تدويل قضية نزار بنات: سيناريوهات وأسئلة
شكّلت قضية نزار بنات رأياً عاماً على المستويين الفلسطيني والدولي، الأمر الذي أدى إلى اضطرار السلطة الفلسطينية إلى فتح تحقيق حول ما جرى مع بنات. وبعد عام على ذكرى وفاته، قرّرت عائلته الانسحاب نهائياً من المحاكم الفلسطينية بهدف التوجّه للقضاء الدولي، وتدويل قضيته. لكن مخاطر التدويل أكبر من الفرص التي يمكن أن تحصل عليها العائلة، لا سيما أن القضية الفلسطينية اليوم تشهد تطورات سياسية متسارعة، من شأنها أن تستغل قضية نزار بنات لتنفيذ أجنداتها المشبوهة في المنطقة، والتي يرفضها كل الشعب الفلسطيني، كما حصل في سوريا والعراق ولبنان... تحت ذريعة حقوق الإنسان وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
للتدويل أهمّية كبرى على الصعيدين القانوني والسياسي، لما له من تأثيرات دولية من شأنها أن تشكّل ضغطاً على منتهكي حقوق الإنسان، لكنه سيف ذو حدين، إذ يمكن استخدامه في الجانب الإيجابي؛ على صعيد السياسة الخارجية في ما يتعلق بالدول التي تقف بوجه حقوق الشعوب لتدعيم موقف ما، كما هي حال قضية الأسرى، والاستيطان، والاحتلال، والفصل العنصري. أو في الجانب السلبي، في ما يتعلق بالسياسة الداخلية، بحيث يترتب على النظام الداخلي عواقب من شأنها أن تضر بالمصالح الوطنية الداخلية ومصالح المواطنين لحساب المصالح الأجنبية.
وعلى الرغم من أهميته، لم يستطع القضاء الدولي إلى اليوم شق طريقه لمعاقبة أو محاسبة المتورطين في انتهاك حقوق الإنسان إلا في المحاكم الجنائية الدولية الخاصة، كمحكمتي يوغسلافيا وروندا على سبيل المثال، وذلك لأنها كانت محاكم سياسية بامتياز، لكنها لم تحقق آمال المواطنين ولاقت اعتراضاً شعبياً كبيراً. وبالعودة إلى تدويل قضية نزار بنات، فلن تحصل العائلة على الهدف المطلوب الذي ترغب به لمحاسبة السلطة الفلسطينية، لأن الأمر سيتوسع إلى إغراق السلطة بقضايا انتهاك حقوق الإنسان، وإشغال الرأي العام الدولي بذلك، ما يتيح تبرير دولة الاحتلال الإسرائيلي التزامها بضرورة التنسيق الأمني، ولفت الأنظار على السلطة باعتبارها تنتهك القوانين الدولية لحقوق الإنسان، وإبعاد الشبهات عن دولة الاحتلال في ممارساتها العنصرية ضد الفلسطينيين، لا سيما جريمة الأبارتهايد التي ليست مجرد انتهاك لحقوق الإنسان بل هي جريمة جنائية ضد الإنسانية.
ولأن القانون الدولي لا يسري إلا على الدول الضعيفة، ستقوم الدول الغربية باستغلال قضية نزار بنات للضغط على السلطة الفلسطينية، من خلال وقف الدعم المالي المقدّم لها من الدول الأوروبية، بحجة أنها تنتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتغييب جرائم الاحتلال الإسرائيلي وما يرتكبه بحق الشعب الفلسطيني، ما ينعكس سوءاً على الأوضاع الاقتصادية خصوصاً أن السلطة تعاني من وضع اقتصادي صعب، وتضغط عليها الدول الأوروبية لتغيير مناهجها العلمية لصالح إسرائيل، فهي تحتاج إلى حجة لعدم دعم السلطة لا سيما بعد الحرب الأوكرانية – الروسية والأزمة الاقتصادية التي تواجهها الدول الأوروبية.
إن السيناريو السابق، هو في حال أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قراراً أدانت فيه السلطة واتهمتها بانتهاك حقوق الإنسان، عندها تجبر الدول الأوروبية على عدم التعاطي مع السلطة، بالتالي قطع العلاقات الديبلوماسية معها، وهو ما يضر بالقضية الفلسطينية في وضعها الراهن، خصوصاً أمام هذه المنعطفات الحادة، وغالباً ما تلجأ هذه المحاكم إلى إدانة أفراد قاموا بانتهاك حقوق الإنسان في دولهم، على أن يكون من تقدّم بالشكوى أحد المواطنين الأوروبيين، بالتالي ستلجأ السلطة إلى محاسبة من قام بقتل نزار بنات شكلياً، وتتنصّل من التزاماتها تجاه هذه القضية، وتعتبر نفسها أنها طبقت الحكم الصادر عن المحكمة، ومن المؤكد أن ذلك لن يرضي عائلة نزار بنات.
أمّا السيناريو الآخر، فهو عدم اكتراث المجتمع الدولي بقضية نزار بنات، تحت ذرائع قانونية مختلفة، باعتبار أن السلطة الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها المحاكم الفلسطينية، أدانت من ارتكب هذه الجريمة، بالتالي لا يمكنها التدخل في الشؤون الداخلية، عندها يكون المجتمع الدولي قد وجه للعائلة صفعة قوية بإمكانها أن تطيح بحقها في محاسبة من ارتكب جريمة اغتيال نزار بنات، خصوصاً أن المجرم لا يحاسب مرّتين. أو من الممكن أن تحصل صفقة سياسية معيّنة يمكن أن يلتف حولها المجتمع الدولي كما حصل مع الصحافي السعودي جمال خاشقجي، عندما تبنّت الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية محاسبة السعودية على ذلك، وبعدها وضع هذا الملف جانباً، نظراً للمصالح السياسية والاقتصادية المشتركة بين البلدين.
لذلك، فإن التدويل ينافي المصلحة الوطنية باعتباره يؤدي إمّا إلى زعزعة الاستقرار والوضع الداخلي، من خلال تنمية الخلافات والصراعات وضرب العيش المشترك، وإمّا الالتفاف حول القضية واستغلالها لمصالح الدول التي تصب في مصلحة دولة الاحتلال، ومن هنا يستوجب علينا أن نطالب باستقلالية القضاء الفلسطيني وتفعيل المحاسبة داخل النظام الفلسطيني، لأن ما حصل مع بنات قد يحصل مع أي مواطن فلسطيني، ولا يمكن اللجوء إلى التدويل في كل مرة. إن عدم التداخل بين الأنظمة السياسية والمؤسسات الأمنية الرسمية، من مبدأ سيادة القانون والاحتكام إلى القانون الأساسي والتشريعات الوطنية التي تنظّم العلاقة بين المواطنين والدولة، يساعد على مواجهة المخاطر التي تحدق بالقضية الفلسطينية، كما على وقف الملاحقة على خلفية الرأي والتعبير وإسقاط التهم على خلفية المشاركة السلمية في التجمعات أو على خلفية حرية الرأي والتعبير.
إن عائلة نزار بنات لها كل الحق في معرفة حقيقة ما حصل، ومحاسبة من قام بهذه الجريمة، لكن عليها أن تدرس خياراتها بتمعن ودقة، وأن تنظر إلى كل الانتهاكات التي تتعلّق بحرية الرأي والتعبير التي جرى تدويلها إن حققت نتائج ملموسة مرضية، أم بقيت قضية رأي عام والجاني متفلتاً من العقاب.■
للتدويل أهمّية كبرى على الصعيدين القانوني والسياسي، لما له من تأثيرات دولية من شأنها أن تشكّل ضغطاً على منتهكي حقوق الإنسان، لكنه سيف ذو حدين، إذ يمكن استخدامه في الجانب الإيجابي؛ على صعيد السياسة الخارجية في ما يتعلق بالدول التي تقف بوجه حقوق الشعوب لتدعيم موقف ما، كما هي حال قضية الأسرى، والاستيطان، والاحتلال، والفصل العنصري. أو في الجانب السلبي، في ما يتعلق بالسياسة الداخلية، بحيث يترتب على النظام الداخلي عواقب من شأنها أن تضر بالمصالح الوطنية الداخلية ومصالح المواطنين لحساب المصالح الأجنبية.
وعلى الرغم من أهميته، لم يستطع القضاء الدولي إلى اليوم شق طريقه لمعاقبة أو محاسبة المتورطين في انتهاك حقوق الإنسان إلا في المحاكم الجنائية الدولية الخاصة، كمحكمتي يوغسلافيا وروندا على سبيل المثال، وذلك لأنها كانت محاكم سياسية بامتياز، لكنها لم تحقق آمال المواطنين ولاقت اعتراضاً شعبياً كبيراً. وبالعودة إلى تدويل قضية نزار بنات، فلن تحصل العائلة على الهدف المطلوب الذي ترغب به لمحاسبة السلطة الفلسطينية، لأن الأمر سيتوسع إلى إغراق السلطة بقضايا انتهاك حقوق الإنسان، وإشغال الرأي العام الدولي بذلك، ما يتيح تبرير دولة الاحتلال الإسرائيلي التزامها بضرورة التنسيق الأمني، ولفت الأنظار على السلطة باعتبارها تنتهك القوانين الدولية لحقوق الإنسان، وإبعاد الشبهات عن دولة الاحتلال في ممارساتها العنصرية ضد الفلسطينيين، لا سيما جريمة الأبارتهايد التي ليست مجرد انتهاك لحقوق الإنسان بل هي جريمة جنائية ضد الإنسانية.
ولأن القانون الدولي لا يسري إلا على الدول الضعيفة، ستقوم الدول الغربية باستغلال قضية نزار بنات للضغط على السلطة الفلسطينية، من خلال وقف الدعم المالي المقدّم لها من الدول الأوروبية، بحجة أنها تنتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتغييب جرائم الاحتلال الإسرائيلي وما يرتكبه بحق الشعب الفلسطيني، ما ينعكس سوءاً على الأوضاع الاقتصادية خصوصاً أن السلطة تعاني من وضع اقتصادي صعب، وتضغط عليها الدول الأوروبية لتغيير مناهجها العلمية لصالح إسرائيل، فهي تحتاج إلى حجة لعدم دعم السلطة لا سيما بعد الحرب الأوكرانية – الروسية والأزمة الاقتصادية التي تواجهها الدول الأوروبية.
إن السيناريو السابق، هو في حال أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قراراً أدانت فيه السلطة واتهمتها بانتهاك حقوق الإنسان، عندها تجبر الدول الأوروبية على عدم التعاطي مع السلطة، بالتالي قطع العلاقات الديبلوماسية معها، وهو ما يضر بالقضية الفلسطينية في وضعها الراهن، خصوصاً أمام هذه المنعطفات الحادة، وغالباً ما تلجأ هذه المحاكم إلى إدانة أفراد قاموا بانتهاك حقوق الإنسان في دولهم، على أن يكون من تقدّم بالشكوى أحد المواطنين الأوروبيين، بالتالي ستلجأ السلطة إلى محاسبة من قام بقتل نزار بنات شكلياً، وتتنصّل من التزاماتها تجاه هذه القضية، وتعتبر نفسها أنها طبقت الحكم الصادر عن المحكمة، ومن المؤكد أن ذلك لن يرضي عائلة نزار بنات.
أمّا السيناريو الآخر، فهو عدم اكتراث المجتمع الدولي بقضية نزار بنات، تحت ذرائع قانونية مختلفة، باعتبار أن السلطة الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها المحاكم الفلسطينية، أدانت من ارتكب هذه الجريمة، بالتالي لا يمكنها التدخل في الشؤون الداخلية، عندها يكون المجتمع الدولي قد وجه للعائلة صفعة قوية بإمكانها أن تطيح بحقها في محاسبة من ارتكب جريمة اغتيال نزار بنات، خصوصاً أن المجرم لا يحاسب مرّتين. أو من الممكن أن تحصل صفقة سياسية معيّنة يمكن أن يلتف حولها المجتمع الدولي كما حصل مع الصحافي السعودي جمال خاشقجي، عندما تبنّت الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية محاسبة السعودية على ذلك، وبعدها وضع هذا الملف جانباً، نظراً للمصالح السياسية والاقتصادية المشتركة بين البلدين.
لذلك، فإن التدويل ينافي المصلحة الوطنية باعتباره يؤدي إمّا إلى زعزعة الاستقرار والوضع الداخلي، من خلال تنمية الخلافات والصراعات وضرب العيش المشترك، وإمّا الالتفاف حول القضية واستغلالها لمصالح الدول التي تصب في مصلحة دولة الاحتلال، ومن هنا يستوجب علينا أن نطالب باستقلالية القضاء الفلسطيني وتفعيل المحاسبة داخل النظام الفلسطيني، لأن ما حصل مع بنات قد يحصل مع أي مواطن فلسطيني، ولا يمكن اللجوء إلى التدويل في كل مرة. إن عدم التداخل بين الأنظمة السياسية والمؤسسات الأمنية الرسمية، من مبدأ سيادة القانون والاحتكام إلى القانون الأساسي والتشريعات الوطنية التي تنظّم العلاقة بين المواطنين والدولة، يساعد على مواجهة المخاطر التي تحدق بالقضية الفلسطينية، كما على وقف الملاحقة على خلفية الرأي والتعبير وإسقاط التهم على خلفية المشاركة السلمية في التجمعات أو على خلفية حرية الرأي والتعبير.
إن عائلة نزار بنات لها كل الحق في معرفة حقيقة ما حصل، ومحاسبة من قام بهذه الجريمة، لكن عليها أن تدرس خياراتها بتمعن ودقة، وأن تنظر إلى كل الانتهاكات التي تتعلّق بحرية الرأي والتعبير التي جرى تدويلها إن حققت نتائج ملموسة مرضية، أم بقيت قضية رأي عام والجاني متفلتاً من العقاب.■
أضف تعليق