مشاركة القدس والمقدسيين عنوان لنزاهة الانتخابات
حسم المرسوم الذي أصدره الرئيس محمود عباس بتحديد مواعيد انتخابات المجلس التشريعي، ورئاسة دولة فلسطين، والمجلس الوطني، جزءا كبيرا من الجدل والخلاف والتوجس الذي يسود الساحة الفلسطينية منذ سنوات، لكنه لم يحسم كل الخلافات والمشكلات بالطبع، وإنما وضع المجتمع الفلسطيني وقواه الفاعلة أمام تحدي الإجابة على الأسئلة التي ما زالت عالقة.
المرسوم لقي ترحيبا واسعا من مختلف القوى الفلسطينية على الرغم من الغموض الذي يعتري بعض تفاصيله، والملابسات التي سبقت إصداره، فليس واضحا حتى الآن لماذا شمل المرسوم إجراء الانتخابات لرئاسة "دولة فلسطين" وليس لرئاسة السلطة الفلسطينية. مع الفارق الواضح بينهما وهو أن الأول هو من اختصاص المجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده في الوطن والشتات، بينما رئاسة السلطة، وكما ينص القانون الأساسي ينتخبها المواطنون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1967 أي في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة دون غيرهم. الإشكال الثاني الذي لم يوضحه المرسوم هو حول انتخابات المجلس الوطني، حيث من المفهوم ضمنا أن أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين هم أعضاء "غرفة الداخل" للمجلس الوطني الفلسطيني، ولكن ماذا بشأن أعضاء الخارج ووفق أي قانون سيجري انتخابهم، وهل جرى أي إحصاء سكاني لتحديد حصة كل ساحة، والأهم هل جرى التفاهم مع الدول الرئيسية المستضيفة للفلسطينيين وخاصة الأردن وسوريا ولبنان، أم أن الأمر برمته متروك للعبارة الفضفاضة التي تقول "التوافق على اختيار أعضاء المجلس الوطني حيثما تعذر الانتخاب" ؟
الأمر الآخر الذي قد يشوّش على الاحتفاء بالمرسوم هو أنه جاء بعد أيام قليلة فقط من القرارات بقوانين التي طالت السلطة القضائية والتي أثارت اعتراضات واسعة لدى الهيئات القانونية والحقوقية ونقابة المحامين، والتي وصفها البعض بأنها "مجزرة بحق القضاء"، وتكريس لتغوّل السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وهي مسألة ليست بعيدة بل وثيقة الصلة بقضية الانتخابات التشريعية لأنها تتصل بالمحاكم التي ستبت في جميع المشكلات والطعون المتعلقة بالانتخابات وتضمن الحد المطلوب لنزاهتها.
ومهما يكن الأمر، فإن معظم القوى السياسية والمجتمعية استقبلت المرسوم الرئاسي بالترحيب، عملا بالحكمة التي تقول "أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا"، لكن ذلك لا يعفيها من مسؤولية التوحد وبذل كل الجهود المطلوبة للإجابة بمسؤولية عالية عن كل الأسئلة المطروحة، وإيجاد الحلول لكل الإشكالات سواء تلك التي أوجدها الاحتلال، أو التي طرحها الواقع وغياب الانتخابات لفترة طويلة، أو التي خلفها عهد الانقسام المرير، وكذلك الثغرات والالتباسات التي حملها المرسوم والقرارات بقوانين التي سبقته.
من أهم القضايا المتصلة بالانتخابات ضرورة مغادرة، أو على الأقل تقليص الوهم بان الانتخابات هي هدف وغاية في حد ذاتها وأنها قادرة على حسم كل خلافاتنا، أو أن الانتخابات هي آلية لتداول السلطة، ففكرة تداول السلطة في ظل الاحتلال هي تعبير عن تداول المنافع وتقاسمها لأن السلطة الحقيقية على الأرض وعلى الأجواء والحدود وحتى على السكان هي للاحتلال الذي يتحكم في كل شيء وما يتبقى للتداول هو الفتات الهزيل.
الانتخابات هي في الجوهر وسيلة وأداة لإعادة ترتيب أمورنا، وتنظيم شؤوننا، على قاعدة أن قضيتنا الرئيسية هي الخلاص من الاحتلال، وبالتالي فإن الانتخابات هي أداة لإعادة بناء الشراكة الوطنية وتحمل أعباء النضال والمسؤوليات، وتجسيد شعار الشراكة في القرار الوطني والمجتمعي كما هي الشراكة في النضال وفي بناء الوطن، لهذا السبب بالتحديد تصبح المشاركة في الانتخابات مسؤولية وطنية وينبغي تسهيل مشاركة جميع الأطراف فيها من خلال توفير ضمانات النزاهة من جهة، وإشراك الجميع في مهام التحضير والإشراف والرقابة، والتوحد في مواجهة محاولات الاحتلال اللعب على هذا الوتر من خلال التعرض لبعض المرشحين والفئات بالاعتقال أو منع الحركة.
من أهم المسائل على الإطلاق قضية مشاركة القدس والمقدسيين في الانتخابات، حيث من المقرر أن تجري هذه الانتخابات بعد 25 عاما من إجراء الانتخابات الأولى عام 1996، و15 من الانتخابات التشريعية عام 2006، وخلال هذه الأعوام مرت مياه كثيرة من تحت الجسر، وكثفت سلطات الاحتلال من إجراءاتها لتهويد القدس وسلخها عن محيطها الفلسطيني، وبعد أن اعترف الرئيس ترامب بسيادتها، شددت دولة الاحتلال إجراءاتها ضد كل ما يرمز للوجود الفلسطيني في القدس، فاعتقلت محافظ القدس ووزيرها ومعظم المسؤولين المرتبطين بالسلطة وسحبت هويات نوابها ووزيرها السابق، وباتت تتصدى لأي نشاط ذي صبغة فلسطينية حتى لو كان نشاطا رياضيا أو اجتماعيا.
من الطبيعي إذن أن تسعى إسرائيل لمنع إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس، أو تقليصها إلى أضيق نطاق ممكن، والمؤسف أن بعض الفلسطينيين بات يتطوع لاقتراح حلول إدارية لهذه المشكلة وكأن الأمر هو كيفية التحايل على القيود الإسرائيلية.
مشاركة المقدسيين في الانتخابات هي قضية وطنية بالدرجة الأولى قبل أن تكون استحقاقا ديمقراطيا أو شأنا إداريا وإجرائيا، إنها قضية السيادة الحقيقية المستمدة من إرادة الشعب على المدينة المقدسة وعاصمة الفلسطينيين الروحية والثقافية قبل أن تكون عاصمتهم السياسية، وما دامت القضية كذلك فهي تستحق معركة حقيقية يخوضها الشعب الفلسطيني بكل إمكانياته معززا بدعم دولي واسع ولا جدال فيه حول تبعية القدس الشرقية ومواطنيها وانتمائهم لفلسطين، ومعركة كهذه تستحق أن تحتل مكان الصدارة في اهتمام القوى السياسية والمجتمعية باعتبارها العنوان الأول لنزاهة أي عملية انتخابية في المستقبل.
المرسوم لقي ترحيبا واسعا من مختلف القوى الفلسطينية على الرغم من الغموض الذي يعتري بعض تفاصيله، والملابسات التي سبقت إصداره، فليس واضحا حتى الآن لماذا شمل المرسوم إجراء الانتخابات لرئاسة "دولة فلسطين" وليس لرئاسة السلطة الفلسطينية. مع الفارق الواضح بينهما وهو أن الأول هو من اختصاص المجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده في الوطن والشتات، بينما رئاسة السلطة، وكما ينص القانون الأساسي ينتخبها المواطنون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1967 أي في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة دون غيرهم. الإشكال الثاني الذي لم يوضحه المرسوم هو حول انتخابات المجلس الوطني، حيث من المفهوم ضمنا أن أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين هم أعضاء "غرفة الداخل" للمجلس الوطني الفلسطيني، ولكن ماذا بشأن أعضاء الخارج ووفق أي قانون سيجري انتخابهم، وهل جرى أي إحصاء سكاني لتحديد حصة كل ساحة، والأهم هل جرى التفاهم مع الدول الرئيسية المستضيفة للفلسطينيين وخاصة الأردن وسوريا ولبنان، أم أن الأمر برمته متروك للعبارة الفضفاضة التي تقول "التوافق على اختيار أعضاء المجلس الوطني حيثما تعذر الانتخاب" ؟
الأمر الآخر الذي قد يشوّش على الاحتفاء بالمرسوم هو أنه جاء بعد أيام قليلة فقط من القرارات بقوانين التي طالت السلطة القضائية والتي أثارت اعتراضات واسعة لدى الهيئات القانونية والحقوقية ونقابة المحامين، والتي وصفها البعض بأنها "مجزرة بحق القضاء"، وتكريس لتغوّل السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وهي مسألة ليست بعيدة بل وثيقة الصلة بقضية الانتخابات التشريعية لأنها تتصل بالمحاكم التي ستبت في جميع المشكلات والطعون المتعلقة بالانتخابات وتضمن الحد المطلوب لنزاهتها.
ومهما يكن الأمر، فإن معظم القوى السياسية والمجتمعية استقبلت المرسوم الرئاسي بالترحيب، عملا بالحكمة التي تقول "أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا"، لكن ذلك لا يعفيها من مسؤولية التوحد وبذل كل الجهود المطلوبة للإجابة بمسؤولية عالية عن كل الأسئلة المطروحة، وإيجاد الحلول لكل الإشكالات سواء تلك التي أوجدها الاحتلال، أو التي طرحها الواقع وغياب الانتخابات لفترة طويلة، أو التي خلفها عهد الانقسام المرير، وكذلك الثغرات والالتباسات التي حملها المرسوم والقرارات بقوانين التي سبقته.
من أهم القضايا المتصلة بالانتخابات ضرورة مغادرة، أو على الأقل تقليص الوهم بان الانتخابات هي هدف وغاية في حد ذاتها وأنها قادرة على حسم كل خلافاتنا، أو أن الانتخابات هي آلية لتداول السلطة، ففكرة تداول السلطة في ظل الاحتلال هي تعبير عن تداول المنافع وتقاسمها لأن السلطة الحقيقية على الأرض وعلى الأجواء والحدود وحتى على السكان هي للاحتلال الذي يتحكم في كل شيء وما يتبقى للتداول هو الفتات الهزيل.
الانتخابات هي في الجوهر وسيلة وأداة لإعادة ترتيب أمورنا، وتنظيم شؤوننا، على قاعدة أن قضيتنا الرئيسية هي الخلاص من الاحتلال، وبالتالي فإن الانتخابات هي أداة لإعادة بناء الشراكة الوطنية وتحمل أعباء النضال والمسؤوليات، وتجسيد شعار الشراكة في القرار الوطني والمجتمعي كما هي الشراكة في النضال وفي بناء الوطن، لهذا السبب بالتحديد تصبح المشاركة في الانتخابات مسؤولية وطنية وينبغي تسهيل مشاركة جميع الأطراف فيها من خلال توفير ضمانات النزاهة من جهة، وإشراك الجميع في مهام التحضير والإشراف والرقابة، والتوحد في مواجهة محاولات الاحتلال اللعب على هذا الوتر من خلال التعرض لبعض المرشحين والفئات بالاعتقال أو منع الحركة.
من أهم المسائل على الإطلاق قضية مشاركة القدس والمقدسيين في الانتخابات، حيث من المقرر أن تجري هذه الانتخابات بعد 25 عاما من إجراء الانتخابات الأولى عام 1996، و15 من الانتخابات التشريعية عام 2006، وخلال هذه الأعوام مرت مياه كثيرة من تحت الجسر، وكثفت سلطات الاحتلال من إجراءاتها لتهويد القدس وسلخها عن محيطها الفلسطيني، وبعد أن اعترف الرئيس ترامب بسيادتها، شددت دولة الاحتلال إجراءاتها ضد كل ما يرمز للوجود الفلسطيني في القدس، فاعتقلت محافظ القدس ووزيرها ومعظم المسؤولين المرتبطين بالسلطة وسحبت هويات نوابها ووزيرها السابق، وباتت تتصدى لأي نشاط ذي صبغة فلسطينية حتى لو كان نشاطا رياضيا أو اجتماعيا.
من الطبيعي إذن أن تسعى إسرائيل لمنع إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس، أو تقليصها إلى أضيق نطاق ممكن، والمؤسف أن بعض الفلسطينيين بات يتطوع لاقتراح حلول إدارية لهذه المشكلة وكأن الأمر هو كيفية التحايل على القيود الإسرائيلية.
مشاركة المقدسيين في الانتخابات هي قضية وطنية بالدرجة الأولى قبل أن تكون استحقاقا ديمقراطيا أو شأنا إداريا وإجرائيا، إنها قضية السيادة الحقيقية المستمدة من إرادة الشعب على المدينة المقدسة وعاصمة الفلسطينيين الروحية والثقافية قبل أن تكون عاصمتهم السياسية، وما دامت القضية كذلك فهي تستحق معركة حقيقية يخوضها الشعب الفلسطيني بكل إمكانياته معززا بدعم دولي واسع ولا جدال فيه حول تبعية القدس الشرقية ومواطنيها وانتمائهم لفلسطين، ومعركة كهذه تستحق أن تحتل مكان الصدارة في اهتمام القوى السياسية والمجتمعية باعتبارها العنوان الأول لنزاهة أي عملية انتخابية في المستقبل.
أضف تعليق