23 كانون الأول 2024 الساعة 07:32

شهداؤنا ليسوا أرقاماً واسترداد جثامينهم ضرورة وطنية ودولية

2021-08-28 عدد القراءات : 831
41 عاماً وما زال الجرح نازفاً، وينتظر الحاج حسن دولة وذويه عودة جثمان ابنهم الشهيد الأسير أنيس دولة المحتجز لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلية لتشييع جثمانه ودفنه في مقبرة قلقيلية وفق التقاليد والطقوس الفلسطينية، بعد أن وقع في الأسر عقب عملية فدائية عام 1968 أمضى (22) عاماً معتقلاً في سجون الاحتلال، وآخرها سجن عسقلان، الذي سقط فيه شهيداً بعد خوضه «اضراب نفحة» عام 1980 لتحسين الشروط الاعتقالية للأسرى.
أنيس دولة، شهيد الأسر لا تعترف دولة الاحتلال بجثمانه وتنكر وجوده تحت عنوان «مفقود»، رغم اعتراف ما تسمى «المحكمة العليا الإسرائيلية» بتشريح الجثمان عام 1982، وهذا يدفع للتساؤل، أين كان يحتجز الاحتلال جثمانه لأكثر من عامين، هل في سجن عسقلان أم في ثلاجات الاحتجاز أم في سجون سرية...؟!، ولا يمكن فهم سر اختفاء جثمانه، سوى خشية الاحتلال من فضح جريمته بحق الشهداء، وهي الاتجار بالبشر وسرقة أعضاءهم.
سيبقى أنيس حياً وأنيساً للشهداء، وشاهداً على جرائم الاحتلال، ولا سيما أن القدر أراد لـ«أنيس دولة» أن يكون جريحاً وأسيراً وشهيداً، ومفقوداً وفق رواية الاحتلال.
ويحيي الشعب الفلسطيني، يوم السابع والعشرين من آب (أغسطس) اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب بعد أن أقر عام 2008، فيما يعد ذلك اليوم هي يوم وطني وعربي وعالمي لاسترداد جثامين الشهداء.
إن دولة الاحتلال الإسرائيلية هي الكيان الوحيد في العالم الذي يواصل معاقبة الموتى واحتجاز تاريخهم المشرف وسيرتهم الذاتية وجثامينهم في مقابر سرية تحمل أرقاماً بديلة لأسماء الشهداء، في إهانة لإنسانية الانسان في موته.
ولا يختلف حال الشهيد أنيس دولة عن رفيق دربه الشهيد حمدان حمدان ابن بلدة عرابة الذي استشهد في عملية طبريا التي نفذتها القوات المسلحة الثورية التابعة للجبهة الديمقراطية عام 1974، ويواصل الاحتلال احتجاز جثمانه في مقابر الأرقام السرية، والتي لا تملك أية جهة أياً كانت معلومة عن الشهداء المحتجزين سوى الاحتلال نفسه.
وتشير المعلومات والوقائع أن مقابر الأرقام هي مدافن بسيطة محاطة بالحجارة دون شواهد، ومثبت فوق القبر لوحة معدنية تحمل رقماً يدل على ملف الشهيد لدى الجهات الأمنية الإسرائيلية.
فمقابر الأرقام وثلاجات الموتى تحتفظ بمئات الشهداء والأسرى، وتشرعن محاكم الاحتلال وقادته عودتهم لذويهم لدفنهم وفق التقاليد والأصول الفلسطينية، في انتهاك فاضح للقوانين الدولية ومبادئ حقوق الإنسان التي شرعتها الأمم المتحدة، وهذا هو حال الشهيد أحمد عريقات الذي استشهد برصاص الاحتلال في حزيران (يونيو) 2020 على حاجز «الكونتينر» العسكري الإسرائيلي جنوبي الضفة، والذي رفضت قبل أيام ما تسمى «المحكمة العليا الإسرائيلية» تسليم جثمانه لذويه وإبقائه محتجزاً حتى إشعار آخر.
ولكن الكاتب الإسرائيلي «إسرائيل شيرنتسل» في مقال لصحيفة «هآرتس» العبرية، كشف أن «قضاة الأغلبية» نيل هندل وافيد مينتس تمسكوا بتعديل قرار «الكابينت السياسي الأمني» الذي يسمح باحتجاز الجثمان، في حين أن «قاضي الأقلية»، إسحاق عميت، استند إلى الوضع القانوني عند قتل عريقات، الذي لا يسمح باحتجاز الجثمان.
وتشير احصائيات الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء إلى أن سلطات الاحتلال تواصل احتجاز (335) شهيداً استشهدوا في فترات مختلفة منذ ستينيات القرن الماضي، منهم (254) جثماناً لشهداء في مقابر الأرقام، و(81) شهيداً في ثلاجات الموتى منذ العام 2015، ومن بينهم (7) جثامين لأسرى أقدمهم الشهيد الأسير أنيس دولة، فيما ترفض الاعتراف بمصير (68) مفقوداً من بينهم أنيس.
ورغم الاحصائيات والمطالبات المتكررة لتسليم جثامين الشهداء، إلا أن سلطات الاحتلال ترفض الإفراج عن جثامين الشهداء لاستخدامها كـ«ورقة تفاوضية» ولا تعترف سوى بـ(110) جثامين في مقابر الأرقام وترفض الإفراج عنها.
ويعد قرار المساومة سابقةً لم يشهدها التاريخ، وخاصة عندما يتعلق الأمر باحتجاز جثامين شهداء شعب محتل، وانتهاكاً للقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان وخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المُهينة، ومخالفةً لاتفاقية جنيف الأولى التي تُلزم الدولة القائمة بالاحتلال بتسليم جثامين الشهداء لذويهم ودفنهم مع المحافظة على كرامتهم حسب معتقداتهم قدر الإمكان.
الجسد الفلسطيني يشكل هدفاً أساسياً لدولة الاحتلال، ولم يتوقف الحال على أجساد الأحياء بل طال أجساد الشهداء بالاحتجاز والاعتقال في ثلاجات الموتى تارة، وفي «مقابر الأرقام» تارة أخرى كـ«ورقة ضغط تفاوضية» لاستخدامها كوسيلة ردع، وهو الادعاء «القانوني» الذي استندت إليه «الهيئة الموسعة للمحكمة العليا الإسرائيلية» بقرارها في ملف احتجاز الجثامين المرفوع أمامها منذ تموز (يوليو) 2018، على قانون الطوارئ المعدل عام 1948 والذي يعطي للقائد العسكري صلاحيات باحتجاز ودفن جثامين الشهداء واستغلالها في عمليات تبادل للأسرى.
وأمام تلك المعطيات، فمن الضروري التحرك وطنياً وعربياً ودولياً نحو تدويل قضية جثامين الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال، وإحالة ملفهم لمحكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة باعتبار استمرار احتجازهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني، باعتبارها «ورقة ضغط» لإجبار الاحتلال على الإفراج عن جثامين الشهداء وإغلاق هذا الملف نهائياً ■

أضف تعليق