المقاومة الشعبية في استراتيجية السلطة واللجنة التنفيذية (2)
■ في المقال الأول أشرت إلى أن القيادة السياسية الفلسطينية، فضلاً عن اللجنة التنفيذية في م.ت.ف، وحكومة السلطة الفلسطينية، غير جادة في تبني المقاومة الشعبية، فهي لم تقدم لها أي دعم سياسي أو معنوي أو مادي، خاصة وأنها مازالت تلتزم «اتفاق أوسلو» واستحقاقاته، بما في ذلك التزامات واستحقاقات التنسيق الأمني الذي يضع أجهزة الأمن في السلطة الفلسطينية، أمام واقع معيب إن هي لبت ما يفرضه عليها من التزامات ضد شعبها ومقامته الباسلة.
كما رأيت أن إدعاء القيادة الفلسطينية دعمها للمقاومة الشعبية، يندرج في مناورات تهدف إلى ملء الفراغ السياسي، وتوجيه رسائل إلى الجانبين الإسرائيلي والأميركي، بضرورة «فتح الأفق» أمام العملية السياسية، قبل أن تفلت الأمور من قبضة السلطة، التي يؤكد خبراء ومسؤولون إسرائيليون وأميركيون أن بقاءها حاجة ملحة لصالح التحالف الأميركي - الإسرائيلي.
كما أشرت إلى أن الجانبين الإسرائيلي والأميركي منشغلان عن السلطة والقضية الفلسطينية، فإسرائيل خدمة لمشروعها الاستعماري تتهرب من أية عملية سياسية، بدعوى غياب الشريك الفلسطيني، وبدعوى الانقسام الذي ألغى مرجعية السلطة الفلسطينية ورئيسها في رام الله، وباتت حماس تقاسمه هذه المرجعية، وأن لا عودة إلى المفاوضات إلا بعد استرداد سلطة رام الله نفوذها وسيطرتها على قطاع غزة.
أما الجانب الأميركي فهو منشغل حتى أذنيه في عشرات الملفات المحلية والدولية، مع روسيا عبر أوكرانيا، ومع الصين عبر تايوان، ومع كوريا الشمالية عبر كوريا الجنوبية، ومع هموم الطاقة، عبر التمرد السعودي، ومع القلق على مصالحها في الخليج عبر الملف النووي الإيراني، ومع الخوف من تفلت أميركا اللاتينية من القبضة الأميركية عبر البرازيل وكوبا وفنزويلا وغيرها، وبالتالي لم تعد القضية الفلسطينية على جدول أعمال الهم اليومي للبيت الأبيض، ومن يتابع تصريحاته، لا يجد فيها أية إشارة إلى الملف الفلسطيني، لا من قريب أو من بعيد، وهو ما يقلق القيادة الفلسطينية التي باتت (رغم إعلاء القضية الفلسطينية في القمة العربية في الجزائر)، تعيش ما يشبه العزلة العربية من جهة، وفي العلاقة مع الشارع الفلسطيني نفسه، الذي باتت خياراته، بعيداً عن خيارات السلطة وقيادتها.
السلطة تدعي دعمها للمقاومة الشعبية، لكن خيارها السياسي مازال هو نفسه: المفاوضات السلمية هي الخيار الوحيد. والسلطة الفلسطينية وقيادتها تدعي دعم المقاومة الشعبية، وهي التي تتفاخر بأنها ترفض «العنف والإرهاب»، وأنها وقعت إلى جانب أكثر من 80 دولة أهمها الولايات المتحدة الأميركية معاهدة للتعاون في مكافحة الإرهاب، علماً أن م. ت. ف. ما زالت مدرجة على لائحة الكونغرس الأميركي للإرهاب، و م. ت. ف. لا تمثل المنظمات الفلسطينية فحسب، بل وكذلك كل الشعب الفلسطيني، فميثاقها يقول إن كل فلسطيني هو عضو في م. ت. ف، أي أن الشعب الفلسطيني كله شعب إرهابي، وتلك قضية وجدنا تفسيرها في إصرار القيادة الفلسطينية على التمسك بما تسميه المقاومة الشعبية السلمية، في موقف يراد أن يضع مسافة بينها وبين «أعمال العنف والإرهاب».
في وقت تعتبر فيه إسرائيل كل أشكال المقاومة ضد الأراضي الفلسطينية المحتلة إرهاباً، يعاقب عليه القانون، حتى الإنتماء لفصائل م. ت. ف. هو إرهاب يعاقب عليه الفلسطيني، والسجون مليئة بالأسرى، الذين لا «جريمة» لهم إرتكبوها، سوى أنهم أعضاء في فصائل م. ت. ف. وبين الأسرى المحررين، مئات منهم اعتقلوا سنوات طويلة، لا لشيء سوى لأنهم ينشطون سياسياً (وليس عسكرياً) في صفوف فصائل م. ت. ف.
فبالتالي أين هي حدود دعم السلطة والقيادة الرسمية واللجنة التنفيذية للمقاومة الشعبية ؟ وأين هي حدود الانفصال عنها؟ وما هي (مرة أخرى) تعبيرات وأشكال دعم القيادة الرسمية للمقاومة الشعبية ؟ في وقت ما زالت الحال على حاله، لا تغيير في السياسة الاستراتيجية، ولا في التكتيكات ولا في خطط الحكومة وبرامجها ومشاريعها لدعم القاعدة الشعبية، الشباب، وأصحاب الدخل المحدود، والفقراء، والمعوزين، اقتصادياً ومعيشياً، لتعزيز صمودهم، وهم الفئات الأكثر انخراطاً في أعمال المقاومة؟.
كما رأيت أن إدعاء القيادة الفلسطينية دعمها للمقاومة الشعبية، يندرج في مناورات تهدف إلى ملء الفراغ السياسي، وتوجيه رسائل إلى الجانبين الإسرائيلي والأميركي، بضرورة «فتح الأفق» أمام العملية السياسية، قبل أن تفلت الأمور من قبضة السلطة، التي يؤكد خبراء ومسؤولون إسرائيليون وأميركيون أن بقاءها حاجة ملحة لصالح التحالف الأميركي - الإسرائيلي.
كما أشرت إلى أن الجانبين الإسرائيلي والأميركي منشغلان عن السلطة والقضية الفلسطينية، فإسرائيل خدمة لمشروعها الاستعماري تتهرب من أية عملية سياسية، بدعوى غياب الشريك الفلسطيني، وبدعوى الانقسام الذي ألغى مرجعية السلطة الفلسطينية ورئيسها في رام الله، وباتت حماس تقاسمه هذه المرجعية، وأن لا عودة إلى المفاوضات إلا بعد استرداد سلطة رام الله نفوذها وسيطرتها على قطاع غزة.
أما الجانب الأميركي فهو منشغل حتى أذنيه في عشرات الملفات المحلية والدولية، مع روسيا عبر أوكرانيا، ومع الصين عبر تايوان، ومع كوريا الشمالية عبر كوريا الجنوبية، ومع هموم الطاقة، عبر التمرد السعودي، ومع القلق على مصالحها في الخليج عبر الملف النووي الإيراني، ومع الخوف من تفلت أميركا اللاتينية من القبضة الأميركية عبر البرازيل وكوبا وفنزويلا وغيرها، وبالتالي لم تعد القضية الفلسطينية على جدول أعمال الهم اليومي للبيت الأبيض، ومن يتابع تصريحاته، لا يجد فيها أية إشارة إلى الملف الفلسطيني، لا من قريب أو من بعيد، وهو ما يقلق القيادة الفلسطينية التي باتت (رغم إعلاء القضية الفلسطينية في القمة العربية في الجزائر)، تعيش ما يشبه العزلة العربية من جهة، وفي العلاقة مع الشارع الفلسطيني نفسه، الذي باتت خياراته، بعيداً عن خيارات السلطة وقيادتها.
السلطة تدعي دعمها للمقاومة الشعبية، لكن خيارها السياسي مازال هو نفسه: المفاوضات السلمية هي الخيار الوحيد. والسلطة الفلسطينية وقيادتها تدعي دعم المقاومة الشعبية، وهي التي تتفاخر بأنها ترفض «العنف والإرهاب»، وأنها وقعت إلى جانب أكثر من 80 دولة أهمها الولايات المتحدة الأميركية معاهدة للتعاون في مكافحة الإرهاب، علماً أن م. ت. ف. ما زالت مدرجة على لائحة الكونغرس الأميركي للإرهاب، و م. ت. ف. لا تمثل المنظمات الفلسطينية فحسب، بل وكذلك كل الشعب الفلسطيني، فميثاقها يقول إن كل فلسطيني هو عضو في م. ت. ف، أي أن الشعب الفلسطيني كله شعب إرهابي، وتلك قضية وجدنا تفسيرها في إصرار القيادة الفلسطينية على التمسك بما تسميه المقاومة الشعبية السلمية، في موقف يراد أن يضع مسافة بينها وبين «أعمال العنف والإرهاب».
في وقت تعتبر فيه إسرائيل كل أشكال المقاومة ضد الأراضي الفلسطينية المحتلة إرهاباً، يعاقب عليه القانون، حتى الإنتماء لفصائل م. ت. ف. هو إرهاب يعاقب عليه الفلسطيني، والسجون مليئة بالأسرى، الذين لا «جريمة» لهم إرتكبوها، سوى أنهم أعضاء في فصائل م. ت. ف. وبين الأسرى المحررين، مئات منهم اعتقلوا سنوات طويلة، لا لشيء سوى لأنهم ينشطون سياسياً (وليس عسكرياً) في صفوف فصائل م. ت. ف.
فبالتالي أين هي حدود دعم السلطة والقيادة الرسمية واللجنة التنفيذية للمقاومة الشعبية ؟ وأين هي حدود الانفصال عنها؟ وما هي (مرة أخرى) تعبيرات وأشكال دعم القيادة الرسمية للمقاومة الشعبية ؟ في وقت ما زالت الحال على حاله، لا تغيير في السياسة الاستراتيجية، ولا في التكتيكات ولا في خطط الحكومة وبرامجها ومشاريعها لدعم القاعدة الشعبية، الشباب، وأصحاب الدخل المحدود، والفقراء، والمعوزين، اقتصادياً ومعيشياً، لتعزيز صمودهم، وهم الفئات الأكثر انخراطاً في أعمال المقاومة؟.
■ ■ ■
يمكن الجزم، ودون تردد، أن القيادة السياسية الرسمية تمارس الإزدواجية في حديثها عن المقاومة الشعبية، فهي من جهة تدعو إلى المقاومة الشعبية المسلحة، وفي الوقت نفسه تمتنع عن أي خطوة من شأنها أن تفتح أفقاً يعزز دور المقاومة الشعبية السلمية التي تدعو لها.
واحدة من علامات الازدواجية، أن السلطة ما زالت تشكل عنصراً في جعل الاحتلال «احتلالاً بلا كلفة»، كما تشكو وتجعل من السلطة «سلطة بلا سلطة»، علماً أن بيدها المفتاح والقرار لجعل الاحتلال مكلفاً، ومكلفاً جداً، ولجعل السلطة سلطة ذات فعل ونفوذ وصاحبة قرار مؤثر.
نحن لا نطالب السلطة، كما دعونا سابقاً إلى تكليف الأجهزة الأمنية بحماية شعبها بدلاً من التنسيق الأمني.
نحن ندرك معنى ذلك وأبعاده، وبالتالي ندرك العقبات التي تضعها السلطة، لنفسها ولشعبها، لتخطو هذه الخطوة التاريخية، كما خطاها الرئيس الراحل ياسر عرفات في «هبة النفق» وفي مطلع «الانتفاضة الثانية».
ما نطالب به السلطة الفلسطينية وقيادتها، أن تتخذ قراراً نافذاً وملزماً، بمقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي، أي الامتناع عن استيراد البضائع الإسرائيلية التي لها بدائل وطنية، أو التي لها بدائل خارجية من الدول العربية والصديقة، وسأترك لخبراء الإقتصاد أن يرسموا لنا المشهد، لو تم ذلك فعلاً، كم من مليارات الدولارات سوف يفقد الاقتصاد الإسرائيلي الذي حول الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى مستعمرات لاستهلاك البضائع الإسرائيلية، وكم سيساعد ذلك على تطوير الصناعات والإنتاج الوطني، ليسد الحاجة عن الاستيراد من إسرائيل، وكم سيعزز ذلك الكرامة الوطنية، في أن كل عائلة، وكل فرد، منخرط في المقاومة الشعبية (السلمية) بمقاطعته الشاملة للإنتاج الإسرائيلي.
لو كانت السلطة وقيادتها، جادتين في بناء الدولة الفلسطينية، لرسمت خطوات عملية ميدانية، وفاعلة، تقود إلى بناء هذه الدولة، بناء الوزارات ومدها بالأثاث الفخم، لا يبني دولة، وتشكيل الحرس الرئاسي بألوانه الزاهية، وموسيقاه الصاخبة، لا يبني دولة، والسفر بالطائرة الرئاسية هنا وهناك، حيث يجب ولا يجب، لا يبني دولة، ورسم خطط «العناقيد» التي أصمت السلطة الفلسطينية آذاننا بها، دون أن نقطف من هذه العناقيد، لا يبني دولة.
الخطوات المطلوبة عديدة، منها التحرر الاقتصادي، ضمن خطط وطنية واقعية، تقوم على التعبئة الوطنية للشارع، بحيث يصبح كل مواطن فاعلاً في مقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي.
غير أن الأمر يحتاج، أول ما يحتاج، إلى قرار سياسي، وهو مفقود ويحتاج إلى جرأة سياسية، وهي مفقودة، ويحتاج إلى إرادة سياسية وهي الأخرى مفقودة، ويحتاج إلى خطط يرسمها الاقتصاديون والخبراء، بعيداً عن الخطب الرئاسية، والإدعاءات وفق خطوات مدروسة، تضمن النجاح، وليس ضمن خطط مرتجلة، تقود إلى الفشل، كالتجربة الفاشلة مع تجارة العجول واستيرادها من خارج إسرائيل، والتي أريد من إفشالها، كما جزم كثيرون، هو «إقناع» الشعب الفلسطيني بالتجربة «إستحالة» الإنفكاك من الإقتصاد الإسرائيلي.
إن التحرر من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي معركة وطنية من الطراز الأول، يخوضها الشعب كما تخوضها الأحزاب والفصائل، وكل فئات الشعب، نعم كل فئات الشعب، ويجب أن يعاد رسم التقاليد والعادات، خاصة الزائفة منها والقائمة على البهرجة والفساد، لصالح عادات وتقاليد تخدم المصلحة الوطنية.
وهكذا، تنطلق مقاومة شعبية شاملة وسلمية، لا تتطلب رمي الحجارة في وجه جنود الاحتلال، ولا إطلاق النار عليهم، بل حرمان إسرائيل من الثروات التي تجنيها من بلادنا وشعبنا.
وبالتالي، هذا إمتحان حقيقي للسلطة وقيادتها، إن كانت تعني فعلاً دعمها للمقاومة الشعبية باعتبارها خياراً سياسياً.
وأخيراً؛ فإن كل هذا الضجيج، ليس إلا لصمّ الآذان، وإطلاق الادعاءات الكاذبة، لتغطي عورات السلطة وإنشغالها عن الهم الوطني بمتابعة مونديال الدوحة ■
أضف تعليق