24 تشرين الثاني 2024 الساعة 02:38

سنديانة فلسطين «أم ناصر أبو حميد»

2022-01-13 عدد القراءات : 474
أم سعد لم تكن مجرد وهم لكنفاني يومًا؛ هناك في فلسطين ملاحم وبطولات لا حصر لها .. كل يوم لنا خنساء قامتها بحجم السنديان شموخاً، وإرادتها أصلب من الفولاذ قوة، وكفاً يغلب المخرز، حباً ينتصر على القيد...
أم ناصر أبو حميد امرأة استثناء، وهبت نفسها وفلذات كبدها لفلسطين، حال لسانها يقول :«سبعة أبطال في عين إلي ما بصلي على النبي، ناصر ونصر ومحمد وشريف وجهاد وإسلام، سابعهم الشهيد عبد المنعم».
شهيد وستة أسرى، عقدين ومائدتنا منقوصة، وأفراحنا مغصوصة، لم يجتمعوا إلا خمس عشر دقيقة أثناء التقاط صورة للذكرى، هم الصورة التي تقص لنا أن هناك عائلة لم تجتمع  إلا في السجن، وفي «الفورة» وخلف القضبان.
أربعة من ثروتها محكومون بالسجن المؤبد، وجهاد وإسلام موقوفان بانتظار الأحكام، أما «عبد المنعم» بهجة روحها اختار جوار الحبيب العدنان .. أم ناصر أنجبت لنا جيشاً.
ذاقت من علقم الاحتلال، والفت مكره؛ لكنها الأرجل منهم، خاضت معهم لعبتهم ولكن بقواعدها.. ما ملت، وألفتها جدران عسقلان وجلبوع والنقب، تفرق فلذاتها بين السجون. تقرأ لروح الشهيد الفاتحة عند العودة، كل اجتياح وآخر للمخيم يُلقي عليها الاحتلال السلام على طريقته المعتادة تدمير منزلها.
حينما أرادها الشاباك فخًا أمنيًا لاصطياد كل ما جعبت ابنها أثناء التحقيق، وصفعتهم وكسرت كل آمالهم، وهاتفته قائلة «يما هاي مواقع الرجال اذا فتحت ثمك ترجعش على الدار، طلعت زلمة أرجع زلمة».
حررت نطفة الحب المحررة لابنها نصر كي لا ينقطع نسلها، كبرت الجوامع لانتصار عائلة أبو حميد، حُرمت الزيارة، جاء يمان ابن نصر ليبقي شاهد على إرادة الحياة، وزفت وردة لصورة نجلها محمد، وصلت من أجل لقائهم القريب.
تجهل الأم الفلسطينية لطيفة مصير ابنها الذي يذوب ألما، أكبرهم  «ناصر» الذي  يعاني سياسة القتل البطيء، محتجز في مستشفى «برزلاي» الصهيوني، ويعيش في غيبوبة وتحت أجهزة التنفس الصناعي أثر فشل طبي أثناء استئصال ورم بالرئة، قبل البدء برحلة العلاج الشاقة بالكيماوي في توابيت الرملة.
هنا لم تستطع التحايل على المصاب الجلل،  بأن ينام ابنها الأسد المقنع أول فرحتها بين أحضان الموت، هنا صرخت كما صرخت من قبل حين سلب السجن والسجان أعمار وأيام وذكريات أولادها، حتى بات من الموت أقرب قالت بأعلى بصوتها سنديانة فلسطين: «أولادي بحكولي نسينا طعم الفواكه وواحد منهم نفسه بالأناناس والثاني بالجوافة، بكفي ظلم.. بدي أولادي معي».
تشابهنا بملامحها تشاركنا وجع الاعتقال والهدم والاستشهاد، ولكنها لن تغمس ريشتها الا بالألوان الأربعة ممزوجة بالأحمر والأبيض والأسود والأخضر، لسانها لا ينطق إلا بالشهادتين لله والوطن، كل جملها مليئة بالألغاز والرسائل.
هي من قرر الاحتلال مطاردة حليبها ورحْمِها وجدرانها وأزقتها المفضلة، والتلصص على ألوانها وبيتها ولسانها وذاكرتها وطعامها وشرابها.. حتى تفخيخ جدران بيتها للمرة الخامسة، ولن ينجحوا في كيّ وعيها، لسان حالها يقول: «وما هدني هدم بيتي».
فهي العصية على الانكسار ظهرها الذي لا ينحني، وشموخها لا ينتهي، متسلحة بالأمل الذي لا يفنى، مُقِلّة في تصريحاتها، وليست ناطقة باسم أحد، فهي الغضب الاسود على من يمس شعبنا ومن يصادر حرية ابنائه. ■

أضف تعليق