تغريد أبو شاور تبني حياة كاملة من تفاصيل صغيرة في مجموعتها "كحل"
بغداد(الاتجاه الديمقراطي)
طبعة ثانية تصدر من المجموعة القصصية "كُحل"، عن دار أبجد العراقية، للكاتبة الأردنية تغريد أبو شاور، وهي حالة قل ما تحدث مع المجموعات القصصية للكتاب في زمن الرواية. وهو ما يدل من جهة أخرى على الإجحاف الذي يلحق بفن القصة القصيرة، الذي يحتاج إلى إمكانيات وخصائص سردية تدل على قدرة الكاتب على بروز صوته وأسلوبه وإمكانية استمرار هذا الصوت ودوام إخلاصه لهذا الفن.
تفصيل صغير واستدراج
وما يُثير الانتباه في هذه المجموعة، التي صدرت طبعتها الأولى عام 2018 عن وزارة الثقافة الأردنية، أن جميع قصصها -البالغ عددها 22 قصة قصيرة- تنطلق من حدث صغير، وحتى هامشي، لسرد حدث كبير كالجنون أو الانفصال أو الطلاق أو الموت أو بتر أحد الأعضاء.
بناء القصة الواحدة على تفصيل صغير يجعل الأمور تتدفق بسهولة وسلاسة، ولكن يتفاجأ القارئ في نهاية القصة بأن ذلك التفصيل كان استدراجا ذكيا من الكاتبة للحكي عن عالم (أو عوالم) واسع وفضفاض ويحدث حولنا باستمرار.
في القصة الأولى "حسنا"، تبدأ الحكاية على الشكل التالي: "تخبرني أمي وجاراتها أنها تعرف العاهرات من ضحكاتهن!"، ثم تتحدث عن "حسنا" وكيف أنها تضحك "بحرية" وبصوت عال في الليل، وأن كل الناس تسمع ضحكاتها "العاهرة".
الراوية/ الابنة تذهب في تلك الليلة لتراقب ما تفعله حسنا، وتأكدت من ضحكها الصاخب وملاعبتها لحبال الغسيل، ورقصها بين الشجيرات بشعرها المفرود، "نظرتُ لها بازدراء حتى سقطت من عيني" تقول الراوية عن حسنا.
ولكن في الصباح، عندما تستطيع الراوية أن تشاهد حسنا بشكل أفضل مما شاهدتها في عتمة الليل، "وجدتها عجوزا رغم أنها تبدو في الثلاثين، شعثاء الشعر تلبس قميصا فضفاضا من القطن وسروالا طويلا تحته، وتحمل دمية، تهدهدها تحت الدالية لتنام، ثم تنفجر بضحكاتها العاهرة".
وهكذا يكتشف القارئ أنها امرأة مصابة بلوثة في عقلها، من دون أن تقول له الكاتبة ذلك، ومن دون أن تردد الكاتبة تلك المواعظ بألا نطلق أحكاما على الناس حتى نتعامل معهم ونخبرهم، وليس فقط من خلال ارتفاع ضحكاتهم أو أصواتهم، أو ألوان لباسهم وبشرتهم مثل الذي جرى في قصة "الهندية".
نساء مسحوقات
تذكرنا طريقة كتابة تغريد أبو شاور بطريقة كتابة القصص لدى الكاتب المصري الراحل إبراهيم أصلان (1935 – 2012)، فهما ينتبهان لتفاصيل صغيرة جدا، قد تبدو للوهلة الأولى تفاصيل عادية لا يمكن للكاتب الإفادة منها في بناء وسرد الحكاية. وكذلك في رسم شخصياتهما من خلال الوصف والحوار، والحوار هو ما يبني الشخصية في النص، رغم صعوبة ذلك، ولكنه يدل على درجة الإتقان في فهم تلك الشخصيات.
ولكن كتابة أصلان كانت تبدو مثل قطعة سينمائية غير متحركة، فهي ثابتة وتجري بشكل عادي، ولا تتعلق عادة بحدث كبير، في حين أن أبو شاور تأخذ الأمر إلى صراعات ونهايات كبرى. مثل الصراع بين الخياطة "بسمة" وزوجها الحداد، مستخدمة حوارا ومونولوغات (حديث النفس من الحوارات الداخلية) عالية التأثير على القارئ.
أو مثل صراع "جميلة" وزوجها قاسم الطيب الكندرجي الذي اضطر في النهاية إلى تطليقها، رغم حبه الشديد لها. لتعترف جميلة بأن نساء الحي خدعنها "في جلسات الوباء النسائية" كما تقول في مكان آخر، وبأن قاسم زوجها "بكلمة واحدة قطع رجلي عن عتبة بيته".
وتبدو النساء هنا مسحوقات بسبب الوحدة والإهمال، كما في حكايتي "سميرة" و"لطيفة" على سبيل المثال. أو بسبب العادات والتقاليد والخوف من العنوسة والذكورة، ومن عنف النساء ونكدهن، كما في كل القصص.
لذلك تبدو قصص هذه المجموعة كأنها لقطات سينمائية ولكن متحركة، لقطات من السينما الواقعية. وعن ارتباط هذه القصص بالواقع، تقول صاحبة المجموعة القصصية "نمش" -للجزيرة نت- إن تجربة الكتابة في مجموعة "كحل" أشبه "بكتابة العالم"، وتحديدا "ذاك العالم الموازي للعالم الصاخب الذي يشغل تفكير الجماعة".
لذلك تبدو القصص في "كحل" وكأنها "مجموعة مرايا تعكس صورا وحالات نفسية مختلفة ومتباينة لمجموعة نساء ينتمين إلى طبقات اجتماعية مختلفة، نساء يعشن حيوات متشابكة ومشتبكة".
ثنائية أبدية
بواطن القصص تحمل ذلك الصراع الأبدي بين الذكر والأنثى، ولكن تغريد أبو شاور تذهب، في كثير من القصص، إلى وقوف النساء ضد بعضهن بعضا، سواء في غياب الضحية أو في حضورها، وكذلك إلى مدى التخريب الذي يحدثنه في نفسية وحياة نساء أخريات.
تقول تغريد إنه لا يستقيم الحديث عن حياة المرأة، وعن حياة نساء "كحل"، بمعزل عن محيطها الذكوري (أب، أخ، زوج، ابن، العائلة، الحي، المدينة، البلد، ثقافة البلد)، فهي "ليست كائنا منفصلا عن المجتمع وإن كانت أغلب نساء كُحل يرغبن في الانفصال عن الآخر والعيش الفردي".
وتستطرد تغريد بأن كل شخصية من شخصيات المجموعة لها "حكايتها الخاصة بها، ولها آلامها المختلفة عن آلام الأخرى". والقارئ ربما قد يظن بأن الإحساس بالألم واحد، "لكن ألما يختلف عن ألم".
وتضيف هذا ما حاولت، بالفعل، إبرازه من خلال بنية سرد حكاية كل شخصية على حدة؛ "حيث جعلتُ من بعض النساء تسردن حكاياتهن، ممزوجة بالمُلحة أحيانا، وأحيانا أخرى بأسلوب جريء ووقح".
سألناها عن نسبة الواقعية والسيرة والخيال في هذه المجموعة، فأكدت مؤلفة "كتاب الغين" أن كل قصص المجموعة مستلهمة من الواقع المعيش، "لكن الحصاة التي نرميها في بركة النساء تطلق العنان للتخيل، بشكل يجعل كل كاتب يحاول سبر عوالم المرأة ويحاول فهم ألمها، يعيش تلك الآلام، بل ويعيش حالة عصف تخييلي -إن صح التعبير- لما قد تعيشه المرأة في مجتمع المتناقضات".
المسرح والسينما والخلاص
تغريد أبو شاور كتبت وأخرجت مسرحيات أيضا، وقد نالت عنها 3 جوائز أدبية محلية. وهو ما يُعزز فكرة الاعتماد على "العتبة" أو المدخل، وكذلك على قيمة اللقطة السينمائية والحوار المسرحي.
تقول تغريد إن قصص المجموعة "بُنيت على اللقطة، ومن هذه اللقطة يبدأ حدث كل قصة، لتعرض كل امرأة قضيتها"، ليس من أجل الحاجة إلى إيجاد حل لمشاكلهن، "لأنهن وجدن حلا، بل فقط من أجل الحاجة الملحة لمن يسمعها ويُثني عليهن وعلى اختياراتهن وحسن تصرفهن. لا على ثباتهن، لأنهن في المجموعة جميعهن تقريبا، يؤكدن أنهن يستطعن العيش دون الآخر/ الرجل، دون وصاية، وباستقلالية تامة، وأنهن لا يكترثن لوجوده وإن كُن في حاجة إليه في الوقت نفسه".
وحول فكرة الخلاص من الآخر (الرجل)، تستطرد تغريد بأنها "الخيط الناظم بين قصص المجموعة"، فهي موجودة بنهاياتها المختلفة في كل قصة على حدة؛ فقد يكون هذا الخلاص "بالموت، وقد يكون بالفراق أو بالطلاق أو بعدم اللقاء من أساسه"، في محاولة إشارة من الكاتبة إلى أن "المرأة تمتلك كل مفاتيح الخلاص، ويمكن أن تستخدمها في أي وقت شاءت".
الكحل والمرود المكسور
كل قصص هذه المجموعة معنونة بأسماء نساء، أي أن المجموعة تحوي 22 قصة عن 22 امرأة في 90 صفحة. وفي العادة تكون الراوية هي صاحبة القصة نفسها.
وعن عنونة القصص بأسماء الشخصيات، قالت صاحبة المجموعة القصصية "خرز" -للجزيرة نت- إنها فعلت ذلك "في سبيل استعادة علاقة المرأة باسمها، والبرهنة على أنها قادرة على طرح قضيتها وحكايتها دون مواربة أو خجل، أو اعتماد اسم مستعار أو صفة أو عنوان ركيك".
واستطردت بأن هذه الفكرة تجعل اسمها أيضا أول عتبة من عتبات تحررها من التبعية أو الجهل أو الخوف. وقد أخذت المجموعة اسم إحدى شخصياتها (كُحل) حتى لا ننسى عبارتها البليغة: "سأظل كحلا في مجتمع فيه المرود مكسور".
من جهة أخرى، يجد القارئ أن نساء "كحل" نساء عقلانيات، منفتحات، يتحدثن عن تجاربهن بكل حرية ومن دون تحفظ، يخلطن الأوراق في كثير من الأوقات، وأحيانا أخرى، يقدمنها مرتبة للقارئ، كما يمنحنه الضحكة والدمعة في كفين متوازنتين، ليؤكدن له أن المرأة "قادرة على التوازن في كل حالاتها عكس الأوصاف النمطية التي التصقت بها لحد الآن، ومن بينها، كون العاطفة تغلب على مواقفها وردود أحكامها وآرائها"، على حد وصف تغريد أبو شاور.
طبعة ثانية تصدر من المجموعة القصصية "كُحل"، عن دار أبجد العراقية، للكاتبة الأردنية تغريد أبو شاور، وهي حالة قل ما تحدث مع المجموعات القصصية للكتاب في زمن الرواية. وهو ما يدل من جهة أخرى على الإجحاف الذي يلحق بفن القصة القصيرة، الذي يحتاج إلى إمكانيات وخصائص سردية تدل على قدرة الكاتب على بروز صوته وأسلوبه وإمكانية استمرار هذا الصوت ودوام إخلاصه لهذا الفن.
تفصيل صغير واستدراج
وما يُثير الانتباه في هذه المجموعة، التي صدرت طبعتها الأولى عام 2018 عن وزارة الثقافة الأردنية، أن جميع قصصها -البالغ عددها 22 قصة قصيرة- تنطلق من حدث صغير، وحتى هامشي، لسرد حدث كبير كالجنون أو الانفصال أو الطلاق أو الموت أو بتر أحد الأعضاء.
بناء القصة الواحدة على تفصيل صغير يجعل الأمور تتدفق بسهولة وسلاسة، ولكن يتفاجأ القارئ في نهاية القصة بأن ذلك التفصيل كان استدراجا ذكيا من الكاتبة للحكي عن عالم (أو عوالم) واسع وفضفاض ويحدث حولنا باستمرار.
في القصة الأولى "حسنا"، تبدأ الحكاية على الشكل التالي: "تخبرني أمي وجاراتها أنها تعرف العاهرات من ضحكاتهن!"، ثم تتحدث عن "حسنا" وكيف أنها تضحك "بحرية" وبصوت عال في الليل، وأن كل الناس تسمع ضحكاتها "العاهرة".
الراوية/ الابنة تذهب في تلك الليلة لتراقب ما تفعله حسنا، وتأكدت من ضحكها الصاخب وملاعبتها لحبال الغسيل، ورقصها بين الشجيرات بشعرها المفرود، "نظرتُ لها بازدراء حتى سقطت من عيني" تقول الراوية عن حسنا.
ولكن في الصباح، عندما تستطيع الراوية أن تشاهد حسنا بشكل أفضل مما شاهدتها في عتمة الليل، "وجدتها عجوزا رغم أنها تبدو في الثلاثين، شعثاء الشعر تلبس قميصا فضفاضا من القطن وسروالا طويلا تحته، وتحمل دمية، تهدهدها تحت الدالية لتنام، ثم تنفجر بضحكاتها العاهرة".
وهكذا يكتشف القارئ أنها امرأة مصابة بلوثة في عقلها، من دون أن تقول له الكاتبة ذلك، ومن دون أن تردد الكاتبة تلك المواعظ بألا نطلق أحكاما على الناس حتى نتعامل معهم ونخبرهم، وليس فقط من خلال ارتفاع ضحكاتهم أو أصواتهم، أو ألوان لباسهم وبشرتهم مثل الذي جرى في قصة "الهندية".
نساء مسحوقات
تذكرنا طريقة كتابة تغريد أبو شاور بطريقة كتابة القصص لدى الكاتب المصري الراحل إبراهيم أصلان (1935 – 2012)، فهما ينتبهان لتفاصيل صغيرة جدا، قد تبدو للوهلة الأولى تفاصيل عادية لا يمكن للكاتب الإفادة منها في بناء وسرد الحكاية. وكذلك في رسم شخصياتهما من خلال الوصف والحوار، والحوار هو ما يبني الشخصية في النص، رغم صعوبة ذلك، ولكنه يدل على درجة الإتقان في فهم تلك الشخصيات.
ولكن كتابة أصلان كانت تبدو مثل قطعة سينمائية غير متحركة، فهي ثابتة وتجري بشكل عادي، ولا تتعلق عادة بحدث كبير، في حين أن أبو شاور تأخذ الأمر إلى صراعات ونهايات كبرى. مثل الصراع بين الخياطة "بسمة" وزوجها الحداد، مستخدمة حوارا ومونولوغات (حديث النفس من الحوارات الداخلية) عالية التأثير على القارئ.
أو مثل صراع "جميلة" وزوجها قاسم الطيب الكندرجي الذي اضطر في النهاية إلى تطليقها، رغم حبه الشديد لها. لتعترف جميلة بأن نساء الحي خدعنها "في جلسات الوباء النسائية" كما تقول في مكان آخر، وبأن قاسم زوجها "بكلمة واحدة قطع رجلي عن عتبة بيته".
وتبدو النساء هنا مسحوقات بسبب الوحدة والإهمال، كما في حكايتي "سميرة" و"لطيفة" على سبيل المثال. أو بسبب العادات والتقاليد والخوف من العنوسة والذكورة، ومن عنف النساء ونكدهن، كما في كل القصص.
لذلك تبدو قصص هذه المجموعة كأنها لقطات سينمائية ولكن متحركة، لقطات من السينما الواقعية. وعن ارتباط هذه القصص بالواقع، تقول صاحبة المجموعة القصصية "نمش" -للجزيرة نت- إن تجربة الكتابة في مجموعة "كحل" أشبه "بكتابة العالم"، وتحديدا "ذاك العالم الموازي للعالم الصاخب الذي يشغل تفكير الجماعة".
لذلك تبدو القصص في "كحل" وكأنها "مجموعة مرايا تعكس صورا وحالات نفسية مختلفة ومتباينة لمجموعة نساء ينتمين إلى طبقات اجتماعية مختلفة، نساء يعشن حيوات متشابكة ومشتبكة".
ثنائية أبدية
بواطن القصص تحمل ذلك الصراع الأبدي بين الذكر والأنثى، ولكن تغريد أبو شاور تذهب، في كثير من القصص، إلى وقوف النساء ضد بعضهن بعضا، سواء في غياب الضحية أو في حضورها، وكذلك إلى مدى التخريب الذي يحدثنه في نفسية وحياة نساء أخريات.
تقول تغريد إنه لا يستقيم الحديث عن حياة المرأة، وعن حياة نساء "كحل"، بمعزل عن محيطها الذكوري (أب، أخ، زوج، ابن، العائلة، الحي، المدينة، البلد، ثقافة البلد)، فهي "ليست كائنا منفصلا عن المجتمع وإن كانت أغلب نساء كُحل يرغبن في الانفصال عن الآخر والعيش الفردي".
وتستطرد تغريد بأن كل شخصية من شخصيات المجموعة لها "حكايتها الخاصة بها، ولها آلامها المختلفة عن آلام الأخرى". والقارئ ربما قد يظن بأن الإحساس بالألم واحد، "لكن ألما يختلف عن ألم".
وتضيف هذا ما حاولت، بالفعل، إبرازه من خلال بنية سرد حكاية كل شخصية على حدة؛ "حيث جعلتُ من بعض النساء تسردن حكاياتهن، ممزوجة بالمُلحة أحيانا، وأحيانا أخرى بأسلوب جريء ووقح".
سألناها عن نسبة الواقعية والسيرة والخيال في هذه المجموعة، فأكدت مؤلفة "كتاب الغين" أن كل قصص المجموعة مستلهمة من الواقع المعيش، "لكن الحصاة التي نرميها في بركة النساء تطلق العنان للتخيل، بشكل يجعل كل كاتب يحاول سبر عوالم المرأة ويحاول فهم ألمها، يعيش تلك الآلام، بل ويعيش حالة عصف تخييلي -إن صح التعبير- لما قد تعيشه المرأة في مجتمع المتناقضات".
المسرح والسينما والخلاص
تغريد أبو شاور كتبت وأخرجت مسرحيات أيضا، وقد نالت عنها 3 جوائز أدبية محلية. وهو ما يُعزز فكرة الاعتماد على "العتبة" أو المدخل، وكذلك على قيمة اللقطة السينمائية والحوار المسرحي.
تقول تغريد إن قصص المجموعة "بُنيت على اللقطة، ومن هذه اللقطة يبدأ حدث كل قصة، لتعرض كل امرأة قضيتها"، ليس من أجل الحاجة إلى إيجاد حل لمشاكلهن، "لأنهن وجدن حلا، بل فقط من أجل الحاجة الملحة لمن يسمعها ويُثني عليهن وعلى اختياراتهن وحسن تصرفهن. لا على ثباتهن، لأنهن في المجموعة جميعهن تقريبا، يؤكدن أنهن يستطعن العيش دون الآخر/ الرجل، دون وصاية، وباستقلالية تامة، وأنهن لا يكترثن لوجوده وإن كُن في حاجة إليه في الوقت نفسه".
وحول فكرة الخلاص من الآخر (الرجل)، تستطرد تغريد بأنها "الخيط الناظم بين قصص المجموعة"، فهي موجودة بنهاياتها المختلفة في كل قصة على حدة؛ فقد يكون هذا الخلاص "بالموت، وقد يكون بالفراق أو بالطلاق أو بعدم اللقاء من أساسه"، في محاولة إشارة من الكاتبة إلى أن "المرأة تمتلك كل مفاتيح الخلاص، ويمكن أن تستخدمها في أي وقت شاءت".
الكحل والمرود المكسور
كل قصص هذه المجموعة معنونة بأسماء نساء، أي أن المجموعة تحوي 22 قصة عن 22 امرأة في 90 صفحة. وفي العادة تكون الراوية هي صاحبة القصة نفسها.
وعن عنونة القصص بأسماء الشخصيات، قالت صاحبة المجموعة القصصية "خرز" -للجزيرة نت- إنها فعلت ذلك "في سبيل استعادة علاقة المرأة باسمها، والبرهنة على أنها قادرة على طرح قضيتها وحكايتها دون مواربة أو خجل، أو اعتماد اسم مستعار أو صفة أو عنوان ركيك".
واستطردت بأن هذه الفكرة تجعل اسمها أيضا أول عتبة من عتبات تحررها من التبعية أو الجهل أو الخوف. وقد أخذت المجموعة اسم إحدى شخصياتها (كُحل) حتى لا ننسى عبارتها البليغة: "سأظل كحلا في مجتمع فيه المرود مكسور".
من جهة أخرى، يجد القارئ أن نساء "كحل" نساء عقلانيات، منفتحات، يتحدثن عن تجاربهن بكل حرية ومن دون تحفظ، يخلطن الأوراق في كثير من الأوقات، وأحيانا أخرى، يقدمنها مرتبة للقارئ، كما يمنحنه الضحكة والدمعة في كفين متوازنتين، ليؤكدن له أن المرأة "قادرة على التوازن في كل حالاتها عكس الأوصاف النمطية التي التصقت بها لحد الآن، ومن بينها، كون العاطفة تغلب على مواقفها وردود أحكامها وآرائها"، على حد وصف تغريد أبو شاور.
أضف تعليق