المرأة في السينما الفلسطينية: تكسر القيود أم تخضع لها؟
■«لا يعني لا» عنوان برنامج أفلام وورشات عمل وجلسات نقاش، تزامنت مع مهرجان «أيام فلسطين السينمائية» الذي أقيم مع بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ويتطرق إلى موضوع مكافحة العنف ضد المرأة ودور السينما في تغيير الصور النمطية عنها، «لما للأفلام من قدرة في التأثير في الناس ولفت نظرهم إلى ما يجري من عنف جسدي وكلامي ونفسي ضد المرأة»، وفق ما قالت الناطقة الإعلامية باسم المهرجان خلود بدوي.
«تسلل» هو أحد الأفلام التي عرضت ضمن المهرجان، في محاولة لتسليط الضوء على فكرة المساواة بين الصبيان والفتيات، وجاء مبنياً على تجارب شخصية تعرّض لها الأطفال الذين عملوا على إنتاجه بمساعدة مؤسسة «فيلم لاب»، وحاولوا من خلاله إيصال فكرة أن الألعاب والرياضة وغيرها من الأمور يجب ألا تفصل وتفرّق بين الجنسين.
مخرجات يتحدين المألوف
وتقول المخرجة زينة رمضان إن «البعض يتخيل صانعة الأفلام بأفكار نمطية، كأن تكون بالملابس الجميلة على السجادة الحمراء وتحت الأضواء مهملين تماماً ما يُبذل خلف الكواليس من جهد ووقت في العملية الإنتاجية».
أما المخرجة آلاء الداية فتواجه نوعاً آخر من الانتقاد المتمثل في جزء منه بالتعليقات على بقائها حتى ساعة متأخرة في تصوير أحد الأفلام، أو الخلط ما بين الصحافة وصناعة الأفلام، والفكرة الخاطئة عن الأخيرة، أنها مهنة خطرة ولا تناسب الفتيات في المجتمع.
أما بشأن كيفية تناول الأفلام الفلسطينية للمرأة، فترى الداية أن بعضاً منها عمل على تكريس الصور النمطية وعممها، مشيرةً إلى أنها تعمل حالياً على فيلم بعنوان «مجدولين»، وفيه تحاول البطلة التأقلم مع معايير الجمال التي يفضلها مجتمعها، في حين تجد المخرجة زينة رمضان أن الأفلام تكسر صوراً نمطية لتخلق أخرى، فقد نرى المرأة قوية وتملك شخصيةً خاصة بها في المجتمع ولكنها أيضاً صاحبة جرح مخفي، مضيفة أنه «يجب التركيز على المرأة الإنسانة أكثر من هويتها». وتروي المخرجة زينة رمضان في فيلمها «سرد» قصة فتاة من قطاع غزة، واجهت تحديات سياسية لمغادرة القطاع بعد حصولها على منحة دراسية خارج فلسطين، ولكن بسبب الحصار خسرت أشهراً دراسية، وهي قصة حقيقية نتجت من حوار بينها وبين صديقة لها هناك. وتعتبر الناشطة الاجتماعية لمى حوراني أن «السينما الفلسطينية بشكل عام، تظهر المرأة بصورة تقليدية عادة، كأن تكون المناضلة أو أم الأسير أو الشهيد، على الرغم من أنه يجب الحديث عن قضايا أخرى والخروج عن المألوف»، موضحةً أن «هذا موجود بشكل قليل جداً وقد لا يتقبله المجتمع أو لا يُطرح بطريقة صحيحة».
ويرى الناقد الفني سعيد أبو معلا من خلال مشاهدته أن «الأفلام السينمائية اختلفت في طرحها ومقارباتها، فبعضها طرح قضايا المرأة بطريقة غير تقليدية كفيلم نجوى نجار «المر والرمان»، الذي نرى فيه زوجة الأسير التي تعيش صراعاً بميلها العاطفي لشاب آخر، أما فيلم «أميركا» للمخرجة شيرين دعيبس فالمرأة تقرر الهجرة من فلسطين، وفي آخر نراهنّ ناقمات على الوضع السياسي والاجتماعي في غزة».
تفعيل دور المرأة في السينما الفلسطينية
المرأة وجدت منذ البدايات
إذا ما اطلعنا على بعض الوثائق القديمة والكتب التي تحدثت عن تاريخ السينما الفلسطينية ونشأتها، نجد اسم سلافة جاد الله يتردد كثيراً كإحدى مؤسسي «وحدة أفلام السينما» وواحدة من العاملين أيضاً على استخدامها في توثيق القضية الفلسطينية، مع المخرجين هاني جوهرية ومصطفى أبو علي. وازداد مع الوقت عدد المخرجات اللواتي يتحدثن عن قضايا مختلفة. ويقسم الناقد الفني أبو معلا وجود المرأة في السينما إلى نموذجين، الأول داخل فلسطين ويعالج قضايا اجتماعية وسياسية ووطنية من منظور نسوي، والثاني خارج فلسطين في خضم المنافسة العالمية أمثال: مي المصري وبثينة كنعان وآن ماري جاسر وغيرهنّ، مشيراً إلى أنه من الصعب مقارنة حال السينما في الماضي بهذه الأيام، لأنها تغيرت مواكبةً للظروف السياسية والاجتماعية، فبعد اتفاقية أوسلو ظهرت أفلام عدة ركزت على الشق الاجتماعي من قضايا النساء، وأخرى تتناول الوطنية والسياسة ولكن ليس بالطريقة الخطابية والمنبرية، بل بتقديم شخصيات غير نمطية.
العوائق والتحديات
أمور كثيرة تنقص السينما الفلسطينية المختصة في شأن المرأة ومن أهمها الدعم المجتمعي والمادي كما يرى البعض، وبالنسبة إلى أبو معلا «تتمثل أهم المعوقات في عدم توافر التمويل للإنتاج والعرض والتوزيع لتكون السينما صناعة بشكل أساسي، إضافة إلى غياب دُور العرض، وغياب جهات داعمة حقيقية تتبنى مشروع سينما في فلسطين يكون جوهره القضايا، وليس مدى الإبهار أو التكاليف الباهظة».
هل يتقبل المجتمع كسر التابوهات؟
عند سؤالنا إذا ما كان الناس يتقبلون محاولة كسر الصور النمطية أو التمرد على مجموعة من المفاهيم في الأفلام، رأى البعض أن السينما أداة يجب أن تُستخدم لتغيير واقع المرأة في المجتمع، بخاصة ما تواجهه بعض النساء من تقييد للحريات وعنف، في حين اعتبرت مجموعة أخرى أن بعض هذه الأفلام يسهم في فساد الأخلاق ولا يتعدى كونها محاولة لتقليد الغرب.
لا يمكن فصل الواقع الفلسطيني عن العربي، فهناك أفلام فلسطينية عدة متأثرة بصناعة الأفلام العربية، وعن هذا يقول الكاتب والناقد العربي في سياسات الجسد ومؤسس مبادرة «سينمجي» موسى الشديدي «إننا نعمل في المبادرة على مخاطبة الناس من خلال الأفلام لطرح قضايا عدة، من أبرزها صورة المرأة، لأن أفلاماً عربية عدة تظهرها كمادة لمشاهدة جسدها، أو ضعيفة تحتاج إلى رجل بطل ينقذها أو قوية متسلطة أو مخالفة لعادات المجتمع، ونهايتها قد لا تكون حميدة»، مشيراً إلى أن «الناس تتقبل الأفلام لأنها يعتبرونها "تمثيلاً» في حين قد لا يوافقون على طرح قضايا الجسد والمرأة بشكل مجرد أو عبر قصص حقيقية■
«تسلل» هو أحد الأفلام التي عرضت ضمن المهرجان، في محاولة لتسليط الضوء على فكرة المساواة بين الصبيان والفتيات، وجاء مبنياً على تجارب شخصية تعرّض لها الأطفال الذين عملوا على إنتاجه بمساعدة مؤسسة «فيلم لاب»، وحاولوا من خلاله إيصال فكرة أن الألعاب والرياضة وغيرها من الأمور يجب ألا تفصل وتفرّق بين الجنسين.
مخرجات يتحدين المألوف
وتقول المخرجة زينة رمضان إن «البعض يتخيل صانعة الأفلام بأفكار نمطية، كأن تكون بالملابس الجميلة على السجادة الحمراء وتحت الأضواء مهملين تماماً ما يُبذل خلف الكواليس من جهد ووقت في العملية الإنتاجية».
أما المخرجة آلاء الداية فتواجه نوعاً آخر من الانتقاد المتمثل في جزء منه بالتعليقات على بقائها حتى ساعة متأخرة في تصوير أحد الأفلام، أو الخلط ما بين الصحافة وصناعة الأفلام، والفكرة الخاطئة عن الأخيرة، أنها مهنة خطرة ولا تناسب الفتيات في المجتمع.
أما بشأن كيفية تناول الأفلام الفلسطينية للمرأة، فترى الداية أن بعضاً منها عمل على تكريس الصور النمطية وعممها، مشيرةً إلى أنها تعمل حالياً على فيلم بعنوان «مجدولين»، وفيه تحاول البطلة التأقلم مع معايير الجمال التي يفضلها مجتمعها، في حين تجد المخرجة زينة رمضان أن الأفلام تكسر صوراً نمطية لتخلق أخرى، فقد نرى المرأة قوية وتملك شخصيةً خاصة بها في المجتمع ولكنها أيضاً صاحبة جرح مخفي، مضيفة أنه «يجب التركيز على المرأة الإنسانة أكثر من هويتها». وتروي المخرجة زينة رمضان في فيلمها «سرد» قصة فتاة من قطاع غزة، واجهت تحديات سياسية لمغادرة القطاع بعد حصولها على منحة دراسية خارج فلسطين، ولكن بسبب الحصار خسرت أشهراً دراسية، وهي قصة حقيقية نتجت من حوار بينها وبين صديقة لها هناك. وتعتبر الناشطة الاجتماعية لمى حوراني أن «السينما الفلسطينية بشكل عام، تظهر المرأة بصورة تقليدية عادة، كأن تكون المناضلة أو أم الأسير أو الشهيد، على الرغم من أنه يجب الحديث عن قضايا أخرى والخروج عن المألوف»، موضحةً أن «هذا موجود بشكل قليل جداً وقد لا يتقبله المجتمع أو لا يُطرح بطريقة صحيحة».
ويرى الناقد الفني سعيد أبو معلا من خلال مشاهدته أن «الأفلام السينمائية اختلفت في طرحها ومقارباتها، فبعضها طرح قضايا المرأة بطريقة غير تقليدية كفيلم نجوى نجار «المر والرمان»، الذي نرى فيه زوجة الأسير التي تعيش صراعاً بميلها العاطفي لشاب آخر، أما فيلم «أميركا» للمخرجة شيرين دعيبس فالمرأة تقرر الهجرة من فلسطين، وفي آخر نراهنّ ناقمات على الوضع السياسي والاجتماعي في غزة».
تفعيل دور المرأة في السينما الفلسطينية
المرأة وجدت منذ البدايات
إذا ما اطلعنا على بعض الوثائق القديمة والكتب التي تحدثت عن تاريخ السينما الفلسطينية ونشأتها، نجد اسم سلافة جاد الله يتردد كثيراً كإحدى مؤسسي «وحدة أفلام السينما» وواحدة من العاملين أيضاً على استخدامها في توثيق القضية الفلسطينية، مع المخرجين هاني جوهرية ومصطفى أبو علي. وازداد مع الوقت عدد المخرجات اللواتي يتحدثن عن قضايا مختلفة. ويقسم الناقد الفني أبو معلا وجود المرأة في السينما إلى نموذجين، الأول داخل فلسطين ويعالج قضايا اجتماعية وسياسية ووطنية من منظور نسوي، والثاني خارج فلسطين في خضم المنافسة العالمية أمثال: مي المصري وبثينة كنعان وآن ماري جاسر وغيرهنّ، مشيراً إلى أنه من الصعب مقارنة حال السينما في الماضي بهذه الأيام، لأنها تغيرت مواكبةً للظروف السياسية والاجتماعية، فبعد اتفاقية أوسلو ظهرت أفلام عدة ركزت على الشق الاجتماعي من قضايا النساء، وأخرى تتناول الوطنية والسياسة ولكن ليس بالطريقة الخطابية والمنبرية، بل بتقديم شخصيات غير نمطية.
العوائق والتحديات
أمور كثيرة تنقص السينما الفلسطينية المختصة في شأن المرأة ومن أهمها الدعم المجتمعي والمادي كما يرى البعض، وبالنسبة إلى أبو معلا «تتمثل أهم المعوقات في عدم توافر التمويل للإنتاج والعرض والتوزيع لتكون السينما صناعة بشكل أساسي، إضافة إلى غياب دُور العرض، وغياب جهات داعمة حقيقية تتبنى مشروع سينما في فلسطين يكون جوهره القضايا، وليس مدى الإبهار أو التكاليف الباهظة».
هل يتقبل المجتمع كسر التابوهات؟
عند سؤالنا إذا ما كان الناس يتقبلون محاولة كسر الصور النمطية أو التمرد على مجموعة من المفاهيم في الأفلام، رأى البعض أن السينما أداة يجب أن تُستخدم لتغيير واقع المرأة في المجتمع، بخاصة ما تواجهه بعض النساء من تقييد للحريات وعنف، في حين اعتبرت مجموعة أخرى أن بعض هذه الأفلام يسهم في فساد الأخلاق ولا يتعدى كونها محاولة لتقليد الغرب.
لا يمكن فصل الواقع الفلسطيني عن العربي، فهناك أفلام فلسطينية عدة متأثرة بصناعة الأفلام العربية، وعن هذا يقول الكاتب والناقد العربي في سياسات الجسد ومؤسس مبادرة «سينمجي» موسى الشديدي «إننا نعمل في المبادرة على مخاطبة الناس من خلال الأفلام لطرح قضايا عدة، من أبرزها صورة المرأة، لأن أفلاماً عربية عدة تظهرها كمادة لمشاهدة جسدها، أو ضعيفة تحتاج إلى رجل بطل ينقذها أو قوية متسلطة أو مخالفة لعادات المجتمع، ونهايتها قد لا تكون حميدة»، مشيراً إلى أن «الناس تتقبل الأفلام لأنها يعتبرونها "تمثيلاً» في حين قد لا يوافقون على طرح قضايا الجسد والمرأة بشكل مجرد أو عبر قصص حقيقية■
أضف تعليق