تونس.. «مشهد سياسي» على صفيح ساخن!
تلوح في المشهد السياسي التونسي بوادر معركة ساخنة بين الرئيس قيس سعيّد، من جهة، والبرلمان برئاسة راشد الغنوشي، والحكومة الجديدة برئاسة هشام المشيشي، من جهة ثانية، وسط مناخ مشحون بالتوترات والاتهامات المتبادلة التي غيّرت قواعد الاصطفافات والاشتباك السياسي في البلاد.
وبدلاً من أن يكون مرور حكومة المشيشي في البرلمان مؤشراً إلى تهدئة سياسية بين قادة المؤسسات الدستورية، فإنه يبدو وكأنه قد فتح الباب على مصراعيه أمام معارك النفوذ الحامية والرغبة في السيطرة داخل مؤسسات الدولة، وفقاً لتفسير وتأويل كل طرف لبعض البنود (الثغرات) الدستورية المتصلة بالصلاحيات، التي تركها دستور 2014 عائمة تسمح بالتأويل ونقيضه!.
ومن الواضح، في نظر أغلب المراقبين، أنّ الرئيس سعيّد قد خسر نقاطاً كثيرة من خلال تمرير حكومة المشيشي، وهو الذي سمّى رئيسها بنفسه، وسعى إلى النأي بها عن الأحزاب، فضلاً عن تسمية وزراء محسوبين عليه. فالمشيشي الذي أطلق عليه البعض لقب «جوكر الرئيس» القادر على قلب الموازين في مواجهة حركة النهضة، انقلب إلى النقيض تماماً، أي أصبح الجوكر الذي قد توظفه «النهضة» وسواها من الأحزاب الحليفة لها، في مواجهة الرئيس والاستقواء عليه!.
وتوقع كثيرون أن يستعيد الخلاف بين سعيّد والمشيشي صورة الخلاف القديم بين الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، ورئيس حكومته وقتها يوسف الشاهد، الذي لم يكن معروفاً واختاره السبسي في سياق تصعيد الكفاءات الشابة، قبل أن تقوده الرغبة في التحرر من النفوذ المعنوي لرئيس الجمهورية والمحيطين به، إلى الاحتماء بالنهضة والاعتماد عليها وعلى نفوذها في البرلمان للاستمرار في منصبه، وهو ما سيتكرر مع المشيشي، وربما بحدة أكثر، حسب توقعات المراقبين.
سعيّد يعلن الحرب!
وقد ألقى الرئيس سعيّد خطاباً حاد اللهجة، شنّ فيه هجوماً عنيفا على خصومه، معلناً الحرب على من اتهمهم بـ«الكذب والافتراء، وتزييف إرادة الناخبين والغدر والخيانة، والارتماء في أحضان الاستعمار، واللجوء إلى المناورات والمؤامرات في الغرف المظلمة وفي جنح الظلام»!. كما وصف أحزاباً في البرلمان بالخيانة، وتعهد بأنه سيكون لها بالمرصاد، وهو ما خلّف جدلا سياسيا كبيراً بين القيادات السياسية، التي دعته إلى كشف المعطيات المتوفرة لديه، وتسمية الأطراف المتهمة باسمها.
واعتبر محللون أن الرئيس سعيّد «أعلن الحرب بوضوح على النهضة وحلفائها، وداعميهم من وراء الستار». وخصوصاً بعد التصريحات المستفزة لبعض قيادات «النهضة» وحزب «قلب تونس»، و«ائتلاف الكرامة» بعد منح الثقة لحكومة المشيشي.
وأشير هنا إلى ما راج من تسريبات عن «صفقة» تمّت بين المشيشي وممثلين عن حركة النهضة وقلب تونس، تتضمن التصويت لصالح منح الثقة لحكومته، مقابل التعهد بإدخال تعديل وزاري قريب على تركيبتها، لضم مقربين من الحزبين إليها، مقابل الاستغناء عن وزراء محسوبين على الرئيس، وخاصة منهم وزيرَيْ الداخلية والعدل. وإذا صحّ الحديث المنقول عن رئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، عن اعتزام المشيشي تغيير 7 وزراء من حكومته، فإنه يؤكد أنّ «هناك صفقة أُبرمت، وتمت مقايضة تغيير الوزراء بالتصويت للحكومة».
وإلى ذلك، فإن غضب سعيّد يعكس خيبة أمله من الأحزاب التي التقى بها عشية عرض الحكومة على البرلمان، إذ نُقل أنه طلب «المساعدة على إسقاط حكومة المشيشي، والاحتفاظ بحكومة إلياس الفخفاخ، مقابل تعهده بعدم حلّ البرلمان، والبحث عن صيغ دستورية ملائمة». وهو العرض الذي يبدو أنه قد رُفض، وجعل الرئيس في موقع ضعف!.
تصريحات تتناول الرئيس
في غضون ذلك، ظهرت تصريحات مسيئة إلى الرئيس من قبل وجوه سياسية، مثل نبيل القروي، منافسه في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الأخيرة. حيث طالب القروي الرئيس سعيّد بالاعتذار للشعب التونسي، لأنه جاء بحكومة الفخفاخ التي وصفها بأنها «أفسد حكومة في تاريخ تونس»، وحث رئيس الجمهورية على «احترام الدستور وعدم التدخّل في صلاحيات رئيس الحكومة، بالتمسك ببعض الوزراء ومطالبته بعدم تنحيتهم».
كما حملت كلمة راشد الغنوشي، رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة، تعريضاً واضحاً بالرئيس ومسعاه لتشكيل حكومة تتماشى مع قناعاته. وعلى رغم تأكيده على أن تونس «تحتاج إلى هدنة سياسية واجتماعية، واستقرار لمواجهة كل التحديات»، فقد عكست كلمته إحساسه بـ«الانتصار» على مؤسسة الرئاسة، من خلال قوله إن «البرلمان مصدر السلطة، وكما أنه قادر على منح الثقة، قادر أيضاً على سحبها»!.
ويرى مراقبون أنه بدأت تتراكم جملة من المؤشرات والاعتبارات التي تدفع إلى الجزم بأن البلاد دخلت فعلاً مرحلة جديدة من المواجهة بين أطراف الصراع السياسي، قد تنفلت من أية ضوابط أو تفاهمات سابقة. وفيما تُحاول العديد من الأطراف السياسية تبديد هذه الأجواء الصِدامية التي تتجمّع غيومها الداكنة بوتيرة مُتسارعة، لا ينفك مسؤولو «النهضة» (الإسلامية) وحزب «قلب تونس» عن إثارة المزيد من الغبار، بما يُسرّع من المعركة المُرتقبة التي يرى البعض أنها ترمي إلى «اغتيال سياسي ومعنوي مُمنهج» للرئيس قيس سعيّد.
أجندة سعيّد
وبعيداً عن الحرب الكلامية والمناورات التي جرى تسريبها، فقد رأى محللون أن الرئيس سعيّد يميل بالفعل إلى نظام حكم رئاسي، وليس برلمانياً. وهذا ما أعلنه صراحة في برنامجه الانتخابي. كما أنه يعتبر، وفقاً لبرنامجه نفسه، أن الأحزاب التونسية قد انتهى دورها، ولا بد من الاعتماد على الكفاءات لتجاوز الظرف الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، والابتعاد عن ظاهرة التجاذب والمشاحنات السياسية بين الأحزاب.
وعلى ذلك، فهو أراد من رئيس الحكومة أن يكون «وزيراً أوّل (يخضع) لأوامره»، وهو ما تجلّى بتدخله كثيراً خلال تشكيل الحكومة، قبل أن يتجه المشيشي إلى الأحزاب، بحثا عن ضمان لتمرير حكومته أولاً، وتأكيد استقلاليته كرئيس حكومة، ثانياً. وذُكر في هذا الصدد، أنه مورست على المشيشي ضغوطٌ متزايدة لتثبيت بعض الأسماء، على نحو وضعه في موقف مُحرج. ووصف البعض استبعاد وزير الشؤون الثقافية، الأكاديمي الكفيف وليد الزيدي، من قبل المشيشي، ثم إعادة تثبيته من قبل الرئيس بـ«الإهانة»!.
ورأى مراقبون أن المشيشي اتخذ مسافة من الرئيس، بعد أن تأكد له أن مساندة قصر قرطاج لا تكفي لتمرير الحكومة، وأن مصير حكومته يبقى بيد الأحزاب الممثلة في البرلمان، والتي ستصوت لصالح الحكومة أو ضدها، على رغم أنه لم يمنحها حقائب وزارية تلبية لتصور الرئيس سعيّد للعمل الحكومي.
تركة ثقيلة
وخلال تسلّمه لمهامه (3/9)، وعد رئيس الحكومة التونسية الجديدة أن تكون حكومته «منفتحة على النقد والنصح»، وأكد على ضرورة التعاون والتنسيق مع رئاستي الجمهورية والبرلمان وكل القوى الحيّة من أحزاب ومنظمات. لكن المشيشي أقرّ بصعوبة وتعقيد المناخ السياسي العام، إضافة إلى صعوبة الخروج من النفق الاقتصادي. وقد طرحت الأولويات التي حددها تساؤلات كثيرة حول مدى قدرة فريقه الحكومي على تحقيقها، في ظل الأزمة المتفاقمة التي تمر بها تونس على جميع الأصعدة، وخصوصاً الأزمة السياسية غير الخافية بين مؤسستي الرئاسة والبرلمان، والحرب الكلامية التي رافقت تكوين الحكومة الحالية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، اعتبر المشيشي أن تونس تعيش اليوم نزيفاً، وأنّ دور حكومته سيكون «وقف النزيف فقط، وخاصة في المالية العمومية»، في وقت تقف فيه البلاد على حافة الإفلاس الاقتصادي، وتشهد بوادر حقيقية لانفجار مجتمعي وسياسي. وأضاف المشيشي أن فريقه الحكومي سيعمل على حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وإعادة توجيه الدعم لمستحقيه وضرب الاحتكار، وحماية الفئات الهشة ومقاومة الفقر. ولفت إلى تراجع نسب الاستهلاك والادخار وتقلص نسب الاستثمار، وزيادة عدد العاطلين في صفوف حاملي الشهادات العليا.
ويرى البعض أنّ حكومات ما بعد الثورة دأبت على الإنفاق السخي، في سياق سياسة «شراء السلم الاجتماعي»، من خلال زيادات متتالية في الرواتب، وإغراق القطاع العام بالعمالة الزائدة. وهو ما قد يدفع، حسب خبراء اقتصاديين، الهيئات الدولية المانحة إلى التدخل؛ إما من خلال وقف قروضها، أو عبر تحديد شكل الحكومة والمشاركين فيها، والإشراف على كيفية صرف الدعم الدولي، على غرار ما يجري في لبنان!.
يُذكر أنّ الاقتصاد التونسي يواجه أزمة خانقة مع توقعات بنسبة انكماش في حدود 7 % العام الجاري، وبطالة تفوق 20 %، ومعدل اقتراض سنوي يصل إلى 15 مليار دينار (5,5 مليار دولار). مع توقع أن تبلغ خدمة الدين العمومي في 2021 أكثر من 14 مليار دينار، وهو ضعف النفقات المخصّصة للتنمية، ما يعني تخلي الدولة عن دورها الأساسي في هذا المجال!.
وبدلاً من أن يكون مرور حكومة المشيشي في البرلمان مؤشراً إلى تهدئة سياسية بين قادة المؤسسات الدستورية، فإنه يبدو وكأنه قد فتح الباب على مصراعيه أمام معارك النفوذ الحامية والرغبة في السيطرة داخل مؤسسات الدولة، وفقاً لتفسير وتأويل كل طرف لبعض البنود (الثغرات) الدستورية المتصلة بالصلاحيات، التي تركها دستور 2014 عائمة تسمح بالتأويل ونقيضه!.
ومن الواضح، في نظر أغلب المراقبين، أنّ الرئيس سعيّد قد خسر نقاطاً كثيرة من خلال تمرير حكومة المشيشي، وهو الذي سمّى رئيسها بنفسه، وسعى إلى النأي بها عن الأحزاب، فضلاً عن تسمية وزراء محسوبين عليه. فالمشيشي الذي أطلق عليه البعض لقب «جوكر الرئيس» القادر على قلب الموازين في مواجهة حركة النهضة، انقلب إلى النقيض تماماً، أي أصبح الجوكر الذي قد توظفه «النهضة» وسواها من الأحزاب الحليفة لها، في مواجهة الرئيس والاستقواء عليه!.
وتوقع كثيرون أن يستعيد الخلاف بين سعيّد والمشيشي صورة الخلاف القديم بين الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، ورئيس حكومته وقتها يوسف الشاهد، الذي لم يكن معروفاً واختاره السبسي في سياق تصعيد الكفاءات الشابة، قبل أن تقوده الرغبة في التحرر من النفوذ المعنوي لرئيس الجمهورية والمحيطين به، إلى الاحتماء بالنهضة والاعتماد عليها وعلى نفوذها في البرلمان للاستمرار في منصبه، وهو ما سيتكرر مع المشيشي، وربما بحدة أكثر، حسب توقعات المراقبين.
سعيّد يعلن الحرب!
وقد ألقى الرئيس سعيّد خطاباً حاد اللهجة، شنّ فيه هجوماً عنيفا على خصومه، معلناً الحرب على من اتهمهم بـ«الكذب والافتراء، وتزييف إرادة الناخبين والغدر والخيانة، والارتماء في أحضان الاستعمار، واللجوء إلى المناورات والمؤامرات في الغرف المظلمة وفي جنح الظلام»!. كما وصف أحزاباً في البرلمان بالخيانة، وتعهد بأنه سيكون لها بالمرصاد، وهو ما خلّف جدلا سياسيا كبيراً بين القيادات السياسية، التي دعته إلى كشف المعطيات المتوفرة لديه، وتسمية الأطراف المتهمة باسمها.
واعتبر محللون أن الرئيس سعيّد «أعلن الحرب بوضوح على النهضة وحلفائها، وداعميهم من وراء الستار». وخصوصاً بعد التصريحات المستفزة لبعض قيادات «النهضة» وحزب «قلب تونس»، و«ائتلاف الكرامة» بعد منح الثقة لحكومة المشيشي.
وأشير هنا إلى ما راج من تسريبات عن «صفقة» تمّت بين المشيشي وممثلين عن حركة النهضة وقلب تونس، تتضمن التصويت لصالح منح الثقة لحكومته، مقابل التعهد بإدخال تعديل وزاري قريب على تركيبتها، لضم مقربين من الحزبين إليها، مقابل الاستغناء عن وزراء محسوبين على الرئيس، وخاصة منهم وزيرَيْ الداخلية والعدل. وإذا صحّ الحديث المنقول عن رئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، عن اعتزام المشيشي تغيير 7 وزراء من حكومته، فإنه يؤكد أنّ «هناك صفقة أُبرمت، وتمت مقايضة تغيير الوزراء بالتصويت للحكومة».
وإلى ذلك، فإن غضب سعيّد يعكس خيبة أمله من الأحزاب التي التقى بها عشية عرض الحكومة على البرلمان، إذ نُقل أنه طلب «المساعدة على إسقاط حكومة المشيشي، والاحتفاظ بحكومة إلياس الفخفاخ، مقابل تعهده بعدم حلّ البرلمان، والبحث عن صيغ دستورية ملائمة». وهو العرض الذي يبدو أنه قد رُفض، وجعل الرئيس في موقع ضعف!.
تصريحات تتناول الرئيس
في غضون ذلك، ظهرت تصريحات مسيئة إلى الرئيس من قبل وجوه سياسية، مثل نبيل القروي، منافسه في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الأخيرة. حيث طالب القروي الرئيس سعيّد بالاعتذار للشعب التونسي، لأنه جاء بحكومة الفخفاخ التي وصفها بأنها «أفسد حكومة في تاريخ تونس»، وحث رئيس الجمهورية على «احترام الدستور وعدم التدخّل في صلاحيات رئيس الحكومة، بالتمسك ببعض الوزراء ومطالبته بعدم تنحيتهم».
كما حملت كلمة راشد الغنوشي، رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة، تعريضاً واضحاً بالرئيس ومسعاه لتشكيل حكومة تتماشى مع قناعاته. وعلى رغم تأكيده على أن تونس «تحتاج إلى هدنة سياسية واجتماعية، واستقرار لمواجهة كل التحديات»، فقد عكست كلمته إحساسه بـ«الانتصار» على مؤسسة الرئاسة، من خلال قوله إن «البرلمان مصدر السلطة، وكما أنه قادر على منح الثقة، قادر أيضاً على سحبها»!.
ويرى مراقبون أنه بدأت تتراكم جملة من المؤشرات والاعتبارات التي تدفع إلى الجزم بأن البلاد دخلت فعلاً مرحلة جديدة من المواجهة بين أطراف الصراع السياسي، قد تنفلت من أية ضوابط أو تفاهمات سابقة. وفيما تُحاول العديد من الأطراف السياسية تبديد هذه الأجواء الصِدامية التي تتجمّع غيومها الداكنة بوتيرة مُتسارعة، لا ينفك مسؤولو «النهضة» (الإسلامية) وحزب «قلب تونس» عن إثارة المزيد من الغبار، بما يُسرّع من المعركة المُرتقبة التي يرى البعض أنها ترمي إلى «اغتيال سياسي ومعنوي مُمنهج» للرئيس قيس سعيّد.
أجندة سعيّد
وبعيداً عن الحرب الكلامية والمناورات التي جرى تسريبها، فقد رأى محللون أن الرئيس سعيّد يميل بالفعل إلى نظام حكم رئاسي، وليس برلمانياً. وهذا ما أعلنه صراحة في برنامجه الانتخابي. كما أنه يعتبر، وفقاً لبرنامجه نفسه، أن الأحزاب التونسية قد انتهى دورها، ولا بد من الاعتماد على الكفاءات لتجاوز الظرف الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، والابتعاد عن ظاهرة التجاذب والمشاحنات السياسية بين الأحزاب.
وعلى ذلك، فهو أراد من رئيس الحكومة أن يكون «وزيراً أوّل (يخضع) لأوامره»، وهو ما تجلّى بتدخله كثيراً خلال تشكيل الحكومة، قبل أن يتجه المشيشي إلى الأحزاب، بحثا عن ضمان لتمرير حكومته أولاً، وتأكيد استقلاليته كرئيس حكومة، ثانياً. وذُكر في هذا الصدد، أنه مورست على المشيشي ضغوطٌ متزايدة لتثبيت بعض الأسماء، على نحو وضعه في موقف مُحرج. ووصف البعض استبعاد وزير الشؤون الثقافية، الأكاديمي الكفيف وليد الزيدي، من قبل المشيشي، ثم إعادة تثبيته من قبل الرئيس بـ«الإهانة»!.
ورأى مراقبون أن المشيشي اتخذ مسافة من الرئيس، بعد أن تأكد له أن مساندة قصر قرطاج لا تكفي لتمرير الحكومة، وأن مصير حكومته يبقى بيد الأحزاب الممثلة في البرلمان، والتي ستصوت لصالح الحكومة أو ضدها، على رغم أنه لم يمنحها حقائب وزارية تلبية لتصور الرئيس سعيّد للعمل الحكومي.
تركة ثقيلة
وخلال تسلّمه لمهامه (3/9)، وعد رئيس الحكومة التونسية الجديدة أن تكون حكومته «منفتحة على النقد والنصح»، وأكد على ضرورة التعاون والتنسيق مع رئاستي الجمهورية والبرلمان وكل القوى الحيّة من أحزاب ومنظمات. لكن المشيشي أقرّ بصعوبة وتعقيد المناخ السياسي العام، إضافة إلى صعوبة الخروج من النفق الاقتصادي. وقد طرحت الأولويات التي حددها تساؤلات كثيرة حول مدى قدرة فريقه الحكومي على تحقيقها، في ظل الأزمة المتفاقمة التي تمر بها تونس على جميع الأصعدة، وخصوصاً الأزمة السياسية غير الخافية بين مؤسستي الرئاسة والبرلمان، والحرب الكلامية التي رافقت تكوين الحكومة الحالية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، اعتبر المشيشي أن تونس تعيش اليوم نزيفاً، وأنّ دور حكومته سيكون «وقف النزيف فقط، وخاصة في المالية العمومية»، في وقت تقف فيه البلاد على حافة الإفلاس الاقتصادي، وتشهد بوادر حقيقية لانفجار مجتمعي وسياسي. وأضاف المشيشي أن فريقه الحكومي سيعمل على حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وإعادة توجيه الدعم لمستحقيه وضرب الاحتكار، وحماية الفئات الهشة ومقاومة الفقر. ولفت إلى تراجع نسب الاستهلاك والادخار وتقلص نسب الاستثمار، وزيادة عدد العاطلين في صفوف حاملي الشهادات العليا.
ويرى البعض أنّ حكومات ما بعد الثورة دأبت على الإنفاق السخي، في سياق سياسة «شراء السلم الاجتماعي»، من خلال زيادات متتالية في الرواتب، وإغراق القطاع العام بالعمالة الزائدة. وهو ما قد يدفع، حسب خبراء اقتصاديين، الهيئات الدولية المانحة إلى التدخل؛ إما من خلال وقف قروضها، أو عبر تحديد شكل الحكومة والمشاركين فيها، والإشراف على كيفية صرف الدعم الدولي، على غرار ما يجري في لبنان!.
يُذكر أنّ الاقتصاد التونسي يواجه أزمة خانقة مع توقعات بنسبة انكماش في حدود 7 % العام الجاري، وبطالة تفوق 20 %، ومعدل اقتراض سنوي يصل إلى 15 مليار دينار (5,5 مليار دولار). مع توقع أن تبلغ خدمة الدين العمومي في 2021 أكثر من 14 مليار دينار، وهو ضعف النفقات المخصّصة للتنمية، ما يعني تخلي الدولة عن دورها الأساسي في هذا المجال!.
أضف تعليق