فلسطينيو لبنان.. تغيرت الخارطة، فهل تتغير السياسة؟
بغض النظر عن النتائج التي افرزتها الإنتخابات البرلمانية اللبنانية (15 ايار 2022)، لجهة التغيير الواضح في الخارطة السياسية المحلية، التي باتت تتوزع على احزاب تقليدية وتيارات مستقلة وقوى مدنية خارج الاصطفافات الحزبية، فالمؤكد أن هناك تطورًا ملحوظاً في اتجاهات الرأي العام اللبناني وخياراته السياسية، رغم ان الأحزاب السياسية لا زالت تحظى بالنصيب الأكبر من الجمهور ومن المقاعد البرلمانية، لكن التغيير المقصود هو عدم قدرة اي من التحالفات السياسية القديمة على التحكم بزمام اللعبة البرلمانية، وكان انتخاب رئيس البرلمان ونائبه واللجان النيابية ورؤسائها المثال على ذلك..
ودون الدخول في تفاصيل هذه المتغيرات وخلفياتها والتحالفات السياسية المستقبلية، فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان معنيون بمتابعة هذا التطور ورصد حيثياته وأسبابه، بهدف تحديد ورسم سياسة فلسطينية جامعة تحدد الأولويات الوطنية والاجتماعية، وتراعي بعض الخصوصيات السياسية والطائفية وكيفية التعاطي معها خلال الفترة القادمة، مستفيدين من التجارب الماضية، ومن أجل تكتيل أوسع مروحة سياسية وحزبية وبرلمانية لبنانية داعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه الانسانية والقانونية بشكل خاص.
نقول هذا الكلام وفي الأذهان علاقة فلسطينية لبنانية عمرها من عمر النكبة، شهدت مراحل صعبة اتسم بعضها بغياب العقل والحكمة، وتأثر بعضها الآخر بالكثير من التدخلات الخارجية والمنعطفات الحادة التي ما زال بعضها، وبتحريض من قوى حزبية وطائفية مطبوعاً في ذاكرة بعض اللبنانيين، بغض النظر عن مدى دقتها وصحتها.. وبعيداً عن حدود الدور الفلسطيني في الحرب الأهلية اللبنانية، فقد ثبت بالتجربة أن الرهان على الاحزاب اللبنانية لتحسين العلاقات المشتركة بين الفلسطينيين واللبنانيين على قاعدة الحقوق والواجبات كان رهانًا فاشلًا. وفي نظرة بسيطة إلى مسار تطور العلاقات الفلسطينية اللبنانية منذ العام 1990، اي تاريخ الانتهاء الرسمي لانتهاء الحرب الأهلية، يبدو واضحًا أن هناك مسارًا انحداريًا في هذه العلاقة، بغض النظر عن نية بعض الأحزاب وجديتها في دعم قضايا الشعب الفلسطيني في لبنان، وبعضها فعلا تقدم بمشاريع قوانين لتصحيح الغبن التاريخي، نتيجة قصور القوانين اللبنانية عن التعاطي السليم مع الفلسطينيين، الذين يصطدمون، وبشكل يومي، بجدران طائفية ومصالح حزبية تقف عائقًا امام كل جهد مخلص يسعى إلى تصحيح وتنقية صورة الماضي..
من الناحية النظرية، هناك مجموعات جديدة ووازنة دخلت البرلمان اللبناني سواء من خلفيات مجتمع مدني تحتل القضايا الانسانية والحقوقية موقعاً متقدمًا في برامجها، أو قوى مستقلة لا ترتبط بمصالح طائفية كانت سببًا في ابقاء العلاقة الفلسطينية اللبنانية على حالها.. ما يجعل الموضوع الفلسطيني، أقله بشقه الانساني والقانوني حاضراً على الطاولة الرسمية اللبنانية.. وهذا ما يتطلب التواصل، فلسطينياً، مع جميع القوى المجتمعية الشعبية والسياسية اللبنانية من أجل دعم قضية الحقوق الانسانية، والسعي لتشكيل ما يشبه لوبي لبناني يتبنى ويعمل على وضع الحالة الانسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان في إطارها القانوني السليم، بعيدًا عن الارتجال والاستخدام السياسي والطائفي، على طريق صناعة رأي عام لبناني جديد يتعاطى مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية والانسانية بشكل موضوعي بعيداً عن المبالغة والافتعال..
بغض النظر عن مواقف أعضاء البرلمان اللبناني وكتلهم وأحزابهم في أوقات سابقة، فإن النتيجة كانت غياب استراتيجية واضحة للدولة اللبنانية في تعاطيها مع الوجود الفلسطيني في لبنان، وهناك أكثر من نموذج يؤكد أن الحكومات اللبنانية، ورغم التزامها في بياناتها الوزارية بتحسين الاوضاع الانسانية للاجئين الفلسطينيين، إلا أن بعض الوزراء أصروا على تطبيق أجنداتهم الحزبية داخل وزاراتهم، بعكس وزراء آخرين منحوا تسهيلات وتعاطوا بشكل اكثر انساني مع القضية ذاتها.. وليس سراً القول أن هناك اكثر من نظرة لبنانية الى الفلسطينيين في لبنان. وبعض هذه النظرات، سواء على المستوى الحزبي والسياسي او حتى على المستوى الشعبي، تولدت بخلفيات تاريخية لم تعد موجودة في واقعنا الراهن، لكن يتم استحضارها لاعتبارات طائفية وسياسية داخلية فقط.
وكي لا يطغى التفاؤل المطلق على صورة العلاقات المستقبلية اللبنانية الفلسطينية، نظرًا لكون بعض الوجوه الجديدة التي دخلت الحلبة البرلمانية ربما هي أكثر سلبية في مواقفها وتعاطيها المتوقع مع الملف الفلسطيني في لبنان، غير أنه وبالنظرة العامة كلما زاد وزن وثقل القوى التغييرية المؤمنة بقيم حقوق الانسان وبالعدالة، كلما كان هناك إمكانية أكبر لتحريك القضايا الانسانية، وكلما ابتعدت المصالح السياسية والطائفية، تقدمت الاعتبارات الوطنية التي من ضمنها الاستجابة لرغبة الشعب اللبناني الحقيقية التي هي في مجملها داعمة ومتعاطفة مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وقضيتهم الوطنية والاجتماعية..
إن ما يريده الفلسطيني في لبنان هو حماية القانون، ووقف سياسات التعسف والاستنساب في التطبيق، وهذا ما يتطلب حواراً بين الطرفين يؤسس لمقاربة موحدة أو مشتركة تشكل اساسًا لرؤى مستقبلية تخدم الطرفين. والحوار المطلوب ليس حوارًا فوقيًا كما جرت العادة، بين الحكومة اللبنانية وممثيلها ومنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية. بل إن المطلوب هو حوار على مستوى اوسع يطال النواب والوزراء والأحزاب والنقابات على اختلافها والهيئات الروحية.. حوار يتناول مختلف عناصر الملف الفلسطيني في لبنان، انطلاقاً من كون الهواجس المعبر عنها، باختلاف المواقف والمواقع، هي هواجس موجودة لدى الطرفين، وبالتالي فإن وظيفة الحوار المستقبلي تنقية الملفات والسياسات الموروثة من زمن الحرب.. تساعد في تقديم قراءة مشتركة لهذه الملفات بغية الوقوف على ايجابيات العلاقة التاريخية وتفادي سلبياتها..
حلول مقترحة:
لما كانت النقاشات الراهنة بشأن الوجود الفلسطيني في لبنان تتأثر بمجموعة من العوامل التاريخية والطائفية والاقتصادية والسياسية، فان اي معالجة مشتركة يجب ان تتجاوز الموروثات التاريخية والاعتبارات الطائفية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بجهد مشترك من قبل جميع من لديه مصلحة في علاقات مستقبلية فلسطينية – لبنانية سليمة سواء على المستوى الفلسطيني من خلال الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني أو على المستوى اللبناني من المؤسسات الرسمية والحزبية والاعلامية والروحية..
1) فلسطينيا:
رغم ان القضية الرئيسية بالنسبة للاجئين الفلسطينييين في لبنان هي قضية وطنية عامة تتجاوز الاوضاع اللبنانية الداخلية وتتعلق بالحقوق الوطنية خاصة حق العودة، فان الفلسطينيين مطالبين قبل غيرهم بالمساهمة في ازالة الهواجس الموجودة لدى بعض اللبنانيين، من خلال التأكيد الدائم على ان ليس لهم في لبنان مشروع سياسي، بل ان همهم الرئيسي هو حق العودة والنضال من اجل تطبيق هذا الحق.. وأن مشروع التوطين وإن كان يشكل خطرًا على لبنان، فان الفلسطينيين هم اكثر المتضررين منه، لانه يصيبهم في هويتهم الوطنية.
صحيح أن معظم الفصائل الفلسطينية تراعي في خطابها السياسي الاوضاع اللبنانية، غير ان هناك جهودًا مطلوبة لايصال صوتها الى جميع الاطراف اللبنانية، إضافة الى انفتاحها على جميع القوى والتيارات السياسية والاجتماعية اللبنانية لطرح رؤيتها حول أوضاعها ومطالبها وتصحيح ما يمكن أن يلمس من تباينات، وهذا جهد يجب أن تتشارك فيه الفصائل مع مثقفين ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني المطالبة بتحمل مسؤولياتها لجهة التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني اللبناني والسعي لاقامة انشطة وفعاليات مشتركة من شأنها ان تساهم في إزالة رواسب الماضي.
2) لبنانياً:
تلعب الاحزاب اللبنانية دوراً رئيسياً في التأثير على الجمهور العام انطلاقًا من علاقتها المباشرة مع الحالة الشعبية. ومهمة توضيح الواقع الحالي للفلسطينيين في لبنان وشرحه للجمهور اللبناني، وإن كانت مهمة فلسطينية بالدرجة الاولى، إلا ان الاحزاب اللبنانية معنية بالمساهمة في خلق مناخات جديدة لدى جمهورها، خاصة وان الجيل الحالي هو من الشباب الذي لم يعش تجربة الحرب اللبنانية وما زال متأثرا بما ينقل اليه بالتواتر عن الدور الفلسطيني في هذه الحرب.
إن افضل طريقة للتواصل فلسطينيا مع الرأي العام اللبناني هي بالاحتكاك المباشر ومن خلال استضافة الاحزاب اللبنانية لشخصيات فكرية وسياسية فلسطينية وفتح منابرها الاعلامية والحزبية والثقافية امام وجهة النظر الفلسطينية. ورغم ان بعض الاحزاب قد بدأت في سلوك هذه التجربة، الا ان استثمارها على المستوى السياسي ما زال ضعيفاً، وهو ما يعني ضرورة تعميم هذه الفكرة لتطال جميع الاحزاب والفصائل اللبنانية والفلسطينية..
وعلى اهمية الجهود المشتركة المطلوبة من اجل صياغة رأي عام فلسطيني ولبناني جديد منفتح وقادر على استيعاب الآخر، إلا ان هذا الدور يبقى ناقصًا ما لم يُواكب من الناحية الإعلامية. فإذا كان هناك من تغيير ما أو قراءة فلسطينية جديدة للواقع اللبناني، فإن هذه القراءة تبقى محدودة التأثير إن لم تصل الى الطرف المعني بسماعها ومشاهدتها وقراءتها. وهذه مهمة الاعلام اللبناني، المرئي والمسموع والمقروء، المعني الأول بأن يكون جسراً للتواصل بين الفلسطينيين واللبنانيين■
ودون الدخول في تفاصيل هذه المتغيرات وخلفياتها والتحالفات السياسية المستقبلية، فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان معنيون بمتابعة هذا التطور ورصد حيثياته وأسبابه، بهدف تحديد ورسم سياسة فلسطينية جامعة تحدد الأولويات الوطنية والاجتماعية، وتراعي بعض الخصوصيات السياسية والطائفية وكيفية التعاطي معها خلال الفترة القادمة، مستفيدين من التجارب الماضية، ومن أجل تكتيل أوسع مروحة سياسية وحزبية وبرلمانية لبنانية داعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه الانسانية والقانونية بشكل خاص.
نقول هذا الكلام وفي الأذهان علاقة فلسطينية لبنانية عمرها من عمر النكبة، شهدت مراحل صعبة اتسم بعضها بغياب العقل والحكمة، وتأثر بعضها الآخر بالكثير من التدخلات الخارجية والمنعطفات الحادة التي ما زال بعضها، وبتحريض من قوى حزبية وطائفية مطبوعاً في ذاكرة بعض اللبنانيين، بغض النظر عن مدى دقتها وصحتها.. وبعيداً عن حدود الدور الفلسطيني في الحرب الأهلية اللبنانية، فقد ثبت بالتجربة أن الرهان على الاحزاب اللبنانية لتحسين العلاقات المشتركة بين الفلسطينيين واللبنانيين على قاعدة الحقوق والواجبات كان رهانًا فاشلًا. وفي نظرة بسيطة إلى مسار تطور العلاقات الفلسطينية اللبنانية منذ العام 1990، اي تاريخ الانتهاء الرسمي لانتهاء الحرب الأهلية، يبدو واضحًا أن هناك مسارًا انحداريًا في هذه العلاقة، بغض النظر عن نية بعض الأحزاب وجديتها في دعم قضايا الشعب الفلسطيني في لبنان، وبعضها فعلا تقدم بمشاريع قوانين لتصحيح الغبن التاريخي، نتيجة قصور القوانين اللبنانية عن التعاطي السليم مع الفلسطينيين، الذين يصطدمون، وبشكل يومي، بجدران طائفية ومصالح حزبية تقف عائقًا امام كل جهد مخلص يسعى إلى تصحيح وتنقية صورة الماضي..
من الناحية النظرية، هناك مجموعات جديدة ووازنة دخلت البرلمان اللبناني سواء من خلفيات مجتمع مدني تحتل القضايا الانسانية والحقوقية موقعاً متقدمًا في برامجها، أو قوى مستقلة لا ترتبط بمصالح طائفية كانت سببًا في ابقاء العلاقة الفلسطينية اللبنانية على حالها.. ما يجعل الموضوع الفلسطيني، أقله بشقه الانساني والقانوني حاضراً على الطاولة الرسمية اللبنانية.. وهذا ما يتطلب التواصل، فلسطينياً، مع جميع القوى المجتمعية الشعبية والسياسية اللبنانية من أجل دعم قضية الحقوق الانسانية، والسعي لتشكيل ما يشبه لوبي لبناني يتبنى ويعمل على وضع الحالة الانسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان في إطارها القانوني السليم، بعيدًا عن الارتجال والاستخدام السياسي والطائفي، على طريق صناعة رأي عام لبناني جديد يتعاطى مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية والانسانية بشكل موضوعي بعيداً عن المبالغة والافتعال..
بغض النظر عن مواقف أعضاء البرلمان اللبناني وكتلهم وأحزابهم في أوقات سابقة، فإن النتيجة كانت غياب استراتيجية واضحة للدولة اللبنانية في تعاطيها مع الوجود الفلسطيني في لبنان، وهناك أكثر من نموذج يؤكد أن الحكومات اللبنانية، ورغم التزامها في بياناتها الوزارية بتحسين الاوضاع الانسانية للاجئين الفلسطينيين، إلا أن بعض الوزراء أصروا على تطبيق أجنداتهم الحزبية داخل وزاراتهم، بعكس وزراء آخرين منحوا تسهيلات وتعاطوا بشكل اكثر انساني مع القضية ذاتها.. وليس سراً القول أن هناك اكثر من نظرة لبنانية الى الفلسطينيين في لبنان. وبعض هذه النظرات، سواء على المستوى الحزبي والسياسي او حتى على المستوى الشعبي، تولدت بخلفيات تاريخية لم تعد موجودة في واقعنا الراهن، لكن يتم استحضارها لاعتبارات طائفية وسياسية داخلية فقط.
وكي لا يطغى التفاؤل المطلق على صورة العلاقات المستقبلية اللبنانية الفلسطينية، نظرًا لكون بعض الوجوه الجديدة التي دخلت الحلبة البرلمانية ربما هي أكثر سلبية في مواقفها وتعاطيها المتوقع مع الملف الفلسطيني في لبنان، غير أنه وبالنظرة العامة كلما زاد وزن وثقل القوى التغييرية المؤمنة بقيم حقوق الانسان وبالعدالة، كلما كان هناك إمكانية أكبر لتحريك القضايا الانسانية، وكلما ابتعدت المصالح السياسية والطائفية، تقدمت الاعتبارات الوطنية التي من ضمنها الاستجابة لرغبة الشعب اللبناني الحقيقية التي هي في مجملها داعمة ومتعاطفة مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وقضيتهم الوطنية والاجتماعية..
إن ما يريده الفلسطيني في لبنان هو حماية القانون، ووقف سياسات التعسف والاستنساب في التطبيق، وهذا ما يتطلب حواراً بين الطرفين يؤسس لمقاربة موحدة أو مشتركة تشكل اساسًا لرؤى مستقبلية تخدم الطرفين. والحوار المطلوب ليس حوارًا فوقيًا كما جرت العادة، بين الحكومة اللبنانية وممثيلها ومنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية. بل إن المطلوب هو حوار على مستوى اوسع يطال النواب والوزراء والأحزاب والنقابات على اختلافها والهيئات الروحية.. حوار يتناول مختلف عناصر الملف الفلسطيني في لبنان، انطلاقاً من كون الهواجس المعبر عنها، باختلاف المواقف والمواقع، هي هواجس موجودة لدى الطرفين، وبالتالي فإن وظيفة الحوار المستقبلي تنقية الملفات والسياسات الموروثة من زمن الحرب.. تساعد في تقديم قراءة مشتركة لهذه الملفات بغية الوقوف على ايجابيات العلاقة التاريخية وتفادي سلبياتها..
حلول مقترحة:
لما كانت النقاشات الراهنة بشأن الوجود الفلسطيني في لبنان تتأثر بمجموعة من العوامل التاريخية والطائفية والاقتصادية والسياسية، فان اي معالجة مشتركة يجب ان تتجاوز الموروثات التاريخية والاعتبارات الطائفية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بجهد مشترك من قبل جميع من لديه مصلحة في علاقات مستقبلية فلسطينية – لبنانية سليمة سواء على المستوى الفلسطيني من خلال الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني أو على المستوى اللبناني من المؤسسات الرسمية والحزبية والاعلامية والروحية..
1) فلسطينيا:
رغم ان القضية الرئيسية بالنسبة للاجئين الفلسطينييين في لبنان هي قضية وطنية عامة تتجاوز الاوضاع اللبنانية الداخلية وتتعلق بالحقوق الوطنية خاصة حق العودة، فان الفلسطينيين مطالبين قبل غيرهم بالمساهمة في ازالة الهواجس الموجودة لدى بعض اللبنانيين، من خلال التأكيد الدائم على ان ليس لهم في لبنان مشروع سياسي، بل ان همهم الرئيسي هو حق العودة والنضال من اجل تطبيق هذا الحق.. وأن مشروع التوطين وإن كان يشكل خطرًا على لبنان، فان الفلسطينيين هم اكثر المتضررين منه، لانه يصيبهم في هويتهم الوطنية.
صحيح أن معظم الفصائل الفلسطينية تراعي في خطابها السياسي الاوضاع اللبنانية، غير ان هناك جهودًا مطلوبة لايصال صوتها الى جميع الاطراف اللبنانية، إضافة الى انفتاحها على جميع القوى والتيارات السياسية والاجتماعية اللبنانية لطرح رؤيتها حول أوضاعها ومطالبها وتصحيح ما يمكن أن يلمس من تباينات، وهذا جهد يجب أن تتشارك فيه الفصائل مع مثقفين ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني المطالبة بتحمل مسؤولياتها لجهة التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني اللبناني والسعي لاقامة انشطة وفعاليات مشتركة من شأنها ان تساهم في إزالة رواسب الماضي.
2) لبنانياً:
تلعب الاحزاب اللبنانية دوراً رئيسياً في التأثير على الجمهور العام انطلاقًا من علاقتها المباشرة مع الحالة الشعبية. ومهمة توضيح الواقع الحالي للفلسطينيين في لبنان وشرحه للجمهور اللبناني، وإن كانت مهمة فلسطينية بالدرجة الاولى، إلا ان الاحزاب اللبنانية معنية بالمساهمة في خلق مناخات جديدة لدى جمهورها، خاصة وان الجيل الحالي هو من الشباب الذي لم يعش تجربة الحرب اللبنانية وما زال متأثرا بما ينقل اليه بالتواتر عن الدور الفلسطيني في هذه الحرب.
إن افضل طريقة للتواصل فلسطينيا مع الرأي العام اللبناني هي بالاحتكاك المباشر ومن خلال استضافة الاحزاب اللبنانية لشخصيات فكرية وسياسية فلسطينية وفتح منابرها الاعلامية والحزبية والثقافية امام وجهة النظر الفلسطينية. ورغم ان بعض الاحزاب قد بدأت في سلوك هذه التجربة، الا ان استثمارها على المستوى السياسي ما زال ضعيفاً، وهو ما يعني ضرورة تعميم هذه الفكرة لتطال جميع الاحزاب والفصائل اللبنانية والفلسطينية..
وعلى اهمية الجهود المشتركة المطلوبة من اجل صياغة رأي عام فلسطيني ولبناني جديد منفتح وقادر على استيعاب الآخر، إلا ان هذا الدور يبقى ناقصًا ما لم يُواكب من الناحية الإعلامية. فإذا كان هناك من تغيير ما أو قراءة فلسطينية جديدة للواقع اللبناني، فإن هذه القراءة تبقى محدودة التأثير إن لم تصل الى الطرف المعني بسماعها ومشاهدتها وقراءتها. وهذه مهمة الاعلام اللبناني، المرئي والمسموع والمقروء، المعني الأول بأن يكون جسراً للتواصل بين الفلسطينيين واللبنانيين■
أضف تعليق