22 تشرين الثاني 2024 الساعة 21:20

التاريخ يشهد.. «ملعقة الحرية» تهز أركان «إسرائيل»

2021-09-16 عدد القراءات : 831
■يشهد التاريخ الفلسطيني أن يوم السادس من أيلول (سبتمبر) 2021 لم يكن يوماً عادياً بل كان يوماً نضالياً فلسطينياً خالصاً، أحدث زلزالاً في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بكافة فروعها، حينما نجح ستة أسرى من اختراق المنظومة الأمنية لسجن جلبوع «الخزنة» عبر نفق حفروه بـ«ملعقة الحرية»، بإرادتهم الصلبة وتحديهم لإرادة وصلف السجان، لإدراكهم أن بزوع شمس الحرية آت وإن طال، وأن زنازين وسجون الاحتلال وقيوده الأمنية وإجراءاته المشددة إلى زوال.
ما تيسر من حديث الأسرى الأربعة الذين أعيد اعتقالهم، محمد ومحمود عارضة، ويعقوب قادري وزكريا الزبيدي، يجب أن يكون درساً في التربية الوطنية، وانتزاع حريتهم وتنسمهم هواء مناطق 48 وتناولهم ثمار البساتين درساً في الجغرافيا السياسية، وإدراكهم أنه مهما طالت سنوات السجن فإن فجر الحرية آت، والتصاق الفلسطيني بأرضه وهويته الوطنية مهما حاول الاحتلال تزييف الوقائع درس في التاريخ، وحرصهم على عدم طلب المساعدة من أهلنا في الـ48 خشية تعرضهم لعقوبات إسرائيلية درس في الأخلاق الوطنية.
إن الحركة الأسيرة أبدعت في إرغام الاحتلال على الرضوخ لمطالبها العادلة التي حاول انتزاعها مراراً عنوةً بعد معركة «نفق الحرية»، رغم أنها ليست المرة الأولى التي تُبدع فيها الحركة الأسيرة في إنجازاتها النضالية، فقد كرس الشهيد الأسير عمر القاسم عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية مع رفاق دربه وضع اللبنة الأولى للحركة الأسيرة وتنظيم حياتها داخل السجون والزنازين وتحويلها إلى جامعات للعمل الوطني، ما زالت تساهم في صقل وتطوير الاستعداد النضالي للأسرى وتحويل ساحة الاعتقال إلى ميدان رئيسي للنضال، تخوض الحركة الأسيرة غماره تراكمياً بوجهة الصدام مع الاحتلال، تكون له تداعياته الشعبية الغاضبة التي ستفضي لجولة جديدة من الصراع الشامل.
ما يخطو الأسرى إليه من نضال ضد الاحتلال يرفع سوية المواجهة في كل مكان وصولاً لإشعال السجون في حركة نضالية متصاعدة، رافداً رئيسياً في المجرى الكبير للمقاومة الشعبية الشاملة ضد الاحتلال. هذه الخطوات لن تكون الأخيرة طالما بقيّ الاحتلال جاثماً على أرض فلسطين بعاصمتها القدس، وبقيت معتقلاته وسجونه تمتلئ بآلاف الأسرى الذي يعرفهم القانون الدولي بأنهم أسرى حرب، ما يتطلب من الدولة القائمة بالاحتلال منحهم حقوقاً وفق المواثيق والأعراف الدولية وعدم احتجازهم لفترات طويلة ومن ثم إطلاق سراحهم.
إن النجاح الباهر الذي حققه الأسرى في سجون الاحتلال في التربية الوطنية والجغرافيا والتاريخ معاً، لم يحققه الفلسطينيون بكامل قواهم السياسية وخاصة طرفي الانقسام، الذين اعتادوا على ثقافة الاختلاف في كل شيء، حتى على النشيد الوطني والعَلَم الفلسطيني والمشروع الوطني، وعلى كتب التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية، وعلى شكل نظام الحُكم وأبجديات اللغة العربية، وكتاب الأحياء ما جعلهم صرعى للألم والموت على وقْع فكّي صراع السلطة في رام الله وغزة.
لقد تجلت مرة أخرى في معركة «نفق الحرية» بعد «معركة القدس»، وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة حقوقه الوطنية، ووحدة قضيته، ووحدة المشروع الوطني مهما تمايزت أهدافه في المدى المباشر، دولة مستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، وحق العودة إلى الديار والممتلكات التي هُجر منها شعبنا منذ عام 1948، والمساواة في المواطنة وما يترتب على ذلك من الاجحاف والتمييز... والمساواة القومية على قاعدة إبراز الهوية الوطنية وصونها وضمان حقوقها في مناطق الـ48. إن تمايز هذه الأهداف لا يلغي تكاملها بل يؤسس لهذا التكامل، باعتبار أن التقدم على محور أي من هذه الأهداف، ينعكس إيجاباً على المحورين الآخرين، ويخدم تقدمهما بشكل مباشر، ويؤسس لوحدة تلك الأهداف تحت عنوان «الحقوق الوطنية غير قابلة للتصرف للشعب الفلسطيني».
فمهما حاول الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإحلالي العبث بهذه الأهداف التي رسمها المشروع الوطني الفلسطيني سيفشل، كون شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، أكثر وعياً وتفهماً لما يحاول الاحتلال صناعته في حربه على شعبنا الفلسطيني وحقوقه الوطنية، والذاكرة كثيرة والتي كان آخرها، الحرب الإعلامية والنفسية الشعواء، حرب الشائعات لزرع بذور الشقاق والفرقة في صفوف الشعب الواحد (48 + 67)، وضرب النسيج الاجتماعي من خلال إذاعة خبر مفاده أن وشاية أحد المواطنين النصراويين هي من أدت لاعتقال إثنين من أسرى سجن جلبوع، للتغطية على الضربة والإخفاق الأمني الذي مُني به الاحتلال في انتزاع أسرى جلبوع حريتهم، ورداً على الدور الذي لعبته الجماهير العربية في الناصرة وسخنين وكفر قاسم وأم الفحم، والطيبة وقلنسوة ورهط، وفي اللد والرملة وحيفا ويافا خلال معركة «سيف القدس».
في المحصلة هذه المحاولة الإسرائيلية لم تكن صدفة بل كانت عن سابق إصرار للعبث بالنسيج المجتمعي لشعبنا الفلسطيني في الـ48 الهادفة لحرف البوصلة وإضعاف مجابهة الاحتلال وتكريسه التي طالما دفع شعبنا في الناصرة فاتورتها الكبيرة جراء مواقفه المناهضة للاحتلال وسياساته التمييزية العنصرية. فناصرة توفيق زيّاد وأديب أبو رحمون ورامز جرايسة وأميل حبيبي ومي زيادة وخليل بيدس وكلثوم عودة وإميل توما وكثيرون ردت على أكاذيب الاحتلال بالتظاهر أمام محكمة الناصرة أثناء عرض الأسرى للتحقيق، لتؤكد وفاءها لنضال شعبنا، مهما حاول الاحتلال تغييب تاريخها وزرع بذور الفرقة بين أوساط الشعب الفلسطيني الواحد.
ما حققه أسرى «نفق الحرية» والأسرى في سجون الاحتلال من إنجازات عنوةً عن الاحتلال وإجباره على التراجع عن إجراءاته إلى ما قبل السادس من أيلول، والذي لم يكن يتحقق لولا الوحدة الوطنية بكافة تجلياتها في التخطيط والتفكير بشكل جماعي، ما يستدعي من الفصائل الفلسطينية وخصوصاً طرفي الانقسام (فتح + حماس) استخلاص العبر والدروس من تجربة الأسرى في انجاز الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، وتشكيل القيادة الوطنية الموحدة لقيادة وتوجيه النضال الوطني التحرري ضد الاحتلال الإسرائيلي، وخلق واقع نضالي استراتيجي فلسطيني جامع لتغطية ساحة الحضور الفلسطيني في كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني.
ما يميز عملية «نفق الحرية» هو طرحها لقضية الأسرى على بساط البحث باعتبارها قضية رئيسية كبرى من قضايا النضال الوطني، وتحريرها من آليات الاهتمامات المتقطعة لصالح إدراجها بنداً دائماً على جدول أعمال الحركة الوطنية وحركات التحرر العالمية، ما يفترض تطوير مؤسسات ولجان وآليات الاهتمام بقضايا الأسرى واسنادهم في معاركهم اليومية.
ولكن عملية «نفق الحرية» التي أعادت تموضع قضية الأسرى في الصدارة بعد أن همشها اتفاق أوسلو وملحقاته الأمنية والسياسية، تضع السلطة الفلسطينية أمام استحقاقات جمة وخاصة الاستحقاق الأمني ومحاولة زجها من خلال الإعلان أن أجهزة مخابرات السلطة هي من سهلت الوصول للأسرى الأربعة، وتحميلها المسؤولية بحكم التنسيق الأمني. وكذلك الحال فيما يتعلق بالحركة الجماهيرية التي أعلنت مسؤوليتها عن حماية أبطال العملية وحذرت الاحتلال من المساس بهم.
ختاماً، إن مفاعيل الهزيمة الأمنية في إحباط عملية «نفق الحرية» ألحقت الضرر بالمنظومة الأمنية الإسرائيلية ووضعت الاحتلال أمام استحقاقات كبرى بفقدان ماء وجهه وتلقيه ضربة قاسية ومؤلمة التي طالما يتباهى بامتلاكه منظومة أمنية لا تضاهى في المنطقة، ومعدات أمنية وجدت لها رواجاً في السوق العالمية ■

أضف تعليق