إردوغان يتاجر بالتاريخ!
لم تنتهِ زيارة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، إلى تركيا، مع عودته إلى بلاده. فالزيارة التي تميّزت بحفاوة ظاهرة في الشكل، كما في المضمون، يحاول الطرفان أن يجعلا منها نقطة تحوّل في العلاقات بينهما، تطوي إلى الأبد «إشكال» دافوس عام 2009، لتعود تركيا بالكامل إلى ما كانت عليه قبل الواقعة، في ما يشبه «إعادة تصفير» للعلاقات وفتح صفحة جديدة، بعدما استفاد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، كثيراً من واقعة «وان مينيت» ضدّ نظيره الإسرائيلي، شمعون بيريز، في دافوس، واستثمر فيها داخلياً وخارجياً. ويَعتبر الكاتب المعروف، طه آقيول، أن إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تُعدُّ خطوة مهمّة على طريق عودة تركيا إلى محورها «الطبيعي». فإردوغان لم يكتفِ، بحسب آقيول، باقتراح نقل الغاز الإسرائيلي عبر تركيا إلى أوروبا، بل طرح فكرة «التعاون مع إسرائيل» للتنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط.
وفي سياق التطبيع الكامل أيضاً، تحدّثت وسائل الإعلام التركية، كما الإسرائيلية، عن اتفاق إردوغان وهرتسوغ، خلال لقائهما، على أن تبادر تركيا إلى تقديم هدية لإسرائيل، هي عبارة عن نقش حجري يعود إلى عام 2700 قبل الميلاد، في مقابل أن تستعيد الأولى نقشاً خاصاً بالسلطان سليمان القانوني، وهو نبأ وقع موقع القنبلة في تركيا. والنقش المشار إليه مكتوب باللغة العبرية، ويُعرف باسم «نقش سلوان»، ويتحدّث عن كيفية حلّ مشكلة المياه في محلّة سلوان في القسم الجنوبي من القدس، والتي يسمّيها اليهود مدينة داود، وقد خُطّت عليه ستّة أسطر، جاء فيها: «...الحفر. كيف تمّ الحفر. حفر أكثر/ في الاتجاه نفسه وبالتقابل. سمعت الأصوات ولمّا يتبقى لاستكمال حفر القناة سوى ثلاثة اندازه (وحدة قياس طول فارسية تبلغ 65 سم)/ هذه الأصوات هي صوت الذين يتبادلون الصراخ. لأن هناك النفق الذي وحّدهما من الشمال والجنوب. وفي ذلك اليوم/ تم افتتاح القناة وعلى جانبَي القناة التي افتتحت تلاقى العمال والحفارون/ والمياه تدفّقت إلى الحوض على امتداد ألف اندازه/ وكان ارتفاع الصخرة التي ظهرت فوقها رؤوس العمال مئة اندازه».
وقد اكتشف الألمان هذا النقش عام 1880 عندما كانوا يحاولون حفر نفق في المكان، وأرادوا أن يأخذوه إلى ألمانيا، لكن متصرّف مدينة القدس، إبراهيم حقي باشا، الذي كان يتبع مباشرة للسلطان، رفض ذلك، وأبلغ العاصمة اسطنبول بالوضع، فما كان من إبراهيم حمدي بك، مؤسّس متحف اسطنبول، إلّا أن أتى بالنقش إلى المتحف في العام المذكور. وبعد احتلال فلسطين وتأسيس الكيان العبري عام 1948، اعتبر الإسرائيليون «نقش سلوان» أهمّ قطعة أثرية عبرية في العالم، وعملوا على استرجاعها أكثر من مرّة من دون جدوى. وقد بلغ عدد تلك المحاولات ثلاثاً: الأولى عام 1998 في عهد رئيس الوزراء مسعود يلماز الذي كان ثاني رئيس حكومة يزور إسرائيل بعد طانسو تشيللر؛ والثانية عام 2007 عندما كان عبد الله غول رئيساً للجمهورية، وقد اقترح عليه نظيره الإسرائيلي، شمعون بيريز، أثناء زيارته إلى تركيا استعادة النقش؛ والثالثة كانت أثناء زيارة وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغيف، لحضور مباراة في كرة السلة لفريق إسرائيلي عام 2017، حيث اقترحت ريغيف على فاطمة شاهين، رئيسة بلدية غازي عينتاب، الحصول على النقش في مقابل أن تهدي إسرائيل حديقة حيوانات غازي عينتاب اثنين من الفيَلة، بعدما ذكرت شاهين أن في الحديقة فيلاً واحداً.
ويقول محمد توتونجي، رئيس مركز أبحاث تركيا والعالم العربي في هولندا، إنه يوجد في مستودع المتحف الإسرائيلي نقش حجري تاريخي عائد للسلطان سليمان القانوني، وقد تباحث هرتسوغ وإردوغان واتّفقا على تبادل النقشَين. ونقشُ سليمان القانوني كان على لوحة حجرية عند مدخل باب مدينة يافا، ويُشير إلى أنّ السلطان القانوني هو «حاكم العالم وخادم القدس وخليفة المسلمين»، وهو أوّل أثر يعلن فيه القانوني نفسه خليفة المسلمين. واكتُشف النقش الذي كُتب عام 1533، في عام 1898، أثناء زيارة القيصر الألماني، فيلهلم، إلى القدس، وهدْم أحد أسوارها. ويوضح توتونجي أن الدول لا تعيد آثاراً إلى الدول الأخرى، إلّا في حال كانت مهرّبة أو مسروقة، وإلّا فإنه سيكون للجميع أن يطالب بآثار موجودة لدى الآخرين بحجّة أنها تعود إلى أرض هي اليوم ضمن سيادته. ولذلك، يحذّر توتونجي من أنه ستترتّب على إعادة «نقش سلوان» آثار خطيرة، كأن يطالب لبنان - مثلاً - باستعادة ناووس الإسكندر المقدوني الذي جاء به من بيروت عثمان حمدي بك، ويُعتبر من أهمّ آثار المتحف الأركيولوجي في اسطنبول، وكذا أن يطالب العراق بألواح آشورية. بتعبير آخر، سيفتح تقديم «نقش سلوان» لإسرائيل «صندوق باندورا» لمطالبة دول أخرى بآثار لها في متاحف تركيا. ويلفت توتونجى إلى أن ولايات بيروت والقدس والجزيرة العربية لم تكن مستعمرات لتركيا، بل كانت جزءاً من أراضي الدولة العثمانية، والمجيء بآثار من أماكن مختلفة فيها إلى إسطنبول كان أمراً طبيعياً. ولذا، فإن التخلّي عن «نقش سلوان» ليس «إعادة»، بل يمكن وضعه، في ما لو حصل، في إطار «الوهب». وفي جميع الأحوال، على وزارة الخارجية التركية أن تصدر بياناً توضيحياً تفنّد فيه ما حصل.
لكن التوضيح جاء لاحقاً من وزارة الثقافة والسياحة، والتي أعلن مسؤول فيها أن النقش الذي اكتُشف عام 1880، نُقل، عام 1882، إلى متحف الدولة الهمايوني الذي تأسّس في ذلك العام، ومُنح رقماً خاصاً به، وبالتالي أصبح ملك الدولة ولم يَعُد ممكناً قانوناً نقله إلى أيّ مكان آخر، و«كلّ كلام غير ذلك مجرّد افتراءات».
وفي سياق التطبيع الكامل أيضاً، تحدّثت وسائل الإعلام التركية، كما الإسرائيلية، عن اتفاق إردوغان وهرتسوغ، خلال لقائهما، على أن تبادر تركيا إلى تقديم هدية لإسرائيل، هي عبارة عن نقش حجري يعود إلى عام 2700 قبل الميلاد، في مقابل أن تستعيد الأولى نقشاً خاصاً بالسلطان سليمان القانوني، وهو نبأ وقع موقع القنبلة في تركيا. والنقش المشار إليه مكتوب باللغة العبرية، ويُعرف باسم «نقش سلوان»، ويتحدّث عن كيفية حلّ مشكلة المياه في محلّة سلوان في القسم الجنوبي من القدس، والتي يسمّيها اليهود مدينة داود، وقد خُطّت عليه ستّة أسطر، جاء فيها: «...الحفر. كيف تمّ الحفر. حفر أكثر/ في الاتجاه نفسه وبالتقابل. سمعت الأصوات ولمّا يتبقى لاستكمال حفر القناة سوى ثلاثة اندازه (وحدة قياس طول فارسية تبلغ 65 سم)/ هذه الأصوات هي صوت الذين يتبادلون الصراخ. لأن هناك النفق الذي وحّدهما من الشمال والجنوب. وفي ذلك اليوم/ تم افتتاح القناة وعلى جانبَي القناة التي افتتحت تلاقى العمال والحفارون/ والمياه تدفّقت إلى الحوض على امتداد ألف اندازه/ وكان ارتفاع الصخرة التي ظهرت فوقها رؤوس العمال مئة اندازه».
وقد اكتشف الألمان هذا النقش عام 1880 عندما كانوا يحاولون حفر نفق في المكان، وأرادوا أن يأخذوه إلى ألمانيا، لكن متصرّف مدينة القدس، إبراهيم حقي باشا، الذي كان يتبع مباشرة للسلطان، رفض ذلك، وأبلغ العاصمة اسطنبول بالوضع، فما كان من إبراهيم حمدي بك، مؤسّس متحف اسطنبول، إلّا أن أتى بالنقش إلى المتحف في العام المذكور. وبعد احتلال فلسطين وتأسيس الكيان العبري عام 1948، اعتبر الإسرائيليون «نقش سلوان» أهمّ قطعة أثرية عبرية في العالم، وعملوا على استرجاعها أكثر من مرّة من دون جدوى. وقد بلغ عدد تلك المحاولات ثلاثاً: الأولى عام 1998 في عهد رئيس الوزراء مسعود يلماز الذي كان ثاني رئيس حكومة يزور إسرائيل بعد طانسو تشيللر؛ والثانية عام 2007 عندما كان عبد الله غول رئيساً للجمهورية، وقد اقترح عليه نظيره الإسرائيلي، شمعون بيريز، أثناء زيارته إلى تركيا استعادة النقش؛ والثالثة كانت أثناء زيارة وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغيف، لحضور مباراة في كرة السلة لفريق إسرائيلي عام 2017، حيث اقترحت ريغيف على فاطمة شاهين، رئيسة بلدية غازي عينتاب، الحصول على النقش في مقابل أن تهدي إسرائيل حديقة حيوانات غازي عينتاب اثنين من الفيَلة، بعدما ذكرت شاهين أن في الحديقة فيلاً واحداً.
ويقول محمد توتونجي، رئيس مركز أبحاث تركيا والعالم العربي في هولندا، إنه يوجد في مستودع المتحف الإسرائيلي نقش حجري تاريخي عائد للسلطان سليمان القانوني، وقد تباحث هرتسوغ وإردوغان واتّفقا على تبادل النقشَين. ونقشُ سليمان القانوني كان على لوحة حجرية عند مدخل باب مدينة يافا، ويُشير إلى أنّ السلطان القانوني هو «حاكم العالم وخادم القدس وخليفة المسلمين»، وهو أوّل أثر يعلن فيه القانوني نفسه خليفة المسلمين. واكتُشف النقش الذي كُتب عام 1533، في عام 1898، أثناء زيارة القيصر الألماني، فيلهلم، إلى القدس، وهدْم أحد أسوارها. ويوضح توتونجي أن الدول لا تعيد آثاراً إلى الدول الأخرى، إلّا في حال كانت مهرّبة أو مسروقة، وإلّا فإنه سيكون للجميع أن يطالب بآثار موجودة لدى الآخرين بحجّة أنها تعود إلى أرض هي اليوم ضمن سيادته. ولذلك، يحذّر توتونجي من أنه ستترتّب على إعادة «نقش سلوان» آثار خطيرة، كأن يطالب لبنان - مثلاً - باستعادة ناووس الإسكندر المقدوني الذي جاء به من بيروت عثمان حمدي بك، ويُعتبر من أهمّ آثار المتحف الأركيولوجي في اسطنبول، وكذا أن يطالب العراق بألواح آشورية. بتعبير آخر، سيفتح تقديم «نقش سلوان» لإسرائيل «صندوق باندورا» لمطالبة دول أخرى بآثار لها في متاحف تركيا. ويلفت توتونجى إلى أن ولايات بيروت والقدس والجزيرة العربية لم تكن مستعمرات لتركيا، بل كانت جزءاً من أراضي الدولة العثمانية، والمجيء بآثار من أماكن مختلفة فيها إلى إسطنبول كان أمراً طبيعياً. ولذا، فإن التخلّي عن «نقش سلوان» ليس «إعادة»، بل يمكن وضعه، في ما لو حصل، في إطار «الوهب». وفي جميع الأحوال، على وزارة الخارجية التركية أن تصدر بياناً توضيحياً تفنّد فيه ما حصل.
لكن التوضيح جاء لاحقاً من وزارة الثقافة والسياحة، والتي أعلن مسؤول فيها أن النقش الذي اكتُشف عام 1880، نُقل، عام 1882، إلى متحف الدولة الهمايوني الذي تأسّس في ذلك العام، ومُنح رقماً خاصاً به، وبالتالي أصبح ملك الدولة ولم يَعُد ممكناً قانوناً نقله إلى أيّ مكان آخر، و«كلّ كلام غير ذلك مجرّد افتراءات».
أضف تعليق