الأسير وليد دقة.. قاهر ظلام السجن والسجّان
34 عاماً لم يكن رقماً عشرياً في حياة الأسير وليد دقة بل هي فصول من المعاناة والقهر والحرمان والألم، لم تنل من عزيمته، ولم تفت في عضده، ولم يتراجع قيد أنملة أمام سجانيه، متحدياً جدران السجن والسجان معاً، حاملاً قضية شعب وتاريخ ثورة وسيمفونية صمود الأسرى.
حيث اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأسير وليد دقة (59) عاماً ابن بلدة باقة الغربية في منطقة المثلث بأراضي الـ48 عام 1986، وحكمت عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة بعد إدانته ورفاقه إبراهيم ورشدي أبو مخ وإبراهيم بيادسة بالعضوية في خلية نفذت عملية خطف وقتل الجندي الإسرائيلي موشي تمام في العام 1984.
لم يكتف الاحتلال بسجن الفلسطيني وليد دقة والحكم عليه بالمؤبد مدى الحياة قبل أن يُحدد لاحقاً بـ(37) عاماً وأضيف لحكمه عامين في العام 2018 أمضى منها (34) عاماً، بل تعرض للعزل الانفرادي في أزمة النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي باسل غطاس الذي اتهمه الاحتلال بتهريب أجهزة هواتف خلوية ورسائل مشفرة للأسيرين وليد دقة وباسل البزرة.
ويُعد الأسير دقة أحد عمداء الحركة الوطنية الأسيرة ومن الأسرى الـ(30) من أراضي الـ48 الذين أطلق عليهم «أسرى ما قبل أوسلو» وكان من المفترض الإفراج عن الدفعة الأخيرة في آذار (مارس) 2014 بموجب تفاهمات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل برعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لكن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تراجع قبل أيام من موعد الإفراج عن الأسرى وخرق التفاهمات، ليبقي وليد ورفاقه في السجن.
فلم يكن العزل الانفرادي الذي تعرض له الأسير وليد دقة الأول ولن يكن الأخير في عقيدة دولة الاحتلال، فكما هو معروف أن عزل الأسرى يبدأ منذ لحظة نقلهم للسجون الإسرائيلية لقطع صلاتهم مع عائلاتهم ومجتمعهم في انتهاك فاضح للمادة (76) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والتي منعت بشكل واضح «النقل الفردي أو الجماعي بالإضافة إلى الترحيل للأفراد من الأراضي المحتلة إلى أراضي القوة المحتلة».
وتلجأ سلطات السجون الإسرائيلية للعزل الانفرادي في زنزانة إما لأسباب أمنية أو نفسية أو كسياسة عقاب على مخالفة «انضباطية» داخل السجن دون أن تقدم لهم العلاج المناسب وخاصة الذين يقضون فترات طويلة في العزل. ويخول فرض هذه العقوبة لكل من مدير مصلحة السجون أو مدير السجن لمدة لا تتجاوز 14 يوماً غير متواصلة على أن تقسم لقسمين 7+7. كما يخول القانون لمحاكم الاحتلال بإصدار قرار يقضي بحجز المعتقل في العزل لـ(6) أشهر في غرفة لوحده و(12) شهراً في غرفة مع معتقل آخر، وتخول المحكمة بتمديد عزل المعتقل لفترات إضافية ولمدد لا نهائية.
ونعود لما تعرض له الأسير وليد دقة من عزل انفرادي مرات عديدة، نستذكر منها ما جرى معه في عام 2018 في قضية النائب العربي باسل غطاس، وفي نهاية العام 2019 تعرض لعزل انفرادي لـ(6) أشهر، بعد نجاحه بتهريب نطفة إلى زوجته في الخارج، والتي أنجبت طفلة مؤخراً، أسمتها «ميلاد» وحينها تم نقله في شباط (فبراير) 2020 إلى عزل سجن جلبوع.
فماذا يعني أن يقترن الأسير بزوجته ويعقد قرانه داخل سجنه ويُهرّب نطفة للخارج وهو محكوم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة، إنها تجربة فريدة من نوعها رسمها الأسير وليد دقة عندما ارتبط بالصحفية الفلسطينية «سناء سلامة» عام 1999 داخل السجن بعد مرات عديدة سمحت بعدها إدارة السجون بذلك، ورغم مطالباته المتكررة بإنجاب الأطفال منذ العام 2004 وحتى العام 2009 والرفض المتواصل من سلطات السجون تحت ذريعة التصنيف الأمني، وأن لقاءً بزوجته عن قرب يشكل ضرراً بأمن إسرائيل.
لم يقف الأسير وليد دقة عند حد الزواج والإنجاب بل تميز بتحديه لإرادة الاحتلال رغم أنه مكبل في سجنه أمام عدو لا يشعر بالرحمة كون وليد من الأسرى من كبار السن، ويعاني أمراضاً صحية ويماطل الاحتلال في إجراء الفحوصات اللازمة له. وأمام كل التحديات لم تفت بعضده يوماً بل واصل دراسته الجامعية لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية، وقاد وشارك في الكثير من المعارك النضالية التي خاضتها الحركة الأسيرة دفاعاً عن مكتسباتها، وكتب نصوصاً في السياسة والثقافة والأدب ومنها «صهر الوعي: أو في إعادة تعريف التعذيب» صدرت عام 2010.
كما ارتبط اسم وليد دقة بمسرحية «الزمن المتوازي»، التي تستند إلى نصّ كتبه عن تجربته في الأسر، وقد تم تمثيلها على مسرح الميدان في حيفا.
ويقول وليد في إحدى رسائله من داخل السجن، إن «مسيرة النضال هي ذاتها مسيرة المعرفة، فهي مسيرة باردة يعتريها الشعور بالوحدة والخوف من المجهول. في حالة السجن كما في حالة الحصار، قمة النضال هو أن تبقى قادرًا على السؤال، وأن تكون مستعدًا حتى للنوم في فراش أسرك».
يشرح دقة في رسالة له حرب الاحتلال على الأسرى، حتى بعد إصدار أحكام بحقّهم، يقول فيها «استخدمت إدارة السجون للتشويش على وعي وثقافة الأسرى، منع إدخال الصحف العربية بما فيها الصحف الصادرة في الداخل 48، وخصوصًا الصحف الحزبية والسياسية مثل فصل المقال، والإتحاد، وصوت الحق، باستثناء صحيفة القدس التي تصل الأسرى بعد صدورها بأسابيع».
فالاحتلال يتفنن في التنغيص على الأسرى تارة بقرصنة رواتبهم من أموال المقاصة والتي يتلقونها من السلطة الفلسطينية، وتارة أخرى بتشريعات وقوانين تلاحقهم والتي كان آخرها مشروع قانون بادر إليه عضو الكنيست الإسرائيلي آفي ديختر وقع عليه 18 عضواً، والذي بموجبه سيكون لوزير داخلية الاحتلال سلطة حصرية لسحب جنسية أي مواطن فلسطين من أراضي الـ48 والقدس نفذ عمليات ضد دولة الاحتلال ويحصل على راتب من السلطة الفلسطينية. كما ينص على «إبعاد أي أسير يحمل الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة في حال إطلاق سراحه من إسرائيل لأراضي السلطة الفلسطينية».
وفي إحدى رسائله وصف أساليب التعذيب والقمع في سجون الاحتلال، قائلاً، «لا يشبه القمع والتعذيب في السجون الإسرائيلية حالات القمع والتعذيب التي تصفها أدبيات السجون في العالم. ليس هناك حرمان فعلي من الطعام أو الدواء، ولن تجدوا من هم محرومون من الشمس ومدفونون تحت الأرض. لا يكبل الأسرى كما في الروايات بسلاسل مشدودة لكتل حديدية طوال النهار. فلم يعد الجسد الأسير في عصر ما بعد الحداثة هو المستهدف مباشرة، وإنما المستهدف هو الروح والعقل».
وليد دقة كونه أحد عمداء الحركة الأسيرة لم يغب ذكر اسمه عن نشرات الأخبار طويلاً وخصوصاً بعد قضية النائب غطاس، وبعد تهريبه نطفة للخارج ليضاف لحكمه السابق عامين جديدين، ما يعني تأجيل الإفراج عنه حتى عام 2022، ليلتقي بوالدته التي طال انتظارها.
للأسرى مكانة سامية في ضمير الشعب الفلسطيني وتضحياته، ويحملون رسالة تضحية ونضال عبروا عنها في وثيقة الوفاق الوطني «وثيقة الأسرى» ويواصلون مسيرتهم في قهر السجن والسجان، داعين قوى الشعب للوحدة والتلاحم الوطني، لأنهم يعون جيداً أن الانقسام والتجزئة في النضال والجغرافيا قد غيّب وأضر بمسيرة النضال ضد الاحتلال، وفتح شهية التطبيع والتدخلات في الشأن الفلسطيني، وأضعف من معنويات الأسرى في مواجهة سجانيهم■
حيث اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأسير وليد دقة (59) عاماً ابن بلدة باقة الغربية في منطقة المثلث بأراضي الـ48 عام 1986، وحكمت عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة بعد إدانته ورفاقه إبراهيم ورشدي أبو مخ وإبراهيم بيادسة بالعضوية في خلية نفذت عملية خطف وقتل الجندي الإسرائيلي موشي تمام في العام 1984.
لم يكتف الاحتلال بسجن الفلسطيني وليد دقة والحكم عليه بالمؤبد مدى الحياة قبل أن يُحدد لاحقاً بـ(37) عاماً وأضيف لحكمه عامين في العام 2018 أمضى منها (34) عاماً، بل تعرض للعزل الانفرادي في أزمة النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي باسل غطاس الذي اتهمه الاحتلال بتهريب أجهزة هواتف خلوية ورسائل مشفرة للأسيرين وليد دقة وباسل البزرة.
ويُعد الأسير دقة أحد عمداء الحركة الوطنية الأسيرة ومن الأسرى الـ(30) من أراضي الـ48 الذين أطلق عليهم «أسرى ما قبل أوسلو» وكان من المفترض الإفراج عن الدفعة الأخيرة في آذار (مارس) 2014 بموجب تفاهمات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل برعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لكن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تراجع قبل أيام من موعد الإفراج عن الأسرى وخرق التفاهمات، ليبقي وليد ورفاقه في السجن.
فلم يكن العزل الانفرادي الذي تعرض له الأسير وليد دقة الأول ولن يكن الأخير في عقيدة دولة الاحتلال، فكما هو معروف أن عزل الأسرى يبدأ منذ لحظة نقلهم للسجون الإسرائيلية لقطع صلاتهم مع عائلاتهم ومجتمعهم في انتهاك فاضح للمادة (76) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والتي منعت بشكل واضح «النقل الفردي أو الجماعي بالإضافة إلى الترحيل للأفراد من الأراضي المحتلة إلى أراضي القوة المحتلة».
وتلجأ سلطات السجون الإسرائيلية للعزل الانفرادي في زنزانة إما لأسباب أمنية أو نفسية أو كسياسة عقاب على مخالفة «انضباطية» داخل السجن دون أن تقدم لهم العلاج المناسب وخاصة الذين يقضون فترات طويلة في العزل. ويخول فرض هذه العقوبة لكل من مدير مصلحة السجون أو مدير السجن لمدة لا تتجاوز 14 يوماً غير متواصلة على أن تقسم لقسمين 7+7. كما يخول القانون لمحاكم الاحتلال بإصدار قرار يقضي بحجز المعتقل في العزل لـ(6) أشهر في غرفة لوحده و(12) شهراً في غرفة مع معتقل آخر، وتخول المحكمة بتمديد عزل المعتقل لفترات إضافية ولمدد لا نهائية.
ونعود لما تعرض له الأسير وليد دقة من عزل انفرادي مرات عديدة، نستذكر منها ما جرى معه في عام 2018 في قضية النائب العربي باسل غطاس، وفي نهاية العام 2019 تعرض لعزل انفرادي لـ(6) أشهر، بعد نجاحه بتهريب نطفة إلى زوجته في الخارج، والتي أنجبت طفلة مؤخراً، أسمتها «ميلاد» وحينها تم نقله في شباط (فبراير) 2020 إلى عزل سجن جلبوع.
فماذا يعني أن يقترن الأسير بزوجته ويعقد قرانه داخل سجنه ويُهرّب نطفة للخارج وهو محكوم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة، إنها تجربة فريدة من نوعها رسمها الأسير وليد دقة عندما ارتبط بالصحفية الفلسطينية «سناء سلامة» عام 1999 داخل السجن بعد مرات عديدة سمحت بعدها إدارة السجون بذلك، ورغم مطالباته المتكررة بإنجاب الأطفال منذ العام 2004 وحتى العام 2009 والرفض المتواصل من سلطات السجون تحت ذريعة التصنيف الأمني، وأن لقاءً بزوجته عن قرب يشكل ضرراً بأمن إسرائيل.
لم يقف الأسير وليد دقة عند حد الزواج والإنجاب بل تميز بتحديه لإرادة الاحتلال رغم أنه مكبل في سجنه أمام عدو لا يشعر بالرحمة كون وليد من الأسرى من كبار السن، ويعاني أمراضاً صحية ويماطل الاحتلال في إجراء الفحوصات اللازمة له. وأمام كل التحديات لم تفت بعضده يوماً بل واصل دراسته الجامعية لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية، وقاد وشارك في الكثير من المعارك النضالية التي خاضتها الحركة الأسيرة دفاعاً عن مكتسباتها، وكتب نصوصاً في السياسة والثقافة والأدب ومنها «صهر الوعي: أو في إعادة تعريف التعذيب» صدرت عام 2010.
كما ارتبط اسم وليد دقة بمسرحية «الزمن المتوازي»، التي تستند إلى نصّ كتبه عن تجربته في الأسر، وقد تم تمثيلها على مسرح الميدان في حيفا.
ويقول وليد في إحدى رسائله من داخل السجن، إن «مسيرة النضال هي ذاتها مسيرة المعرفة، فهي مسيرة باردة يعتريها الشعور بالوحدة والخوف من المجهول. في حالة السجن كما في حالة الحصار، قمة النضال هو أن تبقى قادرًا على السؤال، وأن تكون مستعدًا حتى للنوم في فراش أسرك».
يشرح دقة في رسالة له حرب الاحتلال على الأسرى، حتى بعد إصدار أحكام بحقّهم، يقول فيها «استخدمت إدارة السجون للتشويش على وعي وثقافة الأسرى، منع إدخال الصحف العربية بما فيها الصحف الصادرة في الداخل 48، وخصوصًا الصحف الحزبية والسياسية مثل فصل المقال، والإتحاد، وصوت الحق، باستثناء صحيفة القدس التي تصل الأسرى بعد صدورها بأسابيع».
فالاحتلال يتفنن في التنغيص على الأسرى تارة بقرصنة رواتبهم من أموال المقاصة والتي يتلقونها من السلطة الفلسطينية، وتارة أخرى بتشريعات وقوانين تلاحقهم والتي كان آخرها مشروع قانون بادر إليه عضو الكنيست الإسرائيلي آفي ديختر وقع عليه 18 عضواً، والذي بموجبه سيكون لوزير داخلية الاحتلال سلطة حصرية لسحب جنسية أي مواطن فلسطين من أراضي الـ48 والقدس نفذ عمليات ضد دولة الاحتلال ويحصل على راتب من السلطة الفلسطينية. كما ينص على «إبعاد أي أسير يحمل الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة في حال إطلاق سراحه من إسرائيل لأراضي السلطة الفلسطينية».
وفي إحدى رسائله وصف أساليب التعذيب والقمع في سجون الاحتلال، قائلاً، «لا يشبه القمع والتعذيب في السجون الإسرائيلية حالات القمع والتعذيب التي تصفها أدبيات السجون في العالم. ليس هناك حرمان فعلي من الطعام أو الدواء، ولن تجدوا من هم محرومون من الشمس ومدفونون تحت الأرض. لا يكبل الأسرى كما في الروايات بسلاسل مشدودة لكتل حديدية طوال النهار. فلم يعد الجسد الأسير في عصر ما بعد الحداثة هو المستهدف مباشرة، وإنما المستهدف هو الروح والعقل».
وليد دقة كونه أحد عمداء الحركة الأسيرة لم يغب ذكر اسمه عن نشرات الأخبار طويلاً وخصوصاً بعد قضية النائب غطاس، وبعد تهريبه نطفة للخارج ليضاف لحكمه السابق عامين جديدين، ما يعني تأجيل الإفراج عنه حتى عام 2022، ليلتقي بوالدته التي طال انتظارها.
للأسرى مكانة سامية في ضمير الشعب الفلسطيني وتضحياته، ويحملون رسالة تضحية ونضال عبروا عنها في وثيقة الوفاق الوطني «وثيقة الأسرى» ويواصلون مسيرتهم في قهر السجن والسجان، داعين قوى الشعب للوحدة والتلاحم الوطني، لأنهم يعون جيداً أن الانقسام والتجزئة في النضال والجغرافيا قد غيّب وأضر بمسيرة النضال ضد الاحتلال، وفتح شهية التطبيع والتدخلات في الشأن الفلسطيني، وأضعف من معنويات الأسرى في مواجهة سجانيهم■
أضف تعليق