23 كانون الأول 2024 الساعة 11:10

في مواجهة مشروع الضم، على طريق طرد الإحتلال (3)

2020-06-24 عدد القراءات : 1289
(5)
منظمة التحرير الفلسطينية
[■ الوضع الفلسطيني في حالته الراهنة قادر على رفع تحديات انتقال الإستعمار الإستيطاني إلى مرحلة الضم، مستنداً إلى قرار 19/5، والإجماع الوطني عليه. غير أنه من الصعب أن يأخذ هذا القرار في التطبيق مداه كاملاً، مالم يتمركز في صلب استراتيجية مواجهة، يحملها نظام سياسي بمستوى النهوض بأعبائها، الأمر الذي لا ينطبق تماماً على حالنا. إن معاينة متأنية لحال النظام السياسي الفلسطيني، كما يقدم نفسه حالياً، لا تزكيه للدور الأرقى، فهي تكشف عن ثغرات ونواقص في بنيته وحوامله، يتداخل فيها الظرفي بالبنيوي، الذي لا يُعالَج إلا بوضع اليد على أصل المشكلة، أي الإمساك بجذرها.
ليست قليلة هي الأوساط في الدائرة الأوسع للقيادة الرسمية التي تعي هذه الحقيقة، وتتملكها رغبة صادقة في فتح ملف إصلاح النظام السياسي، تفعيله، تطويره، وتصويب توجهاته. غير أن ما تفتقد إليه هذه الأوساط هو الإرادة السياسية الكفيلة بتحويل الوعي والرغبة، إلى فعل سياسي ملموس. وفيما يلي سنتوقف أمام قضايا، ونقترح حلولاً ذات صلة بهذا المسعى، عسى أن تُفيد في نقاش تدور رحاه في أكثر من مكان:]
1-■ طالما أن السمة الأساس للمرحلة التي يجتازها النضال الوطني الفلسطيني هي التحرر الوطني، لا نقاش في ضرورة وأهمية المؤسسة الوطنية الجامعة التي تؤطر الكل الفلسطيني، وتقود نضالاته، وتوحدها. هذه المؤسسة موجودة، فبالأمس القريب أحيينا الذكرى الـ 56 لتأسيسها، وهي التي قادت العمل الوطني بجدارة طيلة ثلاثة عقود (1964-1994)، قبل أن تنكفيء، إثر دخول اتفاقات أوسلو حيّز التطبيق. وبالتالي، لم يَعُدْ هناك مجال لإضاعة الوقت في البحث عن مدى توفر الظرف، أو الحاجة لاستعادة منظمة التحرير دورها المفترض، الذي من أجله تشكلت وانطلقت، فالخطيئة الأصلية تمثلت – بالأساس – في إفقادها هذا الدور. إن المهمة المباشرة المطروحة على جدول أعمال الحركة الوطنية الفلسطينية، تتحدد برد الاعتبار – سياسياً وعملياً – لمنظمة التحرير، ما يعني توفير شروط تمكينها من استعادة دورها المطلوب في العملية الوطنية.
■ استعادة منظمة التحرير لدورها القيادي الوطني الجامع، الذي يُحصِّن مكانتها التمثيلية، القانونية والسياسية، ويحميها من التآكل، ومن محاولات النيل من موقعيتها، يكون بالإقدام على خطوتين بالتوازي: 1- إنضمام حركتي حماس والجهاد، بالصفة التنظيمية الكاملة، إلى جميع مؤسسات المنظمة وهيئاتها؛ 2- إعادة تفعيل دور منظمتي القيادة العامة والصاعقة في جميع هيئات ومؤسسات المنظمة، ما يعني إشغال المواقع التي كانتا تحتلهما فيما مضى. وبهذا يكون قد اكتمل العقد الفلسطيني الفصائلي بكل اتجاهاته ومكوناته، في سياق تجاوز الإنقسام واستعادة الوحدة الداخلية، أو استكمال الوحدة الوطنية، أو سواها من المصطلحات التي تعكس نفس المعنى.
■ إن إعادة بناء الوحدة الداخلية هي – في الوقت ذاته - خطوة فائقة الأهمية من أجل تطوير أوضاع المنظمة (أو إعادة بنائها)؛ واستكمال التمثيل السياسي يشكل عنصراً أساساً في تفعيل دور المنظمة، وتقويته. وقد أجمعت فصائل العمل الوطني، في أكثر من محطة حوارية، وفي عديد المناسبات على اعتماد الإنتخابات الشاملة (للمجلسين الوطني والتشريعي، ورئاسة السلطة)، سبيلاً لإعادة بناء الوحدة الداخلية.
2-■ الإجماع الفصائلي على الإنتخابات، لم يَقُدْ إلى نتيجة بعد عديد المحاولات. ومن المستبعد أن يقود إليها في المدى المرئي. لقد تبيّن أن ربط ملفي تطوير المنظمة وبناء الوحدة الداخلية في إطارها، الصعبين بطبيعتهما، بملف ثالث هو الانتخابات، قد زاد الأمور تعقيداً، فكيف تكون الإنتخابات وسيلة لبناء الوحدة وتطوير المنظمة، بينما حركتا فتح وحماس المتمسكتان بـ «الحكم» ليستا حاسمتين بإجرائها، فمن يبني جُلْ أوضاعه على إدامة بقائه في السلطة، يؤثر عدم المجازفة بخسارتها في سياق الإحتكام إلى صندوق إقتراع، غير مضمون النتائج مسبقاً، خاصة وأن العلاقات بين الحركتين، القائمة على حسابات ميزان القوى، مازالت محكومة بالمعادلة الصفرية، وليس التجميعية.
■ إذا أضفنا إلى هذه التعقيدات، الدور التعطيلي للإحتلال، الذي ينظر بارتياح إلى الخلاف الناشب حول الموضوع، يتضح أن الإنتخابات – حتى إشعار آخر – ليست ممكنة الوقوع، كمرحلة أولى لمسار تصالحي. وعليه، يملي المنطق السياسي – العملي تقديم ملفي استعادة الوحدة، وتطوير المنظمة، على استحقاق الإنتخابات، بانتظار إحراز تقدم في هذين الملفين يسمح بإجرائها في ظرف يغلب فيه احتمال النجاح على احتمال الفشل، الذي لازمنا في موضوع الانتخابات، حتى الآن.
3-■ في ضوء ذلك، يضحى الحوار الوطني الشامل، هو السبيل المتاح للتوافق على أسلوب التمثيل في هيئات المنظمة، ما يَسْهُل تشريعه على يد المجلس المركزي الذي بات يتمتع بصلاحيات المجلس الوطني، في الحالات التي تستدعي ذلك. غير أن هذه الآلية مازالت تصطدم باشتراط حركة فتح تنفيذ اتفاق 12/10/2017 مع حركة حماس، الذي يلحظ توحيد وزارات وإدارات السلطة في قطاع غزة، مع نظيراتها في رام الله (أي استعادة وحدة السلطة الفلسطينية بمرجعية الحكومة الحالية، الرقم 18)، قبل الإنتقال إلى ملف المنظمة، الأمر الذي لم تَسْتَجِبْ له حركة حماس حتى الآن، والأرجح أنها لن تستجيب له في المدى المنظور، ما يعيدنا إلى المربع الأول.
■ العودة إلى نقطة البداية تضعنا أمام خيارين: إما بقاء الأمور على ما هي عليه، ما يفاقم سلبيات الوضع الحالي؛ أو استعادة الصيغة الفصائلية الإئتلافية «التاريخية» لمنظمة التحرير (أي تلك التي ساهمت في التأسيس الثاني للمنظمة عندما تولت فصائل المقاومة قيادتها، بدءً من الدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني  في شباط/ فبراير 1969) + توفير مشاركة فعلية لمستقلين حقيقيين في هيئات المنظمة، ومعهم ممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني؛ ما يعني على المستوى الفصائلي، عودة القيادة العامة والصاعقة إلى المنظمة بكل هيئاتها، وما يشمل أيضاً عودة الشعبية إلى التنفيذية.
■ بعد تعذر تطبيق الخيار الأول (تطوير الصيغة واستعادة الوحدة الداخلية بالإنتخابات الشاملة)؛ كما والخيار الثاني (التطوير والوحدة من خلال المجلس المركزي)، للخروج من الحالة القائمة بكل سلبياتها، يأتي الخيار الثالث، القائم على استعادة الصيغة الفصائلية «التاريخية» لمنظمة التحرير، كحل انتقالي يستنفذ أغراضه، ما أن تتبدى إمكانية تطبيق أحد الخيارين، الأول أو الثاني. الخيار الثالث هو خيار الضرورة، وليس خيار ما كنا نطمح له، وما ينبغي مواصلة السعي إليه. علماً أن القيمة الفعلية للخيار الثالث، متمثلة بتأثيره الايجابي على استعادة الوحدة الداخلية بجميع حلقاتها، وعلى الحالة الوطنية عموماً، هذه القيمة ستتراجع، مالم يُقْدِم على خطوات ملموسة تفتح مسار تطوير أوضاع المنظمة. وهذا ما سوف نأتي عليه في اللاحق.
■ في حال تطبيق الخيار الثالث، ستكون الفرصة متاحة لإخراج الحوار الثنائي بين حركتي فتح وحماس من إطاره الثنائي الضيق، المتأرجح بين التقاطب (في حال الخلاف)، وبين التحاصص (في حال الاتفاق)، إلى الإطار الوطني والرسمي الأوسع من خلال اللجنة التنفيذية في صيغتها الجديدة، وبمرجعية المجلس المركزي الذي انبثقت عنه، وبجدول أعمال يتجاوز نقاط الخلاف الثنائية، إلى القضايا الوطنية؛ كما وعلى موقع، ودور، ومسئوليات حركة حماس في المؤسسة الوطنية. وبالأسلوب نفسه سيُدار الحوار مع حركة الجهاد الإسلامي. أكثر من هذا ستتحول اللجنة التنفيذية (ودائماً بمرجعية المجلس المركزي) إلى الجهة المعنية بتنظيم وإدارة الحوارات الوطنية، بدلاً من استدعاء هيئات لهذا الغرض، ما أن تتشكل، حتى ينشب خلاف حول عنوانها (هيئة تفعيل وتطوير م.ت.ف؛ أم القيادة الوطنية العليا؛ الخ..)، ناهيك عن صلاحياتها، وجدول أعمالها، الخ..■
(6)
السلطة الفلسطينية.. حدود الدور والوظيفة
1-■ المساحة التي تحتلها السلطة الفلسطينية في المجتمع الفلسطيني، وبخاصة في الضفة الغربية، إن بموجب الإتفاقيات الموقعة، أو بالواقع المُعاش، لم تتعدَ، منذ أن رأت النور، حدود الحكم الإداري الذاتي المحدود، بما نص عليه من مسؤوليات وصلاحيات، مع ما يقابلها من التزامات تجاه سلطات الإحتلال. علماً أن هذه الصلاحيات، قد شهدت تراجعاً واضحاً في المجال الأمني، بعد اجتياح المناطق أ عام 2002؛ وكذا الأمر بالنسبة للصلاحيات المدنية، بقدر ما كانت الإدارة المدنية (الذراع المدني للإحتلال) توسع دورها، ما عكسه في السنوات الأخيرة، زيادة عدد الموظفين العاملين فيها. وسوف تشهد السلطة الفلسطينية مزيداً من التراجع في دورها، بقدر ما تتقدم تطبيقات الضم.
■ تعريف السلطة علمياً، أي بحقيقة ما هي عليه، كبنية إدارية – تنموية – أمنية معنية بإدارة الشأن الداخلي المعيشي للمجتمع، لا ينتقص البتة من أهميتها، وضرورتها، إنما بحدود واقعها، وإمكانياتها، دونما تجاوز أو تزويق. لذلك حذَّرنا دوماً من سلبيات إطلاق تعريفات للسلطة، تقدمها بما ليست هي عليه، ولا سوف تؤول إليه، تعريفات على غرار: السلطة نواة الدولة، السلطة هي الصيغة الإنتقالية إلى الدولة، السلطة هي الدولة في صيرورتها،... لأن في هذا تضليل للرأي العام، وفي أفضل الحالات ترويج لأسلوب التفكير بالتمني، الذي يشوه الوعي، ولا يساعد على توطيد الثقة بين القيادة والجمهور.
2-■ تَعَرُضْ السلطة الفلسطينية إلى ضغوط متزايدة من قبل الإحتلال، لتقليص دورها، يملي علينا حمايتها، وليس التهديد بحلِّها، بدعوى إحراج العدو، الذي لا يقيم وزناً لهذا «التهديد»، ويخطط لإحلال «روابط مدن»، أو «روابط جهوية» مكان السلطة، لتضطلع بمهامها، إنما بتركيبة محلية، جهوية، تابعة، تنسجم ومخطط الضم الذي سيقابله في الجانب الفلسطيني إقامة كيان مقطع الأوصال، غير متواصل جغرافياً، إنما – في أفضل الحالات – متصل، بواسطة البنية التحتية، بين أشلائه.
إن من مخاطر إضعاف السلطة، ناهيك عن حلّها، أو إحالة مسئولياتها إلى العدو (ما تطلق عليه بعض الأوساط: تسليم مفاتيح السلطة!) أن يلجأ الإحتلال إلى تقسيم الضفة الغربية إلى إدارات منفصلة عن بعضها البعض، على مستوى المدينة والمنطقة، وربطها مباشرة بالإدارة المدنية، الأمر الذي يساهم بإضعاف الوحدة الداخلية، وينمي النزعة الجهوية على حساب الإنتماء الوطني الجامع.
[■ ملاحظة: ثمة احتمال ينبغي أن يُدرس بدقة، وهو، أن تتسارع عملية إضعاف السلطة جرَّاء إقدامها على تطبيق بعض، أو جُل، أو حتى كل ما ينطوي عليه قرار 19/5، ما سوف يؤثر على قدرتها على إدامة نفسها: 1- كأجهزة، وهياكل إدارية، ولإمكانية سداد رواتب موظفيها، بما فيه العاملون في السلك الأمني، ما سيؤثر على قدرة السلطة عموماً على الإضطلاع بمهمة ضبط الأمن الداخلي؛ و 2- كمصدر، هو الأهم، لتقديم الخدمات المطلوبة بحدها الأدنى للمجتمع من خلال تغطية موازنة المصاريف الجارية، بأقله لعددٍ من الإدارات ذات الوظائف الحيوية.
في حال نشوء وضع من هذا القبيل، ستكون السلطة وعموم الحركة الوطنية معنية، وبالعمل الوثيق مع المجتمع المحلي، بتوفير الحد الأدنى من مقوّمات الصمود للمجتمع، إضافة إلى محاصرة النتائج السلبية – كما وردت أعلاه – الناجمة عن انتقال مهام السلطة – جزئياً أو كلياً – إلى الإحتلال بشكل مباشر، وبمرجعية إدارته المدنية.]
■ على قاعدة حصر دور السلطة بإدارة شئون المجتمع، وتلبية احتياجاته، وتنميته بالحدود المتاحة، وصون أمنه الداخلي، الخ.. ينفتح النقاش على وجهة تأمين متطلبات تعزيز دور السلطة ضمن دائرة اختصاصها؛ وينغلق – بالمقابل – عما يقع خارج هذه الدائرة، كالعلاقات الخارجية، والأمن الخارجي، والصندوق القومي لمنظمة التحرير، الخ.. كما ينفتح النقاش على اعتماد الهيكلية الأنسب لممارسة السلطة لمسئولياتها، بما يشمل – أيضاً – تقليص المحطات وإلغاء الزوائد البيروقراطية التي لا لزوم لها.
وفي هذا الإطار، يرد موضوع إلغاء الفصل المفتعل بين رئاسة الحكومة، وبين رئاسة السلطة بمكاتبها المختصة الموازية للوزارات وغيرها، والذي تم فرضه من اللجنة الرباعية الدولية منذ العام 2003، على هيكلية النظام السياسي، لمحاصرة الدور القيادي متعدد المستويات للرئيس ياسر عرفات، على طريق عزله. ولما فشل الحصار السياسي، أتبعوه بالحصار المادي، الذي انتهى باستشهاد الراحل الكبير■
حزيران (يونيو) 2020
 (يُتبع..)

أضف تعليق