24 تشرين الثاني 2024 الساعة 08:20

عمال غزة: ساعات عمل أكثر.. أجور أقل!

2020-07-14 عدد القراءات : 1193
غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير آمنة الدبش)
يدفع العمال في قطاع غزة، فاتورتي الحصار والانقسام معاً. وهم الشريحة الاجتماعية الأكبر والأكثر تضرراً جراء الانتهاكات المتواصلة لحقوقهم وكرامتهم، في ظل تدني الأجور واستغلالهم من أرباب العمل، وفي ظل تقاعس الجهات المعنية عن الدفاع عن قضاياهم وحقوقهم المهدورة، مع غياب القوانين والتشريعات المساندة والداعمة لصمودهم، ما أدى لتدهور أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
ووفق نتائج مسح القوى العاملة لدورة الربع الأول من العام 2020 والذي أجراه مركز الإحصاء الفلسطيني، بلغ عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة 211,300 شخص، فيما تزايدت معدلات البطالة والفقر في صفوف الطبقة العاملة جراء توقف الحياة الاقتصادية، حيث بلغ معدل البطالة في قطاع غزة 54% وأصبح أكثر من 70% من سكان قطاع غزة غير آمنين غذائياً. فيما يعمل 54% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص دون عقد عمل، و29% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجور المقر من حكومة السلطة الفلسطينية بـ 1450 شيكل (420 دولارا)، فيما أصبح معدل الأجر الشهري في قطاع غزة لا يتجاوز 700 شيكل (200 دولار)، وهو مبلغ لا يستطيع من خلاله أن يفي بجميع احتياجات ومستلزمات أسرته.
أجر لا يلبي الاحتياجات
يعمل الشاب محمود أبو شباب (28عاماً) في مخبز يقضي أمام ألسنة النيران لساعات طويلة تصل إلى 60 ساعة اسبوعياً، ما يعادل 12 ساعة يومياً بواقع خمسة أيام في الأسبوع، ويتقاضى أجراً لا يتعدى 33 شيكل (9 دولارات) في اليوم الواحد، لا يرقى لسداد احتياجاته اليومية. وأوضح أنه «يعي تدني أجره مقارنة بساعات عمله المرهقة، رغم محاولاته العديدة لزيادة أجرته وتقليص عدد ساعات عمله اليومية دون نتيجة». مضيفاً: «أبلغني صاحب العمل أنه لا يستطيع التعامل مع مطلبي، وهددني بتشغيل عامل آخر». وبين أن «ندرة فرص العمل وغياب البدائل وتأزم الوضع المعيشي وتدهور الأوضاع الحياتية والمعيشية دفعه للقبول بلهيب النار مجبراً».
أما المزارع أسامة (35 عاماً) يرتشف الشاي الساخن واقفاً في طابور الانتظار على مفترق مصبح «الخضرة» في رفح جنوب قطاع غزة، تحدث لمراسلة «الحرية» في غزة قائلاً: «أبدأ رحلة الشقاء اليومية بالركوب بالصندوق الخلفي كالعبيد.
حال المزارع أسامة يختلف عن عامل المخبز أبو شباب، ، حيث يعمل لأربع ساعات يومياً بأجر يومي لا يتعادى 10 شواكل أقل من 3 دولارات باليوم الواحد وتتغير بمزاجية، وفي حال الاعتراض يتم طرده من العمل، وفق قول المزارع أسامة لـ«الحرية». موضحاً أن أزمة العمال رغم تفاقمها لم تكن وليدة اللحظة لغياب المسؤولية الحكومية والنقابية، ما دفع بالكثير من العمال للتهافت على المساعدات الإغاثية لسد رمق أسرته.
فصل تعسفي
ويعمل العامل معتز (25 عاماً) حارساً ليلياً في أحد المواقع الإنشائية لشركة مقاولات عامة تقع في منطقة معزولة، لـ(14) ساعة يومياً براتب شهري 800 شيكل (230 دولاراً)، ويقول: «دون سابق انذار وبشكل مفاجئ استغنى صاحب العمل عن خدماته إلى جانب حرمانه من مستحقاته». وقال معتز لـ«الحرية» إنه «أقدم على رفع قضية ضد صاحب العمل جراء فصله التعسفي، لكن دون جدوى». مضيفاً: «بعض أصحاب العمل يلجئون لتلفيق التهم ضد العامل، كالسرقة لإجبار العامل على التنازل عن حقوقه».
وتشكو سمر في الثلاثينيات من عمرها تعمل في احدى رياض الأطفال، من تدني أجرها الشهري الذي لا يتجاوز 200 شيكلاً (60 دولاراً) شهرياً بمعدل 6 ساعات عمل يومياً، وجراء جائحة كورونا انخفض الأجر إلى 150 شيكل ولا يسد رمق أسرتها الفقيرة التي تعتمد على شيكات الشؤون الاجتماعية، وتقول «شو جابرك على المر إلا الأمر منه».
من جهته، أوضح المحامي الحقوقي نضال صيام أن القانون الفلسطيني يحتوي على نصوص واضحة تضمن حقوق العمال، لكن تجاهلها متعمد من أرباب العمل، وبعض العمال يجبرون على التوقيع على أوراق تحرمهم من حقوقهم، حيث سوق العمل مليء بالتجاوزات والانتهاكات وبعضاً منها تصل لحد الفصل.
سؤال الدور النقابي
وأشار المحامي صيام إلى وجود عقد عمل لتقوية موقف العامل وتثبيت حقوقه أمام المحاكم، بل وأعطاه الحق بالإثبات والشهود. موضحاً أن قانون العمل حدد 9 ساعات عمل يومياً بمعدل 45 ساعة أسبوعياً. وبين أن العامل يستحق تعويضاً عن فصله تعسفياً بأجر شهرين عن كل عام قضاه في العمل على ألا يتجاوز أجره عن مدة عامين.
وطالب صيام بتفعيل دور النقابات والاتحادات، لمعالجة المشاكل التي يعاني منها العمال في مواقع عملهم، وبما يوفر بيئة عمل آمنة وملائمة لهم، وبما يضمن سلامة حياتهم وكافة حقوقهم التي نص عليها قانون العمل الفلسطيني.
وبدوره، أكد عضو الأمانة العامة لاتحاد نقابات عمال فلسطين الدكتور سلامة أبو زعيتر ضرورة تطبيق قوانين العمل وتطويرها لحماية العمال وإنصافهم من هيمنة واستغلال بعض المشغلين الذين يستغلون ظروف الضائقة الاقتصادية والحاجة الماسة للعمل، بتخفيض الاجور وزيادة ساعات العمل. داعياً لملاحقة أرباب العمل قانونياً وايجاد السبل لوقف هذه الظاهرة السيئة التي تضيف على العمال عبئاً جديداً ينعكس على حياتهم الاجتماعية والأسرية وعلى سلوكهم النفسي.
قانون التنظيم النقابي
وأشار زعيتر إلى أن النقابات العمالية، هي من تمثل العمال وتتبنى قضاياهم وتدافع عن حقوقهم، ومن واقع المسؤولية والدور النقابي تقوم النقابات بالعمل بعدة اتجاهات، أولاً منذ بداية الجائحة تم العمل على توقيع اتفاق لحفظ حقوق العمل برعاية وزارة العمل وبالشراكة ما بين الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين والمجلس التنسيقي للقطاع الخاص بهدف حماية الأجور وتقديم الدعم والمساعدات للعمال المتضررين في ظل جائحة كورونا.
وأشار زعيتر برسالة «لكل العاملين في العمل النقابي بضرورة العمل على تمثيل العمال وتبني قضاياهم والدفاع عن حقوقهم وكرامتهم بعيداً عن أية مصالح أو تجاذبات قد تضر بالعمل، وعلى الحكومة أن تطبق القانون وتلزم المشغلين بتطبيق القانون والحد الأدنى للأجور والعمل على تفعيل قانون الضمان الاجتماعي».
ودعا زعيتر إلى إصدار قانون التنظيم النقابي وفق أسس ديمقراطية وعصرية، ووفق الاتفاقيات والمعايير الدولية خاصة اتفاقيتي العمل (87 و98) التي تحمي الحريات النقابية، وتعطي مساحة للعمل بدون تدخلات خارجية وبما يحيّد العمل النقابي عن الخلافات، ليقوم بدوره بشكل سليم وديمقراطي ومستقل.
قضية تدني الأجور ستبقى تلاحق العمال كالأمواج المتلاطمة بما ينذر بمستقبل مظلم، ومعاناة تتجدد، وصمت يتواصل أمام غياب المنظومة القانونية والتشريعية والتنفيذية■
•    مجلة الحرية الفلسطينية- العدد 1782

أضف تعليق