22 تشرين الثاني 2024 الساعة 22:20

المقاومة الشعبية في استراتيجية السلطة (الثالثة والأخيرة)

2022-12-04 عدد القراءات : 651
■ في المقالين الأول والثاني، فتحنا بعض ملفات المقاومة الشعبية في الضفة الفلسطينية، تحت سلطة الحكم الإداري الذاتي، وطرحنا سؤالين رئيسيين:
الأول: ماذا قدمت القيادة الرسمية واللجنة التنفيذية للمقاومة الشعبية، لتعزز صمودها، وتمدها بالأطر القيادية من أجل التقدم إلى أمام على طريق الثبات في مواجهة جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين المسلحة، وخرجنا باستنتاج يقول إن الحديث عن المقاومة الشعبية في البيانات الرسمية هو مناورات سياسية ورسائل تبعث بها إلى الجانبين الإسرائيلي والأميركي، لتحثهما على استئناف العملية السياسية قبل أن تصل المقاومة الشعبية إلى مكان تتحول فيه إلى انتفاضة تقلب الطاولة على مسار أوسلو وشركائه.
الثاني: نقاش مع القيادة الرسمية حول مفهومها للمقاومة الشعبية السلمية، كما تؤكد عليها في مواقفها الرسمية أمام الرأي العام الخارجي (منها الخطاب الرئاسي الأخير في الأمم المتحدة في جنيف، والذي أكدت فيه تمسكها بالمقاومة الشعبية السلمية)، سألنا لماذا لا تخوض القيادة الرسمية وسلطة الحكم الإداري الذاتي، واللجنة التنفيذية «المقاومة السلمية»، واقترحنا أن يكون ذلك عبر قوانين ملزمة وذات قوة تنفيذية فاعلة، لمقاطعة السلع والبضائع الإسرائيلية، والتحرر من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي لصالح بناء اقتصاد وطني فلسطيني، تخطط وتعمل على تنفيذه سلطة الحكم الإداري الذاتي، بما يكسبها حقاً لقب «السلطة الوطنية الفلسطينية».
فمقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي لا تستلزم سوى إجراءات تراكمية تخرجها من مسار الاقتصاد الإسرائيلي، وتحررنا من قيوده. يحتاج الأمر إلى تعبئة شعبية إعلامية عبر كل النوافذ، ودور وطني متكامل لمؤسسات السلطة، ودور قيادي فاعل للجنة التنفيذية بدوائرها المختلفة.
أما اليوم فنحن سننتقل بنقاشنا إلى قطاع غزة، لنسأل أين هو القطاع من المقاومة الشعبية ؟! وهل باتت المقاومة فيه تختصر دورها في العمل العسكري دون غيره.
لقد خاض القطاع، بمقاومته الباسلة، أربعة حروب قدم فيه الفلسطينيون في القطاع تضحيات كبرى، دون أن نتجاهل تلك الأعمال العدوانية الدموية التي ستقوم بها قوات الاحتلال ضد القطاع بين حربين، وما تسفر عنها من تضحيات بشرية ومادية غالية.
توقفنا مطولاً أمام معركة «القدس» ومعركة «سيف القدس»، وكانت هذه المعركة دون غيرها نموذجاً، توحدت فيه جهات النضال وساحاته، ضد العدوان الإسرائيلي، انطلقت معركة «سيف القدس» في مشاركة فاعلة ومؤثرة، بل وشديدة التأثير، لإسناد المقاومة الشعبية التي انطلقت في الضفة الفلسطينية تحت عنوان معركة «القدس» ولتتواشج مع ثورة الغضب للفلسطينيين في أراضي 48، الذين جعلوا من ساحتهم الجبهة الثالثة، إلى جانب جبهتي الضفة والقطاع، دون أن نتجاهل الجبهة الرابعة في مناطق الشتات.
محور سؤالنا الآن هو التالي: تشتعل في الضفة الفلسطينية مقاومة شعبية، غطت كل محافظاتها، لجأت إلى الوسائل المتاحة، من مقاومة شعبية لقوات الاحتلال، بالحجارة وغيرها، إلى أعمال فدائية فردية وجماعية، ما جعل الضفة الفلسطينية ساحة حرب مفتوحة، أرغمت جيش الاحتلال على مطالبة قيادته بدعم إضافي، والاستعانة بأسلحة جديدة كالمروحيات الحربية، والطائرات بدون طيار.
فما هي قرارات القيادة الفلسطينية في القطاع إزاء ما يدور في الضفة؟
• إذا كانت معركة «سيف القدس» دفاعاً عن المسجد الأقصى من خطر التهويد والصهينة، فإن الأقصى ما زال يتعرض كل يوم إلى اجتياح من قبل العصابات المتدينة لتحويله إلى معبد يهودي، وبالتالي لم يزل الخطر قائماً.
• إذا كانت معركة «سيف القدس»، انطلقت دفاعاً عن المدينة المقدسة عاصمة دولة فلسطين وعن أهلها ضد الطرد والتهجير، فإن القدس ما زالت تجابه الخطر نفسه بشكل يومي، في موجات عدوانية تشتعل مرة، وتخبو مرة أخرى، لكنها ما زالت تشكل استراتيجية إسرائيلية واضحة، «القدس الموحدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل»، وبالتالي هي خارج أية مفاوضات أو تسويات أو غيرها.
• وإذا كانت معركة «سيف القدس» قد انطلقت دفاعاً عن شعبنا في الضفة، وضد جرائم الاحتلال، فإن الجرائم الإسرائيلية لم تتوقف، ومع كتابة هذه الكلمات، في 1/12/2022 يكون عدد الشهداء قد ارتفع إلى عشرة خلال ثلاثة أيام، ويكون عدد شهداء الشعب الفلسطيني خلال العام الجاري، قد ارتفع إلى أكثر من 211 شهيداً، ولا ندري كم هو عدد الشهداء الذين سنشهد رحيلهم عنا خلال الشهر الأخير من السنة الحالية.
باختصار، في الضفة الفلسطينية في كل مدنها وقراها ومخيماتها، مقاومة شعبية ناهضة، وكل المؤشرات تؤكد أنها تتطور، وأن الرهانات على أنها مجرد موجة سوف تتوقف تبدو رهانات ضعيفة، وحتى ولو افترضنا أنها مجرد  موجة من موجات الانتفاضة المشتعلة منذ العام 2015، فإنها واحدة من أهم الموجات وأكثر تطوراً وانفعالاً وتأثيراً في المسار السياسي، ما دعا أطراف إسرائيلية وأميركية للتحذير من مغبة أن تتداعى أوضاع السلطة الفلسطينية، وبل وتنهار تحت تأثير جرائم الاحتلال في مواجهة المقاومة الشعبية، وما يولده ذلك من حرج للسلطة الفلسطينية، وحشرها في الزاوية الضيقة، وهي عاجزة عن أي عمل يضع حداً لجرائم الاحتلال، ويوفر الحماية للشعب الفلسطيني.
في هذا السياق؛ ألا تشعر الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة هي الأخرى بالحرج، وهي تتابع المجازر الإسرائيلية في الضفة، وتكتفي رداً على ذلك بإصدار بيانات النعي للشهداء، وإطلاق الإنذار تلو الإنذار للاحتلال دون أن تترجم هذه الإنذارات بعمل ميداني مؤثر؟
ما هو دور قطاع غزة في إشعال المقاومة الشعبية؟
صحيح أن القطاع يعيش خلف حصار جائر، وأن صموده في مواجهة الحصار، هو عمل بطولي لا يمكن لأي عين أن تتجاهله، لكن بالمقابل تعيش الضفة تحت الاحتلال، وهو عمل بطولي في صمودها ومقاومتها له، لا يمكن لأي عين أن تتجاهله.
بالمقابل هناك ظواهر مشتركة بين الضفة والقطاع، منها على سبيل المثال أن حوالي 150 ألف عامل فلسطيني من الضفة يعملون في إسرائيل، يقابلهم كظاهرة مماثلة حوالي 25 ألفاً من قطاع غزة يعملون في إسرائيل.
منها أيضاً أن خطوط التواصل والتفاعل الاقتصادي مفتوحة بين الضفة وإسرائيل، وأن خطوطاً مماثلة مفتوحة بين قطاع غزة وإسرائيل.
لكن ما يمتاز به القطاع عن الضفة، أنه يشكل قاعدة المقاومة المسلحة بالأسلحة النوعية كالصواريخ ذات المسافات المختلفة، والمدافع والراجمات وغيرها ...
ما يتوجب قوله أن هذه الأسلحة أعطت كل ما عندها في معركة «سيف القدس»، وما يتوجب قوله أنه مهما تطورت أسلحة القطاع، فإنها لن تستطيع أن تتجاوز سقف ما حققته (على الأهمية الفائقة لما حققته) في معركة «سيف القدس».
لكن هل هذا معناه أن دور القطاع في المواجهة بات يقتصر على معارك الصواريخ والمدافع، بالمقابل تبقى الحالة الجماهيرية هامدة لا دور لها؟
تجربة قطاع غزة تغالط هذا السؤال، وتعيد التذكير بالدور الفاعل الذي أدته جماهير الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في مسيرات العودة وكسر الحصار.
كان العالم الفلسطيني والعربي والإقليمي، ودوائر القرار الكبرى تترقب عناوين «أيام الجمع» التي ستنطلق منها مسيرات العودة لكسر الحصار، وكانت العيون متعلقة بها، وكانت الفضائيات تخصص لها البرامج المفتوحة، كما هي تخصص الآن للأوضاع في الضفة برامجها المفتوحة، منها على سبيل المثال الاجتياح الإسرائيلي لمدينتي نابلس وجنين ومخيماتهما.  
فلماذا لا يعود قطاع غزة إلى إحياء شكل آخر من أشكال «مسيرات العودة وكسر الحصار»، في أنشطة وحراكات جماهيرية، تنظمها قيادة المقاومة عبر هيئة تنسيق وطنية عليا.
إذا كانت المشكلة في الضفة تتمحور حول غياب القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، وغياب القيادات الميدانية المحلية، فهذا أمر تستطيع المقاومة في القطاع، استناداً إلى تجاربها الغنية أن تتجاوزه، خاصة تجربتها مع «مسيرات العودة وكسر الحصار».
وبالتالي، برأينا كل شيء في القطاع مؤهل لإطلاق شكل آخر من المقاومة الشعبية، من شأنه أن يعبئ الحالة الشعبية في القطاع، وأن يرسل إلى الضفة رسالة تؤكد صحة شعار «وحدة الساحات ووحدة الجبهات»، ولا يبقى الشعار شعاراً، ولا يبقى الشعار محصوراً بالعمل القتالي في المعارك المفتوحة.
إن الطاقة الجماهيرية في القطاع، طاقة من شأنها أن تقلق حقاً قيادة العدو الإسرائيلي، كما باتت تقلقه الحالة الجماهيرية في الضفة.
لذا؛ اقترح على قادة المقاومة أن يلتقوا ويعيدوا تقييم تجربة مسيرات العودة وكسر الحصار بإيجابياتها وسلبياتها، وأن يبتدعوا الأساليب النضالية، بالتشاور مع الفعاليات المجتمعية والنخب، ما يوفر الإمكانات والفرصة لإطلاق طاقات القطاع، في معركة شعبية تحت عنوان «المقاومة الشعبية»، باعتبارها هي النموذج الفلسطيني لخوض حرب التحرير الشعبية من أجل الظفر بالاستقلال، وطرد الاحتلال والاستيطان ■

أضف تعليق