22 كانون الأول 2024 الساعة 16:58

كتاب «الرأسمالية المعاصرة في أطرافها».. راهنية البحث في أزمات الرأسمالية المتجدّدة!

2020-12-02 عدد القراءات : 856

صدرت أخيراً طبعة ثانية من كتاب «الرأسمالية المعاصرة في أطرافها» عن المركز الفلسطيني للتوثيق والنشر (ملف)، بتوقيع قيس عبد الكريم وسليمان الرياشي، ضمن سلسلة «من الفكر السياسي الفلسطيني المعاصر».  وتعود الطبعة الأولى للكتاب إلى عام 1993. وهو يعدّ إحدى الوثائق الرئيسية للمؤتمر الوطني العام الثالث للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (1994).

ومما جاء في مقدمة الكتاب، أنّ «القضايا التي تتوقف أمامها هذه الوثيقة، بمقارباتها وخلاصاتها، ما زالت تحتفظ براهنيتها رغم انقضاء ما يقارب ثلاثة عقود على طرحها». ذلك أنها «تطرح للبحث أموراً تتصل بما تنطوي عليه المرحلة الجديدة من تطور الرأسمالية المعاصرة، وهل تضع التغيرات التي طرأت عليها موضع تساؤل المفاهيم الأساسية التي صاغها ماركس لتحليل نمط الإنتاج الرأسمالي.. الخ».

وتضمن الكتاب أربعة أقسام. الأول تحت عنوان: «في الاقتصاد السياسي لنمط الانتاج الرأسمالي». وحمل الثاني عنوان؛ «الطبقة العاملة، الفئات الوسطى، أزمة علم الاقتصاد البورجوازي»، وتضمن فصلين: اشتغل أولهما على دحض مقولة منحى الطبقة العاملة للاضمحلال بفعل الثورة العلمية – التكنولوجية. وتوقف ثانيهما، أمام أزمة علم الاقتصاد البورجوازي، بدءاً من مرحلة المؤسّسين، مروراً بـ«الكينزية»، وانتهاء بـ«النيوليبرالية»، ومدرسة «النقوديين»، ليصل إلى خلاصة مفادها: «عجز هذا العلم، بمختلف مدارسه، عن اجتراح حلول استراتيجية للمعضلات التي تطرحها اقتصاديات الرأسمالية المعاصرة، والأزمات التي تجتاحها دورياً».

أما القسم الثالث، فحمل عنوان «في الاقتصاد السياسي .. نموذج البلدان النامية»، وضم فصلين: تناول أولهما؛ رأسمالية الأطراف من زاوية تكثيف النهب الإمبريالي، وتعاظم السمات الكومبرادورية لرأس المال الطرفي؛ وثانيهما، ركز على النهب الإمبريالي للبلدان النامية أو المتخلفة، وآثاره وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية.

واستكمل القسم الرابع، «الاقتصاد السياسي ... نموذج البلدان العربية»، ما سبق مركّزاً على معالم التطور الرأسمالي التبعي في العالم العربي؛ وتناول السعودية كنموذج للبلدان العربية ذات الاقتصاد النفطي، إضافة إلى نماذج عن البلدان العربية شبه النفطية وغير النفطية. ليخلص في ختامه إلى قضية العجز عن تحقيق التنمية في البلدان العربية في ظل الأنظمة البورجوازية الحاكمة، وما يطرحه ذلك من مهام على حركة التحرر الوطني والديمقراطي العربية.

مسار الرأسمالية وتحولاتها

ولعلّ أهم ما تضمنه القسم الأول هو تناوله لمسار التطور الرأسمالي ومرحلة الإمبريالية المتطورة، بدءا مما كشف عنه ماركس بشأن التناقض الأساس في الرأسمالية والقوانين التي تحكم تطورها. هذا التناقض الذي ينشأ ويتأصّل في صميم عملية إعادة إنتاج رأس المال، وخصوصاً بين شروط إنتاج فائض القيمة وشروط تحقّقه. بين الميل إلى زيادة الإنتاج ومحدودية الاستهلاك التي تحدّ من إمكانية تحقيق فائض القيمة وتحويله مجدداً إلى رأسمال.

ومن الوسائل التي يلجأ إليها رأس المال للتغلب على الأزمات الدورية للرأسمالية؛ تكثيف استغلال العمل، والتجديد التكنولوجي، وتوسيع السوق العالمية، وتصدير رأس المال إلى الخارج، وهي وسائل تقود مؤقتاً إلى تنفيس ضغط الأزمة، ولكنها تؤدي إلى إعادة إنتاج الأزمة على مستوى أعلى وأعمق.

وقد شهدت الرأسمالية عبر مسار تطورها التاريخي تحولات نوعية في بنيتها، كان أبرزها التحول من رأسمالية المنافسة الحرة إلى رأسمالية احتكارية، وهو ما اقترن مع تعميم منجزات الثورة الصناعية الأولى في أواخر القرن 19، ومطلع القرن 20، ومع اندماج رأس المال الصناعي ورأس المال المصرفي، وظهور رأس المال المالي؛ الذي سيطر على عمالقة الانتاج الاقتصادي في الصناعة والمصارف معاً.

وقد حلل لينين هذا التحول وبيّن أنّه يتميز بنشوء الاحتكارات وهيمنتها على قطاعات رئيسية من اقتصادات البلدان الرأسمالية المتطورة، قبل أن تمدّ نفوذها كذلك إلى المستعمرات والبلدان المتخلفة والتابعة، في ظلّ تعاظم حركة تصدير رأس المال المالي إلى مختلف أرجاء العالم.

وميز لينين هذا التحول على أنه علامة على دخول الرأسمالية مرحلتها الإمبريالية. كما اكتشف قانون التطور المتفاوت الذي يحكم الرأسمالية في هذه المرحلة، وأوضح أن قوانين المنافسة الاحتكارية تقود إلى تعميق التفاوت في النمو والتطور بين قطاعات الإنتاج؛ داخل البلد الواحد وكذلك بين البلدان. وهي تحكم على البلدان المتأخرة والتابعة بمزيد من التخلف والتبعية، بينما يزداد استقطاب الثروة وتراكمها لدى عدد قليل من الرأسماليين في البلدان الغنية والمتطورة. كما تقود إلى تغيرات متوالية في نسبة القوى بين الدول الإمبريالية الكبرى، وإلى تعاقب فترات التوافق أو الصراع فيما بينها، وبالتالي إلى تفاقم النزعة العسكرية وتعاظم التسلح وانتشار الحروب.

وقد جاء اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية. وكذلك سلسلة الثورات والحروب والأزمات الاقتصادية المدمرة في الفترة ما بينهما (1918 – 1939)، ليؤكد صحة استخلاص لينين السابق. وخلال هذه الفترة، شهدت البلدان الرأسمالية المتطورة اندماج الطغمة المالية مع بيروقراطية الدولة وبروز ظاهرة رأسمالية الدولة الاحتكارية، بما يجعل من الدولة «حكماً» بين الاحتكارات وأداة توازن لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للنظام.

الرأسمالية والعولمة

وقد ميّز هذه المرحلة؛ العولمة المتزايدة لنمط الإنتاج الرأسمالي، والتدويل المتسارع لعملية إنتاج وتداول رأس المال، ونشوء الاحتكارات ما فوق القومية وهيمنتها الكاملة على الأسواق الوطنية لبلدانها، وكذلك على حصص رئيسية من الاقتصاد العالمي، وذلك عبر ظاهرة تصدير رأس المال إلى خارج بلدانه الأصلية في سياق اتساع نطاق النشاط الدولي للاحتكارات العابرة للحدود والقومية.

وترافق ذلك طبعاً مع التصفية شبه التامة لأنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية، وسيادة نمط الإنتاج الرأسمالي حتى في البلدان المتخلفة والتابعة، مع طغيان السمة الكومبرادورية على رأسمالها المحلي، بما يعزز التداخل والتشابك في المصالح بينه، وبين رأس المال الاحتكاري الدولي.

ويشدّد الكتاب في قسمه الثالث، على أن تصفية النظام الاستعماري القديم لم تكن تعني إنهاء، أو تخفيف النهب الإمبريالي لبلدان الأطراف، وأنّ الخطاب الليبرالي الذي يصور عملية تصدير رأس المال الاحتكاري إلى البلدان التابعة بوصفها وسيلة ناجعة لتنمية هذه البلدان وتطوير اقتصادها، ليس أكثر من تضليل للتمويه والتغطية على عملية نهب شاملة للفائض الاقتصادي للبلدان الطرفية، بأشكال ووسائل مختلفة، وتوظيف ذلك في خدمة تراكم رأس المال الاحتكاري في المراكز الإمبريالية. فالأرباح الخارقة التي تجنيها رؤوس الأموال الاحتكارية المصدّرة إلى البلدان التابعة، تمثل نهب الفائض الاقتصادي للبلد التابع، وقطع دورة التراكم وإعادة الإنتاج فيه، والحكم عليه بالتخلف والتبعية.

تعميق النهب والتبعية

وركّز الكتاب على أنّ أبرز آليات النهب وتعميق التبعية تتمثل في العناوين التالية:

أ) تعميق اللاتكافؤ في شروط التبادل التجاري في السوق العالمية: وذلك بفضل إحكام قبضة الاحتكارات فوق القومية على التكنولوجيا الحديثة، حيث يصبح تصدير هذه التكنولوجيا واحداً من أبرز آليات الهيمنة والاستتباع.

ب) الاستثمار المباشر لرأس المال الأجنبي: وذلك عبر نقل رأس المال الاحتكاري إلى البلدان التابعة، وتوظيفه في حلقات الانتاج التي تتطلب كثافة عالية في اليد العاملة، وتتميز بانخفاض نسبة التكوين العضوي لرأس المال، إضافة إلى ممارسة الضغوط من أجل إعادة هيكلة صناعات القطاع العام في البلدان المدينة لتصبح حلقات في السلسلة الإنتاجية المتكاملة للاحتكار الدولي.

ج) تعميق العلاقة الكمبرادورية بين رأس المال المحلي، وبين رأس المال الاحتكاري الدولي: وذلك من خلال سيطرة الاحتكارات على أسواق البلدان التابعة، وإقامة الشراكات وعقود المقاولة الفرعية، أو اتفاقات التزويد بالتكنولوجيا والمواد نصف المصنعة، وبيع أو تأجير التراخيص وبراءات الاختراع والعلامات الفارقة مقابل حصص مقطوعة، أو نسب من الأرباح.

د) الديون الخارجية كآلية رئيسة للنهب والسيطرة وتعميق التبعية والإرتهان: لقد بيّنت تجارب الكثير من البلدان أن الرأي القائل بأن القروض والمساعدات الخارجية يمكن أن توظف لصالح عملية التنمية والتطور الاقتصادي، مجرد ادعاء ووهم باطل. فهذه القروض والمساعدات ليست سوى وسيلة من وسائل مصادرة الفائض الاقتصادي للبلدان التابعة، وآلية رئيسية من آليات تعميق التبعية والارتهان وتعزيز السيطرة الاستعمارية الجديدة، وإغراق البلدان التابعة بتسديد أقساط وفوائد الديون التي تتضاعف بوتائر مفزعة.

ح) هروب رأس المال المحلي من الأطراف إلى المركز: مفضلاً العوائد المضمونة والمردود السريع الذي يحصل عليه من المضاربة في الأسواق الدولية، أو على شكل ودائع أو أسهم وسندات، بدلاً من أن يتحمل مخاطر توظيف نفسه في موطنه، وتعرضه لنتائج الآثار المدمرة والطاحنة لقوانين المنافسة الاحتكارية.

إن قيمة رأس المال العائد لحكومات، أو أفراد من بلدان العالم الثالث، والموظف في اقتصادات المراكز المتقدمة، يزيد كثيراً عن قيمة مجموع الديون الخارجية المستحقة على هذه البلدان، وذلك في ظل استنزاف موارد الأوطان ونهب ثرواتها. وتعميق التطابق والتداخل في المصالح بين رأس المال المحلي المتحول كومبرادورياً في البلدان الطرفية، وبين رأس المال الاحتكاري في بلدان المركز، وهو ما يشكل الركيزة الأساسية لنظام الهيمنة الاستعمارية الجديد، والآلية الرئيسية لإعادة إنتاج علاقات التبعية التي تربط البلدان التابعة بالمراكز الإمبريالية المتطورة.

وتتعزز هذه العلاقات بفعل آليات الهيمنة الاستراتيجية والسياسية والعسكرية، التي تتضمن ربط البلدان التابعة بشبكة الأحلاف الاستراتيجية والمعاهدات الأمنية، أو التواجد العسكري المباشر على أراضيها، بحجة حمايتها من الأخطار الخارجية؛ إضافة إلى تشجيع ودعم أنظمة الحكم الرجعية والاستبدادية وربطها الوثيق بالمنظومة الاستراتيجية للإمبريالية العالمية؛ واستخدام العون العسكري التسليحي والتدريبي مدخلاً للتغلغل في جيوش هذه البلدان، ونسج علاقات مع عناصر وأجنحة من أنظمة البورجوازية الوطنية الحاكمة في بعض البلدان، وتشجيع تحولها الكومبرادوري واستخدامها مرتكزاً للتأثير على خياراتها السياسية والاقتصادية؛ استخدام وسائل الضغط والعقوبات الاقتصادية كقطع المساعدات، أو فرض الحصار المالي أو التجاري، وتغذية الصراعات بين الدول النامية، واستغلال وتغذية تناقضاتها الاثنية أو الطائفية، واستخدامها مدخلاً للتدخل في شؤونها الداخلية، وصولاً إلى التدخل العسكري المباشر والعدوان المفضوح بذرائع شتى.

كيف ولد نظام التخلف والتبعية؟

ويلقي الكتاب الضوء على نقطة بداية ولادة «نظام» التخلف والتبعية في البلدان النامية، وهي تلك اللحظة التي جرت فيها المواجهة بين المراكز الرأسمالية الأوروبية في المرحلة الامبريالية، وبين بلدان لم يكن التراكم الأولي فيها قد وصل إلى المستوى الذي يُمكِنَه من بناء علاقات اقتصادية رأسمالية تقوم على هيمنة الإنتاج السلعي، وتشكيل السوق الرأسمالية الوطنية. وقد انتهت المواجهة إلى النتائج المعروفة، فباتت البلدان المتخلفة أسواقاً تابعة للأسواق الرأسمالية المركزية ومكملة لها.

أما الدول الآسيوية، التي اختُزِلت غالباً في دعاية المؤسسات المالية والنقدية، بتسمية «النمور الآسيوية»، (كوريا الجنوبية، تايوان، هونج كونج، سنغافورة)، من أجل تكريسها كنموذج للبلدان النامية الناجحة، فيرى الكتاب أنها تُقدم نموذجاً لبلدان نامية كسرت طوق التخلف بالتعاون مع المراكز الرأسمالية، وليس بالتناقض معها، فهي نجحت في انتزاع حصة لها في السوق العالمية، كما نجحت في استقبال الاستثمارات الأجنبية، فوفرت لها الضمانات والتسهيلات، أي ما يطلبه صندوق النقد والبنك الدوليين من كافة الدول النامية، ونجحت كذلك في تشكيل قطاع خاص يقود بجدارة عملية التنمية.

ولكن الكتاب يشدّد على أنّ تجربة التنمية في هذا الشريط الآسيوي، لا يمكن أن تكون معزولة، (وخاصة بالنسبة لكوريا الجنوبية وتايوان)، عن الحرب الباردة، التي أملت قيام الولايات المتحدة بتشكيل «محور استراتيجي» في المنطقة ضد الاتحاد السوڤييتي والصين الشعبية، وإعطاء وضع مميَّز لهذه البلدان لتنصيبها كنماذج (اقتصادية) ناجحة في وجه الدول الاشتراكية.

ويعتبر الكتاب أنّ التدفقات المالية المقدّمة كـ«مساعدات واستثمارات» من الولايات المتحدة إلى هذه البلدان، تندرج ضمن الفهم السابق؛ حيث تكثفت هذه المساعدات في إطار مشروع «النقطة الرابعة» الأميركي، والذي شكل بعد الحرب امتداداً لمشروع مارشال المُخصص لإعادة إعمار أوروبا. كما بلغت الاستثمارات الأميركية في الفترة الممتدة بين عامي 1967 و 1980، في البلدان الآسيوية المعنية، ثلاثة أمثال حجم توظيفاتها في العالم عموماً. أما حجم الاستثمارات اليابانية فكانت أكبر من نظيرتها الأميركية.

وقد استفادت رؤوس الأموال الأجنبية المُستثَمرة في هذه البلدان من العمالة الرخيصة والقدرة الواسعة على تكثيف استغلال قوة العمل، ولم يكن إطار هذه الإفادة إطاراً محض اقتصادي، بل لعب التواطؤ بين البورجوازية المحلية والبورجوازية العالمية، ووجود إطار سياسي وقانوني عام دوراً مؤكداً في ذلك.

الرأسمالية التبعية في العالم العربي

وفي القسم الرابع ركّز الكتاب على أنّ اندماج البلدان العربية في الاقتصاد الرأسمالي العالمي من موقع التبعية، أفقد اقتصاداتها القدرة على تحديد أولوياتها، والتركيز على تنميتها الداخلية، وذلك في ظلّ أنظمة حاكمة تداخلت مصالح قياداتها الطبقية، على نحو واسع، مع مصالح البورجوازية العالمية، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. إلى جانب تفاقم السمة الكومبرادورية والطفيلية للاقتصادات العربية انسجاماً مع، واستجابة لتوجهات المؤسسات المالية الدولية الخاضعة للاحتكارات، في إطار ما سُمي بسياسة «التثبيت والتكييف الهيكلي».

لقد مسَّت هذه السياسة، بعمق، بوظيفة الدولة الاقتصادية، لجهة إضعاف دورها عبر فرض برامج التخصيص وتصفية القطاع العام، الخ.. وبالمقابل، ضخَّمت الوظيفة السياسية والأمنية والقمعية للدولة، كما مسَّت خياراتها السياسية الخارجية في القضايا القومية والإقليمية والدولية، الأمر الذي انعكس سلباً على التضامن العربي، وبالذات على مستوى الدعم والإسناد للقضية الفلسطينية.

وقد ركّز هذا القسم على البلدان العربية المصدرة للنفط، متخذاً من السعودية نموذجاً لتحليل حالة الاندماج التبعي لاقتصاد هذه البلدان في الاقتصاد الرأسمالي العالمي. على نحو لا «تبرّره »، حاجة هذه البلدان إلى رؤوس أموال أجنبية، فهي بلدان فائض مالي تعيد تدوير معظمه في الأقنية المالية الدولية، وخاصة الأميركية منها. كما أنّ سياساتها الاقتصادية عامة لم تكن تبررها حاجات هذه البلدان وخططها التنموية في المقام الأول، بل تمليها حاجات الاحتكارات النفطية، والمصلحة الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية والسياسية لبلدان المركز الرأسمالية، وفي مقدمها الولايات المتحدة.

ومن أهم ما خلص إليه هذا القسم هو إبراز توفر العناصر الضرورية لدى الدول العربية لبناء اقتصاد متوازن، يرتكز على الإنتاج في قطاعاته الرئيسية، والاعتماد على الادخار المحلي المتأتي من ثرواتها النفطية والمعدنية والبحرية، وقدراتها الصناعية والزراعية، مستندة إلى ثروة بشرية مؤهلة، لينتهي إلى البحث بالتطورات الأبرز التي شهدتها الخارطة الطبقية في المجتمعات العربية، بتياراتها الرئيسية الثلاثة: (القومي، واليساري، والإسلام السياسي)، وما شهدته هذه التيارات من تطورات على مستوى البنية والبرنامج، فضلاً عن السياسات المتبعة، على إيقاع المتغيرات الدولية، ليصل إلى اشتقاق المهمات النضالية المشتركة الملقاة على عاتق حركة التحرر الوطني والديمقراطي في العالم العربي.

أضف تعليق