23 كانون الأول 2024 الساعة 12:50

آن الأوان لتشكيل جبهة عربية مناهضة للتطبيع

2020-10-31 عدد القراءات : 824
في تطور جديد ومتوقع أعلن البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول الجاري، أن الرئيس دونالد ترامب وقّع مرسوما برفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وأن الخرطوم وتل أبيب اتفقتا - بوساطة أميركية - على تطبيع العلاقات بينهما. ووصف بيان مشترك أميركي سوداني إسرائيلي، اتفاق التطبيع بين السودان وإسرائيل بالتاريخي، واعتبره شهادة على النهج الجريء للقادة الأربعة (الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو).
وينص بيان الاتفاق على جملة من التعهدات والالتزامات والاتفاقات، بعضها ثنائي وبعضها من قبل أحد أطراف الاتفاق. وفيما يأتي أبرز البنود التي نص عليها الاتفاق، (اتفق القادة الأربعة على: – تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، وإنهاء حالة العداء بين البلدين. بدء العلاقات الاقتصادية والتجارية، مع التركيز مبدئيا على الزراعة. – اجتماع الوفود في الأسابيع المقبلة للتفاوض بشأن اتفاقيات التعاون في تلك المجالات، وكذلك في مجال تكنولوجيا الزراعة والطيران وقضايا الهجرة، وغيرها من المجالات لصالح الشعبين.
وأكد البيان أن القادة عقدوا العزم على العمل معا لبناء مستقبل أفضل، وتعزيز قضية السلام في المنطقة. واتفقت الولايات المتحدة وإسرائيل على الشراكة مع السودان في بدايته الجديدة، وضمان اندماجه بالكامل في المجتمع الدولي. كما ستتخذ الولايات المتحدة خطوات لاستعادة الحصانة السيادية للسودان، وإشراك شركائها الدوليين لتقليل أعباء ديون السودان. والتزمت أيضا بدفع المناقشات حول الإعفاء من الديون بما يتفق مع مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون – كما التزمت الولايات المتحدة وإسرائيل بالعمل مع شركائهما لدعم شعب السودان في تعزيز ديمقراطيته، وتحسين الأمن، سيساهم فيتحسين الأمن الإقليمي، وإطلاق فرص جديدة لشعب السودان وإسرائيل والشرق الأوسط وأفريقيا).
وبهذا الاتفاق ستكون السودان هي الدولة الثالثة بعد الامارات والبحرين التي تتفق على تطبيع علاقتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي لا زالت تحتل الأراضي الفلسطينية، والأراضي العربية في الجولان السوري المحتل وأراضي لبنانية.
لا يهمني في هذه المقالة مناقشة مضمون اتفاقات التطبيع العربية مع دولة الاحتلال، ولا الالتزامات والتعهدات الواردة فيها، فقد أكدت التجربة الماضية أن مثل هذه الاتفاقات لا تخدم إلاً المصالح الإسرائيلية والأمريكية، وأن مصلحة الدول العربية المطبعة مع دولة الاحتلال ليست في أولوية اهتمام دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت الأخيرة تتخلى حتى عن حماية حلفائها العرب في أوقات عديدة. ولا يهمني تصريحات المسؤولين السودانيين التي صدرت في أعقاب إعلان البيت الأبيض عن اتفاق التطبيع السوداني الإسرائيلي، فهذه التصريحات لا تنفي الاتفاق، ولكن ما يهمني بحثه في هذا المقالة هو ردة الفعل الفلسطينية الرسمية الضعيفة، وترحيب بعض الدول العربية به، وضعف مواقف الدول العربية الأخرى تجاهه، خاصة في الوقت الذي تستمر فيه جهود الولايات المتحدة لجذب دول عربية أخرى للتطبيع مع دولة الاحتلال خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة.
ورغم أهمية المواقف الشعبية العربية المنددة باتفاقات التطبيع، التي صدرت من داخل الدول التي أبرمتها، أو من الدول العربية الأخرى، والتي تشمل مواقف الأحزاب والقوى والحركات والأطر الجماهيرية من جهة، والفئات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والفعاليات والشخصيات من جهة أخرى، وهي على أي حال مواقف إيجابية، لكنها اتسمت بالضعف بشكل عام، ولم تكن مؤثرة ورادعة وقادرة على فرض تراجع الدول العربية المطبعة، أو وقف مسلسل التطبيع المستمر والمتواصل، الأمر الذي يقتضي تطوير هذه المواقف الرافضة والمنددة باتفاقات التطبيع وتفعيلها، ليس فقط نظريا واعلامياً، بل من خلال تأطير وتنظيم هذه القوى والأطر بصيغ ائتلافية وجبهوية منظمة على صعيد كل دولة وعلى الصعيد القومي الواسع، وتفعيل دورها العملي، وتوسيع نطاقه وبعده الشعبي الكفاحي الضاغط على الأنظمة العربية وأطرها الرسمية.
ندرك بالتأكيد تفكك وضعف البعد الشعبي العربي، وقواه الحزبية وأطره النقابية والجماهيرية، سواء داخل كل دولة على حدة، أو على صعيد الدول العربية مجتمعة، بسبب ما يجري في داخل العديد من الدول من اضطرابات ونزاعات داخلية، وبسبب التدخلات في شؤونها الداخلية من قبل قوى خارجية، ما أنهك هذه القوى والشعوب وجعلها منشغله في توفير مقومات وجدوها وحياتها اليومية والمعيشية، ما سمح لبعض الأنظمة العربية من مواصلة طريق المهادنة والرضوخ للإملاءات الأمريكية، وعقد اتفاقات التطبيع مع دولة الاحتلال ضاربة بعرض الحائط مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية، التي كانت محط الاجماع العربي من جهة، ومستهترة بموقف شعوبها المساندة للقضية الفلسطينية من جهة أخرى.
إن تطوير الموقف الشعبي المناهض للتطبيع أمر ممكن رغم ضيق هامش الديمقراطية والحريات في دولها، ورغم ما تعانيه دولها وشعوبها من نزاعات ومشاكل داخلية، ولكن تحقيق هذه الغاية يتطلب العديد من الخطوات الجادة والهامة، من بينها وفي مقدمتها تطوير الموقف الكفاحي الفلسطيني الرسمي والشعبي، فلا يجوز أن نطلب من الشعوب العربية وقواها وأحزابها وأطرها الجماهيرية والنقابية، ما لا يمكن طلبه وتحقيقه من قبل القيادة الرسمية والوطنية للشعب الفلسطيني، ومن قبل سائر القوى والفصائل والأطر الجماهيرية ومؤسسات المجتمع الفلسطيني بشكل عام، فلا يحك جلدك إلا ظفرك، وأهل مكة أدرى وأولى بشعابها وبمصالحها.
إن المهمة الأولى المطلوبة على الصعيد الفلسطيني هي استكمال جهود الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة، وتطوير وتعزيز الدور الكفاحي والقيادي للقيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، والتخلي عن الرهانات الخارجية التي يمكن أن تأتي بها نتائج الانتخابات الأمريكية أو الإسرائيلية، واعتماد استراتيجية وطنية كفاحية تعمل على تعبئة واستنهاض طاقات الشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي الشتات، وزجها في مواجهة الاحتلال على طريق تحقيق الحرية والاستقلال لشعبنا، وضمان تحقيق الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا وفي مقدمتها حقه في العودة والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وبجانب هذه المهمة الاستراتيجية وبالتزامن معها ينبغي البدء بإجراءات عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية وعقد انتخابات المجلس الوطني حيث أمكن، لتعزيز وتجديد شرعية قيادة السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وإزالة كافة العقبات التي تعترض انجاز هذه المهمة الاستراتيجية الثانية.
وبالتزامن مع هذه الجهود الفلسطينية ينبغي أن تتوجه جهود القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وكل القوى والفصائل والأطر النقابية والجماهيرية ومؤسسات المجتمع المدني، لنظيراتها العربية لبناء جبهة عربية مساندة لنضال شعبنا وقضيته الوطنية، ولمناهضة التطبيع الذي يجري ويتواصل مع دولة الاحتلال، فبدون الربط بين الدور الفلسطيني القيادي والشعبي، والدور العربي الكفاحي، لن نتمكن من وقف مسلسل التطبيع ومساندة نضال شعبنا حتى تحقيق الحرية والاستقلال.

أضف تعليق