أروَاحٌ تَقتُلُهَا ذِئَابٌ بَشَرِيَّة
الجميع يُصفق بحرارة ، كان الفرح يملأ المكان ويرفرف على رؤوس جميع المتواجدين، ابتهاجاً بحلو اللقاء بعدما قرّوا عيونهم برؤية غائبهم الذي سرقته منهم ظلمة الزنازين منذ سبعة عشر خريفاً ، لكن سرعان ما ضرب الواقع تلك اللهفة والتوق بعرض الحائط لتغزوهم حرقة وغصات مكبوتة ممزوجة بحسرة ووجع أفجعت قلوب الحاضرين، فذاك الفرح لم يستطع أن يُلقِ التحيةَ على قلب الأسير منصور الشحاتيت، الذي خرج من غياهب سجون الاحتلال بجسد متهالك مُترنّح مُثقل كَجثّة شاخصة البصر، وعقله يتخبط في اللامعلوم، مسحوب من الواقع في عوالم خفية مُظلمة لا يعلمها سوى خالقه، كل الألوان في عينيه توحدت، شيء ما به قد خبا وهمد، كل الوجوه بدت له مبهمة، حتى وجه أمه!
كانت متلهفة أن تضم فلذة كبدها التي قرّت قلبها برؤيته بعد سنين من الحرمان لكنها لم تستطع حتى أن تصافحه، قريب جسده كرمشها، غريبة روحها عنه بينهما بُعد المشرقين والمغربين!
تُرى ما القوة التي يمكن لها أن تنزَع من عقل إنسان ملامح أمه، وذويه، كيف له أن ينسى ملاذه الآمن ومن يشد عضده بهم؟!
أيّ ظلمٍ لحق به لدرجة أن تُمحَى من ذاكرته ملامح أبصَرَتها عيونه منذ أول مرة أدرك فيها الوجوه والأصوات بهذا العالم، كيف للذاكرة أن تخون المرء وتَنكر جذور أصول تشكيلها.
ما الأهوال التي رآها بين جُنُبات زنازين العزل الانفرادي وما الويلات التي قاساها وتجرّعها تحت يد السجان الذي لا يرحم حتى وصل لهذه الدرجة من التشتت والضياع !
أعدموه عافية قلبه قبل جسده، سلبوه أثمن ما قد يمتلكه الإنسان على الدوام، وَذروه يصارع في خواء روحيّ حتى أصبح جثة تسير على غير هدى، مثقل بالأسى، شاخص البصر مجرد من الشعور والإدراك لما يجوب حوله، كإنسان غريب بجسده في غمرات دوامة مُظلِمة مُبهَمة.
ما الذّنب الذي ارتكبه هذا الفلسطيني حتى يُنتزع منه سلامه الداخلي ويحيا موؤداً لبقية عمره!
كيف للعالم أن يقف مكتوف الأيدي بهذا الصمت المُهيب أمام هذا الإجرام وهذه المجازر البشعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي كل يوم وشهر ودقيقة وساعة بحق الأسرى الفلسطينيين أبناء أرض خُلِقت للسلام وما رأت يوماً سلاماً !
من سيعوضهم عن طاقة أعمارهم المستنزفة عبثاً ، من سيعيد الشغف لأرواحهم الذي أطفئه السجان وسط وابل من سياط زمهريرية ليالي التعذيب الجهنمية!؟
من سيُحيي أمنياتهم وآمالهم بالغد التي أماتتها ظلمة السجن دونما رحمة !
متى ستنتهي هذه المهزلة التي بُتِرت عبرها آلاف الأرواح والأحلام والذكريات لأشخاص لم يكن ذنبهم سوى أن يحيوا حياة كالحياة !
كانت متلهفة أن تضم فلذة كبدها التي قرّت قلبها برؤيته بعد سنين من الحرمان لكنها لم تستطع حتى أن تصافحه، قريب جسده كرمشها، غريبة روحها عنه بينهما بُعد المشرقين والمغربين!
تُرى ما القوة التي يمكن لها أن تنزَع من عقل إنسان ملامح أمه، وذويه، كيف له أن ينسى ملاذه الآمن ومن يشد عضده بهم؟!
أيّ ظلمٍ لحق به لدرجة أن تُمحَى من ذاكرته ملامح أبصَرَتها عيونه منذ أول مرة أدرك فيها الوجوه والأصوات بهذا العالم، كيف للذاكرة أن تخون المرء وتَنكر جذور أصول تشكيلها.
ما الأهوال التي رآها بين جُنُبات زنازين العزل الانفرادي وما الويلات التي قاساها وتجرّعها تحت يد السجان الذي لا يرحم حتى وصل لهذه الدرجة من التشتت والضياع !
أعدموه عافية قلبه قبل جسده، سلبوه أثمن ما قد يمتلكه الإنسان على الدوام، وَذروه يصارع في خواء روحيّ حتى أصبح جثة تسير على غير هدى، مثقل بالأسى، شاخص البصر مجرد من الشعور والإدراك لما يجوب حوله، كإنسان غريب بجسده في غمرات دوامة مُظلِمة مُبهَمة.
ما الذّنب الذي ارتكبه هذا الفلسطيني حتى يُنتزع منه سلامه الداخلي ويحيا موؤداً لبقية عمره!
كيف للعالم أن يقف مكتوف الأيدي بهذا الصمت المُهيب أمام هذا الإجرام وهذه المجازر البشعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي كل يوم وشهر ودقيقة وساعة بحق الأسرى الفلسطينيين أبناء أرض خُلِقت للسلام وما رأت يوماً سلاماً !
من سيعوضهم عن طاقة أعمارهم المستنزفة عبثاً ، من سيعيد الشغف لأرواحهم الذي أطفئه السجان وسط وابل من سياط زمهريرية ليالي التعذيب الجهنمية!؟
من سيُحيي أمنياتهم وآمالهم بالغد التي أماتتها ظلمة السجن دونما رحمة !
متى ستنتهي هذه المهزلة التي بُتِرت عبرها آلاف الأرواح والأحلام والذكريات لأشخاص لم يكن ذنبهم سوى أن يحيوا حياة كالحياة !
أضف تعليق