23 كانون الأول 2024 الساعة 07:09

مسارا نتنياهو المتعاكسان

2020-09-28 عدد القراءات : 851
يجد نتنياهو نفسه اليوم أمام مسارين متعاكسين؛ أحدهما يصعد به نحو تعزيز موقعه على خلفية التطبيع المتتالي، والآخر يحشره في زاوية ضيقة بين ضلعي تداعيات كورونا وجلسات محاكمته. ويخشى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن تطغى مفاعيل أزماته على صدى «الإنجازات»، التي ما يزال يحتفل بها قبيل وبعد كل حلقة جديدة من مسلسل التطبيع. ولهذا السبب، يسعى لكبح تصاعد الاحتجاجات على سياسة الحكومة في مواجهة تداعيات انتشار جائحة كورونا في موجتها الثالثة عبر مجموعة من الإجراءات التي تمنع التحشد الجماهيري تحت يافطة الوقاية من الفيروس. كما يسعى لإيجاد طريقة للنجاة من تأثير جلسات محاكمته ومداولاتها على مستقبله كرئيس للحكومة، وخاصة أن هذه الجلسات ستتكثف مطلع العام القادم، وقد أُلزم بحضورها، مما يعني فتح الباب أمام مطالبة خصومه في الائتلاف الحكومي بإعادة النظر في صلاحية قيادته للحكومة في ظل هذه الظروف.
وإذا كان نتنياهو يلجأ للحكومة لمواجهة تداعيات الفشل أمام انتشار فيروس كورونا وتداعياته، فإنه سيلجأ إلى عكس ذلك لتجاوز مخاطر تربص خصومه على خلفية محاكمته، أي الخلاص من الحكومة ذاتها عبر التوجه إلى انتخابات مبكرة. وهذان أيضا مساران متعاكسان في أسلوب نتنياهو لحل أزماته. وفي الحالين يبقى استمراره على رأس المشهد السياسي والحزبي هو المحرك لنشاطه في كلا المسارين. ومن هذه الزاوية تحديدا يرسم الخطوات المقبلة على الصعيدين السياسي والحزبي، دون أن يلغي ذلك أنه صاحب مشروع سياسي ـ اقتصادي واضح ومتبلور وخاصة في كل ما يتصل بالقضية الفلسطينية وإطاريها الإقليمي والدولي.
ومن الملاحظ أن نتنياهو يسعى إلى توجيه تأثير الوقائع على رصيده السياسي والحزبي باتجاه واحد ، أي تغليب صدى ومفعول خطوات التطبيع التي تجري على تأثير الأزمات المتصلة به على الصعيدين الحكومي والشخصي، من خلال تسويق خطابه القائم على:
• التركيز على نوعية تأثير مسلسل التطبيع مع الرسميات العربية، باعتباره نقلة نحو مرحلة جديدة تقطع مع حالة العداء الرسمي العربي المعلن مع إسرائيل، وباعتباره تحقيقا لحلم عجزت عن تجسيده جميع القيادات التي سبقته في حكم الدولة العبرية، وهو حدث كبير لا ينبغي برأيه التقليل من أهميته كإنجاز نوعي أمام المشاكل التي أدى إليها انتشار الجائحة، والتي يعاني من تداعياته جميع دول العالم وخاصة الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا وروسيا وغيرها.
• إزالة أي التباس لدى أوساط من اليمين الصهيوني وخاصة المستوطنين حول تضمين الاتفاقات مع الإمارات أو غيرها أي تعهد يتصل بوقف السياسة التوسعية الإسرائيلية وفي مقدمها مخطط الضم. لذلك، نفى نتنياهو علنا بعد توقيع الاتفاق إلغاء المخطط، وزاد على ذلك مؤخرا بالمصادقة على 5000 وحدة استيطانية جديدة في الضفة. وبذلك، يعمل على كبح تقدم حزب «يمينا» في استطلاعات الرأي في سياق اتهامات الحزب لليكود ورئيسه بالتراجع عن مخطط الضم مقابل إقامة علاقات علنية مع بعض الدول العربية.
وقد رأى مراقبون أن نتنياهو يحاول من خلال هذا الخطاب أن يرد على بعض المحللين الذين قالوا إن خطة ترامب نتنياهو في إطار صفقة القرن قد وصلت إلى حائط مسدود بسبب الاجماع السياسي والشعبي الفلسطيني وعدم قبولها من أركان المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة، وأن مهندسي الصفقة رأوا في الاختراق على صعيد التطبيع محاولة لتحسين فرص نجاح الصفقة باستخدام الضغط الرسمي العربي على الفلسطينيين بعد عملية التطبيع.
•ويقوم الليكود باتهام شريكه في الحكومة «كاحول لافان» ورئيسه بيني غانتس بالتشويش على مخطط الضم منذ الاعلان عنه، قبل بدء التطبيع الأخير وبعده، وفق أجندات واعتبارات تتناغم مع بعض أحزاب المعارضة «اليسارية»، وفي هذا القسم من الخطاب يحرض نتنياهو على «كاحول لافان» وغيره استباقا للانتخابات المبكرة.
كما يتهم الليكود «كاحول لافان» بتعطيل الكثير من الإجراءات التي اقترحها نتنياهو لمواجهة انتشار فيروس كورونا، وهو ما أدى برأيه إلى تفاقم الوضع على الصعيدين الصحي والاقتصادي.
• ويتهم الليكود المؤسسات القضائية باستهداف نتنياهو شخصيا عبر التلويح بإمكانية اتخاذ قرار بعدم صلاحيته بالاستمرار على رأس الحكومة مع بدء تكثيف جلسات محاكمته، وقد وجه مثل هذا الاتهام أيضا لمستشار الحكومة القضائي عندما هدد بذلك في حال أقدم نتنياهو على عدد من التعيينات.
يبقى الأهم بالنسبة لنتنياهو موعد الانتخابات المبكرة. فهو يريد أن يحصد ثمار عملية التطبيع في رصيده السياسي، دون أن يخاطر بالاقتراب من موعد تسليم مقعد رئاسة الحكومة إلى غانتس بحسب الاتفاق الائتلافي، وينجو في الوقت نفسه من تداعيات محاكمة المكثفة . وإذا كان قد أجل معركة المصادقة على الميزانية حتى أواخر العام الجاري للتفرغ من أجل إتمام صفقات التطبيع، فإنه لن يستطيع الانتظار طويلا حتى يحل الحكومة ربطا بمحاذير المواعيد المذكورة.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن توظيف مسلسل التطبيع لن يفيد نتنياهو بالقدر الذي يطمح إليه لأن كثيرا من حلفائه بدأوا يجاهرون بالامتعاض من طريقته في قيادة الحكومة والتي هي عمليا مشلولة وكذلك الكنيست بسبب التنافر بين الليكود وكاحول لافان ، وبات من المتوقع أن تظهر اصطفافات جديدة ضد نتنياهو على أبواب الانتخابات الجديدة في حال إقرارها، بما يعني ثلاثة احتمالات:
• أن تتكرر حالة الفشل في تشكيل حكومة بعد الانتخابات وتتفاقم بالتالي الأزمة السياسية والحزبية في إسرائيل.
• أو يتشكل إطار ائتلافي قوي ضد نتنياهو والليكود يتجاوز تجربة كاحول لافان ويستطيع تشكيل حكومة في حال حاز على عدد مهم من المقاعد وانضم إليه «إسرائيل بيتنا» و«يمينا» ، على أرضية عدم استمرار أزمة تشكيل الحكومة ورهن قيامها بشخص نتنياهو على رأسها.
• أو يستطيع نتنياهو كما في السابق رص صفوف معسكره مستغلا أزمات الأحزاب الأخرى، ومستفيدا من استمرار بازار الصفقات وقدرته على تقديم «أفضل العروض» للشركاء المتوقعين في حكومته.

أضف تعليق