23 كانون الأول 2024 الساعة 07:41

الانتخابات القادمة تبشر بصعود القوى الفاشية في اسرائيل

2022-06-21 عدد القراءات : 781
هل ذهب رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت بعيداً عندما وصف في مقال نشره في صحيفة جيروزاليم بوست مطلع تموز/ يوليو من العام 2020 أنماط سلوك القيادة والحكومة في إسرائيل بالفاشية، حيث قال إن براعم شجرة الفاشية في إسرائيل لم تتجاوز فقط مرحلة الحضانة، ولم تكتف بدفع جذورها في أعماق المجتمع، بل إن أغصانها تنمو بسرعة، مشيراً إلى أن الفاشية الإسرائيلية دلّلت على حالها في البداية بمظاهر بسيطة، ولكنها باتت قوية وحاضرة في كثير من ممارسات القيادة والحكومة. مظاهر صعود الفاشية وتعاظمها داخل أروقة الحكم في إسرائيل كانت قد لفتت انتباه رئيس الوزراء الأسبق من حزب «العمل» أيهود باراك حيث سبق اولمرت الى ذلك بحديث لوسائل الاعلام مطلع أيار من العام 2016 أشار فيه الى إن حكومة اسرائيل تعاني بداية نزعات فاشية .
كلاهما، أولمرت وباراك لم يذهبا في هذا الاتجاه وفي خلفية الموقف سياسة اسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين بقدر ما كانا ينظران إلى إسرائيل من الداخل في عملية تطور تثير القلق على مستقبل دولة كانت تدعي لسنوات طويلة أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. ومع ذلك فتح هذا التقدير لسياسة اسرائيل الداخلية، أي سياستها في التعامل حتى مع مواطنيها اليهود، الباب أمام سؤال يتجنب كثير من الاسرائيليين الخوض في تقديم أجوبة عليه وهو طبيعة علاقة هذه الدولة مع الفلسطينيين .
حضور النزعات الفاشية في اسرائيل لم يعد محل تساؤل، لا في علاقة الدولة مع مواطنيها ولا في علاقتها مع الفلسطينيين. فمظاهر التحول نحو الفاشية في اسرائيل وتقاطعها مع سياسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، أضحت منذ زمن حقيقة وليست دعاية سياسية، فقد سبق أن حذر عضو الكنيست الإسرائيلي السابق أمنون روبننشتاين (ميرتس) ورئيس لجنة القضاء والقانون في الكنيست في حينه من ذلك، عندما قال أمام الكنيست في الثاني من كانون الثاني عام 1984: «في يهودا والسامره وغزه، (أي في الضفة الغربيه وقطاع غزه) هناك نظامان قضائيان وهناك نوعان من الناس .... هناك مواطنون اسرائيليون يتمتعون بحقوق كاملة وآخرون غير اسرائيلين (غير مواطنين) ليست لهم أية حقوق».
وفي الحقيقة فإن مظاهر حضور الفاشية وتعاظمها في اسرائيل لم تبدأ أبدًا بالظهور مع كاهانا وأحزاب الصهيونية الدينية وقادتها من الورثة الايدولوجيين لقاتل اسحق رابين على حد تعبير يئير لابيد، أو لباروخ غولدشتاين، الذي ارتكب مجزرة الحرم الابراهيمي، أمثال بيتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير وآفي ماعوز. ففي استطلاع للرأي أجراه ملحق «يديعوت أحرنوت» ونشره في الثامن عشر من تشرين أول عام 2010 شواهد مبكرة ومفزعه على ذلك. في ذلك الاستطلاع أعرب نحو 64% من المستطلعة آراؤهم عن خشيتهم من صعود الفاشيه في اسرائيل، وأعرب نحو 60% منهم بأن وزير خارجيتهم في حينه افيغدور ليبرمان يسهم بشكل مركزي في تصاعد التطرف القومي الى درجة الفاشية، بينما كان نصيب زعيم حزب شاس، ايلي يشاي، وزعيم الليكود بنيامين نتنياهو وزعيم حزب العمل، ايهود باراك نحو 40% و30% و 24% على التوالي .
صعود الفاشية في إسرائيل يتداخل مع تعاظم مظاهر الشعور بالتفوق والروح العنصرية في المجتمعين السياسي والمدني إلى درجة تفوقت فيها على نظيرتها في جنوب افريقيا في عهد نظام الفصل العنصري البائد. وبالعودة إلى التاريخ القريب وليس البعيد تبدو الصورة واضحة في تظهير ذلك التقاطع والتطابق بين نظامين استندت سياسة كل منهما إلى نفس المنطلقات والدوافع الاستعمارية ونفس الجذور الايدولوجية .
عودة إلى الوراء في البحث عن النشأة والجذور تلقي بعض الضوء على تلك المنطلقات والدوافع فضلاً عن الجذور الايدولوجية . في العام 1652 وضع المستعمر الهولندي جان فان ريبيك أقدامه على الأرض في جنوب افريقيا، وكتب إلى حكومته يدعي أنه اكتشف أرضًا واسعة جميله خالية من السكان. هكذا وبكل بساطة كانت جنوب افريقيا في نظر هذا المستعمر، أرضًا خالية تماماً كما كانت فلسطين في دعاية الحركة الصهيونيه، وطن بلا شعب يبحث عن شعب بلا وطن. المستعمرون في العادة لا تنقصهم الحيل والأكاذيب لتبرير سلوكهم وسياساتهم، هكذا بدأ الغزو الهولندي لذلك البلد. البريطانيون تأخروا فقط أربعين عاماً ليلتحقوا بالهولندين في استعمار ذلك البلد، الذي أطلقوا عليه اسم «معسكر الأمل الجميل» . أرض بلا شعب هناك في جنوب افريقيا، وأرض بلا شعب هنا في فلسطين، معسكر الأمل الجميل هناك في جنوب افريقيا و«هاتكفا» - «الأمل» هنا في فلسطين، في مشهد آخر يتكرر في تاريخ استعماري، تشابهت فيه مجريات الأحداث في بلدين تعرضا لغزو استعماري أنتج نظامين قاما على بناء سياسي أيدولوجي يدعي التفوق، ويؤسس لفصل بين الغزاة وبين سكان أصليين شكل وجودهم وحضورهم التاريخي مشكلة وجودية استعصى على المستعمر حلها من خلال الإعتراف بحقيقة وجودهم وبحقوقهم.
لم يكن أمام النظام الإستعماري، الذي بناه الغزاة في جنوب إفريقيا من حلول وخيارات غير نفي المواطن الأسود من أرضه، التي استولى عليها الغزاة. ترتب على ذلك محاصرة شعب البلاد الأصلي في بانتوستونات لم تتجاوز مساحتها 13% من مساحة جنوب افريقيا. شيء من هذا يذكرنا كذلك بمحاصرة الشعب الفلسطيني في أراضي 1948 في جزر تحيطها المستوطنات على مساحات محدوده في الجليل والمثلث والنقب مثلما يذكرنا بمناطق (أ) في الضفة الغربيه على نحو 18% من مساحتها في اتفاقيات أوسلو. سياسة العزل والفصل هذه، والتي اعتمدتها دولة البيض في جنوب افريقيا أنتجت الفاشية والأبرتهايد وهي نفسها تنتج الفاشية والأبرتهايد في فلسطين .
المشهد الإستعماري للأبرتهايد يتكرر بين جنوب افريقيا في عهد دولة البيض البائدة وبين دولة اسرائيل، وهو مشهد حي تؤكده وقائع وأحداث وممارسات وخيارات سياسيه وأيدولوجيه لمشروعين استعماريين لا يشبهان بعضهما البعض فقط من بعيد. دولة البيض في جنوب افريقيا كانت تدعي أنها الدولة الديمقراطية الوحيده في القارة الأفريقيه، تماما كما هو حال دولة اسرائيل، التي تدعي أنها الدولة الديمقراطيه الوحيدة في الشرقين الأدنى والأوسط، رغم كل ما تمارسه من تمييز عنصري واضح ضد الشعب الفلسطيني. الإعجاب كان متبادلاً بين دولة البيض في جنوب افريقيا وبين دولة اسرائيل، وبينهما نشأت علاقات متميزه ومتطوره وصلت حد الإعجاب الإسرائيلي بنظام البانتوستونات، التي أقامها نظام الفصل العنصري البائد في جنوب افريقيا. ليس في الأمر مبالغة أو محاولة لتشويه صورة دولة اسرائيل في هذا السياق. ألم تكن دولة اسرائيل هي الدولة الوحيده بين دول العالم، التي اعترفت بنظام البانتوستونات في جنوب افريقيا وتبادلت التمثيل الديبلوماسي مع البانتوستان، المسمى آنذاك بانتوستونات بوفوتانسوانا، الذي افتتح سفارة في تل أبيب .
لسياسة الأبرتهايد، أو الفصل العنصري، جذور تاريخيه وسياسيه وأيدولوجيه في دولة البيض البائدة في جنوب افريقيا وفي دولة اسرائيل كذلك. الأساس كان واحدًا، هناك أرض بلا شعب وهنا كذلك أرض بلا شعب، وهناك أصل متفوق وهنا كذلك، وهناك بانتوستونات وهنا كذلك. الفارق بين النظامين أن العالم توقف في مرحلة معينة، عن ازدواجية المعايير في التعامل مع دولة البيض العنصريه في جنوب افريقيا، وتحديدا بعد المجزرة الرهيبه، التي ارتكبها ذلك النظام البائد في سويتو عام 1976، والتي ذهب ضحيتها 500 مواطن افريقي وأكثر من ألف جريح، بينما ما زال هذا العالم يمارس ازدواجية المعايير في التعامل مع دولة اسرائيل رغم كل مجازرها ضد الشعب الفلسطيني بدءاً بمجزرة دير ياسين عام 1948 مروراً بمجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 وانتهاءً بجرائم اسرائيل في قطاع غزه نهاية العام 2008 مطلع العام 2009 ومطلع العام 2014 والجرائم الممتدة من الاعدامات الميدانية اليومية في الضفة الغربية حتى أيامنا هذه، بما في ذلك تلك التي تتخذ الصحفيين والعاملين في وسائل الاعلام هدفاً من أهدافها.
في أعقاب مجزرة سويتو عام 1976 تحرك الرأي العام الدولي وبدأ يمارس الضغط على دولة البيض العنصريه في جنوب افريقيا وأصدرت الأمم المتحده في سياق ادانتها لنظام الأبرتهايد وممارساته ضد المواطنين الأفارقه ميثاقا حمل عنوان «الإتفاقيه الدوليه لمحاربة جريمة الأبرتهايد» . وفي الحالة الإسرائيليه يتحرك الرأي العام الدولي كذلك، ولكن ببطء شديد وتتعالى أصوات توجه أصابع الإتهام لدولة اسرائيل باعتبارها دولة أبرتهايد لا تعوزها الوسائل الفاشية لتكريس تفوقها وهيمنتها.
النزعات الفاشية وسياسة الابرتهايد صنوان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، يكذب من يدعي غير ذلك أو يحاول الفصل بينهما، فالمرجعية الايدولوجية واحدة وإن اختلفت التجليات، ويبقى الابرتهايد على كل حال الحاضنة الرئيسية للفاشية. هذا هو المشهد الإسرائيلي وهو مشهد لا يشكل خطرًا على العلاقة مع الآخر وحسب، وهو في هذه الحالة الشعب الفلسطيني، الذي حاولت الحركة الصهيونيه نفيه وإنكار وجوده من حيث المبدأ، بل هو يشكل خطراً عاماً بدأت ملامحه تغزو المجتمع الاسرائيلي نفسه. فالأبرتهايد يشكل بيئة مناسبة للتطرف وميدانًا رحباً لنشاط قوى اليميين واليمين المتطرف وقاعدة انطلاق للإتجاهات والحركات الفاشيه، وهو ما سوف نراه في اسرائيل في الانتخابات القادمة للكنيست بعد ان اتفق كل من نفتالي بينيت ويئير لابيد على حل الكنيست والتوجه إلى انتخابات مبكرة هي الخامسة في إسرائيل في غضون ثلاث سنوات.■

أضف تعليق