23 كانون الأول 2024 الساعة 08:17

الانقسام وخطاب التشكيك والتخوين والصراع الداخلي في الجامعات الفلسطينية

2022-06-19 عدد القراءات : 667
لقد امتازت جامعاتنا الفلسطينية تاريخيًا بكونها منارة  للعلم وللحياة الديمقراطية ولتنشئة أجيالاً تؤمن بحرية التعبير عن الرأي وتقبل الآخر وعدم إقصائه، بالإضافة إلى أنها شكّلت ميادين مواجهة مع الاحتلال في العديد من المحطات، سواء في الدفاع عن وحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني، وضد مشروع روابط القرى في مرحلة ما بعد خروج الثورة من لبنان عام 1982، أو في إفشال مشروع  الإدارة المدنية و في مواجهة الأمر العسكري 854 وغيرها من المعارك ضد الاحتلال.
لكنها وبعد تأسيس السلطة في العام 1994 وبدء تغلغل الأجهزة الأمنية في جامعاتنا، وتدخلها في الحياة الطلابية الجامعة وتأثيرها السلبي على المناخ الجامعي بفعل تشغيل مئات الطلبة كمخبرين للأجهزة الأمنية، والاعتقالات المتكررة لنشطاء في الحركة الطلابية ليسوا على مزاج السلطة والخط السياسي الذي تتبناه، مما أدى العديد من الشجارات والمشكلات داخل حرم الجامعات الفلسطينية، تراجع نضال الحركة الطلابية في القضايا المطلبية النقابية وفي القضايا الوطنية والديمقراطية، مما أتاح المجال أمام إدارات الجامعات للانقضاض على الكثير من منجزات الحركة الطلابية، كل ذلك كان في ظل اتفاق أوسلو الذي ظن البعض بأنه سيقودنا إلى دولة وإذا به يقودنا إلى جهنم (جرائم الاحتلال اليومية من قتل للشباب وسرقة الأرض الفلسطينية لصالح الاستيطان وتهويد القدس).
كما أن تدخل الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة حماس في قطاع غزة،  والعبث الذي تمارسه  في شؤون الجامعات في القطاع ومنع الانتخابات فيها وفي أنشطة الحركة الطلابية والتضييق على نشطائها واعتقالهم، قد ساهم إلى حد كبير في إفساد  الحياة الجامعية  وأبعدها عن تحقيق أهدافها.
إن الانقسام الفلسطيني الذي وقع قبل 15 عاما (زاد الطين بلّة)  بين سلطتين لا سلطة فعلية لهما على الأرض، واحدة في الضفة يتحكم الاحتلال يومياً بحياة السكان الذين من المفترض أنهم  يعيشوا تحت سلطتها،  ولا تضطلع  إلا بما يتعلق بالأمور الخدمة للسكان وبالحدود التي يسمح بها الاحتلال ، وأما الثانية في غزة حيث يشتد حصار الاحتلال الذي يتحكّم بحياة السكان في الأمور الصغيرة والكبيرة وبكل  ما له علاقة بالاعمار وبالمعابر،  وتعتمد معيشة السكان هناك في جزء كبير منها على الدعم الخارجي من قبل المؤسسات الدولية  والانسانبة  وعلى الحقيبة القطرية التي تدخل إلى قطاع غزة  بموافقة الاحتلال.
كما أن الانقسام ترك تأثيره المدمر أيضاً على تعطيل الحياة الديمقراطية في جميع جامعات قطاع غزة حيث تمنع الانتخابات لمجالس الطلبة فيها، وامتد ذلك لبعض جامعات الضفة كجامعة النجاح الوطنية، الأمر الذي لا يستوي مع الهدف الرئيسي من وجود الجامعات المتمثل بالإضافة إلى الجانب التربوي الأكاديمي، بتنشئة أجيال تؤمن وتمارس الديمقراطية بانتخاب ممثليها في مجالس الطلبة ، حتى تكون قادرة على انتخاب ممثليها السياسيين في مرحلة لاحقة.
الانقسام ليس فقط بآثاره السلبية المدمّرة، بل إن آثاره الاجتماعية والقيمية السلبية امتدت لتطال النسيج الاجتماعي وعلى الوحدة الميدانية في مواجهة الاحتلال، وعلى تنشئة الأجيال المقبلة التي من المفترض أنها ستضطلع مستقبل مواجهة الاحتلال وكنسه عن أرضنا،  وعلى الأخص في الجامعات الفلسطينية التي يعتبر الشباب فيها من أكثر القطاعات الجماهيرية تفاعلاً مع القضايا السياسية والمواقف بشأنها، وبالتالي فإن الخطاب الفئوي الذي تمارسه ويبثه طرفا الانقسام في الساحة الفلسطينية،  ترك ويترك أثاره السلبية المدمرة على الحياة الطلابية والأكاديمية والسياسية فيها. فلغة التشكيك والتخوين وكيل الاتهامات والحملات الإعلامية المتبادلة، من الطبيعي أنها  لن تجد متنفسًا لها وتعبيرًا عنها إلا بالاشتباك والشجار والاقتتال الداخلي بين الكتل التي تعتبر امتداداً تنظيميًا لطرفي الانقسام وبالتالي تعطيل الحياة الأكاديمية فيها، وهذا ما حصل فعلًا في جامعة النجاح في الأسبوع الأخير وقبلها في جامعة بيرزيت، والحبل سيكون على الجرّار إن لم يتم تدارك الأمور ووضع حد لهذا الانقسام عبر استعادة الوحدة الوطنية، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفئوية والأجندات الخارجية.■

أضف تعليق