05 تشرين الثاني 2024 الساعة 22:52

ما وراء قانون «المواطنة» الإسرائيلي ولمّ شمل العائلات

2021-07-23 عدد القراءات : 984
■تعارض «إسرائيل قانون لم شمل العائلات كي تحافظ على القومية اليهودية التي أنشئت على أساسها، تجنباً لتطبيق قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين إنطلاقا من قانون لم الشمل، ما يجعلها مربكة، بإعتبار أن ذلك يجعل الفلسطينيين أكثرية، وبالتالي يهدد كيانها الوجودي الذي بني على الأوهام والرواية الصهيونية المضللة التي لم يعد أحد مقتنع بها.  
يعتبر قانون لم الشمل للعائلات الفلسطينية من أكثر القوانين التي تختلف بها وجهات النظر، لاسيما بين العرب أنفسهم، وبين الإسرائيليين أيضاً، حيث يعنى القانون بثلاث مجموعات أساسية من العائلات الفلسطينية، الأولى المولودون في الضفة الغربية وقطاع غزة والذين سحب الإحتلال الإسرائيلي مواطنتهم عام 1994 عند تطبيق إتفاقية أوسلو، بسبب أنهم كانوا خارج فلسطين عام 1967، أو سافروا لفترة طويلة، أما المجموعة الثانية هم الأفراد الذين في الخارج، والمتزوجون من سكان فلسطينيين داخل الخط الأخضر 1948، ويحملون تأشيرات سياحية إسرائيلية، أحيانا يتم تمديدها وأحيانا لا، وأحيانا توجب السلطات الإسرائيلية على هذه المجموعة المغادرة لفترة غير معروفة، وإن رفضت هذه المجموعة المغادرة، تصبح ماكثة بشكل غير قانوني، وتغرم بمبلغ يقدر بعشرات آلاف الشيكل، أما المجموعة الثالثة وهي المجموعة الأكبر، هي الأزواج من الدول العربية، وغالباً ما يكونون من الأردن، ومع رغم العلاقات الدبلوماسية بين الأردن وإسرائيل، تعطي الأردن تصاريح دخول إلى الضفة الغربية فقط، وتكون بفترة محددة، لا يسمح تمديدها أو تجديدها، ما أدى إلى خرق القانون، وأصبحت الزوجات ماكثات بطريقة غير قانونية، ويعشن من خوف دائم من طردهن إلى دولتهن.
على مدى 20 عاماً، برزت معاناة 50 ألف عائلة فلسطينية، تعرضت للإعتقال، وحكم عليهم بالسجن الفعلي، ومنهم من تم ترحيلهم، ومنهم من لم يلتقوا بأولادهم منذ سنوات عديدة، بغض النظر عن إذلالهم في تنقلاتهم عبر المعابر والحواجز الإسرائيلية، ناهيك عن الأطفال الذين لم يحصلوا حتى اليوم على شهادات ميلاد، لأن آباءهم لم يتمكنوا من تسجيلهم بإعتبار أن أحد الأبوين ليس مواطناً إسرائيلياً، أو يملك حق الإقامة داخل الخط الأخضر 1948، ويبلغ عددهم حوالي 45 ألفاً، لايحق لهم التنقل، السفر، التعليم، والصحة...  
يعتمد قانون لم الشمل على قانون المواطنة عام 1952، الذي يمنع في البند رقم 3 الفلسطينيين خارج الخط الأخضر عام 1948 الحصول على الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة المؤقتة منعاً لتطبيق القرار 194، وإن كان متزوج من فلسطينية تحمل الجنسية الإسرائيلية، كما يمنح قانون لم الشمل صلاحية لوزير الداخلية بسحب الإمتيازات والتصاريح التي منحت في السابق لأصحاب الجنسيات العربية والمتزوجين من فلسطينيي 1948، وأن يستمد بالمعلومات من قبل وزير «الدفاع» وجهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك». أما البند رقم 5، قدم كأمر إحترازي بصيغة مؤقتة عام 2003، لمنع الأزواج الفلسطينيين القادمين من أراضي 1967، الحصول على المواطنة أو الإقامة بعد زواجهم من مواطنين فلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ولا حتى أن يطلب التجنيس، وفي العديد من الحالات كانوا يمنعون المكوث داخل الخط الأخضر.
لم يسمح القانون في البداية لأي شخص يحمل هوية صادرة من الضفة الغربية أو قطاع غزة بالإنتقال إلى داخل الخط الأخضر عند زوجته أو عائلته، وفي 2005 جرى تعديله، ليسمح للنساء فوق سن 25 عاماً وللرجال فوق 35 عاماً، التقدم للحصول على تصاريح مؤقتة للعيش داخل الخط الأخضر 1948، ولم تمنح الجنسية الإسرائيلية إلا للقليل القليل منهم، بينما في عام 2007، شمل القانون مواطني العراق، سوريا، إيران ولبنان، بينما في المقابل تمنح الجنسية الإسرائيلية بعد 5 سنوات لغير اليهود المتزوجين من يهود إسرائيليين، ويحق لكل يهودي الانتقال إلى «إسرائيل» والمطالبة بالجنسية الإسرائيلية.
من وجهة نظر إسرائيلية، بذلت محاولات لتعديل قانون الجنسية الإسرائيلية، الذي سلب حق الفلسطينيين في العيش مع أزواجهم بعيداً عن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي تحاول المحافظة على وجود «دولة» يهودية، وبعد رفض الكنيست الإسرائيلي تعديل القانون، تقدم عضو الكنيست الإسرائيلي «ميخائيل كلاينر» بمشروع قانون ينص على توفير الدعم المالي الحكومي وهو ما يعرف بـ «السوبسيديا» لهجرة العرب من «إسرائيل» إلى دول عربية، وتشجيعهم على المغادرة، حيث إعتبر أن كل من يطالب بحل الدولتين يجب القيام بعملية الغربلة الديمغرافية، وبرزت عدة أسباب لقيام الكنيست الإسرائيلي بشطب مشروع قانون «كلاينر» كونه يبقي الخيار بترك «إسرائيل» بيد العربي، ولن يقبل العرب بالدعم الحكومي.
أما من وجهة النظر العربية، فهناك فريق هو ضد منح الجنسية الإسرائيلية للعرب بالمطلق، وهناك فريق يعتبر  أن في مفاوضات أوسلو، تم الإعتراف بتطوير آلية إعادة المواطنة في الضفة الغربية لمن سحبت منه عام 1967 وصاعداً، وتم الإعتراف بالعلاقات الزوجية كأساس للموافقة على لم شمل العائلات، وعلى هذا الأساس، حصل بعض الفلسطينيين على مكانة مقيم ضمن إطار لم شمل العائلات والمواطنة، وفي أواخر عام 2000، جمدت إسرائيل عملية لم شمل العائلات بحجة الإنتفاضة الثانية وسوء العلاقة بين السلطة الفلسطينية والإسرائيلية، وبين عامي 2007-2008 حصراً، عقب مطالبة العائلات، صادقت إسرائيل لمرة واحدة لم شمل 32 ألف عائلة كبادرة حسن نية لسياسة السلطة الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين بقي لم شمل العائلات مجمداً، بناء على قانون الطوارئ عام 2003 الذي منع توطين أزواج الفلسطينيين والذي كان من المفترض أن يكون مؤقتاً، وتحول فيما بعد إلى سياسة دائمة، حسب ما تقتضيه النقاشات في الكنيست أو الإعلام.
ولابد من الذكر، أن جهاز المخابرات للأمن العام الإسرائيلي «الشاباك» يتدخل بشكل مباشر في المداولات البرلمانية حول إقرار قانون لم شمل العائلات، حيث يعتبر أن العائلات الفلسطينية المؤلفة من مواطنين يحملون الجنسية الإسرائيلية ومتزوجين من فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة خطراً أمنياً على «إسرائيل»، وبحسب «الشاباك» فإن 78 فلسطينياً من أصل 165 ممن حصلوا على مكانة رسمية بموجب قانون لم الشمل، أدانتهم المحكمة الإسرائيلية بجرائم تتعلق بالإرهاب، لكن جوبه تقرير «الشاباك» من قبل المعارضين في الكنيست الإسرائيلي، حيث هاجمت وزير الداخلية «إييليت شاكيد» بنيامين نتنياهو قائلة إن «معارضة قانون لم الشمل ليس هاجساً أمنياً، بل هو إنتقام حزبي وسياسي دون الإكتراث لأمن إسرائيل، ما يعقد الأمر أمام أمن الدولة على التعامل المهني والوطني الحر، ثم عقدت مؤتمراً صحفياً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي «نفتالي بينيت» ووصفت سياسة نتياهو والمعارضة اليمينية بالنفاق السياسي، معتبرة أن القومية اليهودية ذات أهمية كبرى لإسرائيل، مع التشديد على شخصية وهوية إسرائيل اليهودية، وبذلك لأول مرة منذ 18 عاما، يفشل الكنيست الإسرائيلي في تجديد قانون المواطنة فيما يتعلق بلم شمل العائلات الفلسطينية مع أزواجهم الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
أما من وجهة النظر الدولية، ناقش مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة التمييز العنصري الذي تتبناه إسرائيل وتسن بناء عليه القوانين، وأقر فتح تحقيق فيما يتعلق بالممارسات العنصرية التي تنتهك معايير حقوق الإنسان المتعارف عليها دولياً، كما أعتبر أن إقامة الحياة الزوجية هو حق أساسي لكل إنسان، لا يجب أن يرافقه تحقيق أمني في أماكن ترعرعهم وفي المحيط الذي نسجوا فيه حياتهم، وهذا حق يجب أن يتوافر من الناحية القانونية ومن الناحية الأخلاقية، كما يحق لهم إنجاب الأطفال ليحصلوا على التعليم والصحة، الذي يجب على الدولة تطبيقه بعيداً عن الديمغرافيا تدعيماً لحق تقرير المصير للمجموعات الإثنية التي تتمتع في هذا الحق، كما لا يحق تهجيرهم أو إعتبارهم غير مرغوب بهم بسبب إنتماءاتهم الإثنية والعرقية، وطرح مثالاً مشابهاً المواطنين البريطانيين الذين تجنسوا في بريطانيا بعد أن هاجروا إليها من جزر الهند الغربية، وكيف أصبح اقتراح «إيتوك بأول» موضعاً للسخرية العالمية، باعتبار أنه لا يحق لأحد منع المواطنين من تحقيق ذواتهم في مضافير الحياة المركزية، من مبدأ التساوي بين العرق والدين.
وقد جادل القانونيون الدوليون بأن قانون منع لم الشمل يتعارض مع ما تعلنه «إسرائيل» عن التزامها بالمساواة في الحقوق لجميع مواطنيها، وقد تم تقديم عدة إلتماسات متكررة للمحكمة العليا الإسرائيلية لإلغاء قانون لم الشمل، بإعتباره غير دستوري.
من هنا، نستخلص أن ادعاءات «إسرائيل» بأنها «الدولة» الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وتبنيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المنسجم مع قرارات الشرعية الدولية، ليس إلا تضليلاً للرأي العام العالمي الذي بقي لفترة طويلة مخدوعاً بما تروج له اللوبيات الصهيونية وأجهزتها الإعلامية المرتبطة بنشاطات الإمبريالية العالمية، ومحاولة التمويه على جوهر هذا الكيان القائم على أساس الإضطهاد والفصل العنصري، ما يجعل «إسرائيل» آخر احتلال يقوم على أساس عنصري ينطلق من مبدأ القومية اليهودية، وهو الأرضية الذي ينطلق منه التوسع الإستيطاني الإحتلالي والإحلالي، لتأسيس «إسرائيل الكبرى»، ما يفرض على المجتمع الدولي إتخاذ خطوات عملية لوضع حد لنظام الأبارتهايد الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، بناء على القيم الإنسانية والقانونية والأخلاقية التي دفعت البشرية جمعاء أثمان باهظة لتكريسها والتي كلفت العالم ملايين الضحايا ■  

أضف تعليق