الأسير المثقف العاشق وليد دقة ينام في أحضان الموت
بعد قبلة وعناق لدقيقة واحدة
هل هذا ما سيبقي لي منك، هل حزنت مني لأنني خفت يوم اللقاء الأول دون زجاج، فليغفر لي الله ذنبي لكنني خِفت لأني لم آراك منذ الميلاد، ولم تمسك شعري يوماً وتطبع قبلة فوق جبيني.. هل لهذا مرضت، هل هو مرض مميت، ماذا يعني اللوكيميا، ولماذا يقول يجب العلاج الكيماوي الفوري، ولكن أمي تقول لي دائماً أنك مقاتل لا ينهزم ولن يهزم.
فهم يصنعون الموت، وأنا صنيعة الحياة والحب.. أنا الطفلة التي انتظرت أكثر من عقد وولدت من نطفة محررة على الرغم من كل إجراءاتهم وقوانينهم من منعي من الحياة، أمي اختارت الناصرة مكاناً لولادتي في شباط 2020 ، وقد صار إسمي ميلاد، هذا الاسم الذي حَلُمت به طويلًا داخل غياهب الأسر، صار وليد دقة أبي، وتحولت من سر الزيت إلى نبض الحياة.
وقد كان زواجهما وعقد قرآنهما في عقر سجن عسقلان، قصة لم تُروا من قبل، وسابقة لم تتكرر في تاريخ السجون الصهيونية تروي أمي بفخر لي: "دخلنا بالسيارة والأسرى على النوافذ يشاهدون، ويزفوننا بالطبل على الأدوات المتوفرة لديهم من الأواني والحلل، وأقيم الفرح لمدة ثلاث ساعات، من 11 صباحًا حتى 2 ظهرًا بحضور الشيخ الذي عقد القران، ومجموعة من أهلي وأهله، و9 من الأسرى، في أجواء خرافية للغاية".
جاء التقاء أمي بزمن أبي الموازي صدفة تهدد أمن الكيان الاستعماري واستقراره، وأنهم يحذرون من عواقب هذا اللقاء "الخلوة الشرعية" لاعتبارات أمنية، خاب ظنهم بأنهم سينالان حقهما في ذلك كأي مواطنين يعيشان في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 ويحملان جنسية دولة الاحتلال، بقي زواجهم على ورق ليومنا هذا
لسنوات ظلّ أبي المثقف المشتبك يضرب الاحتلال في الخاصرة من داخل حصونه المشيّدة، لم يكن سهلاً على الاحتلال أن يسمح له بالإنجاب، فهو يخشى مجرد كلماته وروايات الخيال التي يكتبها، ولا سيما "حكاية سر الزيت"، و"الزمن الموازي"، و"صهر الوعي" والذي يدرس في الجامعات الفلسطينية ويعالج واقع الأسرى ومعاناتهم، فوليد اشتهر روائياً وكاتباً فلسطينياً لمؤلفات كثيرة أعدها في عتمة الزنازين.
ولأجل ذلك عوقب أكثر من مرة داخل معتقله بالعزل تارة والنقل من سجن لآخر تارة أخرى، وزيادة سنوات اعتقاله، حتى أن وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغف أمرت بإغلاق مسرح الميدان في مدينة حيفا، حيث كانت أعمال وليد تقدم للجمهور.
أما هذه المرّة، فقد ألجم المحتل بضربة غير متوقعة؛ انتصر على السجان... وحقق ما أراد، نجح بعد مرارات مريرة بتحقق أبوته المنتظرة، خبر قدومي لدنيا كان زلزال على منظومة الأمن الصهيونية فغضبت إدارة مصلحة السجون، وفي الحال اقتحمت غرف الأسرى في سجن مجدو وتم عزله خمسة أشهر، دولة تخشي نطفة، نطفة تأتي إلى الحياة غصباً عن الدولة وحواجزها وأسوارها وسجونها، نطفة تهدد أمن رابع أقوى جيوش العالم.
ورغم أنَّ هذا البلد بلدُ المعجزات، بلدُ الإسراء والمعراج، ومهدُ السيّد المسيح عليه الصلاة والسلام، فإنّني لستُ طفلةً معجزة، بل ثمرةُ تصميمٍ وإصرارٍ وتحدٍّ. زمنُ المعجزات قد ولّى، ونحن اليومَ في زمن التعجيزات الإسرائيليّة وغطرستِها.
فأبي قابع هناك يحفر في جليد العزلة قبل انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي.. قبل انهيار سور برلين وحرب الخليج والفصائل وأوسلو وانتفاضات...صدأ القيد على يديه ولم تفتر سواعده، استقبل آلاف الأسرى وودع آلاف وهو يبتسم طوال سبعة وثلاثون عاماً واكثر، لم يستسلم وليد، وراح يُحول ظُلمة الزنزانة إلى نور يسري مداه في نفسه ونفوس الأسرى في السجون التي يتنقل بينها، كان مِشعل الضوء ووهج الصمود لهم، تعرض خلالها لأبشع أصناف التعذيب، الجسدي والنفسي، وتنقل خلال تلك السنوات الطويلة للعيش بين جدران سجون متعددة، لتزداد معاناته وتتدهور حالته الصحية سوءاً.
بعد ثلاثة أشهر كان من المفترض أن ينتهي آخر عذابٍ لوليد، كان سيتحرر ونذهب إلى حيفا ونأكل البرتقال، سأنام على كتفه ويروي لي كتاب "صهر الوعي" ورواية "سرّ الزيت"، ولن ينسى أن يخبرني كيف أكمل دراسته الجامعية حتى نال درجة الماجستير في العلوم السياسية من زنزانته لكن سيتغافل عن إخباري بكومة من الأمراض المزمنة يعانيها في أسره، لكن الاحتلال أضاف إلى حكمه الأصلي عامين إضافيين، بتهمة تهريب هواتف للأسرى.
مازال الأسير المثقف العاشق وليد دقة ينام في أحضان الموت،
فأنت الناصّ والنصّ والمنصوص، ما زالت للحكاية بقية،
ما زلت أنا ميلاد أنتظر عناق وقبلة،
ما زالت العاشقة سناء تنتظرك بالبيت،
إياك أن تخذلنا بالموت،
العام الثاني بعد الميلاد
محبتك
ميلاد وليد دقة
هل هذا ما سيبقي لي منك، هل حزنت مني لأنني خفت يوم اللقاء الأول دون زجاج، فليغفر لي الله ذنبي لكنني خِفت لأني لم آراك منذ الميلاد، ولم تمسك شعري يوماً وتطبع قبلة فوق جبيني.. هل لهذا مرضت، هل هو مرض مميت، ماذا يعني اللوكيميا، ولماذا يقول يجب العلاج الكيماوي الفوري، ولكن أمي تقول لي دائماً أنك مقاتل لا ينهزم ولن يهزم.
فهم يصنعون الموت، وأنا صنيعة الحياة والحب.. أنا الطفلة التي انتظرت أكثر من عقد وولدت من نطفة محررة على الرغم من كل إجراءاتهم وقوانينهم من منعي من الحياة، أمي اختارت الناصرة مكاناً لولادتي في شباط 2020 ، وقد صار إسمي ميلاد، هذا الاسم الذي حَلُمت به طويلًا داخل غياهب الأسر، صار وليد دقة أبي، وتحولت من سر الزيت إلى نبض الحياة.
وقد كان زواجهما وعقد قرآنهما في عقر سجن عسقلان، قصة لم تُروا من قبل، وسابقة لم تتكرر في تاريخ السجون الصهيونية تروي أمي بفخر لي: "دخلنا بالسيارة والأسرى على النوافذ يشاهدون، ويزفوننا بالطبل على الأدوات المتوفرة لديهم من الأواني والحلل، وأقيم الفرح لمدة ثلاث ساعات، من 11 صباحًا حتى 2 ظهرًا بحضور الشيخ الذي عقد القران، ومجموعة من أهلي وأهله، و9 من الأسرى، في أجواء خرافية للغاية".
جاء التقاء أمي بزمن أبي الموازي صدفة تهدد أمن الكيان الاستعماري واستقراره، وأنهم يحذرون من عواقب هذا اللقاء "الخلوة الشرعية" لاعتبارات أمنية، خاب ظنهم بأنهم سينالان حقهما في ذلك كأي مواطنين يعيشان في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 ويحملان جنسية دولة الاحتلال، بقي زواجهم على ورق ليومنا هذا
لسنوات ظلّ أبي المثقف المشتبك يضرب الاحتلال في الخاصرة من داخل حصونه المشيّدة، لم يكن سهلاً على الاحتلال أن يسمح له بالإنجاب، فهو يخشى مجرد كلماته وروايات الخيال التي يكتبها، ولا سيما "حكاية سر الزيت"، و"الزمن الموازي"، و"صهر الوعي" والذي يدرس في الجامعات الفلسطينية ويعالج واقع الأسرى ومعاناتهم، فوليد اشتهر روائياً وكاتباً فلسطينياً لمؤلفات كثيرة أعدها في عتمة الزنازين.
ولأجل ذلك عوقب أكثر من مرة داخل معتقله بالعزل تارة والنقل من سجن لآخر تارة أخرى، وزيادة سنوات اعتقاله، حتى أن وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغف أمرت بإغلاق مسرح الميدان في مدينة حيفا، حيث كانت أعمال وليد تقدم للجمهور.
أما هذه المرّة، فقد ألجم المحتل بضربة غير متوقعة؛ انتصر على السجان... وحقق ما أراد، نجح بعد مرارات مريرة بتحقق أبوته المنتظرة، خبر قدومي لدنيا كان زلزال على منظومة الأمن الصهيونية فغضبت إدارة مصلحة السجون، وفي الحال اقتحمت غرف الأسرى في سجن مجدو وتم عزله خمسة أشهر، دولة تخشي نطفة، نطفة تأتي إلى الحياة غصباً عن الدولة وحواجزها وأسوارها وسجونها، نطفة تهدد أمن رابع أقوى جيوش العالم.
ورغم أنَّ هذا البلد بلدُ المعجزات، بلدُ الإسراء والمعراج، ومهدُ السيّد المسيح عليه الصلاة والسلام، فإنّني لستُ طفلةً معجزة، بل ثمرةُ تصميمٍ وإصرارٍ وتحدٍّ. زمنُ المعجزات قد ولّى، ونحن اليومَ في زمن التعجيزات الإسرائيليّة وغطرستِها.
فأبي قابع هناك يحفر في جليد العزلة قبل انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي.. قبل انهيار سور برلين وحرب الخليج والفصائل وأوسلو وانتفاضات...صدأ القيد على يديه ولم تفتر سواعده، استقبل آلاف الأسرى وودع آلاف وهو يبتسم طوال سبعة وثلاثون عاماً واكثر، لم يستسلم وليد، وراح يُحول ظُلمة الزنزانة إلى نور يسري مداه في نفسه ونفوس الأسرى في السجون التي يتنقل بينها، كان مِشعل الضوء ووهج الصمود لهم، تعرض خلالها لأبشع أصناف التعذيب، الجسدي والنفسي، وتنقل خلال تلك السنوات الطويلة للعيش بين جدران سجون متعددة، لتزداد معاناته وتتدهور حالته الصحية سوءاً.
بعد ثلاثة أشهر كان من المفترض أن ينتهي آخر عذابٍ لوليد، كان سيتحرر ونذهب إلى حيفا ونأكل البرتقال، سأنام على كتفه ويروي لي كتاب "صهر الوعي" ورواية "سرّ الزيت"، ولن ينسى أن يخبرني كيف أكمل دراسته الجامعية حتى نال درجة الماجستير في العلوم السياسية من زنزانته لكن سيتغافل عن إخباري بكومة من الأمراض المزمنة يعانيها في أسره، لكن الاحتلال أضاف إلى حكمه الأصلي عامين إضافيين، بتهمة تهريب هواتف للأسرى.
مازال الأسير المثقف العاشق وليد دقة ينام في أحضان الموت،
فأنت الناصّ والنصّ والمنصوص، ما زالت للحكاية بقية،
ما زلت أنا ميلاد أنتظر عناق وقبلة،
ما زالت العاشقة سناء تنتظرك بالبيت،
إياك أن تخذلنا بالموت،
العام الثاني بعد الميلاد
محبتك
ميلاد وليد دقة
أضف تعليق