22 كانون الأول 2024 الساعة 07:11

لماذا تجاوزت الجبهة الديمقراطية اتفاق أوسلو وتجاهلته في مؤتمر الأمناء العامين؟

2020-09-14 عدد القراءات : 1166

تقديم

اتصل بي عدد من الأصدقاء، يسألونني لماذا خلت كلمة الجبهة الديمقراطية في اجتماع الأمناء العامين من أية إشارة إلى اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس، وضرورة إلغائهما، والتحرر من قيودهما، عملاً بقرارات المجلس الوطني، وفيما إذا كانت الجبهة قد تراجعت عن هذا الموقف وما هو السبب؟

لا شك في أن السؤال وجيه ومهم، ويستحق الاهتمام، خاصة وأنه يدل على مدى اهتمام الرأي العام بأهمية الخلاص من اتفاق أوسلو، وبروتوكول باريس، ومدى أهمية الانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة، نستعيد فيها الالتزام بالبرنامج الوطني، ونستعيد من خلاله المفاهيم والقيم والأساليب النضالية التي يتطلبها الالتزام بهذا البرنامج. فضلاً عن إدراك عميق بأن أي حديث عن تطور أو تقدم في الحالة الفلسطينية لا يستند إلى مبدأ الخلاص والتخلص من أوسلو والتزاماته وقيمه ومفاهيمه، سيبقى مجرد لغو وثرثرة سياسية، ومراوحة في المكان، ولن ينتقل بالحالة الفلسطينية من مربع الرفض اللفظي لرؤية ترامب وخطة الضم، وباقي مشاريع الاحتلال، إلى مربع المجابهة الوطنية الشاملة، ولن ينتقل بقرار «التحلل» من الاتفاقات في 19/5/2020، نحو مرحلة أرقى في الاشتباك مع الاحتلال ومشاريعه على كل المستويات.

وفي سياق توضيح موقف الجبهة الديمقراطية في اجتماع الأمناء العامين يمكن أن نقدم الأمور التالية:

أولاً: لا يحتاج الأمر إلى تأكيد جديد، ليدرك أي مراقب أن موقف الجبهة من اتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس، لم يتغير، منذ أن تم الكشف عنهما وحتى اللحظة.

وهذا ما يبدو واضحاً في تصريحات قادة الجبهة ومنظماتها وبياناتها السياسية التي لا تخلو إطلاقاً من إعادة تجديد الموقف من اتفاق أوسلو والدعوة إلى إلغائه، سياسياً، عبر سحب الاعتراف بإسرائيل، وأمنياً عبر وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال والمخابرات الأميركية، واقتصادياً عبر مقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي، وليس فقط منتج المستوطنات، إلى جانب باقي الخطوات السياسية التي تدخل في باب إعادة صياغة العلاقة مع دولة إسرائيل، باعتبارها دولة احتلال وعدوان، وضم زاحف وتمييز عنصري، ما يستدعي مقاومتها بكل الأساليب من أجل الخلاص منها، وأن نسقط عنها الصفة التي اكتسبتها في غفلة من الزمن، باعتبارها شريكاً في السلام.

هذا ما ناضلت الجبهة وعملت له، في المؤسسة الوطنية وفي صفوف الحركة الجماهيرية إلى أن نجحت في إطار من التوافق الوطني في ترجمة هذا كله، في قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في 5/3/2015، ودورة 15/1/2018، وفي دورة المجلس الوطني في 30/4/2018، وباقي دورات المجلس المركزي لعام 2018. باتت هذه القرارات موضع اجماع وطني، من كافة القوى السياسية وعموم شرائح الشعب الفلسطيني وتجمعاته في كل مكان، بحيث لم يعد هناك من بات يجرؤ على الدعوة إلى التمسك باتفاق أوسلو وبروتوكولاته، وإلا صنف خارج الإجماع الوطني، بل وخارج الصف الوطني. وقد سجل الموقف الفلسطيني خطوة إلى الأمام حين قرر في 19/5/2020 «التحلل» من الاتفاقات والتفاهمات مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي.

ثانياً: رحبت الجبهة بالقرار 19/5/2020 ورأت فيه خطوة إيجابية تستحق الاهتمام لأنها وضعت قرارات المؤسسة على خط التنفيذ العملي، بعدما تعطل العمل بها وتنفيذها وقتاً أطول من اللازم، وبقي الموقف الرسمي المعارض لرؤية ترامب في إطاره اللفظي، إلى أن أعلنت حكومة الثنائي الإسرائيلي نتنياهو – غانتس في 17/5/2020 تبنيها المعلن لخطة الضم. كما أكدت الجبهة أنها، وهي تدعم قرار «التحلل» في 19/5، ترى أنه يعاني من ثغرتين رئيستين، الأولى أنه مازال في إطاره التكتيكي المحدود، ولم يرسم استراتيجية وطنية شاملة للمواجهة مما يبقي الباب مفتوحاً، في أية لحظة، للتراجع عن هذا القرار، والعودة إلى المرحلة السابقة من العلاقة مع دولة الاحتلال. أما الثانية فإنه لم يضع خطة متدرجة للانفصال الاقتصادي، تبدأ بالأمر الجوهري في هذا المجال، أي التحلل من الغلاف الجمركي مع دولة إسرائيل، والذي من خلاله وعبره يرتبط الاقتصاد  الفلسطيني بالإسرائيلي، ولا يمكن الانفكاك عنه إلا من خلال إلغاء هذا الغلاف، وبدون ذلك سوف تبقى القدرة على الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي تراوح في مكانها، وتخوض تجارب فاشلة، كتجربة أموال المقاصة، وتجربة استيراد اللحم الحي (العجول)، حين اضطرت السلطة الفلسطينية في الحالتين اتخاذ خطوات بالمقاطعة ثم عادت عنها لفشلها في طرح البدائل الناجحة، وبالتالي، كخلاصة، لم تعد القضية في الاتفاق على إلغاء أوسلو أو الإبقاء عليه. فهذا بات موضع توافق وطني، بل باتت القضية تتعلق بأمر آخر هو بالتحديد توفير عناصر القوة والضغط المطلوبة، من أجل تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وإزاحة العوائق المعطلة للتنفيذ. توفير عناصر القوة بما يمكن من الارتقاء إلى مستوى المجابهة الشاملة مع الاحتلال، أي أن القضية الملحة باتت قضية الانتقال من التفرد والاستفراد إلى ما يضمن سيادة مفهوم وآليات الشراكة الوطنية.

وقد رأت الجبهة أن الأمر يتعلق، إذن، بثلاث قضايا يشكل وضع حلول لها، المدخل لإسقاط أوسلو، والتصدي لرؤية ترامب، وإسقاط خطة الضم وتطبيقاتها، وعلى طريق دحر الاحتلال، والفوز بالحقوق الوطنية وضمان سيادة الشراكة الوطنية.

الأولى: إنهاء الانقسام المدمر الذي أنهك الحالة الوطنية.

الثانية: استنهاض الحركة الشعبية في مقاومة شاملة لخوض المعركة الوطنية.

الثالثة: تعزيز الائتلاف والشراكة الوطنية وإصلاح المؤسسة الوطنية وتعزيزها وتصليبها.

لذلك إرتأت الجبهة أن تعيد التأكيد مرة أخرى على المتوافق عليه وطنياً، ولم يعد موضع خلاف، بل أن تثير بالمقابل القضايا التي تعطل تنفيذ ما هو متفق عليه.

       

1- الانقسام والمراوحة في المكان والحل:

في جو من الهيجان الدموي، استلت فيه السيوف من كل حدب وصوب، وارتفعت فوهات البنادق، وسالت فيه الدماء غزيرة، وألقي بالأحياء من فوق الأبراج، وديست فيه العديد من المقدسات والمحرمات، واستبيحت فيه العديد من القيم، وفي الوقت الذي ارتفعت فيه الأصوات الزاعقة ترحيباً بالانقلاب الدموي في 14/6/2007، أطلقت الجبهة، منفردة، صرختها ونداءها ضد الانقسام وإدانتها له، وإدانة الاقتتال والقتل، وأشهرت سلاحها الذي لا يصدأ، الدعوة إلى العودة إلى «فضاء الوحدة الوطنية في إطار المؤسسات الشرعية في السلطة الفلسطينية و م.ت.ف»، وقدمت مبادرتها الجريئة بعد أسبوع واحد على وقوع جريمة الانقسام، داعية إلى إعادة تجميع الصفوف الوطنية على أسس ائتلافية توافقية، وفق مبدأ الشراكة الوطنية، كما تقتضيها شروط النضال والاصطفاف الوطني في مرحلة التحرر من الاحتلال. وشكلت مبادرة الجبهة الأساس الذي بنيت عليه المبادرات اللاحقة، الثنائية والثلاثية والرباعية وغيرها في الصراع ضد الانقسام ولاستعادة الوحدة الداخلية، توجت مؤخراً في لقاء القاهرة، في 22/11/2017 وما صدر عنه من قرارات وردت في البيان الختامي.

قامت الدعوة لإنهاء الانقسام على مبادئ «الحل الديمقراطي» أي الدعوة لانتخابات شاملة، رئاسية، وتشريعية، للسلطة ولمنظمة التحرير بنظام التمثيل النسبي، تعكس موازين القوى السياسية في الحالة الجماهيرية وتؤسس لمرحلة شديدة من الوحدة الداخلية تقوم على أسس الائتلاف الديمقراطي والشراكة الوطنية. وهو الحل الأرقى الذي توصلت إليه القوى الفلسطينية في محاولاتها لإنهاء الانقسام. ولا مبالغة في القول إن الجبهة لعبت دوراً بارزاً في هذا السياق، خاصة إصرارها على اعتماد نظام التمثيل النسبي والضغط من أجل نسبة حسم شديدة الانخفاض، بما يتيح ترجمة مفهومها للائتلاف الوطني في إطار م.ت.ف، الجبهة الوطنية العريضة للشعب الفلسطيني، وبما يفتح الباب أمام كل القوى والتيارات للمشاركة في الأطر الوطنية ولا مبالغة في القول، أيضاً، إن معركة اعتماد نظام التمثيل النسبي وبعتبة حسم منخفضة كانت أحد المحاور الرئيسية في الحوار الساخن للوصول إلى مفاهيم متقدمة ومبادئ ديمقراطية للائتلاف الوطني، خاصة في ظل دعوات التهميش والإقصاء من أكثر من جهة، حين رفضت نظام التمثيل النسبي من جهة، والتفت عليه من جهة أخرى، برفع نسبة الحسم بشكل خيالي، ما يؤدي عملياً إلى استبدال الانقسام بين الطرفين، فتح وحماس، إلى التقاسم، وإدامة سياسة التفرد والاستفراد.

تجارب الدعوة للانتخابات، أثبتت أن صلاحية الفكرة، لا تعني بالضرورة أنها صالحة للعمل بها. إذ دعي للانتخابات خمس مرات، في مناطق السلطة الفلسطينية، انتهت بالفشل لأسباب مختلفة منها خارجية ومنها ما يتعلق بالحالة الفلسطينية. ما أبقى ما تم الاتفاق عليه معلقاً إلى أن تتوفر الظروف المناسبة لتنظيم الانتخابات. وها نحن الآن أمام السنة الثالثة من اتفاق القاهرة (2017) دون أن تتقدم الحالة الوطنية نحو استعادة الوحدة الداخلية، ومازال الحل معلقاً على انتظار الظروف الملائمة للانتخابات. والبقاء على ماهي عليه الحالة الوطنية، معناه إدامة الانقسام، بكل تداعياته المدمرة على القضية الوطنية، صيغة تتعايش معها الحالة الوطنية ومع ما تنتجه من كوارث وأمراض ومفاهيم وقيم ونزعات عصبوية، وتعطيل لحالة الإستنهاض الوطني، وإبقاء الأبواب مشرعة أمام كل أشكال التدخل الخارجي، والعبث بالحالة الوطنية الفلسطينية، وتعميق حالة الشرذمة في صفوفها، ونشر البأس لدى المواطنين، وقد بات الاستنكاف عن العمل الوطني، ظاهرة اجتماعية واضحة الملامح لدى صف عريض منهم. لذلك دعت الجبهة إلى ما أسمته «الحل التوافقي» للإنقسام وهو الحل الذي كانت تلجأ له القيادات الفلسطينية في أحلك الظروف، وعبره تتوصل إلى حلول (ولو آنية) للعديد من القضايا الكبرى. وإذا عدنا إلى تاريخ المؤسسة الوطنية، لاحظنا أن التوافق الوطني شكل قاعدة العمل الوطني المشترك، في معظم المحطات السياسية، فلماذا، ما دامت إمكانية تنظيم الإنتخابات دونها عقبات، لا تلجأ الحالة الوطنية إلى «التوافق الوطني»، أخذين بالإعتبار الظروف السياسية المحيطة بالقضية الوطنية والمخاطر الكبرى التي تداهمها، من جهة، وحالة التقارب الثنائي بين فتح وحماس، من جهة أخرى، وإمكانية تطوير هذا التقارب نحو التوافق، خاصة وقد قرر مؤتمر الأمناء العامين تشكيل لجنة خاصة تقدم إلى المجلس المركزي القادم رؤيتها للمواجهة الإستراتيجية.

من ضمن هذه الإستراتيجية من الممكن، بل ومن الممكن جداً، أن يتم المتوافق على حكومة وحدة وطنية، يكون من إحدى مهامها الكبرى إعادة توحيد المؤسسات الوطنية في السلطة بين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، إلى جانب برنامج عمل وطني اجتماعي يوفر عناصر الصمود للشعب في معركة المواجهة المفتوحة، دون أن نغفل أن هذه الإقتراح إذا ما تم الأخذ به، فهو تطبيق لمخرجات اللقاء الوطني في القاهرة في 22/11/2017.

     

2- إصلاح مؤسسات م.ت.ف

اعتمد الحوار الوطني الإنتخابات الشاملة مدخلاً لإصلاح أوضاع م.ت.ف، وكما بقي إنهاء الإنقسام، واستعادة الوحدة الداخلية، أمراً معلقاً على توفر الظروف لتنظيم الإنتخابات، بقي أمر إصلاح الأوضاع في المنظمة، معلقاً هو الآخر. في وقت يزداد فيه تدهور الأوضاع داخل المنظمة وصولاً إلى تهميش اللجنة التنفيذية، وتغييب المجلس الوطني، والمجلس المركزي (آخر دوراته في خريف 2018) ما حول النظام السياسي الفلسطيني من نظام برلماني ديمقراطي، إلى نظام رئاسي، يدار بواسطة المراسيم بقوانين، وأضعف الموقع التمثيلي لمنظمة التحرير، كما أضعف موقعها القانوني، وفي السياق، موقعها السياسي، خاصة بعد أن تم تجريد اللجنة التنفيذية من الدوائر التي تضمن لها إدامة الصلة مع العمق الجماهيري والسياسي أوتهميشها، كالدائرة السياسية ودائرة شؤون اللاجئين ودائرة المغتربين, كما فرضت الهيمنة على الصندوق القومي، وفقد موقعه المستقل كصندوق لعموم الشعب الفلسطيني وقواه السياسية وإتحاداته الشعبية، وتحول سلاحاً بيد الطرف المهيمن في م.ت.ف، تدار من خلاله الخلافات السياسية.

ما قدمته الجبهة من اقتراح، بشأن إصلاح م.ت.ف، يقوم أيضاً على رؤيتها بصعوبة الذهاب إلى الإنتخابات، وفي الوقت نفسه بإستحالة بقاء الحال على ما هو عليه. لذلك دعت إلى «التوافق الوطني»، وفق العناصر التالية:

1) إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بحيث تدخلها حماس والجهاد وتستعيد منظمتا الصاعقة، والجبهة الشعبية القيادة العامة مقعديهما فيها، فهما طرفان مؤسسان للمنظمة، كما تستعيد الجبهة الشعبية مقعدها وتعيد تفعليه.

2) الذهاب إلى مجلس مركزي جديد، خاصة بعد أن اختتم المجلس الوطني ولايته في دورته الأخيرة، وأحال صلاحياته إلى المجلس المركزي إلى حين انتخاب مجلس وطني جديد وبالصيغة الجديدة. أي أن المجلس المركزي بات هو أعلى هيئة تشريعية في م.ت.ف وله صلاحيات إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية بالصيغة المقترحة من قبل الجبهة.

3) إعادة تسليح اللجنة التنفيذية باللجان الفاعلة، خاصة اللجنة السياسية، ولجنة اللاجئين، ولجنة المغتربين، [مقابل إلغاء الوزارات النظيرة في السلطة الفلسطينية لمنع الإزدواجية في الدور والصلاحيات].

4) إعادة تشكيل المجلس الإداري للصندوق القومي الفلسطيني من الشخصيات الوطنية، وانتخاب رئيسه مباشرة من المجلس المركزي، ويكون حكماً عضواً في اللجنة التنفيذية، معنياً بتطبيق توجهات المجلس المركزي وقراراته. هذه الصيغة القيادية هي المعنية بقيادة الحالة الوطنية وفق الرؤية التي ستقدمها إلى المجلس اللجنة التي شكلها مؤتمر الأمناء العامين. وهي الصيغة القيادية التي تكفل بناء حالة مقبولة من التوازن السياسي، وتعيد إرساء الائتلاف الوطني والشراكة الوطنية على أسس التوافق الوطني، إلى أن تتوفر الظروف لتنظيم الانتخابات.

وهذه الصيغة التوافقية هي المعنية بتشكيل القيادة الوطنية الموحدة، لقيادة المقاومة الشعبية ونحو إطلاق انتفاضة شاملة على طريق التحول إلى العصيان الوطني ودحر الاحتلال.

3- المقاومة الشعبية والمواجهة الشاملة

في وقت مبكر جداً توصلت الجبهة إلى أن المقاومة الشعبية الشاملة (الإنتفاضة) هي الصيغة التي ابتدعها الشعب الفلسطيني لخوض حرب الإستقلال ضد الإحتلال والإستيطان. في مؤتمرها الثاني (منتصف 1981) دعت منظماتها الناشطة في الوطن وفي الشتات، وفي جميع مناطق تواجد الشعب الفلسطيني إلى استقبال الإنتفاضة (المقاومة الشعبية) بإعتبارها استحقاقاً سياسياً قادماً على الحالة الوطنية لا محالة، في إطار التناقض الرئيس مع الإحتلال الإسرائيلي.

وخاض الشعب الفلسطيني تجربتين رائدتين من تجارب الإنتفاضة، (1987 + 2000) ابتدع فيهما أشكالاً متقدمة من النضال المجتمعي، ضد الإحتلال.

ومنذ العام 2015 رغم قسوة الإحتلال وشدة بطشه، والحصار الذي تفرضه إجراءات السلطة وإلتزاماتها الأمنية، وحالة الإنقسام، والشعب الفلسطيني يخوض انتفاضة لم تتوفق، أطلقت عليها صحافة الإحتلال «انتفاضة الأفراد»، أخذت أشكالاً متعددة، منها الدهس بالسيارات، أو الطعن بالسكاكين، أو الرجم بالحجارة، أو التسلل إلى المستوطنات، أو خطف الجنود والمستوطنين، وغير ذلك من أشكال النضال، بينما يواصل قطاع غزة صموده في وجه الحصار والعدوان، والحروب الدموية.  والمقاومة الشعبية، من شأنها أن تفرض الوحدة في الميدان، وأن تخفف من حدة الخلافات، وأن تقرب بين التيارات السياسية، وأن تفرض على القوى الوطنية والمجتمعية توفير الأطر والآليات الدفاعية، لحماية المجتمع وقواه السياسية، وتشكيل أطر الإشتباك، لوضع حد لإحتلال بلا كلفة، وإعادة بناء العلاقة مع الإحتلال، وصياغة معادلات جديدة، من شأنها أن تفرض وقائع سياسية جديدة، تشق الطريق نحو دحر الإحتلال والمقاومة الشعبية (الإنتفاضة) هي عنصر من عناصر إنجاز البرنامج الوطني (البرنامج المرحلي) الذي يوحد نضال الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده، في جناحي الوطن (48 + 67) وفي الشتات، في إطار رؤية وطنية شاملة، وأهداف تستجيب لخصوصية كل تجمع من التجمعات.

تعريف المرحلة كما صاغتها مشروع أوسلو، بإعتبارها مرحلة بناء الدولة تحت الإحتلال، أثبت فشله. فما زالت القضية الوطنية في مرحلة التحرر الوطني من الإحتلال الإستعماري الإستيطاني الفاشي والدموي، وهي مرحلة تفرض كل أشكال الإشتباك في الميدان، وستبقى المقاومة الشعبية (الإنتفاضة) هي الصيغة النضالية المثلى في ظل الوضع الحالي. ومما لا شك فيه أن قرار مؤتمر الأمناء العامين تشكيل «القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية»، يعتبر خطوة شديدة الأهمية، لأن من شأنه أن يوفر الغطاء السياسي الوطني للمقاومة الشعبية المتناثرة في أنحاء الضفة الفلسطينية، والغطاء السياسي والوطني لصمود قطاع غزة، خاصة حين يتشكل لهذه القيادة امتداداتها على مستوى الوطن والشتات، لتكون مقاومة الشعب كله، وإنتفاضة الشعب كله، وتنتهي حالة سابقة جعلت من الشتات، الجزء الذي لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني مجرد حالة مراقبة ومساندة ومتضامنة، في الوقت الذي يتوجب فيه أن تكون جزءًا أصيلاً من المقاومة الشعبية (الإنتفاضة)، في مخيمات الشتات، وفي صفوف الجاليات في الدول العربية، وأوروبا، والولايات المتحدة، وكندا، وأميركا اللاتينية، وفي آسيا وغيرها.

فالمعركة هذه المرة تفيض عن كونها معركة ضد الإحتلال والإستيطان فحسب، بل هي معركة ضد مشروع أميركي (رؤية ترامب) وإنحراف عربي (تطبيع وشراكة مع التحالف الأميركي الإسرائيلي) وبالتالي فإن ميدان المقاومة الشعبية (الإنتفاضة) سيكون واسعاً، وبحيث يتسع لكل فلسطيني، إينما حلّ، كما يفرد مكاناً للمشاركة الفاعلة لقوى حركة التحرر العربية، والقوى اليسارية والديمقراطية والليبرالية في العالم.

أضف تعليق