اقتحام الكابيتول: محاولة انقلابية فاشلة لها ما بعدها
ما حصل في العاصمة الأميركية واشنطن، يوم السادس من الشهر الجاري، غير مسبوق، وهو محاولة انقلابية فاشلة يقف وراءها رئيس مهزوم لا يريد أن يسلّم بهزيمته، ولكنه فعل كل ما يلزم لإنجاح الانقلاب، بدءًا بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، وتحريض حزبه ومؤيديه للتحرك بقوة لمنع سرقة الانتخابات، وقام تحضيرًا للانقلاب بعزل وزيري الدفاع والعدل، وتغيير وعزل عشرات الموظفين والضباط، وإصدار العفو عن الكثير من أقربائه وأصدقائه.
معضلة ترامب أنّه لم يقدر على تنفيذ انقلاب ناجح بعد أن تخلّى عنه الكثير من مساعديه وموظفيه وقادة حزبه، حتى نائبه مايك بنس الذي يعد زعيم الإنجيليين المتطرفين ويشاطره بأن الانتخابات سرقت، لم يلب طلبه بالطعن في نتائج الانتخابات خلال اجتماع الكونغرس بمجلسيه الذي يرأسه بحكم منصبه، وهو يصادق على نتائج الانتخابات بوصفها الخطوة الأخيرة في العملية الدستورية، كون يوم العشرين من هذا الشهر يوم التنصيب ولا يحتمل أي تجاذبات.
تدلّ المحاولة الانقلابية الفاشلة على أنّ النظام الأميركي لا يزال قويًا رغم الضربة القوية التي تعرض لها، وهي ليست نهاية المطاف، فالرئيس ترامب لا يزال هو الرئيس بكامل الصلاحيات، ويستطيع قانونيًا إعلان حالة الطوارئ وشن حرب خارجية لكي يبقى رئيسًا حتى إشعار آخر، مع أن هذا الاحتمال بات بعد ما جرى مستبعدًا جدًا إلى درجة الاستحالة، وهو كان مستبعدًا حتى قبل "غزوة الكابيتول"رغم مبالغة بعض المحللين والخبراء العرب والأميركان والأجانب بهذا الأمر، لدرجة تصوير انقلاب ترامب ونجاحه ودخول أميركا في حرب حرب أهلية حتمي، وبعضهم قال بنسبة 100%.
إن شن الحرب بشكل عام، وغير المضمونة النتائج بشكل خاص، ليس قرارًا هينًا، ولن يمر بسهولة داخل المؤسسات والدولة العميقة التي ما زالت تعمل رغم الانقسام، حتى لو كان الرئيس مجنونًا ومذعورًا ومهزومًا، بدليل تحذير عشرة وزراء دفاع سابقين، هم كل وزراء الدفاع الأحياء الذين تقلدوا هذا المنصب، من استخدام الجيش لتعطيل استكمال عملية الانتقال بعد مصادقة المجمع الانتخابي عليها، وبعد سقوط مختلف الطعون القانونية.
والجدير بالذكر أن نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب اجتمعت برئيس الأركان، وطلبت منع ترامب من شن أي حرب قبل مغادرته البيت الأبيض، وهذا موقف 16 جنرالًا من كبار قادة البنتاغون .
نظريًا، ترامب بحكم صلاحياته قادر على شن الحرب حتى العشرين من هذا الشهر على الصين، وهذا قرار خطير جدًا ومستبعد جدًا، وربما كليًا. فالحرب بحاجة إلى مقدمات وتحضير، مثلما تنفيذ انقلاب ناجح بحاجة إلى تحضيرات كبيرة وقوة كافية في بلد فيه مؤسسات قوية وعريقة، فلو شهدنا مظاهرات واشتباكات متعاظمة منذ النتائج الأولية للانتخابات في مختلف الولايات لكان للانقلاب فرصة بالنجاح، أما تمرد قام به عشرات الآلاف من دون دعم من المؤسسات القوية، بما فيها الحزب الجمهوري، فنتيجته معروفة.
أما بشأن احتمال شن ترامب الحرب على إيران، فهذا الأمر بحاجة إلى موافقة الكونغرس وفقًا لقرار سابق، وبالتالي فشن الحرب عليها غير ممكن إلا في حالة الدفاع عن النفس ردًا على هجوم إيراني، وهذا مستبعد جدًا، إن لم يكن مستحيلًا، لأن قادة طهران كما أعلنوا وتصرفوا لن يقعوا في المصيدة المنصوبة لهم بالمساعدة على وقوع حرب في وقت غير مناسب لهم.
لا يعني ما سبق أن خطر الترامبية قد زال، بوجود ترامب أو بغيابه، بل لا يزال قائمًا، فأثناء حكمه زاد الانقسام داخل الولايات المتحدة بصورة عميقة، النابع من بنية النظام الرأسمالي وعلى خلفية خلافات قيمية وهوياتية وسياساتية تصاعدت مع زيادة نسبة الأميركيين من أصول أجنبية غير بيضاء، ووصلت إلى حد التحريض والدعوات للإقصاء، وانفلات العنصرية من عقالها، واستخدام العنف وأخذ القانون باليد، ما أوصل الأمر إلى ما حصل يوم السادس من هذا الشهر. وهو حدث يضرب بالصميم صورة الديمقراطية الأميركية، ويظهر مدى العنصرية التي دفعت حتى إلى التساؤل حول كيفية وقدرة إدارة بايدن على استخدام الديمقراطية وحقوق الإنسان كأداة لخدمة السياسة الخارجية الأميركية لاحقًا بعدما حدث ما حدث، كما كان يجري سابقًا، والتساؤل حول تمكّن عدد يعدّ صغيرًا من المتمردين من النجاح في الاقتحام مع أن نواياهم ومخططاتهم بالاقتحام والمحاولة الانقلابية لمنع انتقال السلطة كانت معروفة مسبقًا، ولو كانت المخططات من السود والأقليات الأخرى فهل سيتم التعامل معهم بهذا الشكل اللطيف؟
ترامب، والأهم أفكاره، له قاعدة تأييد واسعة، بدليل حصوله على تأييد 75 مليون ناخب، إذ هناك 54% من الجمهوريين يقولون إنهم ترامبيون إذا خيّروا بين ذلك وبين أنهم جمهوريون، كما أن 85% من المصوتين له في الانتخابات يوافقون معه على أن الانتخابات سرقت، و45% منهم دعموا اقتحام الكابيتول.
إن محاولة عزل ترامب في الأيام الأخيرة رغم أنها شبه مستحيلة النجاح، كونها بحاجة إلى موافقة نائبه الذي قال إنه سيأخذ بها فقط في حال استمر عدم استقرار ترامب، وإلى أغلبية الحكومة، وموافقته هو أو موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ في ظل معارضة واسعة من الحزب الجمهوري؛ ستزيد الانقسام، وستقدمه كضحية قد تستدعي المزيد من التأييد له والتحرك لمناصرته.
ومن يقلل من خطر ترامب (والترامبية) على أساس أنه لحظة عابرة وليس نتاجًا طبيعيًا للنظام الأميركي والنيوليبرالية المتوحشة والشعبوية، وأنه سيحاكم بعد تسلّم بايدن سدة الرئاسة، عليه أن يعرف أن بمقدور ترامب أن يستقيل قبل نهاية مدة رئاسته، على أن يقوم نائبه بنس الذي سيصبح رئيسًا بإصدار العفو عنه (إذا وافق بنس على ذلك) فيما يتعلق بالقضايا الفيدرالية، أما القضايا المحلية التي تتعلق بالولايات فستلاحقه على خلفية تهرّبه من الضرائب وغيرها، وهذه تستغرق وقتًا طويلًا.
إن الديمقراطية الأميركية، والغربية عمومًا، بعد ما جرى في محنة كبيرة، فما جرى منذ تمكّن واحد مثل ترامب بالفوز بالرئاسة إلى ما حصل في مقر الكونغرس، يشبه ما حصل عندما تمكّن واحد مثل هتلر من الفوز بالرئاسة، وعندما تمكن زعماء شعبويون أو أحزاب شعبوية من الفوز في انتخابات بلدانهم مع أنهم لا يؤمنون بالقيم الديمقراطية.
يدل ما حدث على أن الديمقراطية وأنظمتها الانتخابية بحاجة إلى تغيير جذري وشامل، فلن تنفع هذه المرة قدرة النظام على تكييف وإصلاح نفسه، لأن الظروف مختلفة والمأزق أعمق بكثير.
فلا ديمقراطية حقيقية من دون عدالة اجتماعية ومساواة بين المواطنين، بغض النظر عن الدين واللون والجنس والمعتقد، ومن دون عنصرية بغيضة وفصل حقيقي بين السلطات، وتداول حقيقي للسلطة لا يقتصر على حزبين أو أحزاب عدة لا يختلفون كثيرًا عن بعضهم البعض وينتمون إلى نفس النظام السياسي الرأسمالي المسؤول عن الكثير من الشرور والظلم والاستغلال والفقر والجوع والاستعمار والمذابح والحروب التي عانت منها البشرية جمعاء.
هناك حاجة إلى دمقرطة الديمقراطية، لتكون ديمقراطية حقيقية، تكسر استقطاب الحزبين أو المنافسة بين عدد صغير من الأحزاب، وتضع حدًا لأنظمة انتخابية تمكّن أمثال هتلر وترامب والأقوياء والأغنياء فقط من الفوز، بينما يبقى التمييز والقهر والاستغلال بكل أشكاله، وخصوصًا العنصرية البغيضة، تمارس ضد معظم السكان، خصوصًا من الطبقات الشعبية والفقيرة.
ظاهرة صعود الأمم والإمبراطوريات عبر التاريخ وهبوطها أقرب إلى القانون الذي لا مهرب منه، وهي أوضحت أنها تسقط من الداخل أولًا وأساسًا، ويأخذ السقوط أو يساعد عليه شكل الصراع والحرب بكل أشكالها بين الإمبراطورية القديمة المختارة والإمبراطورية الصاعدة.
وهناك ما يدل على أن الإمبراطورية الأميركية دخلت في مرحلة الأفول، ولعلّها استعانت بترامب في محاولة لإيقاف عجلة التاريخ، ولو نجح ترامب في ولاية ثانية لكان ذلك سيسرع في انهيارها بدلًا من إنقاذها، وربما حصلت الحرب الأهلية وتقسّمت الولايات المتحدة إلى بلدان عدة.
في المقابل، يمثل نجاح بايدن محاولة جديدة لوقف الانقسام وإعادة اللحمة ومنع الانهيار القادم، وإذا استخدمت نفس السياسات والأساليب السابقة، فالفشل هو الحصاد الوحيد المحتمل.
ولعل سقوط النموذج الديمقراطي، مع أن الديمقراطية أفضل نظام سيئ للحكم، يساعد على التغيير، وتبلور أحزاب ديمقراطية من نوع جديد. ولعل تبلور تيار يساري تقدمي داخل الحزب الديمقراطي الأميركي يمثل أول الغيث على أمل أن يتطور إلى نموذج قادر على التغيير المطلوب، وأن البشرية بحاجة إلى أكبر من استمرار تبادل السلطة بين حزبين يشكلان وجهين لعملة واحدة. فأميركا والعالم كله بحاجة إلى تغيير شامل قبل أن نشهد كوارث يكون فيروس كورونا مجرد مزحة بالنسبة إليها.
معضلة ترامب أنّه لم يقدر على تنفيذ انقلاب ناجح بعد أن تخلّى عنه الكثير من مساعديه وموظفيه وقادة حزبه، حتى نائبه مايك بنس الذي يعد زعيم الإنجيليين المتطرفين ويشاطره بأن الانتخابات سرقت، لم يلب طلبه بالطعن في نتائج الانتخابات خلال اجتماع الكونغرس بمجلسيه الذي يرأسه بحكم منصبه، وهو يصادق على نتائج الانتخابات بوصفها الخطوة الأخيرة في العملية الدستورية، كون يوم العشرين من هذا الشهر يوم التنصيب ولا يحتمل أي تجاذبات.
تدلّ المحاولة الانقلابية الفاشلة على أنّ النظام الأميركي لا يزال قويًا رغم الضربة القوية التي تعرض لها، وهي ليست نهاية المطاف، فالرئيس ترامب لا يزال هو الرئيس بكامل الصلاحيات، ويستطيع قانونيًا إعلان حالة الطوارئ وشن حرب خارجية لكي يبقى رئيسًا حتى إشعار آخر، مع أن هذا الاحتمال بات بعد ما جرى مستبعدًا جدًا إلى درجة الاستحالة، وهو كان مستبعدًا حتى قبل "غزوة الكابيتول"رغم مبالغة بعض المحللين والخبراء العرب والأميركان والأجانب بهذا الأمر، لدرجة تصوير انقلاب ترامب ونجاحه ودخول أميركا في حرب حرب أهلية حتمي، وبعضهم قال بنسبة 100%.
إن شن الحرب بشكل عام، وغير المضمونة النتائج بشكل خاص، ليس قرارًا هينًا، ولن يمر بسهولة داخل المؤسسات والدولة العميقة التي ما زالت تعمل رغم الانقسام، حتى لو كان الرئيس مجنونًا ومذعورًا ومهزومًا، بدليل تحذير عشرة وزراء دفاع سابقين، هم كل وزراء الدفاع الأحياء الذين تقلدوا هذا المنصب، من استخدام الجيش لتعطيل استكمال عملية الانتقال بعد مصادقة المجمع الانتخابي عليها، وبعد سقوط مختلف الطعون القانونية.
والجدير بالذكر أن نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب اجتمعت برئيس الأركان، وطلبت منع ترامب من شن أي حرب قبل مغادرته البيت الأبيض، وهذا موقف 16 جنرالًا من كبار قادة البنتاغون .
نظريًا، ترامب بحكم صلاحياته قادر على شن الحرب حتى العشرين من هذا الشهر على الصين، وهذا قرار خطير جدًا ومستبعد جدًا، وربما كليًا. فالحرب بحاجة إلى مقدمات وتحضير، مثلما تنفيذ انقلاب ناجح بحاجة إلى تحضيرات كبيرة وقوة كافية في بلد فيه مؤسسات قوية وعريقة، فلو شهدنا مظاهرات واشتباكات متعاظمة منذ النتائج الأولية للانتخابات في مختلف الولايات لكان للانقلاب فرصة بالنجاح، أما تمرد قام به عشرات الآلاف من دون دعم من المؤسسات القوية، بما فيها الحزب الجمهوري، فنتيجته معروفة.
أما بشأن احتمال شن ترامب الحرب على إيران، فهذا الأمر بحاجة إلى موافقة الكونغرس وفقًا لقرار سابق، وبالتالي فشن الحرب عليها غير ممكن إلا في حالة الدفاع عن النفس ردًا على هجوم إيراني، وهذا مستبعد جدًا، إن لم يكن مستحيلًا، لأن قادة طهران كما أعلنوا وتصرفوا لن يقعوا في المصيدة المنصوبة لهم بالمساعدة على وقوع حرب في وقت غير مناسب لهم.
لا يعني ما سبق أن خطر الترامبية قد زال، بوجود ترامب أو بغيابه، بل لا يزال قائمًا، فأثناء حكمه زاد الانقسام داخل الولايات المتحدة بصورة عميقة، النابع من بنية النظام الرأسمالي وعلى خلفية خلافات قيمية وهوياتية وسياساتية تصاعدت مع زيادة نسبة الأميركيين من أصول أجنبية غير بيضاء، ووصلت إلى حد التحريض والدعوات للإقصاء، وانفلات العنصرية من عقالها، واستخدام العنف وأخذ القانون باليد، ما أوصل الأمر إلى ما حصل يوم السادس من هذا الشهر. وهو حدث يضرب بالصميم صورة الديمقراطية الأميركية، ويظهر مدى العنصرية التي دفعت حتى إلى التساؤل حول كيفية وقدرة إدارة بايدن على استخدام الديمقراطية وحقوق الإنسان كأداة لخدمة السياسة الخارجية الأميركية لاحقًا بعدما حدث ما حدث، كما كان يجري سابقًا، والتساؤل حول تمكّن عدد يعدّ صغيرًا من المتمردين من النجاح في الاقتحام مع أن نواياهم ومخططاتهم بالاقتحام والمحاولة الانقلابية لمنع انتقال السلطة كانت معروفة مسبقًا، ولو كانت المخططات من السود والأقليات الأخرى فهل سيتم التعامل معهم بهذا الشكل اللطيف؟
ترامب، والأهم أفكاره، له قاعدة تأييد واسعة، بدليل حصوله على تأييد 75 مليون ناخب، إذ هناك 54% من الجمهوريين يقولون إنهم ترامبيون إذا خيّروا بين ذلك وبين أنهم جمهوريون، كما أن 85% من المصوتين له في الانتخابات يوافقون معه على أن الانتخابات سرقت، و45% منهم دعموا اقتحام الكابيتول.
إن محاولة عزل ترامب في الأيام الأخيرة رغم أنها شبه مستحيلة النجاح، كونها بحاجة إلى موافقة نائبه الذي قال إنه سيأخذ بها فقط في حال استمر عدم استقرار ترامب، وإلى أغلبية الحكومة، وموافقته هو أو موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ في ظل معارضة واسعة من الحزب الجمهوري؛ ستزيد الانقسام، وستقدمه كضحية قد تستدعي المزيد من التأييد له والتحرك لمناصرته.
ومن يقلل من خطر ترامب (والترامبية) على أساس أنه لحظة عابرة وليس نتاجًا طبيعيًا للنظام الأميركي والنيوليبرالية المتوحشة والشعبوية، وأنه سيحاكم بعد تسلّم بايدن سدة الرئاسة، عليه أن يعرف أن بمقدور ترامب أن يستقيل قبل نهاية مدة رئاسته، على أن يقوم نائبه بنس الذي سيصبح رئيسًا بإصدار العفو عنه (إذا وافق بنس على ذلك) فيما يتعلق بالقضايا الفيدرالية، أما القضايا المحلية التي تتعلق بالولايات فستلاحقه على خلفية تهرّبه من الضرائب وغيرها، وهذه تستغرق وقتًا طويلًا.
إن الديمقراطية الأميركية، والغربية عمومًا، بعد ما جرى في محنة كبيرة، فما جرى منذ تمكّن واحد مثل ترامب بالفوز بالرئاسة إلى ما حصل في مقر الكونغرس، يشبه ما حصل عندما تمكّن واحد مثل هتلر من الفوز بالرئاسة، وعندما تمكن زعماء شعبويون أو أحزاب شعبوية من الفوز في انتخابات بلدانهم مع أنهم لا يؤمنون بالقيم الديمقراطية.
يدل ما حدث على أن الديمقراطية وأنظمتها الانتخابية بحاجة إلى تغيير جذري وشامل، فلن تنفع هذه المرة قدرة النظام على تكييف وإصلاح نفسه، لأن الظروف مختلفة والمأزق أعمق بكثير.
فلا ديمقراطية حقيقية من دون عدالة اجتماعية ومساواة بين المواطنين، بغض النظر عن الدين واللون والجنس والمعتقد، ومن دون عنصرية بغيضة وفصل حقيقي بين السلطات، وتداول حقيقي للسلطة لا يقتصر على حزبين أو أحزاب عدة لا يختلفون كثيرًا عن بعضهم البعض وينتمون إلى نفس النظام السياسي الرأسمالي المسؤول عن الكثير من الشرور والظلم والاستغلال والفقر والجوع والاستعمار والمذابح والحروب التي عانت منها البشرية جمعاء.
هناك حاجة إلى دمقرطة الديمقراطية، لتكون ديمقراطية حقيقية، تكسر استقطاب الحزبين أو المنافسة بين عدد صغير من الأحزاب، وتضع حدًا لأنظمة انتخابية تمكّن أمثال هتلر وترامب والأقوياء والأغنياء فقط من الفوز، بينما يبقى التمييز والقهر والاستغلال بكل أشكاله، وخصوصًا العنصرية البغيضة، تمارس ضد معظم السكان، خصوصًا من الطبقات الشعبية والفقيرة.
ظاهرة صعود الأمم والإمبراطوريات عبر التاريخ وهبوطها أقرب إلى القانون الذي لا مهرب منه، وهي أوضحت أنها تسقط من الداخل أولًا وأساسًا، ويأخذ السقوط أو يساعد عليه شكل الصراع والحرب بكل أشكالها بين الإمبراطورية القديمة المختارة والإمبراطورية الصاعدة.
وهناك ما يدل على أن الإمبراطورية الأميركية دخلت في مرحلة الأفول، ولعلّها استعانت بترامب في محاولة لإيقاف عجلة التاريخ، ولو نجح ترامب في ولاية ثانية لكان ذلك سيسرع في انهيارها بدلًا من إنقاذها، وربما حصلت الحرب الأهلية وتقسّمت الولايات المتحدة إلى بلدان عدة.
في المقابل، يمثل نجاح بايدن محاولة جديدة لوقف الانقسام وإعادة اللحمة ومنع الانهيار القادم، وإذا استخدمت نفس السياسات والأساليب السابقة، فالفشل هو الحصاد الوحيد المحتمل.
ولعل سقوط النموذج الديمقراطي، مع أن الديمقراطية أفضل نظام سيئ للحكم، يساعد على التغيير، وتبلور أحزاب ديمقراطية من نوع جديد. ولعل تبلور تيار يساري تقدمي داخل الحزب الديمقراطي الأميركي يمثل أول الغيث على أمل أن يتطور إلى نموذج قادر على التغيير المطلوب، وأن البشرية بحاجة إلى أكبر من استمرار تبادل السلطة بين حزبين يشكلان وجهين لعملة واحدة. فأميركا والعالم كله بحاجة إلى تغيير شامل قبل أن نشهد كوارث يكون فيروس كورونا مجرد مزحة بالنسبة إليها.
أضف تعليق