نحو خطة وطنية لمواجهة أزمة الأمن الغذائي وغلاء الأسعار
■لم تعد أزمة الأمن الغذائي العالمي بعيدةً عن أراضي السلطة الفلسطينية بل طالتها ومسّت الفئات الفقيرة والمهمشة دون أن تتخذ الجهات الحكومية في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة إجراءات وتدابير عاجلة وجديّة لإنقاذ الفقراء ومعدومي ومحدودي الدخل ودعم صمود أبناء الشعب الفلسطيني على أرضه في مواجهة الاحتلال الاستيطاني الاستعماري ونظام الفصل العنصري «الأبارتهايد» الإسرائيلي.
أزمة الأمن الغذائي العالمية دفعت خمس منظمات أممية لاتخاذ إجراءات عاجلة للحد منها، والتي تزامنت مع إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن تقديم مساعدة بمليار دولار لدعم الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيما اتهمت وزارة الخارجية الروسية الدول الغربية والولايات المتحدة في مسؤولية تفاقم «الأمن الغذائي العالمي» جراء فرض العقوبات عليها، وبالمقابل ساهم صانعو القرار في غزة والضفة بإجراءات محدودة في حماية الفقراء ومحدودي الدخل دون الارتقاء بمستواهم المعيشي.
إن التخوفات من أزمة الأمن الغذائي التي أعلنت عنها المنظمات الأممية الخمس (منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، صندوق النقد الدولي، مجموعة البنك الدولي، برنامج الأغذية العالمي، منظمة التجارة الدولية) جراء تعطيل أسواق الغذاء والوقود والأسمدة نتيجة جائحة كورونا، وانقطاع سلاسل التوريد الدولية، الأزمة الروسية الأوكرانية، تبقى قائمة والتي انعكست بشكل سلبي على الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى درجة أن حياتهم وسبل عيشهم أصبحت مُعرضة للخطر ووصل عددهم إلى 345 مليون شخص في 82 دولة وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي.
ربما الحال في فلسطين يبدو مختلفاً عن دول أخرى في المنطقة، ولا سيما أنها ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي يسيطر على الموارد والمعابر ما يعيق إحداث أية تنمية مستدامة، إلى جانب ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بنظيره الإسرائيلي (وفق اتفاق باريس الاقتصادي) وعدم انتظام تحويل إسرائيل للإيرادات الجمركية (المقاصة)، ما يصعب على المواطن القدرة على التعايش مع أزمة الأمن الغذائي العالمية وموجة غلاء الأسعار. في حين أن معدل دخل الفرد في دولة الاحتلال يعادل أكثر من 10 أضعاف نظيره في أراضي السلطة الفلسطينية مما يجعل من الاقتصاد الفلسطيني رهينة بيد الغلاف الجمركي ويقوّض قدرته على التنمية والنمو والتنافس أيضاً.
وإذا نظرنا لواقع الحال في أراضي السلطة الفلسطينية، وأقصد قطاع غزة والضفة الفلسطينية، نجد أن الفارق كبير بين متوسط دخل المواطن في الضفة ودخله في غزة. وهذا يبرز في معدل البطالة في صفوف القوى العاملة (47%) في غزة مقارنة بـ(14%) في الضفة، فيما معدل الفقر في غزة يتجاوز حاجز الـ (60%)، وانعدام الأمن الغذائي الـ(62%) فيما أكثر من (80%) من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية، وما زاد الطين بلة تأخر صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية والبالغ عددهم نحو (115) ألفاً منهم قرابة (85) ألفاً في قطاع غزة لأكثر من عام، ما فاقم من معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي وجعل من حياة الفلسطينيين ولا سيما في قطاع غزة وزاد من معاناتهم.
لم تقف أزمة الغلاء عند السلع الثانوية فحسب، بل أنها مسّت الأمن الغذائي للمواطن وطالت السلع الأساسية التي تعد قُوتاً للفقراء دون أي تدخل من الجهات الحكومية في وقف نزيف الغلاء، بل بقيّت الضرائب التصاعدية على حالها في المساس بحياة الفقراء وذوي الدخل المحدود بدلاً من فرضها على أصحاب الدخول العالية فقط، إلى جانب ازدواجية الرسوم والضرائب وأذونات الاستيراد، ودون تقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية للإنتاج الوطني لدعم الزراعة والصناعة والصيد البحري.
الأرقام الإحصائية والمعدلات الفلكية في القهر والجوع والمعاناة تتحدث عن نفسها في أراضي السلطة الفلسطينية، والتي وقعت حكوماتها المتعاقبة في إغراء الاعتماد على الاستيراد من أجل زيادة الإيرادات (الجمركية)، وعدم التوجه لتنمية الإمكانات الكامنة في الاقتصاد من زراعة وصناعة وتجارة.
أمام تلك المعطيات الخطيرة تقع المسؤولية على صانعي القرار وواضعي السياسات بوضع الخطط والبرامج والموازنات؛ لتوفير مقومات الصمود والحماية الاجتماعية؛ للحد من الفقر والجوع والقهر في فلسطين، لا سيما في قطاع غزة الذي يواجه واقعاً مأساوياً، ما يتطلب جهداً أكبر من حكومة السلطة وسلطة الأمر الواقع لوقف التدهور المريع في كافة مناحي الحياة، لذا لا بد من الاستجابة الفعالة والسريعة لدعم الأسر الفقيرة ومدقعة الفقر ومساندتها من خلال دعم حصولهم على قوت يومهم.
السمة الأساسية أمام الجهات الحكومية سواء في غزة أو الضفة هو دعم السلع الاستهلاكية الأساسية، من خلال الإعفاء الضريبي وتخفيض الرسوم الجمركية ومراقبة أسعارها، وهذا يجب أن يترافق مع إجراءات صارمة من الجهات المسؤولة تجاه التجار الجشعين والشركات الاحتكارية بدلاً من إعطائهم تسهيلات تحت حجة تشجيع الاستثمار.
إلى جانب ذلك تقع المسؤولية على حكومة السلطة الفلسطينية وسلطة الأمر الواقع، ضرورة تحقيق أهداف التنمية المستدامة والابتعاد عن الحلول الترقيعية، من خلال إجراءات قصيرة وطويلة الأجل، تضمن تقديم الدعم الفوري للفئات الضعيفة وتعزيز أمنها الغذائي وصولاً لتوسيع أنظمة الحماية الاجتماعية الفعالة الشاملة لضمان العيش الكريم، واتباع سياسة اقتصادية بديلة يشكل محورها الرئيس الانتقال من الاقتصاد الريعي الربحي إلى منظومة سياسات اقتصادية تعتمد على الموارد والأيدي العاملة المحلية وزيادة الإنتاج الغذائي المستدام عبر إجراءات لتشجيع الاستثمار في الزراعة والصيد البحري. وهذا بحد ذاته يتطلب التحلل من التبعية الاقتصادية للاحتلال بكافة أشكالها الضريبية والجمركية والنقدية.
وتقع أيضاً المسؤولية على النقابات والاتحادات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني لرفع الصوت عالياً في مواجهة غلاء الأسعار الفاحش لا سيما بالسلع الأساسية، والضغط على الحكومة لإيجاد آليات جادة لحماية الفقراء من الآثار السلبية لذلك.
ختاماً، إن كافة الحلول التي طرحتها السلطتان في غزة ورام الله، لن ترقى لمتطلبات المرحلة النضالية التي يعيشها شعبنا، كمرحلة تحرر وطني، لذلك بات مطلوباً خطوات عمليّة بإنهاء الانقسام، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني من خلال إطلاق ورشة الحوار الوطني الشامل للتوصل لتفاهمات وطنية لإجراء انتخابات شاملة على أسس ديمقراطية ونزيهة وشفافة تضمن إعادة بناء المؤسسات الوطنية، بما يُمكننا من وضع إستراتيجية وطنية تصون صمود الشعب وتضحياته في وجه الاحتلال الاستعماري الاستيطاني و«الأبارتهايد». ■
أزمة الأمن الغذائي العالمية دفعت خمس منظمات أممية لاتخاذ إجراءات عاجلة للحد منها، والتي تزامنت مع إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن تقديم مساعدة بمليار دولار لدعم الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيما اتهمت وزارة الخارجية الروسية الدول الغربية والولايات المتحدة في مسؤولية تفاقم «الأمن الغذائي العالمي» جراء فرض العقوبات عليها، وبالمقابل ساهم صانعو القرار في غزة والضفة بإجراءات محدودة في حماية الفقراء ومحدودي الدخل دون الارتقاء بمستواهم المعيشي.
إن التخوفات من أزمة الأمن الغذائي التي أعلنت عنها المنظمات الأممية الخمس (منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، صندوق النقد الدولي، مجموعة البنك الدولي، برنامج الأغذية العالمي، منظمة التجارة الدولية) جراء تعطيل أسواق الغذاء والوقود والأسمدة نتيجة جائحة كورونا، وانقطاع سلاسل التوريد الدولية، الأزمة الروسية الأوكرانية، تبقى قائمة والتي انعكست بشكل سلبي على الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى درجة أن حياتهم وسبل عيشهم أصبحت مُعرضة للخطر ووصل عددهم إلى 345 مليون شخص في 82 دولة وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي.
ربما الحال في فلسطين يبدو مختلفاً عن دول أخرى في المنطقة، ولا سيما أنها ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي يسيطر على الموارد والمعابر ما يعيق إحداث أية تنمية مستدامة، إلى جانب ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بنظيره الإسرائيلي (وفق اتفاق باريس الاقتصادي) وعدم انتظام تحويل إسرائيل للإيرادات الجمركية (المقاصة)، ما يصعب على المواطن القدرة على التعايش مع أزمة الأمن الغذائي العالمية وموجة غلاء الأسعار. في حين أن معدل دخل الفرد في دولة الاحتلال يعادل أكثر من 10 أضعاف نظيره في أراضي السلطة الفلسطينية مما يجعل من الاقتصاد الفلسطيني رهينة بيد الغلاف الجمركي ويقوّض قدرته على التنمية والنمو والتنافس أيضاً.
وإذا نظرنا لواقع الحال في أراضي السلطة الفلسطينية، وأقصد قطاع غزة والضفة الفلسطينية، نجد أن الفارق كبير بين متوسط دخل المواطن في الضفة ودخله في غزة. وهذا يبرز في معدل البطالة في صفوف القوى العاملة (47%) في غزة مقارنة بـ(14%) في الضفة، فيما معدل الفقر في غزة يتجاوز حاجز الـ (60%)، وانعدام الأمن الغذائي الـ(62%) فيما أكثر من (80%) من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية، وما زاد الطين بلة تأخر صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية والبالغ عددهم نحو (115) ألفاً منهم قرابة (85) ألفاً في قطاع غزة لأكثر من عام، ما فاقم من معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي وجعل من حياة الفلسطينيين ولا سيما في قطاع غزة وزاد من معاناتهم.
لم تقف أزمة الغلاء عند السلع الثانوية فحسب، بل أنها مسّت الأمن الغذائي للمواطن وطالت السلع الأساسية التي تعد قُوتاً للفقراء دون أي تدخل من الجهات الحكومية في وقف نزيف الغلاء، بل بقيّت الضرائب التصاعدية على حالها في المساس بحياة الفقراء وذوي الدخل المحدود بدلاً من فرضها على أصحاب الدخول العالية فقط، إلى جانب ازدواجية الرسوم والضرائب وأذونات الاستيراد، ودون تقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية للإنتاج الوطني لدعم الزراعة والصناعة والصيد البحري.
الأرقام الإحصائية والمعدلات الفلكية في القهر والجوع والمعاناة تتحدث عن نفسها في أراضي السلطة الفلسطينية، والتي وقعت حكوماتها المتعاقبة في إغراء الاعتماد على الاستيراد من أجل زيادة الإيرادات (الجمركية)، وعدم التوجه لتنمية الإمكانات الكامنة في الاقتصاد من زراعة وصناعة وتجارة.
أمام تلك المعطيات الخطيرة تقع المسؤولية على صانعي القرار وواضعي السياسات بوضع الخطط والبرامج والموازنات؛ لتوفير مقومات الصمود والحماية الاجتماعية؛ للحد من الفقر والجوع والقهر في فلسطين، لا سيما في قطاع غزة الذي يواجه واقعاً مأساوياً، ما يتطلب جهداً أكبر من حكومة السلطة وسلطة الأمر الواقع لوقف التدهور المريع في كافة مناحي الحياة، لذا لا بد من الاستجابة الفعالة والسريعة لدعم الأسر الفقيرة ومدقعة الفقر ومساندتها من خلال دعم حصولهم على قوت يومهم.
السمة الأساسية أمام الجهات الحكومية سواء في غزة أو الضفة هو دعم السلع الاستهلاكية الأساسية، من خلال الإعفاء الضريبي وتخفيض الرسوم الجمركية ومراقبة أسعارها، وهذا يجب أن يترافق مع إجراءات صارمة من الجهات المسؤولة تجاه التجار الجشعين والشركات الاحتكارية بدلاً من إعطائهم تسهيلات تحت حجة تشجيع الاستثمار.
إلى جانب ذلك تقع المسؤولية على حكومة السلطة الفلسطينية وسلطة الأمر الواقع، ضرورة تحقيق أهداف التنمية المستدامة والابتعاد عن الحلول الترقيعية، من خلال إجراءات قصيرة وطويلة الأجل، تضمن تقديم الدعم الفوري للفئات الضعيفة وتعزيز أمنها الغذائي وصولاً لتوسيع أنظمة الحماية الاجتماعية الفعالة الشاملة لضمان العيش الكريم، واتباع سياسة اقتصادية بديلة يشكل محورها الرئيس الانتقال من الاقتصاد الريعي الربحي إلى منظومة سياسات اقتصادية تعتمد على الموارد والأيدي العاملة المحلية وزيادة الإنتاج الغذائي المستدام عبر إجراءات لتشجيع الاستثمار في الزراعة والصيد البحري. وهذا بحد ذاته يتطلب التحلل من التبعية الاقتصادية للاحتلال بكافة أشكالها الضريبية والجمركية والنقدية.
وتقع أيضاً المسؤولية على النقابات والاتحادات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني لرفع الصوت عالياً في مواجهة غلاء الأسعار الفاحش لا سيما بالسلع الأساسية، والضغط على الحكومة لإيجاد آليات جادة لحماية الفقراء من الآثار السلبية لذلك.
ختاماً، إن كافة الحلول التي طرحتها السلطتان في غزة ورام الله، لن ترقى لمتطلبات المرحلة النضالية التي يعيشها شعبنا، كمرحلة تحرر وطني، لذلك بات مطلوباً خطوات عمليّة بإنهاء الانقسام، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني من خلال إطلاق ورشة الحوار الوطني الشامل للتوصل لتفاهمات وطنية لإجراء انتخابات شاملة على أسس ديمقراطية ونزيهة وشفافة تضمن إعادة بناء المؤسسات الوطنية، بما يُمكننا من وضع إستراتيجية وطنية تصون صمود الشعب وتضحياته في وجه الاحتلال الاستعماري الاستيطاني و«الأبارتهايد». ■
أضف تعليق