26 كانون الأول 2024 الساعة 23:17

الاسير أحمد مناصرة ... الخط الفاصل بين الطفولة والرشد في نظام الاضطهاد

2022-09-09 عدد القراءات : 954
الأسير أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، رفضت محكمة الاحتلال الإسرائيلي طلبات الاستئناف بالإفراج المبكر عنه يوم 28-6-2022 بسبب تدهور وضعه الصحي والنفسي، بادعاء أنه تم تصنيف ملفه ضمن قانون الإرهاب، ولم تكتف بذلك بل تم زجه في العزل الانفرادي وفي ظروف قاسية اجتماعيا وصحيا ونفسيا، الطفل الذي لم يعد طفلا لا زال يشكل خطرا على دولة الاحتلال، لا زال هذا الطفل قنبلة مقدسية وهو داخل الزنازين، لم يعدموه كما عدموا ابن عمه حسن مناصرة عام 2015، ولكنهم اعدموا طفولته بالأمراض والتعذيب والعزل والحرمان.
الأسير أحمد مناصرة لم يعد طفلا من الآن، آلاف الأسرى كبروا وهرموا في السجون، اعتقلوا صغارا وهدرت حياتهم بين باب مغلق وباب، فقدوا المفردات الأولى والعادات والحكايات والحياة الطبيعية، كيف سيكتب علماء الفلسفة والنفس والتربية عن الطفولة في السجون؟ غياب البراءة والكلام والأسئلة والأمومة، الفاظ وسلوك وخيال يشتق من القهر والحديد وقنابل الغاز ولغة السيطرة، كيف يكتمل التحول من الطفولة الى الرشد باعتبارها لحظة تحول حاسمة نحو الإنسانية المكتملة؟ تحول من الوصاية الى الحرية.
خلال أحد عشر دقيقة، شاهد العالم يوم 20/11/2015 شريط فيديو لعملية التحقيق مع الطفل الاسير الجريح احمد مناصرة 13 عاما، انفجر الولد والمشاهد والشريط، تحت ضغط المحقق واساليب التهديد والوعيد والشتائم والترهيب التي مارسها بحق طفل صغير من اجل انتزاع اعتراف منه، ما لم يحتمله الكبار، وقف المحقق الاسرائيلي (موشيه كوهن) امام هذا القاصر المصاب، والذي هشم الجنود والمستوطنون رأسه عند اعتقاله، دهسوه وضربوه، رقصوا واحتفلوا حول دمه النازف، داعين الى اعدامه وقتله.
لقد نجا احمد مناصرة من الموت المستباح في شوارع القدس عندما لاحقوه وطاردوه وعذبوه، لكنه لم ينج من محاولات سحق طفولته وبراءته امام هذا المحقق كثير الصراخ، المتوتر، المريض، والذي يمارس الخنق والتعذيب النفسي على هذا الطفل...كان المحقق يتعذب لأن مناصرة لازال امامه حيا.
احمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الان، هكذا أراد المحققون وضباط وقضاة اسرائيل، شرعوا قانونا لأجل الحكم عليه وابقاءه بالسجن، وان لم يكبر طبيعيا، فقانونهم الجديد كفيل ان يتعامل معه كبالغ، ويقبع في السجن سنوات، لم يسمعوا صوته الصغير، لم يروا طفولته واحلامه الجميلات، رأوه سكينا او حجرا او طوفانا، ومنه يتقرر مصير ارض الميعاد.
احمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الان... وذلك المحقق ليس عنده اطفال، بل بنادق واسلحة وصور لمن عذبهم ودعس على رؤوسهم وانتزع اعترافات منهم بالقوة والتهديد، وعنده اوسمة عديدة بحجم من اعدم من الاطفال في المظاهرات وعلى الحواجز، وبحجم عدد من دمرهم في الزنازين وأقبية الظلام.
احمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الان، ضرب واعتقل في دولة مجنونة مهووسة مصابة برهاب الحجر والاغنية والولادات الكثيرة لأطفال فلسطين، دولة جردتها الحروب من ذاتها الانسانية والاخلاق، وصعدت فوق مدافعها وطائراتها تصطاد البشر الذين يثبتون الجدارة على الحياة.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، المحقق يشتم ويصرخ، يثير الشفقة، فخلف الابواب المغلقة مئات الاطفال المعتقلين والمصابين والمصدومين، وخلف الابواب المغلقة جيل من الفتيان ولدوا امام الجدار، عند الحواجز وتحت وقع الرصاص وقصف المدرسة، تجرعوا الغاز السام وساروا في كل جنازة، أطفال يولدون ومعهم قنابل احلامهم ونعوشهم الصغيرة.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، تجاوز الفخ السياسي وحدود المستوطنة، تجاوز عمره ورغوة الحليب، يبحث عن ملعب وبحر وسماء غير مسيجة، ركض في شوارع القدس من صلاة الى صلاة، ومن مذبحة الى مذبحة، هو لا يطلب النجاة، المحقق المتوتر يزعق خوفا، ويستنجد بالقاضي والمحكمة.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، والذي أمامه يمثل دولة ناكرة انها دولة محتلة، تحشوا مناهجها التربوية والتعليمية بالبارود، وتفخخ عقول تلاميذها بالنار والكراهية للآخرين، انه التطرف والعنصرية التي لا ترى اطفالا في العالم، دولة لا سلام في مدرستها ولا قانون ولا ذاكرة.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، فالمحقق يعيش في دولة خوف اليهود كما قال الصحفي الاسرائيلي ناحوم بارينع، والى الابد ستعيش على حدّ السيف والحراب كما قال نتنياهو، لم يتصالح الثقافي مع السياسي في دولة اسرائيل ، ظل الاول مشحونا بذاكرة المنفى والاقصاء محبوسا في غيتو المحاربين فوق الابراج ، داخل دائرة القنص والقتل، لا يمد الثاني الا بالبزة العسكرية ومفاتيح السجون واناشيد حرس الحدود.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، لم يرتجف الضمير الإنساني في اسرائيل امام مشاهد اعتقال القاصرين الاطفال والاعتداء عليهم بطرق وحشية جسديا ونفسيا، ولم يسألوا انفسهم لماذا لا يبتسم أطفال فلسطين؟؟ لا ينامون، ينفجر نعاسهم فزعا وصرخات.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، ان تكون مقدسيا هذه الايام ، يعني ان تحمل روحك على كفيك كلما انطلقت من بيتك، حياتك رهن اشارة اصبع لجندي او مستوطن او حاخام، الضغط على الزناد، الضرب والركل والاحتفال بالموت.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، لأن دولة اسرائيل غيرت نصوص وأحكام القانون الدولي والاتفاقية العالمية لحقوق الاطفال، فتحت سجن جفعون للقاصرين، حشدت المئات في عوفر ومجدو وعصيون وحوارة، اطلقت الكلاب عليهم، شبحتهم في البرد الشديد، فقدت توازنها عندما اصيب المحقق بهذيان وهو يصرخ: السكين السكين.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، فالولد ( مخرب) ويجب قتله، هكذا بدأت الحملة التحريضية الاسرائيلية على الفلسطينيين، وزير التربية الاسرائيلي حمل مسدسه وخرج الى الشوارع، ووسائل الاعلام الاسرائيلية عرضت لعبة لتعليم الاطفال على كيفية قتل ومحاربة (المخربين ) الفلسطينيين، انهم ينشئون جيل من القتلة، لا حب ولا سلام ولا رحمة.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن... اعتقلوه في المجتمع الاسرائيلي الديمقراطي، فوجد انهم فقدوا توازنهم في التشريع والعقاب وفي اوامر اطلاق النار والاعتقالات، ووجد ان العنصرية عندهم متغلغلة في الخطاب والسلوك، في البيت واللغة، لا مجتمع مدني في اسرائيل، استنفار وتحشيد وتجنيد ومعركة.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، كل جندي ومستوطن وقاضي أصبح جلادا ومحكمة، لهذا اعتقلوا الآف الأطفال والفتيان، واصدروا اوامر اعتقال اداري بحق اطفال قاصرين، وجربوا على اجسادهم كل صنوف التعذيب، لم يسمعوا منهم سوى صوت رعد او مقلاع او حجارة.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، صار قنبلة موقوتة في عرف جهاز المخابرات الاسرائيلي التي تعتقل الناس على احلامهم، يقصفون اجنحة الملائكة، يطاردون طفل المغارة في السهول والبراري، يطفئون اضواء الشجرة ويدوسون ساحة الميلاد، يطلقون النار على حمامتين وغيمتين فوق الصليب.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، لا ام ولا اب ولا اصدقاء، وحده في الزنزانة، ووحده امام هذا السجان المتشنج المشبع بالكراهية "للأغيار"، الاعمى بالخرافات والاساطير، وقد صار آلة في دولة اسرائيل، وصيادا ماهرا يجيد سحق طفولة الصغار.
الأسير أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن، يبحث عن طفولته بعد أن صار فتى يافعا فلا يجدها، اختفت طفولته وضاعت بين اقبية الظلام، لا ملعب ولا حديقة ولا مدرسة، لا فراشات ولا دمى ولا أحلام، السجن يحطم الخط الفاصل بين الطفولة والنضج، ان تشيخ طفلا في نظام الاضطهاد، السجن مقبرة النمو والمعرفة والادراك، قيود على العقل تمنع الوصول الى الحقيقة والمستقبل، انكار للطفولة ودفنها بين طبقات من الكهولة وصدى الجدران.
أحمد مناصرة لم يعد طفلا منذ الآن ....
يرمي حجرا
او حجرين
يكبر في شوارع القدس
يمضغ لحم الدبابات
يأتينا من غير يدين.

أضف تعليق