عن دورة «المركزي» والشرعية.. والشرعية البديلة
■ ككل مرة ينعقد فيها المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية (أو المجلس الوطني) تلقى نتائجه ردود فعل متباينة، بين مرحب، وبين منتقد ومعارض. وهكذا كان مع نتائج الدورة (31) للمجلس المركزي، وقد طغت على ردود الفعل حالة المعارضة الصاخبة، كان أبرزها البيان الثلاثي لحركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في رفض الاعتراف بما سمي «شرعية الهيئات» التي أنتجها المجلس، وهي هيئة رئاسة المجلس الوطني الجديدة، بعد استقالة الأخ سليم الزعنون، ونائبه الأب قرمش، وأمين السر محمد صبح، وقد غادرنا شهيداً في وقت سابق نائب رئيس المجلس تيسير قبعة. كما استكمل المجلس عضوية اللجنة التنفيذية، فحل حسين الشيخ محل الراحل صائب عريقات، ومحمد مصطفى محل حنان عشراوي التي سبق وأن قدمت استقالتها، كما حل رمزي رباح ممثلاً للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بدلاً من تيسير خالد في إطار ترتيبات خاصة بالجبهة.
وفي هذا السياق يمكن لنا أن نقول التالي:
1) جاءت قرارات المجلس المركزي لتشكل خطوة متقدمة على قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الأخيرة (2018) فقد حسم «المركزي» الأمر حين «قرر» ولم (يكتفِ بالدعوة إلى) إنهاء العمل بكل الاتفاقيات المعقودة مع دولة الاحتلال، وردت مفصلة في البيان الختامي، بما في ذلك الانتقال إلى الإجراءات السياسية والدبلوماسية والإدارية والتنظيمية، لاستكمال بناء الأسس لقيام دولة فلسطين على كامل التراب الوطني الفلسطيني على حدود 4حزيران67، وعاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 بما يكفل لهم حق العودة واستعادة أملاكهم في فلسطين (مناطق الـ48) وكان واضحا،ً أن المجلس أضاف إلى كل هذه الخطوة المهمة، قراراً بالبدء ببسط سيادة الدولة الفلسطينية على كامل أراضيها، ما يعني الانتقال إلى مرحلة جديدة من الاشتباك مع الاحتلال، فبموجب هذا القرار، يعتبر كل وجود إسرائيلي، أياً كان شكله، عسكرياً، أم استيطانياً، عدواناً على سيادة الدولة، يتوجب على أجهزة الدولة الفلسطينية عسكرية وسياسية ومدنية وكل بموجب اختصاصه وواجباته، وكذلك على عموم الشعب وقواه المجتمعية والسياسية رد هذا العدوان والتصدي له.
كما أن من إيجابيات هذه الدورة أنها استبعدت «الرباعية الدولية» مرجعية للعملية التفاوضية التي ستكون معنية بوضع آليات لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، في العودة وتقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، كما أسقط المجلس من حساباته الرهان على الدور الأميركي، الذي أثبتت التجربة أن إدارة بايدن لم تتراجع خطوة واحدة عن سياسة ترامب إزاء القضية الفلسطينية لا بشأن القدس، ولا بشأن مفوضية م.ت.ف، ولا بشأن المساعدات ولا بشأن قضية اللاجئين...
ولعل البعض تجاهل أن «المركزي» لم يجدد «شرعية» الرئيس محمود عباس، رئيساً للسلطة وللدولة الفلسطينية، بل أكد بدلا من ذلك على ضرورة الدعوة للانتخابات العامة، الرئاسية والتشريعية (للسلطة ولمنظمة التحرير) بموجب التمثيل النسبي الكامل، ما يضمن توحيد الحالة الوطنية بكل أطيافها في المؤسسة الوطنية. كما أقر ضرورة مواصلة الحوار الوطني مع كافة الأطراف، حتى لا يكون المركزي في دورته هذه هو نهاية المطاف، خاصة بعد غياب عدد من فصائل م.ت.ف كالمبادرة الوطنية والجبهة الشعبية، وانسحاب حزب الشعب الفلسطيني.
هذه الإيجابيات، كما هي واردة في البيان الختامي للمجلس المركزي [دون تجاهل بعض النواقص والثغرات التي سنأتي عليها في مقالة أخرى] تكفي لتكون سبباً ملحاً لانعقاد الدورة، في ظل أوضاع عربية وإقليمية وحتى دولية [وبالطبع فلسطينية] شديدة التعقيد لا مجال الآن للخوض في تفاصيلها.
2) صدرت بالمقابل ردود فعل سلبية على دورة المجلس، (ولا أقوى على نتائجها). ولعل أبرز ردود الفعل، كان البيان الثلاثي آنف الذكر، لحركتي حماس والجهاد والجبهة الشعبية. إذ خلا البيان من السياسة، ولم يخض أي نقاش مع قرارات دورة المجلس، بل اكتفى بشعار واحد وحيد يقول «لا للعودة إلى أوسلو».
علماً أن بيان «المركزي» لم يقف عند «أوسلو» فحسب، بل أسقط كافة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، أوسلو وغير أوسلو [بروتوكول باريس، بروتوكول الخليل، اتفاق دايتون وغيرها مما يجب استعادته وإلغاؤه بموجب قرار «المركزي»].
الموقف المحوري في البيان الثلاثي هو عدم «الاعتراف بشرعية الهيئات التي أنتجها المركزي». وهكذا نصب البيان الثلاثي نفسه محل المحكمة الدستورية، أو محل لجنة الرقابة والقضاء البرلمانية للمجلس الوطني الفلسطيني، وأفتى بما أفتى به. دون أن يقدم ما يسند فتواه سوى أن أطرافاً في م.ت.ف قد قاطعت أعمال الدورة. وبالتالي فإن الذين حضروا الدورة، وبموجب هذه الفتوى لا يملكون شرعية القرار ولا شرعية الانتخاب، وأن الشرعية لا تكون إلا بحضور المقاطعين. علماً أن الأطراف الثلاثة التي وقعت البيان، وإن كانت التقت على شعار «لاشرعية للهيئات المنتخبة»، إلا أن لكل طرف منها خلفيته وأهدافه في رسم الشعار.
• حركة الجهاد الإسلامي، حركة غير عضو في م.ت.ف، ولا تعتبر نفسها معنية بكل العمليات السياسية الخاصة بالمنظمة، كالانتخابات التشريعية والرئاسية، والمجلس الوطني والبلديات ومؤخراً أفصحت قيادتها عن موقف واضح من م.ت.ف، رسم مسافة بين قيادة الحركة والمنظمة. وبالتالي، وهذا طبيعي، ألا ترى حركة الجهاد في القيادة الفلسطينية وهيئات م.ت.ف ما يعبر عن سياستها وبرنامجها. وهذا ليس بجديد.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. سبق وأن شنت حملة على دعوة للمركزي، وكذلك على الجبهة الديمقراطية واتهمتها بأنها تغلب مصالحها الفئوية والحزبية الضيقة على المصالح الوطنية، في إشارة إلى مطلب الجبهة الديمقراطية بأن تكون ممثلة في هيئة رئاسة المجلس الوطني، جنباً إلى جنب مع حركة فتح ومع الجبهة الشعبية. ورغم أن الجبهة الديمقراطية أكدت أنها لا تشكل بديلاً للجبهة الشعبية ولا لغيرها، ولا تبحث لها عن دور مستغلة غياب الجبهة الشعبية، وأنها تتقدم إلى الأمام لاحتلال موقع متقدم في م.ت.ف كحق أصيل ونضالي من حقوقها، إلا أن الجبهة الشعبية ظلت تنظر إلى الجبهة الديمقراطية على أنها منافسها في منصب نائب رئيس المجلس الوطني.
كان يمكن للجبهة الشعبية أن تشارك في «المركزي»، وأن تستعيد المنصب الذي كان يشغله الراحل تيسير قبعة. وكان يمكن للجبهة الشعبية أن تشارك في «المركزي» وأن تشارك في لجنة صياغة البيان الختامي، وأن تشكل مع الجبهة الديمقراطية فريقاً يلتقي عند الكثير من المواقف. وكان يمكن للجبهة الشعبية أن تشارك في «المركزي» وأن تستعيد موقعها في اللجنة التنفيذية وأن تعزز دور القوي المعارضة في هذه الهيئة. وكان يمكن للجبهة الشعبية أن تشارك في دورة «المركزي» وأن تعفي نفسها من فتح جبهة خصام مع الجبهة الديمقراطية. غير أن هذا كله – للأسف- لم يحدث، وبالتالي اتسع الانقسام، فالتقت الجبهة الشعبية مع حركة حماس، ليس فقط في الموقف من م.ت.ف، بل وكذلك من شرعية م.ت.ف وشرعية هيئات م.ت.ف، ولا يفيد هنا كثيراً القول، وتكرار القول، وتأكيد القول، بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية إن كنا نقاطع مؤسساتها. فهذه هي منظمة التحرير الفلسطينية بعجرها وبجرها، بحلوها ومرها، بإيجابياتها وسلبياتها، وليس هناك منظمة تحرير أخرى، كاملة الأوصاف، لا وجود لها إلا في الخيال، ومن يطلب م.ت.ف، كاملة الأوصاف، فليقتحم مؤسسات المنظمة، وليتحمل مسؤولياته الوطنية والسياسية ويناضل من داخل المنظمة ومن خارجها في إصلاحها. ولا يفيد الشكوى، وحدها في هذا الميدان. فالميدان مفتوح، وما على أصحاب البرامج الإصلاحية الجذرية، إلا أن يقتحموه. فالقتال بالنظارات لا يفيد. والقصف المدفعي لا يحرر أرضاً. لا يحررها إلا التقدم على الأرض في صفوف منتظمة.
• استبقت حركة حماس دورة المجلس المركزي بسلسلة تصريحات للناطق باسمها حازم قاسم، ولعدد من أعضاء مكتبها السياسي، أسقطت اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني. قالت التصريحات بوضوح إن م.ت.ف لم تعد تمثل الشعب الفلسطيني ولا حتى جزءاً منه. يمكن الادعاء إن تصريح حازم قاسم شكل إنزلاقاً لفظياً. لكن تكراره على لسان أكثر من عضو في المكتب السياسي للحركة يؤكد أن هناك تحولاً في رؤية الحركة لمنظمة التحرير. وأن هذا التحول يندرج في سياق سياسي جديد لدى الحركة؛ يريد أن يمهد الطريق، ليس فقط للطعن في شرعية م.ت.ف وتمثيلها للشعب الفلسطيني بل وكذلك للتقدم نحو «ملء الفراغ» بممثل بديل.
قد يقال بداية إن «البندقية ولا شيء سوى البندقية ممثل للشعب»، ثم يتطور نحو صيغة أبعد، كالصيغة التي صدرت يوم 9/2/2022 في بيان «لفصائل المقاومة في غزة» لا يعترف بشرعية قرارات المجلس والهيئات التي انتخبها. وفي هذا السياق لم يعد سراً القول إن حماس بصدد التمهيد كترتيب «مجلس وطني فلسطيني» بديل للمجلس الوطني لمنظمة التحرير، ينتخب هيئات بديلة لهيئات منظمة التحرير الشرعية، يضفي صفة «الشرعية» على حكومة حماس في قطاع غزة، وينزع الشرعية عن المنظمة الحالية وعن حكومة السلطة في الضفة الفلسطينية، ويجعل من مكاتبها في بعض الدول الإسلامية (وغيرها ربما) سفارات بديلة لسفارات دولة فلسطين.
فحماس، منذ نشأتها، وهي تقدم نفسها بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية. حتى قبل ولادة اتفاق أوسلو. فقد رفضت الانطواء تحت راية «القيادة الوطنية الموحدة» للانتفاضة الأولى، وشكلت لنفسها إطاراً خاصاً، كثيراً ما كاد أن يحدث فتنة في الصف الوطني.
ورفضت صيغة حكومة الوحدة الوطنية عام 2007 وانقلبت عليها في 14/6/2007. ورفضت حكومة الوحدة الوطنية تطبيقاً لاتفاق الشاطئ، وأسقطتها، وشكلت لجانها الحكومية بديلاً للوزارات. ورفضت الاعتراف بحل المجلس التشريعي وشكلت لنفسها مجلساً تشريعياً بديلاً. ولولا ضغوط موسكو وقطر وأنقرة، لما قبلت حماس بالمشاركة في الانتخابات «بالتتالي والترابط» وتخلت عن شرط «التلازم». فضلاً عن أنها تعطل على الدوام انتخاب البلديات والهيئات الإدارية للاتحادات الشعبية في القطاع. وآخر ما قامت به حركة حماس أن وجه مجلسها التشريعي الذي اختطفت عبره عنوان المجلس التشريعي الفلسطيني المنحل، رسالة إلى كل من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي، رسالة رفض فيها الاعتراف بشرعية هيئات م .ت .ف، ويقدم نفسه ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني مدعيا أنه منتخب منذ العام 2006.
ويهمني هنا أن أهمس في أذن رفاقي في الجبهة الشعبية، وأقول لهم إن توقيعهم على البيان الثلاثي في رفض الاعتراف بشرعية الهيئات المنتخبة في دورة المركزي، إنما يصب في خدمة سياسة حماس، التي لم تعد مجرد انقساماً، بل باتت تمهد لقيام كيان سياسي بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية بكل ما سوف يجره هذا على الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه وكيانيته السياسية من ويلات خطيرة.
عندها سيتبدى واضحاً من هو الطرف الذي هرول وراء مصالحه الفئوية والحزبية الضيقة، وغلبها على مصالح شعبه وحقوقه الوطنية.■
وفي هذا السياق يمكن لنا أن نقول التالي:
1) جاءت قرارات المجلس المركزي لتشكل خطوة متقدمة على قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الأخيرة (2018) فقد حسم «المركزي» الأمر حين «قرر» ولم (يكتفِ بالدعوة إلى) إنهاء العمل بكل الاتفاقيات المعقودة مع دولة الاحتلال، وردت مفصلة في البيان الختامي، بما في ذلك الانتقال إلى الإجراءات السياسية والدبلوماسية والإدارية والتنظيمية، لاستكمال بناء الأسس لقيام دولة فلسطين على كامل التراب الوطني الفلسطيني على حدود 4حزيران67، وعاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 بما يكفل لهم حق العودة واستعادة أملاكهم في فلسطين (مناطق الـ48) وكان واضحا،ً أن المجلس أضاف إلى كل هذه الخطوة المهمة، قراراً بالبدء ببسط سيادة الدولة الفلسطينية على كامل أراضيها، ما يعني الانتقال إلى مرحلة جديدة من الاشتباك مع الاحتلال، فبموجب هذا القرار، يعتبر كل وجود إسرائيلي، أياً كان شكله، عسكرياً، أم استيطانياً، عدواناً على سيادة الدولة، يتوجب على أجهزة الدولة الفلسطينية عسكرية وسياسية ومدنية وكل بموجب اختصاصه وواجباته، وكذلك على عموم الشعب وقواه المجتمعية والسياسية رد هذا العدوان والتصدي له.
كما أن من إيجابيات هذه الدورة أنها استبعدت «الرباعية الدولية» مرجعية للعملية التفاوضية التي ستكون معنية بوضع آليات لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، في العودة وتقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، كما أسقط المجلس من حساباته الرهان على الدور الأميركي، الذي أثبتت التجربة أن إدارة بايدن لم تتراجع خطوة واحدة عن سياسة ترامب إزاء القضية الفلسطينية لا بشأن القدس، ولا بشأن مفوضية م.ت.ف، ولا بشأن المساعدات ولا بشأن قضية اللاجئين...
ولعل البعض تجاهل أن «المركزي» لم يجدد «شرعية» الرئيس محمود عباس، رئيساً للسلطة وللدولة الفلسطينية، بل أكد بدلا من ذلك على ضرورة الدعوة للانتخابات العامة، الرئاسية والتشريعية (للسلطة ولمنظمة التحرير) بموجب التمثيل النسبي الكامل، ما يضمن توحيد الحالة الوطنية بكل أطيافها في المؤسسة الوطنية. كما أقر ضرورة مواصلة الحوار الوطني مع كافة الأطراف، حتى لا يكون المركزي في دورته هذه هو نهاية المطاف، خاصة بعد غياب عدد من فصائل م.ت.ف كالمبادرة الوطنية والجبهة الشعبية، وانسحاب حزب الشعب الفلسطيني.
هذه الإيجابيات، كما هي واردة في البيان الختامي للمجلس المركزي [دون تجاهل بعض النواقص والثغرات التي سنأتي عليها في مقالة أخرى] تكفي لتكون سبباً ملحاً لانعقاد الدورة، في ظل أوضاع عربية وإقليمية وحتى دولية [وبالطبع فلسطينية] شديدة التعقيد لا مجال الآن للخوض في تفاصيلها.
2) صدرت بالمقابل ردود فعل سلبية على دورة المجلس، (ولا أقوى على نتائجها). ولعل أبرز ردود الفعل، كان البيان الثلاثي آنف الذكر، لحركتي حماس والجهاد والجبهة الشعبية. إذ خلا البيان من السياسة، ولم يخض أي نقاش مع قرارات دورة المجلس، بل اكتفى بشعار واحد وحيد يقول «لا للعودة إلى أوسلو».
علماً أن بيان «المركزي» لم يقف عند «أوسلو» فحسب، بل أسقط كافة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، أوسلو وغير أوسلو [بروتوكول باريس، بروتوكول الخليل، اتفاق دايتون وغيرها مما يجب استعادته وإلغاؤه بموجب قرار «المركزي»].
الموقف المحوري في البيان الثلاثي هو عدم «الاعتراف بشرعية الهيئات التي أنتجها المركزي». وهكذا نصب البيان الثلاثي نفسه محل المحكمة الدستورية، أو محل لجنة الرقابة والقضاء البرلمانية للمجلس الوطني الفلسطيني، وأفتى بما أفتى به. دون أن يقدم ما يسند فتواه سوى أن أطرافاً في م.ت.ف قد قاطعت أعمال الدورة. وبالتالي فإن الذين حضروا الدورة، وبموجب هذه الفتوى لا يملكون شرعية القرار ولا شرعية الانتخاب، وأن الشرعية لا تكون إلا بحضور المقاطعين. علماً أن الأطراف الثلاثة التي وقعت البيان، وإن كانت التقت على شعار «لاشرعية للهيئات المنتخبة»، إلا أن لكل طرف منها خلفيته وأهدافه في رسم الشعار.
• حركة الجهاد الإسلامي، حركة غير عضو في م.ت.ف، ولا تعتبر نفسها معنية بكل العمليات السياسية الخاصة بالمنظمة، كالانتخابات التشريعية والرئاسية، والمجلس الوطني والبلديات ومؤخراً أفصحت قيادتها عن موقف واضح من م.ت.ف، رسم مسافة بين قيادة الحركة والمنظمة. وبالتالي، وهذا طبيعي، ألا ترى حركة الجهاد في القيادة الفلسطينية وهيئات م.ت.ف ما يعبر عن سياستها وبرنامجها. وهذا ليس بجديد.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. سبق وأن شنت حملة على دعوة للمركزي، وكذلك على الجبهة الديمقراطية واتهمتها بأنها تغلب مصالحها الفئوية والحزبية الضيقة على المصالح الوطنية، في إشارة إلى مطلب الجبهة الديمقراطية بأن تكون ممثلة في هيئة رئاسة المجلس الوطني، جنباً إلى جنب مع حركة فتح ومع الجبهة الشعبية. ورغم أن الجبهة الديمقراطية أكدت أنها لا تشكل بديلاً للجبهة الشعبية ولا لغيرها، ولا تبحث لها عن دور مستغلة غياب الجبهة الشعبية، وأنها تتقدم إلى الأمام لاحتلال موقع متقدم في م.ت.ف كحق أصيل ونضالي من حقوقها، إلا أن الجبهة الشعبية ظلت تنظر إلى الجبهة الديمقراطية على أنها منافسها في منصب نائب رئيس المجلس الوطني.
كان يمكن للجبهة الشعبية أن تشارك في «المركزي»، وأن تستعيد المنصب الذي كان يشغله الراحل تيسير قبعة. وكان يمكن للجبهة الشعبية أن تشارك في «المركزي» وأن تشارك في لجنة صياغة البيان الختامي، وأن تشكل مع الجبهة الديمقراطية فريقاً يلتقي عند الكثير من المواقف. وكان يمكن للجبهة الشعبية أن تشارك في «المركزي» وأن تستعيد موقعها في اللجنة التنفيذية وأن تعزز دور القوي المعارضة في هذه الهيئة. وكان يمكن للجبهة الشعبية أن تشارك في دورة «المركزي» وأن تعفي نفسها من فتح جبهة خصام مع الجبهة الديمقراطية. غير أن هذا كله – للأسف- لم يحدث، وبالتالي اتسع الانقسام، فالتقت الجبهة الشعبية مع حركة حماس، ليس فقط في الموقف من م.ت.ف، بل وكذلك من شرعية م.ت.ف وشرعية هيئات م.ت.ف، ولا يفيد هنا كثيراً القول، وتكرار القول، وتأكيد القول، بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية إن كنا نقاطع مؤسساتها. فهذه هي منظمة التحرير الفلسطينية بعجرها وبجرها، بحلوها ومرها، بإيجابياتها وسلبياتها، وليس هناك منظمة تحرير أخرى، كاملة الأوصاف، لا وجود لها إلا في الخيال، ومن يطلب م.ت.ف، كاملة الأوصاف، فليقتحم مؤسسات المنظمة، وليتحمل مسؤولياته الوطنية والسياسية ويناضل من داخل المنظمة ومن خارجها في إصلاحها. ولا يفيد الشكوى، وحدها في هذا الميدان. فالميدان مفتوح، وما على أصحاب البرامج الإصلاحية الجذرية، إلا أن يقتحموه. فالقتال بالنظارات لا يفيد. والقصف المدفعي لا يحرر أرضاً. لا يحررها إلا التقدم على الأرض في صفوف منتظمة.
• استبقت حركة حماس دورة المجلس المركزي بسلسلة تصريحات للناطق باسمها حازم قاسم، ولعدد من أعضاء مكتبها السياسي، أسقطت اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني. قالت التصريحات بوضوح إن م.ت.ف لم تعد تمثل الشعب الفلسطيني ولا حتى جزءاً منه. يمكن الادعاء إن تصريح حازم قاسم شكل إنزلاقاً لفظياً. لكن تكراره على لسان أكثر من عضو في المكتب السياسي للحركة يؤكد أن هناك تحولاً في رؤية الحركة لمنظمة التحرير. وأن هذا التحول يندرج في سياق سياسي جديد لدى الحركة؛ يريد أن يمهد الطريق، ليس فقط للطعن في شرعية م.ت.ف وتمثيلها للشعب الفلسطيني بل وكذلك للتقدم نحو «ملء الفراغ» بممثل بديل.
قد يقال بداية إن «البندقية ولا شيء سوى البندقية ممثل للشعب»، ثم يتطور نحو صيغة أبعد، كالصيغة التي صدرت يوم 9/2/2022 في بيان «لفصائل المقاومة في غزة» لا يعترف بشرعية قرارات المجلس والهيئات التي انتخبها. وفي هذا السياق لم يعد سراً القول إن حماس بصدد التمهيد كترتيب «مجلس وطني فلسطيني» بديل للمجلس الوطني لمنظمة التحرير، ينتخب هيئات بديلة لهيئات منظمة التحرير الشرعية، يضفي صفة «الشرعية» على حكومة حماس في قطاع غزة، وينزع الشرعية عن المنظمة الحالية وعن حكومة السلطة في الضفة الفلسطينية، ويجعل من مكاتبها في بعض الدول الإسلامية (وغيرها ربما) سفارات بديلة لسفارات دولة فلسطين.
فحماس، منذ نشأتها، وهي تقدم نفسها بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية. حتى قبل ولادة اتفاق أوسلو. فقد رفضت الانطواء تحت راية «القيادة الوطنية الموحدة» للانتفاضة الأولى، وشكلت لنفسها إطاراً خاصاً، كثيراً ما كاد أن يحدث فتنة في الصف الوطني.
ورفضت صيغة حكومة الوحدة الوطنية عام 2007 وانقلبت عليها في 14/6/2007. ورفضت حكومة الوحدة الوطنية تطبيقاً لاتفاق الشاطئ، وأسقطتها، وشكلت لجانها الحكومية بديلاً للوزارات. ورفضت الاعتراف بحل المجلس التشريعي وشكلت لنفسها مجلساً تشريعياً بديلاً. ولولا ضغوط موسكو وقطر وأنقرة، لما قبلت حماس بالمشاركة في الانتخابات «بالتتالي والترابط» وتخلت عن شرط «التلازم». فضلاً عن أنها تعطل على الدوام انتخاب البلديات والهيئات الإدارية للاتحادات الشعبية في القطاع. وآخر ما قامت به حركة حماس أن وجه مجلسها التشريعي الذي اختطفت عبره عنوان المجلس التشريعي الفلسطيني المنحل، رسالة إلى كل من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي، رسالة رفض فيها الاعتراف بشرعية هيئات م .ت .ف، ويقدم نفسه ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني مدعيا أنه منتخب منذ العام 2006.
ويهمني هنا أن أهمس في أذن رفاقي في الجبهة الشعبية، وأقول لهم إن توقيعهم على البيان الثلاثي في رفض الاعتراف بشرعية الهيئات المنتخبة في دورة المركزي، إنما يصب في خدمة سياسة حماس، التي لم تعد مجرد انقساماً، بل باتت تمهد لقيام كيان سياسي بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية بكل ما سوف يجره هذا على الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه وكيانيته السياسية من ويلات خطيرة.
عندها سيتبدى واضحاً من هو الطرف الذي هرول وراء مصالحه الفئوية والحزبية الضيقة، وغلبها على مصالح شعبه وحقوقه الوطنية.■
أضف تعليق