي عام 1963، حيث صودرت أملاكه ورحل إلى لبنان وعاش ظروفا مادية صعبة حتى وفاته خارج بلاده.
ولم يبق من منزل اليوسف سوى بضعة جدران فيما بدا أشبه بساحة ردم مليئة بالتراب والمفروشات المحترقة تتوسطها نافورة محترقة، فيما يواصل رجال الإطفاء عمليات التبريد في المنزل لتفادي حريق جديد.
وكان لليوسف دور مهم في الدبلوماسية العثمانية نهاية القرن التاسع عشر، خاصة في التقارب العثماني الألماني، وشارك في تنظيم استقبال القيصر الألماني غليوم الثاني خلال زيارته لدمشق عام 1898 حيث حل الإمبراطور ضيفا على قصره بسوق ساروجة، لكنه أقام في فندق دمشق وقصر ناظم باشا (1854-1927) على سفح جبل قاسيون.
أما في منزل العظم، فقد طالت النيران الجزء الجنوبي منه حيث بدت جدران متفحمة تماما، فيما سلم الجزء الأكبر من المنزل المبني على التراث العربي وتعبق ساحته بأشجار ليمون وأنواع مختلفة من الورد بينها الياسمين.
ولم تُعرف حتى الآن أسباب اندلاع الحريق على وجه اليقين.
وقال عوض لوكالة الصحافة الفرنسية "تكمن أهمية منزلي اليوسف والعظم المسجلين على لائحة التراث الوطني السوري في كونهما مرتبطين بالذاكرة السياسية والاجتماعية السورية".

ويعود بناء المنزلين، وفق عوض، إلى الفترة الممتدة بين عامي 1820 و1850.
ويخضع بيت العظم، الذي يضم مركزا للوثائق التاريخية والأثرية من أرشيف الدولة خلال فترة الحكم العثماني للبلاد، لعميات ترميم نقلت خلالها كافة الوثائق التاريخية منه إلى المتحف الوطني بدمشق.
وتشهد العاصمة السورية بين الحين والآخر حرائق، ينقلها إعلام النظام السوري، تطال منازل أو أبنية وحتى أسواقا ويكون غالبا ناتجا عن "ماس" كهربائي.
وسجلت حرائق عدة في أسواق تراثية داخل دمشق القديمة خلال السنوات الماضية، أبرزها حريق كبير التهم جزءا كبيرا من سوق العصرونية في عام 2016، وآخر التهم محال تجارية في سوق الحميدية في العام الماضي.

غضب وحسرات
أثار الحريق غضبا عارما على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب أهمية المنطقة تاريخيا وعاطفيا لآلاف السوريين الذين غادروا دمشق منذ سنوات أو حتى من بقوا فيها.
وأشار مغردون سوريون إلى أن الحريق ليس بريئا، وقال الناقد والمترجم صبحي حديدي إنه لم تعد لدينا حاجة لنسج نظرية مؤامرة حول الحرائق التي تكاثرت في مناطق تاريخية وروحية عريقة من دمشق القديمة، وسط معطيات عن "مطامع إيرانية" في تلك المناطق، حسب وصفه.
وقال المؤرخ والمعماري ناصر رباط إن "حي ساروجة محكوم عليه منذ شق شارع الثورة في قلبه. لا مكان للبيوت التاريخية الكبيرة، خاصة التي اختفى أصحابها من دائرة التأثير مثل الأسر الكردية الدمشقية، في مخططات التطوير ومضاربات أراضي البناء. الحرائق المتكررة ليست أكثر من تحصيل حاصل".
وكتبت الشاعرة السورية المعروفة رنا القباني "لم يتركوا من تراثنا إلا الرماد، لأن لو فعلوا، لبان الفرق بيننا وبينهم".
وأشار نشطاء للحرائق السابقة التي أتت على تراث سوري عريق مستنكرين ما اعتبروه "تدميرا ممنهجا" لمعالم المدينة التاريخية.




أضف تعليق