23 تشرين الثاني 2024 الساعة 06:45

الكتابان 15و16 من سلسلة «الفكر السياسي الفلسطيني المعاصر»

2020-05-09 عدد القراءات : 909
دمشق (الاتجاه الديمقراطي)
• «في الاشتراكية العلمية، الدولة المدنية، المجتمعات الانتقالية»

• «النموذج السوفييتي لعملية الانتقال إلى الاشتراكية»
صدر مؤخرا عن«المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات»(ملف) كتابان مهمان ضمن سلسلة«الفكر السياسي الفلسطيني»:
1) الأول، من إنتاج نائبي الأمين العام للجبهة، قيس عبد الكريم (أبو ليلى) وفهد سليمان، بعنوان« في الإشتراكية العلمية، والدولة المدنية، المجتمعات الإنتقالية».
2) الثاني، من إنتاج قيس عبد الكريم، وهشام أبو غوش عضو المكتب السياسي في الجبهة. كان الكتاب قد صدر في طبعته الأولى عام 1993 وهو يعاد إصداره في طبعة ثانية (النموذج السوفييتي لعملية الإنتقال إلى الإشتراكية).
 ولعل من يراجع الكتابين يلاحظ أنهما مكملان لبعضهما، وأن الأول يشكل في موضوعاته تمهيداً للثاني.
• فالأول يتناول عدداً من القضايا التي دار حولها خلاف نظري بين اليساريين والإشتراكيين، خاصة بعد إنهيار التجربة السوفييتية، حيث إنطلقت القراءات المتباينة حول مكمن الخلل في هذه التجربة؛ هل هي في النظرية أم في التطبيق، في نقاش، يؤكد الكتاب الأول، أنه خارج المنهج الديالكتيكي، إذ لا يمكن الفصل بين النظرية وبين التطبيق، فالعلاقة بينهما جدلية وفقاً للمنهج العلمي، لذلك يمهد الكتاب الأول في قسمه الأول، في معالجة العديد من الأفكار التي نمت في سياق مراجعة التجربة السوفييتية، بحيث لا تكتفي بنقد التجربة (وهذا مطلوب بشدة للخروج بالخلاصات الضرورية) بل تذهب أبعد من ذلك لتطال الإشتراكية العلمية نفسها، ولتؤكد موتها، مروجة لذلك لمن تحدثوا عن الإنتصار الحاسم للرأسمالية، وتحدثوا في السياق نفسه عما يسمى «نهاية التاريخ»، وقد تجاهلوا تجارب أخرى، مازالت تشق طريقها في بناء الإشتراكية العلمية بنجاحات ملموسة، كالتجربة الصينية على سبيل المثال لا الحصر.
ولعل هذا التمهيد في القسم الأول من هذا الكتاب، يفسح في المجال، للقارئ أن ينتقل إلى الكتاب الثاني، ليغوص معه، في قراءة الجبهة الديمقراطية للتجربة السوفييتية. بكل تعقيداتها التاريخية، والإقتصادية والثقافية والفكرية، في مراحل إنطلاقة الثورة البلشيفية، مروراً بالحرب الوطنية (الحرب العالمية الثانية) التي خاضها الشعب والجيش الأحمر ببسالة كبرى، ألحقت الهزيمة بالنازية الهتلرية؛ وفتحت أمام العالم أفقاً جديداً لبناء أنظمة سياسية وإقتصادية اشتراكية بديلاً للرأسمالية الإحتكارية، القائمة على استغلال دماء العمال والشغيلة والشعوب ونهب ثروراتها.
ثم تستعرض التجربة مرحلة ما بعد ستالين، وإنطلاقة الإتحاد السوفييتي في الميادين المختلفة، تتلاقى في ذلك مع نهوض الشعوب المستعمرة، في نضالها من أجل إستقلالها، في آسيا، وإفريقيا، وأميركا اللاتينية، وما أحدثته من موازين قوى وفرت الفرصة لتحقيق إنتصارات باهرة للإتحاد السوفييتي، والعديد من الدول النامية في منطقتنا مع نهوض التيار الناصري، والإنتصارات في مصر، وسوريا، والجزائر، وجنوب اليمن، وتونس، والمغرب، والعراق وغيرها، ثم إنطلاقة المقاومة الفلسطينية وتقدم م.ت.ف، الصفوف لتحتل موقعها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني تحت راية برنامجها الوطني، البرنامج المرحلي، في العودة وتقرير المصير والإستقلال.
ثم يتوقف الكتاب أمام مرحلة الجمود، في الإتحاد السوفييتي، في قراءة علمية دقيقة ترى في الجمود تحولات طبقية كان لها أثرها في طرح أفكار  خرجت عن السياق العلمي للإشتراكية والماركسية، شكلت مقدمة للإنهيار  التاريخي مع كل ما أحدثه هذا الإنهيار من بلبلة في صفوف اليساريين والماركسيين والإشتراكيين. وكان إمتحاناً قاسياً، أضعف جبهة اليسار في العالم، لكنه في الوقت نفسه حمل في طياته القدرة على التمييز بين يسار حقيقي، رأى في الإنهيار تجربة من تجارب البناء الإشتراكي، وبين من رأى في الإنهيار فرصة للتحلل والتحرر من قيود الإلتزام اليساري، والذهاب نحو مواقع بديلة، ذات جذور قومية وليبرالية، وأن يبقى في الوقت نفسه يحاول أن يغطي نفسه بقشرة رقيقة من اليسار الرجراج الذي تتجاذبه إغراءات الإلتحاق بالمسار الآخر، تحت دواعي المزج بين الإشتراكية العلمية وكل ما هو تقدمي في العلوم الإنسانية والتراث القومي، ليجد نفسه في لحظة ما خارج الإشتراكية العلمية، ملتحقاً بأيديولوجيات بديلة بإعتبارها هي الجانب التقدمي في العلوم الإنسانية وهي الجانب المضيء بالتراث القومي!
■ ■ ■
■ القسم الثاني من الكتاب الأول (الدولة المدنية)، وكما يقول الكتاب، لا يتجاوز في طرحه، حدود القضايا المدرجة على جدول أعمال الحركة الوطنية الفلسطينية بل على العكس تماماً، هو موضوع يندرج في صلب الهم الوطني الفلسطيني، ويشكل ترجمة للتطور الذي دخل على البرنامج المرحلي، بعد قيام السلطة الفلسطينية بحيث بات برنامج العمل ذا شقين، وطني وإجتماعي. وهو في الحالتين لا بد أن يطرح منذ الآن ما هو مفهوم الدولة الوطنية التي تحتل الهدف الرئيس على جدول أعمال المسيرة النضالية، والتي تشكل السلطة الفلسطينية نواتها الأساسية. وبالتالي، يتجاوز هذا القسم من الكتاب الرأي القائل: «لا داعي لأن نبحث طبيعة الدولة منذ الآن، ولنترك ذلك إلى ما بعد الإستقلال».
ففي هذا الرأي، تجاهل، وتجاوز للواجبات الوطنية الإجتماعية التي يمليها وجود السلطة الفلسطينية على القوى الوطنية أن تتبناها. فالنضال بات على محورين محور مقاومة الإحتلال، ومحور صون الحقوق الإجتماعية والديمقراطية للمواطن، في ظل سلطة فلسطينية لها مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والأمنية والقضائية، وقوانينها. وهذا كله يتطلب رقابة على أداء السلطة وواجباتها نحو المواطن، وهو ما يترجمه الشق الإجتماعي من برنامج النضال.
وفي هذا الرأي، أيضاً ايحاء بتأجيل معركة بناء الدولة بينما المعركة قد بدأت منذ قيام السلطة الفلسطينية. وثمة العديد من الأمثلة على ذلك، وتأثيراتها على مجرى الحياة والحقوق المدنية للمواطن، منها حقوق المرأة، والمساواة التامة مع الرجل، بكل تعقيدات هذه المسألة وخلفياتها السياسية والأجتماعية والثقافية والقانونية، ومنها النظام القضائي وتراكيبه، ومصادر قوانينه، ومنها أخيراً وليس آخراً، أنظمة عمل الأجهزة الأمنية وصلاحياتها، وتجاوزها لها في تدخلها السافر في الشأن السياسي.
يشكل كل من الكتابين مادة غنية تستحق، ليس القراءة والتدقيق والبحث فقط، بل وكذلك إدارة حوارات ونقاشات حولها في ندوات تعقد حيث أمكن. كتابان، يستحق كل منهما أن يحظى بالإهتمام الضروري، وأن يطلع عليه، خاصة وأن الوصول إليهما بات في متناول اليد، بعد أن نشر كاملاً في موقع المكتبة الإلكترونية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين على الرابط التالي:

أضف تعليق