23 كانون الأول 2024 الساعة 15:05

العراق.. الكاظمي رئيساً لحكومة جديدة!

2020-05-18 عدد القراءات : 689
أولى القرارات التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تضمّنت توجهاً نحو التصالح مع المحتجين والابتعاد عن إرث الحكومة السابقة، (حكومة عادل عبدالمهدي)، التي قدمت استقالتها مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية واسعة طالبت برحيل ومحاسبة الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة. وهي التي تسبّبت في توتير الأوضاع الداخلية، وساهمت في تغوّل الجماعات المسلحة، واتبعت الحلول الأمنية لكبح جماح المتظاهرين.
وعقب أول اجتماع للحكومة الجديدة، تعهّد الكاظمي بالإفراج عن المتظاهرين الذين اعتُقلوا على خلفيّة مشاركتهم في الاحتجاجات، ووعد بمحاسبة المتورّطين في قمع المحتجّين وتعويض عوائل القتلى ورعاية المصابين. كما أقرّ بضرورة «عدم التساهل مع جرائم الخطف وملاحقة مرتكبيها، وحماية المتظاهرين السلميين ومنع العنف بكافة أشكاله». ولقيت هذه القرارات ترحيباً واسعاً من الحراك الشعبي.
كما قرر أيضاً إعادة الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي إلى جهاز مكافحة الإرهاب وعيّنه رئيسا له، بعدما استبعده عبدالمهدي، متهماً إياه بـ«التآمر وزيارة سفارات أجنبية والتخطيط لانقلاب عسكري»، على الرغم من مشاركته الفاعلة في الحرب ضدّ تنظيم «داعش» التي دارت بين سنتي 2014 و2017، واكتسب خلالها قدراً من الشعبية كأحد صنّاع النصر على التنظيم الإرهابي. وكان له دور كبير مع قادة «جهاز مكافحة الإرهاب» في تجنيب المدنيين خطر المعارك التي وقعت في مدينة الموصل شمالي البلاد ضد مسلحي داعش، حسب تقارير محلية وشهادات أهلية.
وكانت صور الساعدي الكبيرة حاضرة بقوة في تظاهرات المحتجين، إلى جانب العلم العراقي مع شعار «نريد وطنا». ويعتبر كثيرون أنّ إقالته من منصبه كانت أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات. وقد رشّحه المحتجون لمنصب رئيس الوزراء خلفاً لعبد المهدي.
مصلحة العراق أولاً
وفي سياق موازٍ، ينظر الكاظمي إلى علاقات بلاده مع واشنطن وطهران من زاوية مصالح العراق أولاً؛ حيث أكد لسفيري الولايات المتحدة وإيران في بغداد، ضرورة إبعاد بلاده عن الصراعات. مشدّداً على أنّ «العراق لن يكون ممرا أو مقرا للإرهاب أو منطلقا للاعتداء على أي دولة أو ساحة لتصفية الحسابات»، مع تأكيده حرصه على «إقامة أفضل العلاقات مع البلدين وكل دول الجوار، بما يخدم مصالح الشعب العراقي والأمن الاستقرار في المنطقة».
وقبل نحو خمسة شهور، لم يكن بمقدور أحد أن يتوقع إمكانية وصول الكاظمي إلى منصب رئيس الوزراء، لاسيما عندما اتهمه زعماء جماعات مسلحة بـ«المشاركة في التخطيط للعملية الأميركية» التي أودت بحياة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، والقائد الميداني لقوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.
وكان البرلمان العراقي وافق بالأغلبية (7/5)، على حكومة الكاظمي رجل المخابرات السابق الذي حظي بدعم واسع من الأحزاب السنية والكردية وعدد من الأحزاب الشيعية. واعتبر مراقبون أن منح الثقة لحكومته يُترجم تراجع النفوذ الإيراني في العراق، على خلفية الحراك الاحتجاجي الواسع. وقد تمكن 15 وزيراً من المرور عبر التصويت، في حين تم رفض خمسة هم؛ وزراء التجارة والعدل والثقافة والزراعة والهجرة، وتم تأجيل التصويت على وزارتي النفط والخارجية.
ولم تتمكن بعض الكتل النيابية من عرقلة تمرير حكومته الجديدة، لكنها تمكنّت من إبعاد بعض مرشحيه المفضلين عن عدد من الحقائب. وكانت كتلة «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، قاطعت جلسة التصويت بعدما رفض الكاظمي منح حقيبة الداخلية لياسر صخيل، صهر المالكي.
وحضر جلسة التصويت 255 نائباً من أصل 329. وبلغ عدد النواب الذين أعلنوا رفضهم التصويت لحكومة الكاظمي 81، وهم حزب الحل (14 مقعدا)، وائتلاف دولة القانون (26 مقعدا)، والنواب التركمان (8 مقاعد)، وائتلاف الوطنية (22 مقعدا)، والإصلاح والتنمية (تحالف القرار العراقي) 11 مقعدا.
حظوظ الكاظمي
ورأى مراقبون أنّ الكاظمي لا يمتلك كثيراً من الخيارات والوسائل لتلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية التي رفعها المحتجّون، وسيكون من الصعوبة بمكان «مصالحة الشارع مع النظام الذي تورّطت أركانه في مجازر بحقّ المحتجّين». إذ أن نجاحه في هذا الأمر سيكون مرهوناً بمحاسبة شخصيات نافذة؛ من مسؤولين كبار في الدولة وقادة ميليشيات، وهو أمر غير واقعي، في نظر كثير من المراقبين، بالنظر إلى ما تمتلكه تلك الشخصيات من نفوذ وسلطات واسعة في «الدولة العميقة»!.
كما أن حظوظ الكاظمي في تحقيق اختراقات مهمّة في الملفين الاقتصادي والاجتماعي تظلّ محدودة جدّا بالنظر إلى الوضع المالي بالغ الصعوبة نتيجة أزمة كورونا وتهاوي أسعار النفط. أما أبرز المصاعب التي ستواجهه فتتمثّل في ضبط فوضى السلاح في البلاد، وإخضاع الجماعات المسلّحة لسلطة الدولة.
ولهذه الأسباب، خفتت كثيراً الأصوات المعترضة على الكاظمي في وقت يرى فيه كثيرون أنّ احتمالات الفشل أكبر بكثير من فرص النجاح، إلا إذا صحّت التوقعات التي تفيد بأن حكومته ستتلقى دعما عربياً ودولياً كبيراً؟!.
عودة الاحتجاجات في ظل انقسام حول الكاظمي
وسط انقسامات غير مسبوقة داخل الحراك الاحتجاجي بشأن الموقف من حكومة الكاظمي، استؤنفت الاحتجاجات المناهضة للسلطات في ساحة التحرير، وسط العاصمة بغداد، وفي بعض مدن جنوب العراق (10/5)، مُنهيةً بذلك نحو ثلاثة أشهر من الهدوء النسبي الذي فرضته إجراءات الحجر الصحي والمخاوف من انتشار فيروس كورونا.
وفيما رأى بعض المشاركين أنّ رئيس الوزراء الجديد «جزءٌ من الطبقة السياسية المرفوضة من قبل الشارع»، وأنّ هذه المظاهرات تستند إلى عوامل «فقدان الثقة العميقة» بالسلطة وأحزابها، رأى آخرون أنّ توقيتها غير صحيح، خاصة وأن الحكومة بدأت عملها للتو واتخذت قرارات اعتبرت مراعية لمطالب المتظاهرين، وأنه ينبغي إعطاء مهلة لها لتنفيذ قراراتها.
كما حذر بعضهم من «أجندات» لأحزاب وجهات متضررة من حكومة الكاظمي، تسعى لخلط الأوراق وإفشال عهدها بذريعة المظاهرات!. وتجد وجهة النظر هذه أساساً لها في قيام بعض أتباع الجماعات المسلحة بدعم المظاهرات الجديدة، بعد أن كانوا من أشد المناهضين لها.
وكان متظاهرون غاضبون في الكوت، مركز محافظة واسط، عمدوا ليل 10/5، إلى حرق مقرات بعض الجماعات والأحزاب، وضمنها مقرات منظمة «بدر» التي يقودها هادي العامري، وحزب «الدعوة»، إضافة إلى حرق منزل نائب عن كتلة «صادقون» التابعة لـ«عصائب أهل الحق».■

أضف تعليق