شجرة عيد الميلاد تقليد أقدم من ولادة المسيح
غزة(الاتجاه الديمقراطي)
يعود تقليد تزيين أشجار عيد الميلاد إلى زمن طويل قبل انتشار المسيحية، وبالتحديد ترجع أصول تقاليد الكريسماس إلى الحضارات القديمة في أوروبا، حيث استخدم الناس الأشجار دائمة الخضرة للاحتفال بالانقلاب الشتوي أو عيد منتصف الشتاء، حيث بداية زيادة طول النهار ونقصان ساعات الليل.
وقد أصبحت ممارسة تزيين أشجار عيد الميلاد شائعة بألمانيا في العصور الحديثة، ومن هناك امتدت إلى أجزاء أخرى من أوروبا، وفي النهاية إلى الولايات المتحدة التي ترددت كثيرا في اقتباسه نظرا لجذوره الوثنية.
وفي مقاله بموقع "ذا كونفيرذيشن" (The Conversation) يقول الكاتب والأكاديمي تروي بيكهام، أستاذ التاريخ بجامعة تكساس "إيه آند إم"، إنه لا يحب شراء شجرة عيد ميلاد جاهزة ليشعر بالالتحام مع واحد من أقدم التقاليد الدينية في العالم.
رمز الحياة زمن العتمة
لطالما كانت كل المجتمعات الزراعية، تقريبا، تقدس الشمس في مجمع الآلهة الخاصة بها في وقت من الأوقات، فهو الآلهة "سول" (Sol) في الأساطير الإسكندنافية، و"هيتزيلوبوتشي" (Huitzilopochtli) في حضارة الآزتيك، و"هيليوس" (Helios) في الميثولوجيا الإغريقية.
وكانت الانقلابات الشمسية، أي عندما تكون الشمس في أعلى وأدنى نقطة في السماء، أحداثا كبرى. وكان الانقلاب الشتوي -حيث تكون السماء في أحلك حالاتها- يوما مميزا للاحتفال في المجتمعات الزراعية عبر تاريخ البشرية.
ففي بلاد فارس كانوا يحتفلون بذلك اليوم ويسمونه "شب يلدا" (Shab-e Yalda) ويعني (ليلة يلدا) وفي الصين وأيضا في هونغ كونغ وتايوان واليابان وفيتنام وكوريا كان يسمى "دونغتشي" (Dongzhi)، وفي أميركا الشمالية كان السكان الأصليون مثل قبائل زوني وعرقية هوبي يحتفلون به باسم احتفال "سويال" (Soyal).
فما هي الزينة المفضلة بالانقلابات الشتوية القديمة؟ الإجابة هي: النباتات دائمة الخضرة.
ولطالما استخدمت النباتات دائمة الخضرة رموزا للمثابرة في الحياة خلال فصل الشتاء الموحش، ووعدا وأملا بعودة الشمس، سواءً كان ذلك عبر جمع أغصان النخيل للاحتفال بالآلهة رع في ممالك مصر القديمة (الفرعونية)، أو أكاليل الزهور في عيد الآلهة ساتورن (آلهة الحصاد) في الأساطير الرومانية.
عيد الميلاد يطل بتؤدة
في ذلك السياق القديم، جاء عيد الميلاد متأخرا جدا، إذ لم يحدد موعد له في روزنامات الشعائر الدينية إلا بعد قرن من ولادة نبي الله عيسى المسيح (صلى الله عليه وسلم) ولم تظهر كلمة "كريسماس" (Christmas) الإنجليزية -وهي اختصار لفظة "قداس المسيح" (Christ’s Mass)- إلا بعد مرور أكثر من ألف عام على الحدث الأصلي (ميلاد المسيح عليه السلام).
ولما كان يوم 25 ديسمبر/كانون الأول يوم عيد مسيحي، فقد نقل العديد من الأوروبيين ببساطة تلك التقاليد من احتفالات الانقلاب الشتوي، والتي كانت تنطوي على مظاهر احتفالية صاخبة. فعلى سبيل المثال، فإن أصل الاحتفال بعيد الميلاد لمدة 12 يوما، والترنم بالتراتيل الشعبية، يعود في الواقع إلى تقاليد مهرجانات الشعوب الجرمانية القديمة (تنحدر من شمال أوروبا).
كما أن استخدام النباتات دائمة الخضرة -وعلى الأخص شجرة عيد الميلاد- يعد الأثر الباقي الأكثر وضوحا لاحتفالات الانقلاب الشمسي القديمة الموروثة عما قبل المسيحية.
ورغم أن الترنيمة الشهيرة التي تغنى بها الشاعر والمؤرخ الألماني إرنست أنشوتز عام 1824، وخص بها شجرة التنُّوب، تُرجمت إلى الإنجليزية باسم (O Christmas Tree) وتعني (يا شجرة عيد الميلاد) فإن عنوان النغمة الألمانية الأصلية هو ببساطة (Tannenbaum) أي شجرة التنُّوب. ولا توجد أي إشارة إلى عيد الميلاد في الترنيمة، بل إن أنشوتز اعتمد في ترنيمته على أغنية حب شعبية أقدم بكثير من تراث شعوب سيليزيا التي تتقاسمها حاليا ألمانيا وبولندا والتشيك.
وحفاظا على تقاليد الاحتفالات القديمة بالانقلاب الشمسي، تشيد الأغنية بقوة تحمل الشجرة -التي أصبحت شجرة عيد الميلاد لاحقا- خلال الشتاء المظلم والبارد.
ردة فعل عكسية
أعطى البروتستانت الألمان -المتحمسون لإزالة الأيقونات (التماثيل) والقطع الأثرية الخاصة بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية في القرن الـ 16- دعما كبيرا لفكرة شجرة عيد الميلاد عندما استخدموها لتحل محل مشاهد ولادة المسيح (المهد). ويُزعم أن المصلح الديني مارتن لوثر (1483- 1546) تبنى هذه الممارسة وأضاف إليها الشموع، بحسب الروائي الكندي تروي بيكهام.
لكن بعد قرن من الزمان، استاء الإنجليز التطهيريون (البيوريتانيون) من العطلة غير المنتظمة لافتقارها إلى شرعية العهد القديم، فحظروها في خمسينيات القرن الـ17، حيث قام الجنود بدوريات في شوارع لندن بحثا عن أي شخص يجرؤ على الاحتفال باليوم.
وفعل المستعمرون البيوريتانيون (مذهب مسيحي بروتستانتي ينادي بإلغاء الرتب الكهنوتية ويتبنى تقاليد اجتماعية محافظة) في ولاية ماساتشوستس الأميركية الشيء نفسه، عندما فرضوا غرامة على "كل من يُعثر عليه وهو يحتفل بعيد الميلاد أو ما شابه، سواء بالامتناع عن العمل أو للهو الصاخب أو بأي طريقة أخرى".
وقد كان للهجرة الألمانية إلى المستعمرات الأميركية الفضل في أن يترسخ تقليد استخدام الأشجار في العالم الجديد. وقدر الرئيس الأميركي بنجامين فرانكلين (1706- 1790) أن ما لا يقل عن ثلث السكان البيض في ولاية بنسلفانيا كانوا ألمانا قبل الثورة الأميركية.
ومع ذلك، ازدهر التقليد الألماني لشجرة عيد الميلاد في الولايات المتحدة إلى حد كبير، إذ يعود نسب العائلة الملكية البريطانية إلى ألمانيا الجرمانية.
التقاط إشارة الملكة
منذ عام 1701، مُنع الملوك الإنجليز من اعتناق المذهب الكاثوليكي أو الزواج. وكان لألمانيا -التي كانت تتشكل من خليط من الممالك- أمراء وأميرات بروتستانت مؤهلون بقوا على مذهبهم.
واحتفظ العديد من أفراد العائلة المالكة البريطانية سرا بالتقليد المألوف في استخدام شجرة عيد الميلاد. لكن الملكة فيكتوريا (1819- 1901) -والتي كانت أمها ألمانية وجدتها لأبيها ألمانية كذلك- جعلت هذه الممارسة علنية وعصرية.
وصاغ أسلوب حكم فيكتوريا الأخلاق الصارمة (المحافظة) ظاهريا التي تمحورت حول الأسرة وهيمنت على حياة الطبقة الوسطى خلال تلك الحقبة. وفي أربعينيات القرن الـ 19، أصبح عيد الميلاد هدفا للإصلاحيين -مثل الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز (توفي 1870)- الذين سعوا إلى تحويل الاحتفالات الصاخبة للعطلة التي تم تهميشها إلى حد كبير إلى يوم عائلي يمكن فيه لشعب الدولة الصناعية الاسترخاء والابتهاج وشكر النعم.
وقد دوّن الروائي الإنجليزي الشهير فكرته عن الكريسماس في روايته "ترنيمة عيد الميلاد"، ويرفض فيها بطل الرواية اعتبار هذه المناسبة عيدا، ويرفض الانضمام لحفل الكريسماس ليبقى وحيدا في بيته ويزوره شبح يحذره من عواقب بخله الشديد.
وساعدت رواية ديكنز واسعة الانتشار في إبراز ما كان يجري بالفعل في مناسبة الكريسماس في بريطانيا التي خرجت منها تقاليد الكريسماس، وجرى التركيز بالعصر الفيكتوري على دور الأسرة في المناسبة وكذلك تقليد تقديم الهدايا، وجرى استنساخ صورة الاحتفال وطقوسه وتعميمها عبر وسائل الإعلام والمجلات والمسرح آنذاك، بحسب الأكاديمي كارل دبليو جونز بجامعة وستمنستر.
وقد أضافت الملكة فيكتوريا شجرة التنوب للاحتفالات العائلية بعد 5 سنوات. ورغم أن أشجار الميلاد كانت جزءا من الاحتفالات الملكية الخاصة لعقود من الزمن، فإن مجلة "لندن إيلستريتيد نيوز" (London Illustrated News) المصورة أظهرت عام 1848 صورة لفيكتوريا مع زوجها الألماني وأطفالها وهم يزينون شجرة عيد الميلاد في قلعة وندسور.
وكان التأثير الثقافي لتلك الصورة شبه فوري، حيث بدأت أشجار عيد الميلاد تظهر بالمنازل في جميع أنحاء إنجلترا ومستعمراتها وبقية العالم الناطق بالإنجليزية. ونشر ديكنز قصته القصيرة (A Christmas Tree) "شجرة عيد الميلاد" بعد ذلك بعامين.
أميركا تتبنى تقليد شجرة الميلاد
خلال تلك الفترة، احتضنت الطبقات الوسطى في أميركا عموما كل ما وصلها من الحقبة الفيكتورية، من الهندسة المعمارية إلى أفكار الإصلاح الديني والمحافظة الاجتماعية.
واستغلت الأديبة الأميركية سارة هيل -التي ذاع صيتها بقصيدة لأطفالها "ماري لديها حمل صغير" (Mary had a Little Lamb)- منصبها كمحررة للمجلة الأكثر مبيعا "غوديز ليديز بوك" (Godey’s Ladies Book) للدفع بأجندة إصلاحية تضمنت إلغاء العبودية، وإقامة عطلات روجت للقيم الأسرية والتقوى الدينية. ربما كان اعتماد عيد الشكر كعطلة وطنية عام 1863 هو إنجازها الأكبر.
وأصبح تزيين الأشجار على نحو غير منتظم، في منازل المهاجرين الألمان بالولايات المتحدة، ممارسة سائدة لدى أفراد الطبقة الوسطى عندما نشرت مجلة "غوديز" عام 1850 رسما منقوشا للملكة فيكتوريا وشجرة عيد الميلاد الخاصة بها. وساعدت هيل -وهي من مؤيدي ديكنز وحركة إعادة إحياء عيد الميلاد – في الترويج لشجرة الميلاد العائلية على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي.
ولم تعترف الولايات المتحدة بعيد الميلاد كعطلة رسمية على مستوى الدولة إلا عام 1870.
وظهرت ممارسة إقامة أشجار عيد الميلاد في العلن بالولايات المتحدة في القرن العشرين. وعام 1923، ظهرت أول شجرة من ذلك النوع في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض. وخلال فترة الكساد الكبير، بدأت المواقع الشهيرة مثل مركز روكفلر بنيويورك في نصب أشجار أكبر بشكل متزايد.
أشجار عيد الميلاد تصبح عالمية
وبعد أن تمدد تأثير كل من الثقافتين الأميركية والبريطانية في جميع أنحاء العالم، بدأت أشجار عيد الميلاد بالظهور في الفضاءات العامة حتى في البلدان التي لا يغلب عليها الطابع المسيحي بما في ذلك بلدان غير مسيحية كثيرة.
وربما كانت الدعاية ووسائل الإعلان الجماعية هي السبب وراء تطور ارتباط عيد الميلاد (الكريسماس) بالهدايا التي شكلت الملمح الأبرز للكريسماس ذاته، الوقت الحاضر.
وقد أدركت الشركات أن عيد الميلاد يمكن أن يدر أموالا كثيرة، وبدأت الإعلانات الموسمية تشدد على سلوك "تقديم الهدايا" كجزء رئيسي من تقاليد عيد الميلاد عبر عرض "بابا نويل" مع المنتجات ذات العلامات التجارية التي تنامى الإقبال عليها من قبل المستهلكين.
وتعد شجرة عيد الميلاد الحديثة رمزا عالميا يحمل مزيجا من المعاني الدينية وغير الدينية. وتعزز تلك الشجرة، المزينة بالأضواء، الأمل وتشيع الألق بالفعل في أحلك أوقات السنة لنصف العالم.
يعود تقليد تزيين أشجار عيد الميلاد إلى زمن طويل قبل انتشار المسيحية، وبالتحديد ترجع أصول تقاليد الكريسماس إلى الحضارات القديمة في أوروبا، حيث استخدم الناس الأشجار دائمة الخضرة للاحتفال بالانقلاب الشتوي أو عيد منتصف الشتاء، حيث بداية زيادة طول النهار ونقصان ساعات الليل.
وقد أصبحت ممارسة تزيين أشجار عيد الميلاد شائعة بألمانيا في العصور الحديثة، ومن هناك امتدت إلى أجزاء أخرى من أوروبا، وفي النهاية إلى الولايات المتحدة التي ترددت كثيرا في اقتباسه نظرا لجذوره الوثنية.
وفي مقاله بموقع "ذا كونفيرذيشن" (The Conversation) يقول الكاتب والأكاديمي تروي بيكهام، أستاذ التاريخ بجامعة تكساس "إيه آند إم"، إنه لا يحب شراء شجرة عيد ميلاد جاهزة ليشعر بالالتحام مع واحد من أقدم التقاليد الدينية في العالم.
رمز الحياة زمن العتمة
لطالما كانت كل المجتمعات الزراعية، تقريبا، تقدس الشمس في مجمع الآلهة الخاصة بها في وقت من الأوقات، فهو الآلهة "سول" (Sol) في الأساطير الإسكندنافية، و"هيتزيلوبوتشي" (Huitzilopochtli) في حضارة الآزتيك، و"هيليوس" (Helios) في الميثولوجيا الإغريقية.
وكانت الانقلابات الشمسية، أي عندما تكون الشمس في أعلى وأدنى نقطة في السماء، أحداثا كبرى. وكان الانقلاب الشتوي -حيث تكون السماء في أحلك حالاتها- يوما مميزا للاحتفال في المجتمعات الزراعية عبر تاريخ البشرية.
ففي بلاد فارس كانوا يحتفلون بذلك اليوم ويسمونه "شب يلدا" (Shab-e Yalda) ويعني (ليلة يلدا) وفي الصين وأيضا في هونغ كونغ وتايوان واليابان وفيتنام وكوريا كان يسمى "دونغتشي" (Dongzhi)، وفي أميركا الشمالية كان السكان الأصليون مثل قبائل زوني وعرقية هوبي يحتفلون به باسم احتفال "سويال" (Soyal).
فما هي الزينة المفضلة بالانقلابات الشتوية القديمة؟ الإجابة هي: النباتات دائمة الخضرة.
ولطالما استخدمت النباتات دائمة الخضرة رموزا للمثابرة في الحياة خلال فصل الشتاء الموحش، ووعدا وأملا بعودة الشمس، سواءً كان ذلك عبر جمع أغصان النخيل للاحتفال بالآلهة رع في ممالك مصر القديمة (الفرعونية)، أو أكاليل الزهور في عيد الآلهة ساتورن (آلهة الحصاد) في الأساطير الرومانية.
عيد الميلاد يطل بتؤدة
في ذلك السياق القديم، جاء عيد الميلاد متأخرا جدا، إذ لم يحدد موعد له في روزنامات الشعائر الدينية إلا بعد قرن من ولادة نبي الله عيسى المسيح (صلى الله عليه وسلم) ولم تظهر كلمة "كريسماس" (Christmas) الإنجليزية -وهي اختصار لفظة "قداس المسيح" (Christ’s Mass)- إلا بعد مرور أكثر من ألف عام على الحدث الأصلي (ميلاد المسيح عليه السلام).
ولما كان يوم 25 ديسمبر/كانون الأول يوم عيد مسيحي، فقد نقل العديد من الأوروبيين ببساطة تلك التقاليد من احتفالات الانقلاب الشتوي، والتي كانت تنطوي على مظاهر احتفالية صاخبة. فعلى سبيل المثال، فإن أصل الاحتفال بعيد الميلاد لمدة 12 يوما، والترنم بالتراتيل الشعبية، يعود في الواقع إلى تقاليد مهرجانات الشعوب الجرمانية القديمة (تنحدر من شمال أوروبا).
كما أن استخدام النباتات دائمة الخضرة -وعلى الأخص شجرة عيد الميلاد- يعد الأثر الباقي الأكثر وضوحا لاحتفالات الانقلاب الشمسي القديمة الموروثة عما قبل المسيحية.
ورغم أن الترنيمة الشهيرة التي تغنى بها الشاعر والمؤرخ الألماني إرنست أنشوتز عام 1824، وخص بها شجرة التنُّوب، تُرجمت إلى الإنجليزية باسم (O Christmas Tree) وتعني (يا شجرة عيد الميلاد) فإن عنوان النغمة الألمانية الأصلية هو ببساطة (Tannenbaum) أي شجرة التنُّوب. ولا توجد أي إشارة إلى عيد الميلاد في الترنيمة، بل إن أنشوتز اعتمد في ترنيمته على أغنية حب شعبية أقدم بكثير من تراث شعوب سيليزيا التي تتقاسمها حاليا ألمانيا وبولندا والتشيك.
وحفاظا على تقاليد الاحتفالات القديمة بالانقلاب الشمسي، تشيد الأغنية بقوة تحمل الشجرة -التي أصبحت شجرة عيد الميلاد لاحقا- خلال الشتاء المظلم والبارد.
ردة فعل عكسية
أعطى البروتستانت الألمان -المتحمسون لإزالة الأيقونات (التماثيل) والقطع الأثرية الخاصة بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية في القرن الـ 16- دعما كبيرا لفكرة شجرة عيد الميلاد عندما استخدموها لتحل محل مشاهد ولادة المسيح (المهد). ويُزعم أن المصلح الديني مارتن لوثر (1483- 1546) تبنى هذه الممارسة وأضاف إليها الشموع، بحسب الروائي الكندي تروي بيكهام.
لكن بعد قرن من الزمان، استاء الإنجليز التطهيريون (البيوريتانيون) من العطلة غير المنتظمة لافتقارها إلى شرعية العهد القديم، فحظروها في خمسينيات القرن الـ17، حيث قام الجنود بدوريات في شوارع لندن بحثا عن أي شخص يجرؤ على الاحتفال باليوم.
وفعل المستعمرون البيوريتانيون (مذهب مسيحي بروتستانتي ينادي بإلغاء الرتب الكهنوتية ويتبنى تقاليد اجتماعية محافظة) في ولاية ماساتشوستس الأميركية الشيء نفسه، عندما فرضوا غرامة على "كل من يُعثر عليه وهو يحتفل بعيد الميلاد أو ما شابه، سواء بالامتناع عن العمل أو للهو الصاخب أو بأي طريقة أخرى".
وقد كان للهجرة الألمانية إلى المستعمرات الأميركية الفضل في أن يترسخ تقليد استخدام الأشجار في العالم الجديد. وقدر الرئيس الأميركي بنجامين فرانكلين (1706- 1790) أن ما لا يقل عن ثلث السكان البيض في ولاية بنسلفانيا كانوا ألمانا قبل الثورة الأميركية.
ومع ذلك، ازدهر التقليد الألماني لشجرة عيد الميلاد في الولايات المتحدة إلى حد كبير، إذ يعود نسب العائلة الملكية البريطانية إلى ألمانيا الجرمانية.
التقاط إشارة الملكة
منذ عام 1701، مُنع الملوك الإنجليز من اعتناق المذهب الكاثوليكي أو الزواج. وكان لألمانيا -التي كانت تتشكل من خليط من الممالك- أمراء وأميرات بروتستانت مؤهلون بقوا على مذهبهم.
واحتفظ العديد من أفراد العائلة المالكة البريطانية سرا بالتقليد المألوف في استخدام شجرة عيد الميلاد. لكن الملكة فيكتوريا (1819- 1901) -والتي كانت أمها ألمانية وجدتها لأبيها ألمانية كذلك- جعلت هذه الممارسة علنية وعصرية.
وصاغ أسلوب حكم فيكتوريا الأخلاق الصارمة (المحافظة) ظاهريا التي تمحورت حول الأسرة وهيمنت على حياة الطبقة الوسطى خلال تلك الحقبة. وفي أربعينيات القرن الـ 19، أصبح عيد الميلاد هدفا للإصلاحيين -مثل الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز (توفي 1870)- الذين سعوا إلى تحويل الاحتفالات الصاخبة للعطلة التي تم تهميشها إلى حد كبير إلى يوم عائلي يمكن فيه لشعب الدولة الصناعية الاسترخاء والابتهاج وشكر النعم.
وقد دوّن الروائي الإنجليزي الشهير فكرته عن الكريسماس في روايته "ترنيمة عيد الميلاد"، ويرفض فيها بطل الرواية اعتبار هذه المناسبة عيدا، ويرفض الانضمام لحفل الكريسماس ليبقى وحيدا في بيته ويزوره شبح يحذره من عواقب بخله الشديد.
وساعدت رواية ديكنز واسعة الانتشار في إبراز ما كان يجري بالفعل في مناسبة الكريسماس في بريطانيا التي خرجت منها تقاليد الكريسماس، وجرى التركيز بالعصر الفيكتوري على دور الأسرة في المناسبة وكذلك تقليد تقديم الهدايا، وجرى استنساخ صورة الاحتفال وطقوسه وتعميمها عبر وسائل الإعلام والمجلات والمسرح آنذاك، بحسب الأكاديمي كارل دبليو جونز بجامعة وستمنستر.
وقد أضافت الملكة فيكتوريا شجرة التنوب للاحتفالات العائلية بعد 5 سنوات. ورغم أن أشجار الميلاد كانت جزءا من الاحتفالات الملكية الخاصة لعقود من الزمن، فإن مجلة "لندن إيلستريتيد نيوز" (London Illustrated News) المصورة أظهرت عام 1848 صورة لفيكتوريا مع زوجها الألماني وأطفالها وهم يزينون شجرة عيد الميلاد في قلعة وندسور.
وكان التأثير الثقافي لتلك الصورة شبه فوري، حيث بدأت أشجار عيد الميلاد تظهر بالمنازل في جميع أنحاء إنجلترا ومستعمراتها وبقية العالم الناطق بالإنجليزية. ونشر ديكنز قصته القصيرة (A Christmas Tree) "شجرة عيد الميلاد" بعد ذلك بعامين.
أميركا تتبنى تقليد شجرة الميلاد
خلال تلك الفترة، احتضنت الطبقات الوسطى في أميركا عموما كل ما وصلها من الحقبة الفيكتورية، من الهندسة المعمارية إلى أفكار الإصلاح الديني والمحافظة الاجتماعية.
واستغلت الأديبة الأميركية سارة هيل -التي ذاع صيتها بقصيدة لأطفالها "ماري لديها حمل صغير" (Mary had a Little Lamb)- منصبها كمحررة للمجلة الأكثر مبيعا "غوديز ليديز بوك" (Godey’s Ladies Book) للدفع بأجندة إصلاحية تضمنت إلغاء العبودية، وإقامة عطلات روجت للقيم الأسرية والتقوى الدينية. ربما كان اعتماد عيد الشكر كعطلة وطنية عام 1863 هو إنجازها الأكبر.
وأصبح تزيين الأشجار على نحو غير منتظم، في منازل المهاجرين الألمان بالولايات المتحدة، ممارسة سائدة لدى أفراد الطبقة الوسطى عندما نشرت مجلة "غوديز" عام 1850 رسما منقوشا للملكة فيكتوريا وشجرة عيد الميلاد الخاصة بها. وساعدت هيل -وهي من مؤيدي ديكنز وحركة إعادة إحياء عيد الميلاد – في الترويج لشجرة الميلاد العائلية على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي.
ولم تعترف الولايات المتحدة بعيد الميلاد كعطلة رسمية على مستوى الدولة إلا عام 1870.
وظهرت ممارسة إقامة أشجار عيد الميلاد في العلن بالولايات المتحدة في القرن العشرين. وعام 1923، ظهرت أول شجرة من ذلك النوع في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض. وخلال فترة الكساد الكبير، بدأت المواقع الشهيرة مثل مركز روكفلر بنيويورك في نصب أشجار أكبر بشكل متزايد.
أشجار عيد الميلاد تصبح عالمية
وبعد أن تمدد تأثير كل من الثقافتين الأميركية والبريطانية في جميع أنحاء العالم، بدأت أشجار عيد الميلاد بالظهور في الفضاءات العامة حتى في البلدان التي لا يغلب عليها الطابع المسيحي بما في ذلك بلدان غير مسيحية كثيرة.
وربما كانت الدعاية ووسائل الإعلان الجماعية هي السبب وراء تطور ارتباط عيد الميلاد (الكريسماس) بالهدايا التي شكلت الملمح الأبرز للكريسماس ذاته، الوقت الحاضر.
وقد أدركت الشركات أن عيد الميلاد يمكن أن يدر أموالا كثيرة، وبدأت الإعلانات الموسمية تشدد على سلوك "تقديم الهدايا" كجزء رئيسي من تقاليد عيد الميلاد عبر عرض "بابا نويل" مع المنتجات ذات العلامات التجارية التي تنامى الإقبال عليها من قبل المستهلكين.
وتعد شجرة عيد الميلاد الحديثة رمزا عالميا يحمل مزيجا من المعاني الدينية وغير الدينية. وتعزز تلك الشجرة، المزينة بالأضواء، الأمل وتشيع الألق بالفعل في أحلك أوقات السنة لنصف العالم.
أضف تعليق