23 كانون الأول 2024 الساعة 01:35

في السياسة كما الاقتصاد والاجتماع.. الهوّة تتّسع بين الشعب والقيادة السياسية

2022-07-01 عدد القراءات : 832
تتّسع باستمرار الأوساط الشعبية التي تعبر عن سخطها، أو في الحد الأدنى عن عدم رضاها عن الأداء السياسي للسلطة الفلسطينية والقيادة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بعد حوالي 29 عاماً من توقيع اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية.
 إن مرد هذا السخط وعدم الرضا يكمن في عدة أسباب تطال الموضوع السياسي النضالي، وما آلت إليه الأمور من سياسات عبثية وانتظارية تلحق الضرر بالمشروع والنضال الوطني، كما تعود إلى الفقر والبطالة والغلاء الفاحش وحالة اليأس والضياع في أوساط الشباب وبخاصّة الخريجين العاطلين عن العمل، وإلى السخط على دور الأجهزة الأمنية وتدخلها في حياة الناس، كلها عوامل تنذر بما هو أسوأ من الوضع القائم:
أولا: في الجانب السياسي والوطني، تستمر حالة التراجع والعجز وغياب الإرادة السياسية في الرد على إجراءات الاحتلال وجرائمه اليومية وعمليات الاستيطان وسرقة الأرض الفلسطينية وتهويد القدس، بالرغم من وجود عدة قرارات اتخذتها المجالس الوطنية والمركزية الفلسطينية للرد من جهة على جرائم الاحتلال، ومن الجهة الأخرى استجماع عناصر القوة لدى الشعب الفلسطيني وقيادته.
إن تعامل القيادة الفلسطينية مع هذه القرارات قد أصاب في الصميم مصداقيتها في أعين قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، وحتى التهديد بتطبيقها والتلويح بها وفي الحد الأدنى ذكرها والتذكير بها (مع أنها قرارات تم اتخاذها للتنفيذ وليس للتلويح بها والتهديد)، اختفى من بيان اللجنة التنفيذية الأخير الصادر يوم الخميس الماضي 23/6.
إن سبب إحجام القيادة الفلسطينية عن تطبيق القرارات والارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية، يعود في جزء رئيسي منه إلى استمرار المراهنة على الأمريكان، رغم أنهم يعلنون جهارًا أن هدفهم هو دعم اندماج دولة الاحتلال في المنطقة العربية ومزيد من التطبيع لدول عربية أخرى في إطار ما يسمى «اتفاقيات أبراهام»، وتشكيل حلف ناتو شرق أوسطي تتزعمه إسرائيل. ومع أن الأوساط السياسية الفلسطينية تدرك بأن الولايات المتحدة لها أولويات مختلفة تماماً كالحرب في أوكرانيا والصين والطاقة والملف الإيراني وليست بوارد الاهتمام بملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحتى تعهدات بايدن الانتخابية بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وإعادة فتح مكتب مفوضية منظمة التحرير في واشنطن ذهبت أدراج الرياح وهي مرهونة بالفيتو الإسرائيلي.
 كما أن استجابة القيادة السياسية للضغوط الأمريكية والأوروبية والعربية، بمنع اتخاذ أي قرار فلسطيني يؤدي للصدام مع أو الانفجار في وجه الاحتلال وإجراءاته وجرائمه، يلحق مزيدًا من الأضرار بنضال الشعب الفلسطيني وبمشروعه الوطني ومقاومته للاحتلال، ولدرجة تبدو القيادة الفلسطينية معها وكأنها تتبنى وجهة نظر تقول إن «العلاقة الطبيعية مع الاحتلال هي التهدئة وليست الصراع».
ثانياً: إن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبعها السلطة الفلسطينية، ترهق المواطن الفلسطيني من حيث ارتفاع الضرائب والرسوم والغلاء الفاحش وتراجع القيمة الشرائية للأجور والاختلال الواسع بين الدخل والإنفاق بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية والاستهلاكية، وظاهرة انتشار البطالة وخاصة في صفوف الخريجين، وحرمان شرائح اجتماعية واسعة من الفئات الوسطى من حقها في الحصول على فرصها في التقدم الاقتصادي والاجتماعي في غياب سياسة تنموية واقعية.
وفي المقابل تطغى المصالح الفئوية والامتيازات التي تستحوذ عليها الشرائح البيروقراطية المتنفذة في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وتحالفها مع أصحاب المال والأعمال الكمبرادوري الذين يتمتعون بامتيازات وتسهيلات قانونية وخدمية وإعفاءات ضريبية تمتص كالطفيليات دماء الاقتصاد الفلسطيني.
ثالثاً: في الجانب الديمقراطي والمساس بحرية التعبير والتظاهر والتجمع السلمي وتدخل الأجهزة الأمنية في حياة الناس، حدّث ولا حرج، فما زال المتقدم لأي وظيفة عامة لمؤسسات السلطة يجب أن يحظى بموافقة أمنية، وهذا الأمر مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني، وما زالت الأجهزة الأمنية والمخبرون في الجامعات الفلسطينية، يفسدون الحياة الاكاديمية والديمقراطية فيها ويشوّهوا عملية التنشئة لجيل كامل من المفترض فيه أن يقود النضال الوطني ومؤسسات المجتمع لاحقًا.
كما أن الاعتداء على التحركات والاعتصامات السلمية، كما جرى مثلاً في اعتصام الخليل الاحتجاجي على غلاء الأسعار، يمثل نهجاً تم الإدمان عليه دون التعلّم من التجارب السابقة.
ووصلت الأمور بالسلطة إلى حد الإفراج عن قتلة نزار بنات بحجج وذرائع واهية مما يشكل استهانة بالرأي العام الذي شدّته هذه القضية إلى حد كبير وأثار انتقادات واسعة في الشارع الفلسطيني.
 إن هذه الهوة التي تتسع باستمرار بين الشعب والسلطة والقيادة السياسية المتنفذة، قد تؤدي في حال استمرارها إلى مآلات خطيرة ولا تحمد عقباها على النسيج الاجتماعي والوحدة الميدانية والشعبية في مقاومة الاحتلال، إن لم يتم تدارك الأمور في كل من المحاور الثلاث التي ذكرت، فالطريق والسبيل إلى تدارك الأمور واضح وضوح الشمس:
* ففي الجانب السياسي والنضالي عبرت عنه قرارات المجالس الوطنية والمركزية المتعاقبة واجتماعات القيادة الفلسطينية واجتماع الأمناء العامين، ومن ضمنها تطبيق قرارات المجلس المركزي الأخير بما يشمل وقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال وتشكيل القيادة الموحّدة، كل ذلك مع ضرورة تكثيف الجهود لاستعادة الوحدة الوطنية في إطار مؤسسات منظمة التحرير وإنهاء الانقسام، من أجل تصليب البيت الداخلي الفلسطيني وتمكينه من حمل أعباء المواجهة مع الاحتلال.
* وفي الجانب الديمقراطي لا بد من إشاعة الديمقراطية والحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في المواطنة والحقوق دون تمييز، وكفّ أيادي الأجهزة الأمنية عن التدخل في حياة الناس، واحترام مبدأ الفصل بين السلطات وحماية الحقوق والحريات العامة وإجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.
*وفي الجانب الاقتصادي الاجتماعي، فإن المخرج يتمثل بتبني سياسة اقتصادية اجتماعية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار الشروط الموضوعية والخصائص الفريدة التي يتميز بها الوضع الفلسطيني وتؤدي إلى تعزيز صمود المجتمع الفلسطيني في وجه الاحتلال وسياساته، والانفكاك الاقتصادي الفلسطيني عن برتوكول باريس والتبعية لاقتصاد دولة الاحتلال ■  

أضف تعليق