06 تشرين الثاني 2024 الساعة 04:24

كم نسبة الفقر السياسي في حالتنا الفلسطينية؟

2020-06-27 عدد القراءات : 802
■اهتم خبراء الاقتصاد في السنوات الاخيرة بقضايا الفقر. وتحفل تقارير المؤسسات الدولية بالارقام والمعطيات حول الفقر وتداعياته على دول العالم، بحيث اصبح التحدي المعلن لكل المؤسسات الدولية هو القدرة على الخروج بالمجتمعات من دائرة الفقر الى رحاب الرفاه الاقتصادي والاجتماعي..
كما اهتم الخبراء بتفصيل اشكال الفقر وتسابقوا في تفريع مصطلحاته، بحيث بتنا نسمع ونقرأ مصطلحات كثيرة مثل : خط الفقر، الفقر المدقع، الفقر المطلق والنسبي وغيره. وصنف الفقر ما بين فقر اقتصادي وفقر اجتماعي وفقر انساني وفقر ثقافي وفقر وقائي (اي عدم وجود مناعة داخلية للمجتمعات ضد اي خطر خارجي).
في نقاش واستعراض واقعنا الاقتصادي والسياسي وخصائصه المتعددة، يبدو ان هناك مصطلح جديد يجب ان يضاف الى مصطلحات الفقر السابقة، وهو مصطلح «الفقر السياسي» من نمط غياب حقوق الانسان، غياب الحياة السياسية والمشاركة وهدر الحريات وغير ذلك من اشكال الممارسة السياسية الحقة.. وبقدر ما تتراجع نسب الفقر السياسي، بقدر ما تتقدم المجتمعات لتضع نفسها على سكة التقدم والحضارة..
في نقاس واقعنا العربي، يبدو السؤال مشروعا عن نسبة الفقر السياسي في مجتمعاتنا، السنا بحاجة لدراسة هذه المسألة وقياس مستواها الفعلي؟ فإن كان الفقر في ابسط تعريف له هو العوز والحاجة، فكم نحن بحاحة الى وحدة، الى توافق، الى شراكة، الى عمل وطني نظيف، الى برامج سياسية تتصارع من اجل خدمة الشعب وتحقيق طموحاته، الى تلاقي وتضامن وتآزر خاصة في الازمات، وكم نحن بحاجة الى مثل هذا التآزر.. الى تعددية حوبية وفصائلية.. وعلاقات ديمقراطية نفتقدها، الى ثقة ببعضنا البعض بعيدا عن سياسات الاقصاء، الى اعلاء المصلحة الوطنية على من عداها من مصالح.. كن نحن بحاجة الى كل هذا!
اذا كانت نسبة الفقر الاقتصادي في فلسطين تزيد عن 40 بالمائة (النسبة في قطاع غزه اكبر بكثير وقد تلامس عتبة 60 بالمائة وفي مخيمات الخارج قد تصل 80 بالمائة)، واذا كنا نعلم ان نسبة الفقر الوقائي تساوي صفرا مكعبا ، فما هي برأيكم نسبة الفقر السياسي؟
- فحين تصل القضية الفلسطينية الى مستوى متقدم من الخطورة وعلى مستوى جميع العناوين، فيما البعض لا زال يناقش ويصارع على موقع هنا ومنصب هناك، فنحن حتما نعيش الفقر السياسي بأسوأ صوره..
- وحين نفكر في قتل بعضنا بعضا، واعتقال مناضلينا لنزجهم في سجوننا، فهذا يعني اننا نعيش مستويات ادنى بكثير من مصطلح الفقر السياسي.
- وعندنا يصبح الانقسام ثقافة وتصبح الوحدة الوطنية هدف قد لا نصله، فاطلاق صفة الفقر السياسي على الانقساميين هو اقل ما ينبغي ان يكون..
- ولما يجد البعض في المشاركة السياسية تعديا على مصالحه وامتيازاته، ويعتقد انه الاقدر على الدفاع عن ثوابتنا، فمن المؤكد ان هناك عقليات مريضة بما هو اسوأ من مرض الفقر السياسي..
- حين نتفق ان الوحدة ليست خيارا بين خيارات، وانها الخيار الذي يجب ان يتقدم الى امام، حينها يمكن ان نتحدث عن بداية..
- حين نتفق على تشخيص طبيعة المرحلة التي نعيش، هل هي مرحلة الطريق الى الدولة ام مرحلة التحرر الوطني، هل هي مرحلة الصراع على السلطة في اطار موالاة ومعارضة ام مرحلة توحيد النضال الوطني وزجه في معركة الخلاص من الاستيطان والاحتلال وصولاً للحرية والاستقلال. وحين نتفق على تشخيص طبيعة الخطر المحدق بقضيتنا، يمكن ان نتحدث عن نور قادم من بعيد..
- عندما يصبح حرصنا على مجتمعنا وشعبنا اكثر من حرصنا على مصالح الغير، وحين نعمل ونفكر ونناضل بعيون فلسطينية لا تراعي شرق او غرب، يمكن حينها ان نتحدث عن هدف يجب التضحية من اجله..
- حين نقنع شعبنا، بمختلف تلاوينه، بعدم الهجرة والهروب من واقعنا السياسي السيء والبقاء في ميدان المواجهة مع المشروع الاميركي والاسرائيلي، فهذا يعني ان هناك امل بالتغيير..
- حين نعترف ان مشكلتنا الذاتية تفوق مشاكلنا الموضوعية، ونعمل معا على معالجتها تدريجيا بما يرفع منسوب الامل بالتغيير، فنحن على يقين ان الطريق سيكون اقصر الى ما نريد..
واقعنا الوطني والشعبي ينادي بنظام سياسي فلسطيني يعزز التعددية، ويفتح آفاق الشراكة الحقيقية التي تستند إلى إرادة الشعب وافساح المجال امام مشاركته المباشرة في صنع قراره ورسم معالم مستقبله. وهذا ما يتناقض مع سياسات التفرد التي تعزز الفساد وتحتكر السلطة وتستبدل احتكار باحتكار.. فالمطلوب ارساء أساس لمشاركة وطنية شاملة تستند إلى أساس برنامجي وسياسي، أمني، اجتماعي، واضح وموحّد.
إن كل اتفاق على نقطة او قضية ما، مهما كانت بسيطة، من شأنها ان ترفع منسوب الثقة والامل، وتقلص مساحة الفقر السياسي، وبمقدار ما تتقلص هذه المساحة لصالح مساحات المشاركة والتعددية والتوافق على برامج سياسية ونضالية وتطوير آليات عملنا الوطني، بمقدار ما نقرب شعبنا من تحقيق الحد الادنى مما يطمح اليه..
حين نقر بأننا نعيش في ادنى مستويات الفقر السياسي، وندرك ان هذه النسبة قد تصل الى العتبة الصفرية وتلامس مستوى التصحر، ونطلق اشارة البدء على معالجتها، حينها يمكن القول اننا بدأنا خطوة الالف ميل■

أضف تعليق