23 كانون الأول 2024 الساعة 15:05

في مواجهة مشروع الضم، على طريق طرد الإحتلال (5)

2020-07-15 عدد القراءات : 989

(8)

 

 

في البرنامج السياسي..

 

وقائع وخيارات

1- لم يعد الموقف من البرنامج المرحلي يشكل عقبة أمام استعادة الوحدة الداخلية، فحركة حماس وافقت على «وثيقة الوفاق الوطني» - 2006، التي تنص عليه بلا مواربة، لا بل مضت الحركة إلى ما هو أبعد في «وثيقة المبادئ والسياسات العامة»-2017 الصادرة عن مؤتمرها العام، بتبنيها الصريح للبرنامج المرحلي، باعتباره «صيفة توافقية وطنية مشتركة».

أما حركة الجهاد الإسلامي، فهي لا تمانع من الإنضمام إلى الإجماع الوطني فيما يعزز الوحدة الداخلية، مع تسجيل تحفظاتها على ما يتعارض مع مواقفها المبدأية، بمثال «وثيقة الوفاق الوطني»- 2006، التي تم اعتمادها كوثيقة إجماع وطني، مع تحفظ الجهاد على بعض نقاطها.

 

[ حول موقف حركة حماس وسياستها، راجع الفصل بعنوان: «حركة حماس والكيانية الفلسطينية المستقلة»، الذي يغطي العناوين التالية: 1- حركة حماس والبرنامج المرحلي؛ 2- حركة حماس في أدبياتها، ومنظمة التحرير؛ 3- حركة حماس في الحوارات الوطنية ومنظمة التحرير؛ 4- المشكلة في السياسة وليست في ركني الكيانية (المنظمة بمكانتها، والدولة المستقلة على حدود الـ 67)؛ 5- «توطين» الفكر السياسي لحركة حماس في صرح الفكر السياسي الفلسطيني الجامع.

الفصل المذكور يرد ص 45-49 من كتاب: «في مواجهة صفقة القرن..»، الكتاب الرقم 35 من سلسلة «الطريق إلى الإستقلال»، الصادر عن المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات (ملف). ط1: أيلول (سبتمبر) 2019.]

ما سبق لا يعني أن الجدل حول البرنامج المرحلي قد استنفذ أغراضه، فهو مستمر، في حركة صعود وهبوط، إنما بنبرة هادئة، منه الجدل بمنطق التبرير الذي ساد لفترة، لكنه ما لبث أن انحسر بعد تهافت حجته (أوسلو يقود إلى الدولة المستقلة!)؛ ومنه الجدل بمنطق السجال، الذي انتعش في الفترة الأخيرة بعد انهيار مسار أوسلو (البرنامج المرحلي قاد إلى كارثة أوسلو !). ومن الطبيعي ألا يستوقفنا هذا النمط من الجدل طويلاً، لأنه لا يقود إلى أي مكان.

بالمقابل، وأمام الصعوبات الحقيقية التي يواجهها التقدم في ملف البرنامج المرحلي، أو – على ما يعتقد البعض خطأً – إنسداد الأفق أمامه، فإن الجدل يزدهر في ساحة العمل الوطني حول خيارين برنامجيين: من جهة، برنامج «المساواة في إطار الدولة الواحدة»؛ ومن جهة أخرى، برنامج «التحرير الكامل»، أو ما يقترب منه، أو يتقاطع معه.

 

2- «المساواة في إطار الدولة الواحدة»: إعتماد البرنامج قبل بلورة عناصره

بالنسبة لهذا الخيار البرنامجي، ثمة من يعتقد أن البرنامج المرحلي لم يَعُدْ ذا صلة، بعد انكماش قاعدته الجغرافية بفعل انفلات الإستيطان من عقاله، وخاصة بعد الإنتقال إلى مرحلة الضم، ولا بد من الاستعاضة عنه ببرنامج آخر، عنوانه «الدولة الواحدة»، فيضحى النضال من أجل المساواة، وضد الأبارتهايد، هو المحور الناظم للمواجهة.

إن هذا الخيار، ينقلنا إلى تعريف آخر لسمة المرحلة التي يجتازها النضال الفلسطيني، من نضال وطني يرمي إلى تحرير الأراضي الفلسطينية عام 67، إلى نضال بمضمون ديمقراطي من أجل المساواة في المواطنة والحقوق في «دولة إسرائيل الكبرى»، ما يفترض – بدوره – أن الأخيرة قد حققت ضم جميع أراضي الـ 67، وأنجزت دمجها دستورياً في دولة إسرائيل، ما يعني – أيضاً - أن الشعب الفلسطيني قد هُزم في معركته ضد الإستعمار الإستيطاني، في الوقت الذي تشير فيه حقائق السياسة الملتقية مع وقائع الميدان، أن شعبنا مازال في خضم هذه المعركة، صامداً في موقع، ومتقدماً في آخر، معركة استنزاف مديدة، تكون الكلمة الأخيرة فيها، لمن لا يصرخ أولاً.

برنامج «المساواة في إطار الدولة الواحدة»، الذي يسوِّق نفسه باعتباره ذلك الطرح الإستباقي، الذي يستشرف آفاق المستقبل، بعد فشل «حل الدولتين»، يقوم في حقيقة الأمر على طرح ماضوي، يستعيد سيناريو النكبة وما تلاها، حيث نهض شعبنا من الركام، فخاض – ومازال – معركة الحفاظ على الوجود والدفاع عن الأرض، وصولاً إلى مرحلة النضال من أجل المساواة في المواطنة، على قاعدة مواصلة الإنتماء للشعب الفلسطيني، قضية وأهدافاً معلنة.

هذا البرنامج لا يصلح – قطعاً – لتوجيه النضال الفلسطيني في مناطق الـ 67، حيث تدور المواجهات مع الإستعمار الإستيطاني بهدف دحر الإحتلال وتفكيك الإستيطان، في ظل ظروف محلية، وإقليمية، ودولية، مختلفة تماماً عن الشروط التي تتحكم بنضال شعبنا في مناطق الـ 48. إن أصحاب برنامج المساواة يفترضون هزيمة حَلّت بالحركة الوطنية، الأمر الذي يتعاكس مع كون مرحلة الضم، باعتبارها أعلى مراحل الإستعمار الإستيطاني، هي مرحلة أفوله، تحلله، تفسخه، وبدء العد العكسي لانتهائه.

 

3- «التحرير الكامل»: الدور الذاتي مقروناً بالمعادلة الإقليمية

أما فيما خص الخيار البرنامجي الثاني، فثمة من يؤكد، أنه مالم تُلحق بإسرائيل هزيمة استراتيجية كبرى، على غرار حرب تشرين (أكتوبر) 73 في مرحلتها الأولى، فإنها لن تخرج من الضفة الغربية (ومن باب أولى القدس الشرقية)، لحمولتها الدينية، وقيمتها الجيوسياسية، ووظيفتها الإقتصادية والأمنية والعسكرية، وثروتها المائية، وما تؤمنه من «فضاء حيوي» لتوسعها السكاني.

هزيمة استراتيجية إذن، وليس هزيمة بالمعنى النسبي، كما يفترضها البرنامج المرحلي ضمن معادلة: رفع كلفة الإحتلال بتعظيم خسائره لتتجاوز المكاسب المتحصلة من بقائه. لذلك، لا فائدة من السعي لتسويات مع العدو، مقابل تقديم «تنازلات»، لا تنتج حلولاً، بل تستدرج المزيد منها، ما يؤدي – بالنتيجة – إلى إلحاق الخسائر بالقضية الوطنية.

إن برنامج التحرير الكامل هو العنوان العريض (الذي وإن افتقد إلى الدقة، فهو لا يبتعد كثيراً عن الفكرة الرئيسية التي توجهه)، لأكثر من رؤية تقترب منه أو تبتعد بهذا القدر أو ذاك، وما يجمعها ويوحد حلقاتها، هو الأطروحة الرئيسية التالية: إن نسبة القوى اللازمة لتحرير المناطق الفلسطينية المحتلة عام 67، لا تختلف كثيراً عن مثيلتها اللازمة لإلحاق هزيمة استراتيجية كبرى بإسرائيل، تضعها على مشارف تحوَّلات بنيوية ذات بعد كياني، مؤسسي، أيديولوجي، .. من شأنها أن تغيِّر جذرياً من طبيعتها الصهيونية، أو حتى تنزعها عنها. إن هذه الرؤية البرنامجية – على تعدد صيغ تقديمها – تعتمد على بناء ميزان قوى، تكون فيه الحالة الإقليمية هي العامل الراجح في مكوناته.

غير أن هذه الأطروحة – على وجاهتها – مستبعدة في المدى القريب، والأرجح الأبعد، فيما خص الحالة العربية بالذات، التي ستبقى حرب تشرين (أكتوبر) – 1973 آخر مآثرها لفترة قد تمتد، لانقسام الحالة العربية على بعضها بالخط العام، ولانقسامها على نفسها في دواخلها لعدد لا يُستهان به من الحالات، إلى جانب عوامل أخرى، قد لا تقل أهمية.

في كل الأحوال، لا يجوز الخلط بين حالة إقليمية متمحورة على المواجهة مع إسرائيل ضمن استراتيجية إستباقيةpreemptive (كانت بعض دول الناتو إبّان الحرب الباردة، تستخدم مصطلح استراتيجية الدفاع إلى الأمام)، وهي غير قائمة حالياً؛ وبين حالة إقليمية مناهضة بشكل حاسم لإسرائيل وسياساتها، مشتبكة معها ضمن استراتيجية دفاعية، وهي موجودة حالياً، وقابلة للتطوير في المستقبل القريب، وتشكل دعماً ثميناً للنضال الوطني الفلسطيني بمختلف خياراته البرنامجية.

إن القيمة السياسية المباشرة لبرنامج التحرير الكامل، مهمة – لاريب – من زاوية الإسهام في بلورة الوعي الوطني القائم على تأكيد وحدة الشعب، ووحدة ترابه الوطني، ووحدة قضيته الوطنية، وتأصيل الرواية التاريخية (التي يفتقد إليها الجانب الإسرائيلي، فيعوض عنها بالأساطير والخرافات التوراتية، الخ..)؛ كما أنها مهمة من زاوية العلاقات التي تؤسس لها مع قوى، ودول، ومؤسسات، تشكل سنداً سياسياً ومعنوياً داعماً لقضيتنا الوطنية، وصولاً إلى نتائجها الملموسة، وإسهامها المهم في بناء وتطوير عناصر القوة الذاتية الفلسطينية.

أما القيمة التعبوية لهذا البرنامج، مع التسليم بدورها في المديين العربي والمسلم، وفائدتها، خاصة بعد رواج طروحات التطبيع والتقدم في بعض خطواته، فلا نعتقد أنه من السهل على هذا البرنامج أن يشق طريقه على نطاق واسع (أي أن يصبح جماهيرياً) وسط المكتوين مباشرة بنار السياسة الصهيونية، سواء في مناطق الـ 67؛ أو – بشكل خاص - في مناطق الـ 48، حيث وجدت جماهير شعبنا ما يستجيب لطموحاتها في برامج أحزابها، التي تجمع ما بين الدفاع عن مصالحها المباشرة، وبين انتمائها القومي للشعب العربي الفلسطيني (قضية، وأهدافاً نضالية تحررية)

 

(9)

 

البرنامج المرحلي

 

 

1- البرنامج المرحلي: إنعكاس لمطلب الشعب قبل أن تتبناه الفصائل والمنظمة

[تزخر أدبيات الجبهة الديمقراطية بكتابات مستفيضة عن البرنامج المرحلي، نكتفي بالإشارة إلى مرجعين: أ) كتاب «البرنامج المرحلي.. 1973-1974، صراع – وحدة في المقاومة الفلسطينية»، 314 صفحة، من سلسلة «في الفكر السياسي الفلسطيني المعاصر»، من إصدارات «شركة دار التقدم العربي»(بيروت)، و «الدار الوطنية الجديدة» (دمشق). طبعة أولى: نيسان (إبريل) 2002؛ ب) «في راهنية الفكر السياسي للجبهة الديمقراطية..»، دراسة تشمل العناوين التالية: 1- السمة المعيارية لسياسة الجبهة الديمقراطية؛ 2- المقاربة المرحلية في سياسة الجبهة الديمقراطية، والأبعاد المتعددة للبرنامج المرحلي؛ 3- الكيانية الفلسطينية في بعديها المتلازمين: المنظمة والدولة. نشرت هذه الدراسة ص29-43، في كتاب «في مواجهة «صفقة القرن..». مصدر سبق ذكره.]

العودة إلى الديار والممتلكات، والخلاص من الإحتلال في الـ 67، والمساواة في الحقوق في الـ 48 مع صون الهوية القومية انتماءً للشعب العربي الفلسطيني، قضية وأهدافاً تحررية، هي مطالب بديهية، تلقائية، تنطلق من صميم واقع الإنسان الفلسطيني في أيٍ من الجماعات التي فُرض عليه الإندراج فيها؛ ولأن الهوية الوطنية الفلسطينية أضحت متبلورة، ومعززة بالرواية التاريخية الواحدة، فمن الطبيعي أن يتحول مطلب كل جماعة، إلى مطلب متبنى من الكل الفلسطيني، فتتوحد المطالب دون أن تفقد خصوصيتها، وتندمج بمكوناتها لتتحول إلى برنامج وطني واحد.

من هذه الزاوية، لا يصح البتة نسب أبوة البرنامج المرحلي إلى تنظيم سياسي بعينه، فالذي أنتجه بمرتكزاته الثلاثة الآنف ذكرها (عودة، دولة، مساواة) هو الشعب الفلسطيني بكل تجمعاته، والذي اعتبره من البديهيات التي لا تحتاج إلى إثبات، كما هو حال «المسلمات - Axioms» في الرياضيات. ولهذا السبب بالذات، يوفر البرنامج المرحلي أساساً صلباً، وإسمنتاً عالي الجودة للوحدة الوطنية، لأن أهدافه المعلنة تتطابق بشكل كامل (100%) مع طموحات وتطلعات الشعب الفلسطيني بأسره، بكل تجمعاته، وطبقاته، وشرائحه الإجتماعية.

وإذ نشير إلى الوحدة الوطنية، فنحن نعني ما يتجاوز الوحدة الداخلية بين قوى سياسية في أطر مؤسسية وغيرها، ونشير إلى الوحدة المجتمعية، وحدة النسيج الإجتماعي، التي يأتي البرنامج المرحلي لكي يوطد أركانها، وهي الكنز الثمين الذي نرفل بنعمته، وينبغي أن نصونه كحدقات الأعين، على عكس حال عديد الشعوب في أربع جهات الأرض التي تنزف دماً جرَّاء إنقسامات عامودية في مجتمعاتها، تجد امتدادها في بناها السياسية.

 

إن ما قامت به الجبهة الديمقراطية – وهو من الأعمال التي تعتز بها – لا يتعدى ترتيب سياق هذه المطالب، وإكسابها طابعها البرنامجي، بالتحليل المنهجي واشتقاق المهام، وصولاً إلى خوض المعركة السياسية – الجماهيرية في إطار تحالفي وطني، لإقرارها بصيغة البرنامج المرحلي، الذي تطور نصّاً ومضموناً، خلال 14 عاماً، ليكتسب المزيد من التحديد والملموسية في 9 دورات متتالية للمجلس الوطني، بدءاً من الدورة الثانية عشرة – 1974 التي صادقت على «برنامج النقاط العشر»، وحتى الدورة التاسعة عشرة – 1988 التي أقرت «إعلان الإستقلال».

إن أبوة البرنامج المرحلي تعود – بالأساس - إلى الشعب الفلسطيني، وليس لأحد سواه، ولا «خلاص» أو تحلل منه، إلا بإحدى الحالتين، وكلاهما غير قائمتين في المدى المرئي: تحقيق أهدافه؛ أو تغيير مزلزل في الشرط الموضوعي الذي انتجه؛ وهذا ما لا نراه ماثلاً، حتى لو أقدمت إسرائيل على أمر مستبعد يتمثل بضم كامل الضفة الغربية.

إن قيام «إسرائيل الكبرى» من خلال الضم الكامل – إذا افترضنا السيناريو الأسوأ - لا نجده سبباً موجباً للتخلي عن البرنامج المرحلي، لصالح برنامج آخر، يتمايز عنه تماماً، هو برنامج النضال ضد الأبارتهايد، لسبب وجيه، وهو: إن السمة الوطنية التحررية للنضال الفلسطيني، لن تتغيّر بالضم، إلا إذا رفعنا الراية البيضاء، وسلَّمنا – ومعنا العالم – بالأمر الواقع الإستعماري. وهذا لن يحصل. ولعل المعارضة الدولية الواسعة التي نشهدها في هذه الأيام على مخطط الضم الجزئي (المغطى أميركياً)، وعديدها من جهات صديقة لإسرائيل، إنما تؤشر إلى ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع من انسداد في وجه إسرائيل، في حال تنفيذ الضم الكامل.

في كل الأحوال، لا تجوز المقارنة، بين وضع أراضي الـ 48، حيث الإعتراف الدولي بدولة إسرائيل، وبين الوضع الذي سينشأ في الضفة الغربية ضمن فرضية الضم، الذي لن يلغي المركز القانوني والشرعي الدولي للكيان الغاصب، كقوة قائمة بالإحتلال، يضعها باستمرار تحت مطرقة المحاسبة وطائلة القانون. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى لسنا بوارد التوسع فيها على غرار الإختلاف في التناسب السكاني (20% عرب فلسطينيون في الـ 48، مقابل 80% في الضفة بما فيه القدس، دون احتساب القطاع)، الثقل الفلسطيني المؤسسي، التراكم الكفاحي، الخ... إن برنامج النضال ضد الأبارتهايد ينطبق على الحالة الفلسطينية في مناطق الـ 48 حصراً، ولا يجوز سحبه على وضع الضفة الغربية، في سياق ممارسة تمارين ذهنية قد تكون مقبولة في أي مكان، ما عدا الميدان الذي تدور فيه المواجهة اليومية بين الشعب واحتلال الإستيطان.

[ في موضوع النضال ضد الفصل العنصري (الأبارتهايد) الذي دارت رحاه في جنوب إفريقيا، يفيد التذكير بما يلي: المؤتمر الوطني الإفريقي- ANC بقيادة الحزب الشيوعي، جمع في نضاله ضد النظام القائم، بين العمل السياسي والجماهيري محلياً ودولياً، وبين الكفاح المسلح انطلاقاً من قواعد ارتكاز في بلدان الجوار، وبخاصة أنغولا بقيادة الحركة الشعبية لتحرير أنغولا – MPLA ذات الهوية الماركسية.]

 

2- الموضوعات الرئيسية لأطروحة البرنامج المرحلي

الموضوعة الأولى: إن الظفر بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على كامل ترابه الوطني يتطلب مرحلياً: 1- تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس، عليها؛ 2- إقرار حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها منذ عام 1948 واستعادة ممتلكاتهم؛ 3- ضمان حق المساواة لجماهير الشعب الفلسطيني داخل حدود 1948 والإعتراف بهويتها القومية كجزء من الشعب الفلسطيني الموحد.

الموضوعة الثانية: إن إنجاز هذه الأهداف يفتح الطريق للنضال من أجل حل ديمقراطي جذري للمسألة الوطنية الفلسطينية، يحقق للشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير على كامل ترابه الوطني، ويلبي كامل حقوقه القومية في وطنه، في ظل فلسطين ديمقراطية، موحدة، ومتحررة من الصهيونية والنفوذ الإمبريالي، يتعايش فيها الشعبان على أساس من المساواة القومية، وبعيداً عن أي شكل من أشكال التمييز والإضطهاد القومي والعنصري والديني.

الموضوعة الثالثة: البرنامج المرحلي كان ومازال، قبل كل شيء، برنامج الإعداد للإنتفاضة الشعبية الشاملة، باعتبارها الشكل الفلسطيني المميّز من أشكال حرب الشعب. وفي هذا لا تقلل الإنتفاضة الشعبية من شأن وتأثير أشكال النضال الأخرى، السياسية والدبلوماسية، وما تستتبعه من تضامن وتأييد وإسناد ملموس لنضال شعبنا من جهات ومصادر متعددة. وفي هذا الإطار يحتل العمل العسكري، إن بأشكاله التكتيكية عموماً، أو ضمن الإستراتيجية الدفاعية المعتمدة في قطاع غزة تخصيصاً (التي تواصل تطوير نفسها لبلوغ عتبة الردع)، بل تؤكد الإنتفاضة على دور جميع هذه الأشكال، كروافع مهمة، وأحياناً فائقة الأهمية لاستنهاض الإنتفاضة الشعبية، واستنزاف الإحتلال.

الموضوعة الرابعة: إن تسليط الضوء على الإنتفاضة، باعتبارها الصيغة النضالية الفلسطينية لحرب الشعب، التي تؤكد الدور المقرر للحركة الجماهيرية وللمقاومة الشعبية بمختلف أشكالها، في إحداث التغيير اللازم في نسبة القوى للخلاص من الإستعمار الإستيطاني، إنما يرسخ فكرة الإعتماد على الذات، ويقود إلى إدراج مهمة تحشيد وتنظيم القوى الذاتية في مقدمة مهام واهتمامات الحركة الفلسطينية، بعيداً عن المواقف الإنتظارية التي تعتمد، أو تراهن على تغيير في نسبة القوى يأتي من المحيط الإقليمي، مع التأييد الشديد لهذا التغيير في حال تشكله. إن البرنامج المرحلي هو برنامج تعبئة وتنظيم القوى الذاتية، والإعتماد على الذات، من موقع الثقة بطاقات الشعب وقدرات حركته الجماهيرية.

الموضوعة الخامسة: من أجل تحقيق أهدافه، لا يفترض البرنامج المرحلي، ولا يعتمد على التسوية السياسية من خلال المفاوضات، لكنه لا يستبعدها، إذا وعندما تتولد نسبة قوى توفر شروطاً تكفل مُخرجات تحقق أهداف النضال الوطني التحرري. ومن هذه الزاوية بالتحديد، فإن أوسلو بما قاد إليه من كوارث، ليس ترجمة للبرنامج المرحلي، بل هو نقيضه تماماً، إنه النموذج – الضد الذي ينبغي عدم مقاربته، وإدانته، وإدارة الظهر له. إن مسار أوسلو ليس مسار البرنامج المرحلي، بل هو مسار تصفية أهدافه.

 

3- المنظمة والبرنامج المرحلي، وجهان لموضوع واحد: الكيانية الفلسطينية

بعد اعتماد «برنامج النقاط العشر»- 1974، تداخل مسار منظمة التحرير مع مسار البرنامج المرحلي، وبات من غير الممكن الفصل بينهما، كونهما يعبِّران معاً عن نفس الموضوع، وهو الكيانية الفلسطينية: فالمنظمة – كحقيقة قائمة – تعكس الكيانية الوطنية بمكانتها التمثيلية للشعب وقضيته الوطنية، ولحق تقرير المصير؛ والبرنامج المرحلي (وفي القلب منه الدولة المستقلة على حدود الـ 67، ومعها حق العودة للاجئين، والمساواة لجماهير شعبنا في الـ 48)، يعبر عن هذه الحقيقة الكيانية، كهدف نضالي يجري العمل نحوه.

لقد أضحى الإعتراف بالمنظمة، بما هي كيان سياسي يستبطن حقوقاً، هو اعتراف بالدولة المستقلة، الذي هو – بدوره – اعتراف بالمنظمة. ولأنه لم يعد بالإمكان الفصل ما بين المنظمة وبرنامجها، فليس من المنطق، ولا من الأمانة التاريخية بشيء، أن يتم التأكيد على الإنتماء للمنظمة، مع التنكر لبرنامجها، أو حتى مع إدارة الظهر له، الذي لولاه لما وصلت المنظمة إلى ما وصلت إليه من دور ومكانة ونفوذ، فمن سلك درب المنظمة، أخذ «عدتها» معه، فبدون هذه «العدة» لن يصل إلى أي مكان. ومن المؤكد أنه لم تكن المنظمة لتشهد هذا التراجع في المكانة والدور، لولا إقدام قيادتها الرسمية، على ولوج درب اتفاقات أوسلو، فسلخت البرنامج عن حوامله (أي المنظمة)، ما أدى إلى النتائج المعروفة.

ومن هذه المعادلة التي جمعت، ووحَّدت ما بين المنظمة وبرنامجها، انعقد شرط نجاحها خارجياً، فانطلقت منظمة التحرير تحت راية البرنامج المرحلي إلى العالم، لتحقق أوسع الإعترافات بالحقوق الوطنية، فرسَّخت مكانة هذه الحقوق – بدرجات متفاوتة من التأصيل – لدى 138 دولة، وفي المنظمات القارية، وفي محكمة العدل الدولية وسائر المؤسسات العاملة في إطار الأمم المتحدة، وفي محافل الشرعية الدولية، الخ..؛ كما انعقد شرط نجاحها داخلياً، فانطلقت تحت راية البرنامج المرحلي، رافعة شعار: «الحرية والاستقلال»، الانتفاضتان الأولى (1987-1993)، والثانية (2000-2004).

 

4- البرنامج المرحلي: الممر الإجباري إلى إنجاز الحقوق الوطنية

مما سبق، وعلى أساس نضالات شعبنا وصموده في الميدان، نستخلص مايلي: 1- لولا المكانة التمثيلية للمنظمة ببرنامجها المعتمد (البرنامج المرحلي)، لما كان بالإمكان تحقيق هذه النتائج السياسية الباهرة، داخلياً وخارجياً؛ 2- إن التأييد الدولي الذي نسعى إليه في المدى المباشر لمواجهة مخطط الضم وصفقة القرن (توسيع الإعتراف بدولة فلسطين وسائر الحقوق الوطنية + مقاضاة إسرائيل ومعاقبتها على جرائمها + تعزيز تمثيل فلسطين في المؤسسات الدولية + تنشيط حملة المقاطعة – B.D.S،...)، هذا التأييد لن يُبنى، ولن يمتد، إلا على قاعدة القرارات السابقة للمستويات الدولية الآنف ذكرها. وجميعها تمت على قاعدة البرنامج المرحلي بمنطوياته، وليس بما يتجاوزها، فإدانة الاستيطان – مثلاً – على يد القرارات الست الصادرة عن مجلس الأمن (446-1978 + 452-1979 + 465-1980 + 476-1980 + 478-1980 + 2334-2016) تكون للإستيطان القائم في الضفة بما فيه القدس الشرقية، وليس في القدس الغربية، أو النقب، أو الجليل... والنص على الدولة الفلسطينية والإعتراف بها، يكون على حدود الـ 67، وليس على خطوط التقسيم لعام 1947، ناهيك عن حدود فلسطين – الإنتداب.

الحالة الفلسطينية – عموماً – تعي أن تدويل القضية الوطنية، على أهميته، لا يتعدى كونه أحد العناصر الفاعلة بتشكيل نسبة القوى في الصراع الدائر، فالعامل الحاسم والأهم، هو ما يجري في الميدان. ومع ذلك، لا أحد يستطيع أن يتجاهل أهمية المعركة حول الحقوق الوطنية على المستوى الدولي، منذ مرحلة الإنتداب وحتى يومنا.

في هذا المجال تحديداً، مازالت المنظمة في موقع متقدم، ينبغي صونه، تعزيزه، وعدم التقليل من أهميته، بدعوى أن أياً من قرارات الشرعية الدولية لم يُنفذ حتى الآن؛ فهذا الكلام – على صحته – لا يفي الموضوع حقه للسبب التالي: إن نسبة القوى اللازمة لاتخاذ القرار الأممي، تختلف عن تلك الضرورة لتنفيذه. ثمة فجوة ما بين الأمرين، لا تردمها سوى حقائق الميدان. وطالما معطيات الإقليم والعالم على ما هي عليه، وحده تحسين ميزان القوى لصالحنا إلى درجة معيَّنة، هو الكفيل بإدراج قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع الذي يفرض تنفيذها بالقوة، إذا لزم الأمر.

الصعوبات التي تحيط بالقضية الفلسطينية حالياً، تقتضي – مستفيدين من التدويل المضطرد لقضيتنا الوطنية – استعادة عناصر القوة الفلسطينية: إنتفاضة شعبية ومقاومة + وحدة داخلية + تعبئة طاقات الشعب الفلسطيني في كل مكان.

البرنامج المرحلي قادر على حمل أعباء المرحلة، دونما تعارض مع أي من الخيارات البرنامجية الأخرى؛ فخيار برنامج «المساواة في إطار الدولة الواحدة» يدور في حلقة افتراض أسوأ الأسوأ، الذي لا تزكيه وقائع الصراع؛ وبرنامج «التحرير الكامل»، (ولعل الأدق تسميته ببرنامج «الإخلال الكامل» بميزان القوى)، لا نراه يتحرك خارج خيارات البرنامج المرحلي.

إن البرنامج المرحلي الذي اعتمدته حركة حماس رسمياً، هو عملياً «البرنامج الوطني المشترك» الذي تكمن قوته الضامنة لاستمراريته (ضمن الشرط الذي أنتجه) في واقعيته وديناميته التوحيدية، هو البرنامج المعياري الذي إذا لم يتحقق السبق إليه، فمن الصعب الإختلاف معه. وتبقى المقاربة المرحلية هي المقاربة المعيارية وطنياً، كونها تعكس الشراكات السياسية لحركة وطنية، تستمد قوتها – أيضاً – من تعدديتها

أضف تعليق