الانتخابات على لسان غانتس؟!
ربما هي المرة الأولى، في المشهد الإسرائيلي، التي يستنجد فيها شريك أساسي في الحكومة بأحزاب المعارضة كي يمنعوا ترسيم مشروع قانون خطط له «حليفه» الذي يترأس هذه الحكومة. هكذا كان حال «كاحول لافان» وهو يواجه مقترح قانون مدعوم من نتنياهو يتيح التدقيق بسلامة عمل القضاة وقراراتهم.
سقوط مشروع القانون بأصوات مختلطة مابين الحكومة والمعارضة، بيَّن على نحو واضح هشاشة الاتفاق الائتلافي الذي أدى لتشكيل الحكومة الحالية، وجعل من احتمال حل الحكومة واللجوء إلى انتخابات مبكرة أمرا واردا .. ومرجحا.
فهل يُسجل ماسبق باعتباره بداية لتصعيد الاشتباك بين طرفي الحكومة الإسرائيلية، أم أن أطرافها الأخرى سينجحون في «لملمة» تداعيات ماحصل ، انطلاقا من معادلات الربح والخسارة التي تحكم حساباتهم عندما تلوح في الأفق انتخابات جديدة؟
اللافت في الموضوع أن نتنياهو، الذي شجع النائب بتسلئيل سموتريتش («يمينا»)على تقديم مشروع القانون، تغيب قاصدا عن جلسة التصويت ومعه 13 نائبا من الليكود، وهذا وضعه في موقف ملتبس أمام أطراف معسكره، وخاصة الحريديين الذين اتهموه بمحاولة الايقاع بينهم وبين «كاحول لافان». ويمكن القول إن ما حصل بشأن مشروع القرار المذكور كشف مجددا الآتي:
• استمرار الاحتقان في المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل وخاصة تجاه ملف نتنياهو القضائي. ومن الواضح أن رئيس الوزراء يدرك هذا الأمر، وربما لهذا السبب حاول أن ينفي أي علاقة له أو لحزبه بمشروع القانون من خلال غيابه ومن معه عن جلسة التصويت.
• المفعول السلبي للاتفاق الائتلافي بين «الليكود» و«كاحول لافان» في تسيير عمل الحكومة. وقد عبرت التفاصيل والشروط المتبادلة الكثيرة في نص الاتفاق عن أن أزمة الثقة هي التي تحكم العلاقة بين الطرفين، الذي لم يتمكنا من الوصول، قبل توقيعه، إلى حلول وسط تقنعهما وتجعل الاتفاق قابلا للاستمرار، وأن تشكيل الحكومة كان الهدف المركزي وربما الوحيد من وراء التوصل إليه.
• الكلفة العالية التي يدفعها الليكود نتيجة سعي نتنياهو الدائم للحفاظ على موقعه على رأس المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل، والتي أدت إلى حرمان الحزب من كامل حصته من المقاعد الوزارية التي يوزعها نتنياهو بسخاء على الشركاء لضمان تحقيق طموحاته الفردية.
• لكن السؤال الذي يطرح نفسه في السياق يدور حول جدوى وتوقيت هذه المناورة الفاشلة التي قام بها نتنياهو بشأن طرح مشروع القانون، وخاصة في ظل الجدل والتجاذب الإقليمي والدولي بخصوص مخطط الضم الذي يعتبره نتنياهو الحلقة الأساسية في مشروعه السياسي، والذي يحتاج بالضرورة (كما يقول هو ذاته) «هدوءاً» على جبهة الصراعات الحزبية الداخلية في إسرائيل.
ـ يمكن القول إن عددا من الملفات الاجتماعية والاقتصادية باتت تلقي بظلها على أجندة الحكومة الإسرائيلية وخاصة مع الموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا التي جاءت بعد قيام الحكومة بتخفيف الاجراءات الاحترازية التي كانت مفروضة على القطاعات الانتاجية والخدمية في إسرائيل، مع بدء انتشار الفيروس. وعلت أصوات كثيرة في الشارع الإسرائيلي وعلى مستوى الحكومة والمعارضة تنتقد بحدة سياسات نتنياهو في هذا الخصوص. ويتوقع خبراء في مجال الصحة أن تتفاقم الإصابات في إسرائيل وبالتالي تسوء الأوضاع الاقتصادية على نحو واسع.
ـ كما أن اتساع المواقف المترددة والمعترضة والرافضة لمخطط الضم دفعت نتنياهو لتنويع خطابه تجاه تنفيذ هذا المخطط، دون أن يعني ذلك تراجعه، لكن هذا التنويع في الخطاب وسيناريوهات التطبيق أزعج جهات عدة وعلى رأسها المستوطنون، ويخشى نتنياهو أن يتراجع منسوب تأييده في أوساطهم، وهم أحد الروافع المهمة التي يعتمد عليها في تعزيز قوته في مواجهة الخصوم من جهة، وفي تنفيذ المخطط على الأرض من جهة أخرى.
ـ على ماسبق، يؤدي التلويح بالانتخابات المبكرة إلى خلط الأوراق، ويكون الأمر أفضل بالنسبة لنتنياهو أن يكون خصومه هم البادئون في طرح هذا الاحتمال الذي لايفضله الإسرائيليون. وقد حصل ذلك هذه المرة على لسان غانتس بعد أن استفزه نتنياهو من خلال مشروع القانون الذي يمس وضع القضاة، وخاصة أن حقيبة القضاء من حصة «كاحول لافان»، وقد استنفر فعلا الوزير المعني طالبا المساعدة من أحزاب المعارضة لإفشال مشروع القانون، في الوقت الذي كان فيه غانتس يصرح بغضب بأنه لا يخشى الانتخابات المبكرة، وأنه مستعد لحل الحكومة في حال تم ترسيم المشروع في الكنيست. وهكذا تمكن نتنياهو من خلق جو من البلبله انخرط فيه الجميع داخل الحكومة وفي المعارضة.
واللافت أن غانتس لم يكسب عمليا أي شيء جراء تصديه لمحاولة تمرير مشروع القانون. فقد بات دريئة للانتقادات الحادة من قبل أحزاب المعارضة، الذين وإن صوتوا بالاتجاه الذي يرغبه، إلا أنهم حملوه المسؤولية المباشرة عن مناورة نتنياهو، لأنه هو من جاء بـ«الدب إلى كرم» الحكومة القائمة، من خلال شق «كاحول لافان» والالتحاق بخصمهم اللدود. وهذا النقد الحاد والصائب سينعكس حكما على قوة غانتس وحزبه، والتي تتراجع باضطراد في نتائج استطلاعات الرأي.
أما بخصوص مخطط الضم، فمن الواضح أن فريق ترامب قد وصلته رسالة نتنياهو بشأن العقبات التي تعترضه على الصعيد الداخلي، وقد تناقلت وسائل الإعلام مؤخرا تصريحات لأعضاء في الفريق تتحدث عن تشجيع أميركي للبدء فورا بتنفيذ مخطط الضم. وهذا يعني أنه من الممكن أن ينشط نتنياهو ومعسكره على جبهتين، فمن جهة يستعيد تماسك معسكره عبر المضي بمخطط الضم بشكل معلن، ويضع احتمال الانتخابات المبكرة على أجندته في إطار طموحه تغيير الخريطة الحزبية القائمة باتجاه تعزيز قوة الليكود ودفع «كاحول لافان» إلى الصفوف الخلفية في هذه الخريطة.
صحيح أن نتنياهو يرى في «الهدوء» على جبهة الصراعات الحزبية الداخلية مناخا يساعده على التقدم في مخطط الضم، لكن أوساطا في الليكود رأت أنه في حال أثيرت المتاعب من حوله في الملفات التي تقلقه، فإنه مستعد لأن ينتج من الصخب مايكفي للفت الانتباه عن هذه الملفات باتجاه اهتمامات أخرى يكون هو المتحكم في تظهيرها، ربطا بطموحاته ومستفيدا من ضعف مكونات المشهد الحزبي والسياسي الإسرائيلي التي تخاصمه .. أو تنافسه■
سقوط مشروع القانون بأصوات مختلطة مابين الحكومة والمعارضة، بيَّن على نحو واضح هشاشة الاتفاق الائتلافي الذي أدى لتشكيل الحكومة الحالية، وجعل من احتمال حل الحكومة واللجوء إلى انتخابات مبكرة أمرا واردا .. ومرجحا.
فهل يُسجل ماسبق باعتباره بداية لتصعيد الاشتباك بين طرفي الحكومة الإسرائيلية، أم أن أطرافها الأخرى سينجحون في «لملمة» تداعيات ماحصل ، انطلاقا من معادلات الربح والخسارة التي تحكم حساباتهم عندما تلوح في الأفق انتخابات جديدة؟
اللافت في الموضوع أن نتنياهو، الذي شجع النائب بتسلئيل سموتريتش («يمينا»)على تقديم مشروع القانون، تغيب قاصدا عن جلسة التصويت ومعه 13 نائبا من الليكود، وهذا وضعه في موقف ملتبس أمام أطراف معسكره، وخاصة الحريديين الذين اتهموه بمحاولة الايقاع بينهم وبين «كاحول لافان». ويمكن القول إن ما حصل بشأن مشروع القرار المذكور كشف مجددا الآتي:
• استمرار الاحتقان في المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل وخاصة تجاه ملف نتنياهو القضائي. ومن الواضح أن رئيس الوزراء يدرك هذا الأمر، وربما لهذا السبب حاول أن ينفي أي علاقة له أو لحزبه بمشروع القانون من خلال غيابه ومن معه عن جلسة التصويت.
• المفعول السلبي للاتفاق الائتلافي بين «الليكود» و«كاحول لافان» في تسيير عمل الحكومة. وقد عبرت التفاصيل والشروط المتبادلة الكثيرة في نص الاتفاق عن أن أزمة الثقة هي التي تحكم العلاقة بين الطرفين، الذي لم يتمكنا من الوصول، قبل توقيعه، إلى حلول وسط تقنعهما وتجعل الاتفاق قابلا للاستمرار، وأن تشكيل الحكومة كان الهدف المركزي وربما الوحيد من وراء التوصل إليه.
• الكلفة العالية التي يدفعها الليكود نتيجة سعي نتنياهو الدائم للحفاظ على موقعه على رأس المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل، والتي أدت إلى حرمان الحزب من كامل حصته من المقاعد الوزارية التي يوزعها نتنياهو بسخاء على الشركاء لضمان تحقيق طموحاته الفردية.
• لكن السؤال الذي يطرح نفسه في السياق يدور حول جدوى وتوقيت هذه المناورة الفاشلة التي قام بها نتنياهو بشأن طرح مشروع القانون، وخاصة في ظل الجدل والتجاذب الإقليمي والدولي بخصوص مخطط الضم الذي يعتبره نتنياهو الحلقة الأساسية في مشروعه السياسي، والذي يحتاج بالضرورة (كما يقول هو ذاته) «هدوءاً» على جبهة الصراعات الحزبية الداخلية في إسرائيل.
ـ يمكن القول إن عددا من الملفات الاجتماعية والاقتصادية باتت تلقي بظلها على أجندة الحكومة الإسرائيلية وخاصة مع الموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا التي جاءت بعد قيام الحكومة بتخفيف الاجراءات الاحترازية التي كانت مفروضة على القطاعات الانتاجية والخدمية في إسرائيل، مع بدء انتشار الفيروس. وعلت أصوات كثيرة في الشارع الإسرائيلي وعلى مستوى الحكومة والمعارضة تنتقد بحدة سياسات نتنياهو في هذا الخصوص. ويتوقع خبراء في مجال الصحة أن تتفاقم الإصابات في إسرائيل وبالتالي تسوء الأوضاع الاقتصادية على نحو واسع.
ـ كما أن اتساع المواقف المترددة والمعترضة والرافضة لمخطط الضم دفعت نتنياهو لتنويع خطابه تجاه تنفيذ هذا المخطط، دون أن يعني ذلك تراجعه، لكن هذا التنويع في الخطاب وسيناريوهات التطبيق أزعج جهات عدة وعلى رأسها المستوطنون، ويخشى نتنياهو أن يتراجع منسوب تأييده في أوساطهم، وهم أحد الروافع المهمة التي يعتمد عليها في تعزيز قوته في مواجهة الخصوم من جهة، وفي تنفيذ المخطط على الأرض من جهة أخرى.
ـ على ماسبق، يؤدي التلويح بالانتخابات المبكرة إلى خلط الأوراق، ويكون الأمر أفضل بالنسبة لنتنياهو أن يكون خصومه هم البادئون في طرح هذا الاحتمال الذي لايفضله الإسرائيليون. وقد حصل ذلك هذه المرة على لسان غانتس بعد أن استفزه نتنياهو من خلال مشروع القانون الذي يمس وضع القضاة، وخاصة أن حقيبة القضاء من حصة «كاحول لافان»، وقد استنفر فعلا الوزير المعني طالبا المساعدة من أحزاب المعارضة لإفشال مشروع القانون، في الوقت الذي كان فيه غانتس يصرح بغضب بأنه لا يخشى الانتخابات المبكرة، وأنه مستعد لحل الحكومة في حال تم ترسيم المشروع في الكنيست. وهكذا تمكن نتنياهو من خلق جو من البلبله انخرط فيه الجميع داخل الحكومة وفي المعارضة.
واللافت أن غانتس لم يكسب عمليا أي شيء جراء تصديه لمحاولة تمرير مشروع القانون. فقد بات دريئة للانتقادات الحادة من قبل أحزاب المعارضة، الذين وإن صوتوا بالاتجاه الذي يرغبه، إلا أنهم حملوه المسؤولية المباشرة عن مناورة نتنياهو، لأنه هو من جاء بـ«الدب إلى كرم» الحكومة القائمة، من خلال شق «كاحول لافان» والالتحاق بخصمهم اللدود. وهذا النقد الحاد والصائب سينعكس حكما على قوة غانتس وحزبه، والتي تتراجع باضطراد في نتائج استطلاعات الرأي.
أما بخصوص مخطط الضم، فمن الواضح أن فريق ترامب قد وصلته رسالة نتنياهو بشأن العقبات التي تعترضه على الصعيد الداخلي، وقد تناقلت وسائل الإعلام مؤخرا تصريحات لأعضاء في الفريق تتحدث عن تشجيع أميركي للبدء فورا بتنفيذ مخطط الضم. وهذا يعني أنه من الممكن أن ينشط نتنياهو ومعسكره على جبهتين، فمن جهة يستعيد تماسك معسكره عبر المضي بمخطط الضم بشكل معلن، ويضع احتمال الانتخابات المبكرة على أجندته في إطار طموحه تغيير الخريطة الحزبية القائمة باتجاه تعزيز قوة الليكود ودفع «كاحول لافان» إلى الصفوف الخلفية في هذه الخريطة.
صحيح أن نتنياهو يرى في «الهدوء» على جبهة الصراعات الحزبية الداخلية مناخا يساعده على التقدم في مخطط الضم، لكن أوساطا في الليكود رأت أنه في حال أثيرت المتاعب من حوله في الملفات التي تقلقه، فإنه مستعد لأن ينتج من الصخب مايكفي للفت الانتباه عن هذه الملفات باتجاه اهتمامات أخرى يكون هو المتحكم في تظهيرها، ربطا بطموحاته ومستفيدا من ضعف مكونات المشهد الحزبي والسياسي الإسرائيلي التي تخاصمه .. أو تنافسه■
أضف تعليق