فلسطين لا تستقرّ: تسابق بين التهدئة والتصعيد
هل باتت المواجهة العسكرية الشاملة بين إسرائيل وقطاع غزة مسألة وقت؟ سؤال فرض نفسه على طاولة التقدير أمس، بعد تبادل بيني لإطلاق النار: صاروخ «تحذيري» فلسطيني من القطاع ردّاً على اعتداءات الاحتلال في القدس، قابلته غارة إسرائيلية، «تحذيرية» هي الأخرى، على أهداف خالية جنوب غزة. قياساً على مواجهات الماضي، يُعدّ الإطلاق «التحذيري» من الجانبَين، ابتداءً وردّاً، الخطوة الأولى التي تعقبها المواجهة، وإن تدحرجاً. فهل تسري هذه القاعدة على الواقع الحالي؟ الإجابة غير قطعية؛ إذ إنّ احتمال التصعيد وارد، لكنّه في الوقت نفسه غير مرجَّح لاعتبارات عديدة لدى الجانبَين.
وفي ظلّ وجود خلافات على المقلبَين في تشخيص المصالح الآنية والأولويات، يبدو أنّ كلا الاتجاهَين غير منتفيَين: التوجّه نحو الحرب، أو الإبقاء على التهدئة. وعلى رغم أنّ العدو رجّح أن تكون حركة «الجهاد الإسلامي» هي التي أطلقت الصاروخ باتجاه مستوطنات غلاف غزة، إلّا أنه حمّل حركة «حماس» المسؤولية كونها الجهة المسيطرة على القطاع، فيما جاء ردّه تناسبياً بأن أغار على أهداف خالية تابعة للأخيرة.
إزاء ذلك، يمكن الإشارة إلى الآتي:
1-يبدو احتمالاً التصعيد والتهدئة شبه متساويَين. صحيح أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينت، أعلن إطلاق يد العسكر، إلّا أنّ تصريحه هذا يبدو مُوجّهاً إلى الداخل، ولا يعني، بحال من الأحوال، أنه أعطى الضوء الأخصر للمواجهة. وما يعزّز ذلك، هو أنه في الكيان، وعلى نقيض دول سويّة، المؤسسة العسكرية هي التي تلجم المستوى السياسي، خاصة في ظلّ وجود صاحب قرار غضّ سياسياً، كما هو حال نفتالي بينت. وإرادة العسكر، اليوم، هي منع الانجرار إلى الحرب، لأسباب يطول ذكرها.
2- كان ملفتاً إطلاق صاروخ دفاع جوّي من غزة باتّجاه طائرات سلاح الجوّ الإسرائيلي التي أغارت على أهداف في القطاع، ما أدى، بحسب الإعلام العبري، إلى إرباك الطائرات، ومن ثمّ انكفائها. ويُعدّ هذا الصاروخ ذا تأثير أبلغ وحضور أفعل من الصاروخ الاعتيادي الذي أُطلق باتجاه مستوطنات الغلاف، إذ إنه يشي بما ينتظر العدو في حال انزلاق الموقف نحو مواجهة شاملة.
3- في محاولة منه لتشتيت فصائل المقاومة وضعضعة موقفها، عمد العدو، عبر إعلامه، إلى اتّهام «الجهاد» بالمسؤولية عن إطلاق الصاروخ، فيما جهد في الحديث عن الخلاف بين «حماس» التي تعمل على منع التصعيد، خاصة أنها تخشى الجانب المصري وردّة فعله «العقابية»، وبين «الجهاد» المنفلتة من عوامل الكبح، والتي تسعى إلى تدفيع إسرائيل ثمن أفعالها في القدس. وعلى رغم أن هذا الحديث لا يخلو من وجه صحّة، إلّا أن الهدف منه بالدرجة الأولى تبرير الانكفاء أمام الجمهور، بعد قرار تل أبيب، الذي بات معلَناً، لجم نفسها عن دحرجة الأمور نحو مواجهة واسعة، الأمر الذي يبني عليه أيضاً الطرف الآخر، في ما يمثّل واحداً من أسباب اعتراض جزء واسع من الإسرائيليين على قرارات حكومتهم.
4- بطلبٍ من الإمارات وغيرها، وفي موازاة اصطفاف أبو ظبي مع تل أبيب ضدّ القضية الفلسطينية، يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة مغلقة، من دون حضور مندوبي السلطة الفلسطينية وإسرائيل، للتباحث في «التوتر الأخير» في القدس. وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن الجلسة ستنتهي بلا نتائج، أو ربّما تخرج ببيان مقتضب يدعو إلى ضبط النفس، لكن في كلّ الأحوال، ستظلّ، وفق حديث المصادر الإسرائيلية إلى الإعلام العبري، لزوم ما لا يلزم، وخارج حسابات القدس، وهو تقدير لا يخلو من الصحة، بل قد يكون الأرجح.
5- كان ملفتاً أيضاً السجال العلني بين عمّان وتل أبيب، على خلفية الموقف الأردني من الاعتداءات الإسرائيلية في الحرم القدسي، بعد أن شجبت المملكة، رسمياً، الإجراءات الإسرائيلية، مستدعيةً نائب السفير الإسرائيلي في عمّان للإعراب عن موقفها هذا. والظاهر أن خطوات الأردن، الذي يديره الملك من ألمانيا حيث يقيم الآن، نابعة من ضغوط داخلية عبّرت عن نفسها في حالة غضب لدى عامّة الأردنيين، وفي البرلمان أيضاً، عبر عرائض وقّع عليها عدد كبير من أعضائه، دعت إلى طرد السفير الإسرائيلي من المملكة. إلّا أنّ إسرائيل استوعبت التصعيد الكلامي من الحليف الأقرب إليها، وصعّدت بدورها ردودها الكلامية، مع التأكيد أن ثمّة حدّاً لا يمكن الأردن تجاوزُه.
بالنتيجة، تنتظر الواقع الفلسطيني حالةٌ ما بين التصعيد والتهدئة، هي بذاتها واحدة من سمات هذه المرحلة التي شخّصتها الاستخبارات الإسرائيلية على أنها «حرجة جدّاً»، مرجّحةً أن تستمرّ إلى ما بعد شهر رمضان والمناسبات اليهودية المتزامنة معه. إلّا أن تلك الحالة تحمل أيضاً فتيلاً تفجيرياً، قد يشعل الواقع ويدفعه نحو المواجهة، على رغم إرادة التهدئة واللاتصعيد لدى معظم أطرافه.■
وفي ظلّ وجود خلافات على المقلبَين في تشخيص المصالح الآنية والأولويات، يبدو أنّ كلا الاتجاهَين غير منتفيَين: التوجّه نحو الحرب، أو الإبقاء على التهدئة. وعلى رغم أنّ العدو رجّح أن تكون حركة «الجهاد الإسلامي» هي التي أطلقت الصاروخ باتجاه مستوطنات غلاف غزة، إلّا أنه حمّل حركة «حماس» المسؤولية كونها الجهة المسيطرة على القطاع، فيما جاء ردّه تناسبياً بأن أغار على أهداف خالية تابعة للأخيرة.
إزاء ذلك، يمكن الإشارة إلى الآتي:
1-يبدو احتمالاً التصعيد والتهدئة شبه متساويَين. صحيح أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينت، أعلن إطلاق يد العسكر، إلّا أنّ تصريحه هذا يبدو مُوجّهاً إلى الداخل، ولا يعني، بحال من الأحوال، أنه أعطى الضوء الأخصر للمواجهة. وما يعزّز ذلك، هو أنه في الكيان، وعلى نقيض دول سويّة، المؤسسة العسكرية هي التي تلجم المستوى السياسي، خاصة في ظلّ وجود صاحب قرار غضّ سياسياً، كما هو حال نفتالي بينت. وإرادة العسكر، اليوم، هي منع الانجرار إلى الحرب، لأسباب يطول ذكرها.
2- كان ملفتاً إطلاق صاروخ دفاع جوّي من غزة باتّجاه طائرات سلاح الجوّ الإسرائيلي التي أغارت على أهداف في القطاع، ما أدى، بحسب الإعلام العبري، إلى إرباك الطائرات، ومن ثمّ انكفائها. ويُعدّ هذا الصاروخ ذا تأثير أبلغ وحضور أفعل من الصاروخ الاعتيادي الذي أُطلق باتجاه مستوطنات الغلاف، إذ إنه يشي بما ينتظر العدو في حال انزلاق الموقف نحو مواجهة شاملة.
3- في محاولة منه لتشتيت فصائل المقاومة وضعضعة موقفها، عمد العدو، عبر إعلامه، إلى اتّهام «الجهاد» بالمسؤولية عن إطلاق الصاروخ، فيما جهد في الحديث عن الخلاف بين «حماس» التي تعمل على منع التصعيد، خاصة أنها تخشى الجانب المصري وردّة فعله «العقابية»، وبين «الجهاد» المنفلتة من عوامل الكبح، والتي تسعى إلى تدفيع إسرائيل ثمن أفعالها في القدس. وعلى رغم أن هذا الحديث لا يخلو من وجه صحّة، إلّا أن الهدف منه بالدرجة الأولى تبرير الانكفاء أمام الجمهور، بعد قرار تل أبيب، الذي بات معلَناً، لجم نفسها عن دحرجة الأمور نحو مواجهة واسعة، الأمر الذي يبني عليه أيضاً الطرف الآخر، في ما يمثّل واحداً من أسباب اعتراض جزء واسع من الإسرائيليين على قرارات حكومتهم.
4- بطلبٍ من الإمارات وغيرها، وفي موازاة اصطفاف أبو ظبي مع تل أبيب ضدّ القضية الفلسطينية، يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة مغلقة، من دون حضور مندوبي السلطة الفلسطينية وإسرائيل، للتباحث في «التوتر الأخير» في القدس. وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن الجلسة ستنتهي بلا نتائج، أو ربّما تخرج ببيان مقتضب يدعو إلى ضبط النفس، لكن في كلّ الأحوال، ستظلّ، وفق حديث المصادر الإسرائيلية إلى الإعلام العبري، لزوم ما لا يلزم، وخارج حسابات القدس، وهو تقدير لا يخلو من الصحة، بل قد يكون الأرجح.
5- كان ملفتاً أيضاً السجال العلني بين عمّان وتل أبيب، على خلفية الموقف الأردني من الاعتداءات الإسرائيلية في الحرم القدسي، بعد أن شجبت المملكة، رسمياً، الإجراءات الإسرائيلية، مستدعيةً نائب السفير الإسرائيلي في عمّان للإعراب عن موقفها هذا. والظاهر أن خطوات الأردن، الذي يديره الملك من ألمانيا حيث يقيم الآن، نابعة من ضغوط داخلية عبّرت عن نفسها في حالة غضب لدى عامّة الأردنيين، وفي البرلمان أيضاً، عبر عرائض وقّع عليها عدد كبير من أعضائه، دعت إلى طرد السفير الإسرائيلي من المملكة. إلّا أنّ إسرائيل استوعبت التصعيد الكلامي من الحليف الأقرب إليها، وصعّدت بدورها ردودها الكلامية، مع التأكيد أن ثمّة حدّاً لا يمكن الأردن تجاوزُه.
بالنتيجة، تنتظر الواقع الفلسطيني حالةٌ ما بين التصعيد والتهدئة، هي بذاتها واحدة من سمات هذه المرحلة التي شخّصتها الاستخبارات الإسرائيلية على أنها «حرجة جدّاً»، مرجّحةً أن تستمرّ إلى ما بعد شهر رمضان والمناسبات اليهودية المتزامنة معه. إلّا أن تلك الحالة تحمل أيضاً فتيلاً تفجيرياً، قد يشعل الواقع ويدفعه نحو المواجهة، على رغم إرادة التهدئة واللاتصعيد لدى معظم أطرافه.■
أضف تعليق