من دروس الكورونا: مقارنة بين التضامن الكوبي والهمجية الرأسمالية
رغم أكثر من نصف قرن من الحصار، استقبلت كوبا الباخرة البريطانية MS Braemar منذ بعضة أيام في مينائها بعد اكتشاف حالات كورونا على متنها. وقد سبق أن رفضت الحكومات في أميركا وبانما وباقي دول الكاريبي استقبالها تاركين مئات المسافرين لمصيرهم في عرض البحر. وقد قدّمت كوبا جميع المساعدات الصحية وتكلفت برعاية المصابين بالكورونا واستشفائهم.
تعكس هذه الواقعة، وخصوصا رفض دولة عظمى مثل أميركا استقبال الباخرة البريطانية، طبيعة تعامل الدول الرأسمالية مع الأزمات وكيفيّة تعاطيها مع الحالات الإنسانية التي تتطلّب تدخّلا عاجلا. وانطلاقا من هذه الواقعة أيضا، سنورد مقارنة على مستويين: على مستوى المنظومة الصحية وعلى مستوى مبدأ التضامن الأممي بين الدّول بين ألمانيا، التي تعتبر أحد أقوى الاقتصادات عالميا، وكوبا المحاصرة منذ 60 سنة.
على مستوى المنظومة الصحية: سقوط النّموذج الطبّي الألماني ونجاح كبير لكوبا الاشتراكية
رغم محاولات الإعلام الغربي ترويج فكرة أن ألمانيا قد حقّقت تقدّما على مستوى مكافحة فيروس COVID_19، إلا أنّ نظرةً عن كثبٍ في الأرقام والمعطيات تبيّن أن هذه الأخبار ما هي إلّا دعاية إعلامية تحاول تغطية الأزمة الحقيقية التي تعيشها المنظومة الصحّية الألمانية. إذ يعكس تزايد عدد المصابين (100000 مصاب إلى حدود اليوم 7 أفريل 2020) فشلا ذريعا على مستوى محاصرة انتشار الفيروس الذي تم التعرف عليه منذ أكثر من ثلاثة أشهر في الصّين. ولم تستطع الدولة الألمانية أن تقدّم أية مساعدات طبّية للمواطنين من أجل حمايتهم من العدوى (غياب كلّي للأقنعة والمواد المطهّرة سواء في المستشفيات أو في الأسواق). كما ترفض الحكومة الفيدرالية سنّ الحجر الصحي لأنه لا يخدم مصالح الشركات الكبرى، تاركة ملايين المواطنين عرضة للعدوى القاتلة.
مقابل ذلك، تفتخر ألمانيا اليوم بكونها وصلت 500 ألف اختبار في الأسبوع، وتروّج لهذه المعلومة على أساس كونها دليل على نجاحهم في مكافحة الفيروس، رغم أن عدد الاختبارات قليل مقارنة مع دول أخرى (من بينها كوبا وكوريا الجنوبيّة والصين…) كما أنه ليس مؤشّرا على تقدّم في حصر المرض ولا في منع تفشّيه. إذ قد يتعرّض أيّ شخص أجرى الاختبار إلى إصابة بالعدوى لاحقا، ولا يكفل هذا التّدبير منع انتشار العدوى، وهو ما تدركه الحكومة رغم تضليلها الإعلامي. فأصحاب القرار في ألمانيا يعلمون جيّدا محدودية التدابير التي اتّخذتها، ويعلمون أيضا ما هي التدابير الفعليّة التي يجب عليهم اتّخاذها في ظلّ هذه الجائحة انطلاقا ممّا وقع في كوريا الجنوبيّة والصين; تعميم الاختبارات والكشف والتشخيص المبكّرين للإصابات، والعزل المبكّر للحالات وللمناطق الموبوءة، والعلاج المبكر، وتركيز جهود الخبراء والموارد للعلاج الكامل، بالاضافة إلى إجراء تحقيقات وبائيّة متعمّقة وضمان تواصل إعلامي مستمرٍّ للتّوعية والإخبار بخصوص تطور الوباء).
كلّ الحكومات في الدول “الديمقراطية” الغربيّة تعلم كيفية التعاطي مع جائحة كرورونا. لكنهم غير مستعدّين للمضيّ قدما في اتّخاذ التدابير الصحّية والاجتماعية المتعلقة بذلك. وذلك بسبب ما يعتبروه خوف من تعمّق الأزمة الاقتصادية، بمعنى الخسارة التي قد تتكبّدها الشركات الكبرى إذا ما توقّف العمّال عن العمل. وبالتّالي فالحكومات في فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتّحدة الأميركية مستعدّة للتضحية بملايين المواطنين من أجل حماية أرباح الشركات. لذلك نجد دونالد ترامب بعد نفيه للجائحة طوال أشهر ينتقد الآن الصين ويعمل على شنّ حرب عسكرية عدوانيّة ضد فنزويلا للتّغطية عن الألف قتيل يسقطون يوميا جرّاء الكورونا. ومن جهة أخرى، ترفض أنجيلا ميركل سنّ الحجر الصحي وتلجأ إلى دعوات الكنيسة وتدعو مواطنيها للصّبر أمام الجائحة. كما يروّج الإعلام الغربي لعدم جدوى استعمال الأقنعة لأنّ أغلب الحكومات لا تستطيع توفيرها للمستشفيات وللمواطنين وبسبب رفض الشركات الكبرى توجيه صناعتها نحو تلبية الحاجيات الطبّية المستعجلة، وهذا رغم ما أثبته استعمال الأقنعة من قدرة على الوقاية من المرض ومنع انتشاره في كوريا الجنوبيّة والصين.
وقد قامت ألمانيا المتقدّمة، التي تحقّق شركة أدوية واحدة فيها 12 مليار يورو من الأرباح الصّافية في السنة، بغلق حدودها مع دول الاتحاد الأوروبي لتترك كلّ شعب يواجه مصيره أمام جائحة فيروس كورونا المستجدّ. في نفس الوقت تختلق دعاية القرصنة الأميركية لشحنة الأقنعة للتّغطية على عجزها على المستوى الداخلي.
وبالمقابل، عملت كوبا، التي تعيش أكثر من 60 سنة من العقوبات والحصار الاقتصادي والسياسي والعسكري الجائر، على دفع 95000 طبيب إلى الخطوط الأمامية لمواجهة كورونا في بلدها، وأجرت اختبارات ل 6,8 مليون كوبي في منازلهم في أسبوع واحد. ووفّرت الاكتفاء الطاقي لكافة المواطنين على مستوى الاستشفاء والرّعاية الصحية. وعبّرت عن استعدادها التام لمساعدة الدول الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية لتجاوز الأزمة.
وقد عرضت كوبا لجميع الدول توفير مضادّ الفيروسات interferon alfa-2B الذي يستعمل لمعالجة المصابين بالكورونا في كوبا والصين والعديد من الدول الأخرى. كما وجّهت جميع المعامل المؤمّمة إلى صناعة الكمّامات والأقنعة الواقية، في الوقت الذي تروّج فيه الحكومات الأوروبية والأميركية لشعوبها أن الأقنعة غير مجدية لتبرير عجزها عن توفيها للمواطنين. بالاضافة لذلك، تتوفر كوبا على نظام للتعاطي مع الأعاصير والكوارث الطبيعية أثبت جدارته على مستوى منطقة الكاريبي.
في مغزى التضامن الأممي:
ألمانيا، التي استقبلت منذ أسابيع قليلة 20,000 جندي ناتو في إطار المناورات العسكرية “Defender 2020″، تغلق حدودها أمام دول الاتّحاد الأوروبي ولم تستقبل غير 6 حالات كورونا رسميّة من كل بلد من فرنسا وإيطاليا. وقد عبّرت هذه الأرقام عن القيم التي تكرّسها الامبريالية الأوروبية بدعم الحروب والتسليح مقابل معاداة للقيم الانسانية من قبيل التضامن والسّلام والعيش المشترك.
وبالمقابل، أرسلت كوبا المحاصرة أكثر من 14 فريق طبّي إلى أوروبا وأميركا اللاتينية لمكافحة فيرويس كورونا المستجدّ، حوالي 600 إطار طبي بينهم 338 إمرأة. ويعتبر التضامن الأممي تقليدا اشتراكيّا جسّدته كوبا منذ الثورة التي قادها فيدل كاسترو، والتي أعلن منذ البداية أن نجاح الثورة لا يتمّ إلا بضمان السلام للشعوب والرعاية الصحّية والاجتماعية وتوفير السّيادة الغذائية والعيش الكريم لكافة المواطنين. وفي هذا السّياق تحوز كوبا على نظام صحّي عمومي شامل يوفّر رعاية صحية لكافة المواطنين ويكفل تقدّما علميا وتطورا طبيّا جعل كوبا في مصاف الدول المتميّزة في مجال الأبحاث الطبيّة.
نفس الروح الإنسانية والدولية التي دفعت كوبا إلى السّماح للباخرة البريطانية Braemar بالرّسو قد قاد هذا البلد الصغير أيضًا إلى إرسال أطبّاء لمساعدة هايتي بعد زلزال 2010 المدمّر لتلك الدولة، ومحاربة الإيبولا في غرب إفريقيا في عام 2014، ومؤخرًا، مساعدة الصحة الإيطاليّة المنهكة وسط جائحة الفيروس التاجي. (عرضت كوبا إرسال مساعدة مماثلة إلى الولايات المتحدة بعد إعصار كاترينا الذي دمّر ساحل الخليج، ولكن تمّ رفضه بشكل متوقّع من قبل إدارة بوش).
حتى خارج حالات الطوارئ المؤقتة، أرسلت كوبا الأطبّاء لفترة طويلة للعمل في البلدان الفقيرة التي تعاني من نقص في الرعاية الطبية. في البرازيل، وقد لقي الأطباء الكوبيّون ترحيبا حارّا لسنوات من قبل حزب العمال الحاكم. بدأ هذا يتغيّر مع صعود اليمينيّ المتطرّف يائير بولسونارو. عندما تولّى منصبه، طرد هذا الأخير معظم الأطباء الكوبيّين من البلاد وادّعى أنهم في البرازيل ليس لعلاج المرضى ولكن “لإنشاء خلايا حرب العصابات وتلقين الناس”.
قبل أسبوعين فقط، وصف بولسونارو بـ “الخيال” فكرة أنّ الفيروس التّاجي يشكّل تهديدًا خطيرًا للصحة العامّة. الآن وقد أثبتت هذه الحقيقة نفسها، يتوسّل الأطباء الكوبيّين للعودة.
وتعكس هذه المعطيات طريقة تعاطي الدّول “الدّيمقراطية” مع شعوبها، وكذلك التّضليل الإعلامي الذي تمارسه ضدّ الدّول الاشتراكيّة، من أجل حماية النّظام الرأسمالي المُنهار وقيمه الاستهلاكيّة والفرديّة والتنافسيّة التي صارت تعاني من تداعياتها أغلب الدّول الرّأسمالية، ولاعجب أن نجد العديد من شركات الأدوية الأوروبيّة التي تمصّ منذ عقود دماء شعوب إفريقيا، تصرخ طلبا للتّضامن والمساعدة من دول لطالما عادتها، مثل الصّين وكوبا.
وكخلاصة لما شهدناه في ظلّ هذه الجائحة العالميّة، يتّضح من خلال التّجربة الواقعيّة أنّ الدول “المتقدّمة” تدرك جيّدا كيف توقّف مرض الكورونا وتقضي عليه. لكنّهم غير مستعدّين لإيقاف مداولات البورصات والبنوك والتّضحية بأرباح الشّركات اليوميّة، ولا هم مستعدّون لسنّ الحجر الصحّي الوقائيّ وتوقيف العمل ولو تطلّب الأمر تقديم ملايين الضّحايا من المواطنين الذين لم يكن لهم خيار المشاركة في الحرب مع كورونا، لكنّهم دفعوا في ذلك أعظم ثمن، حياتهم وحياة ذويهم. انطلاقا من ذلك، يتبيّن أنّ الإنسانية بحاجة لنظام اقتصادي واجتماعي بديل، يضع في أولويّاته مصلحة الإنسان قبل الرّأسمال، يهدف لخدمة الإنسانيّة لا استغلالها.
تعكس هذه الواقعة، وخصوصا رفض دولة عظمى مثل أميركا استقبال الباخرة البريطانية، طبيعة تعامل الدول الرأسمالية مع الأزمات وكيفيّة تعاطيها مع الحالات الإنسانية التي تتطلّب تدخّلا عاجلا. وانطلاقا من هذه الواقعة أيضا، سنورد مقارنة على مستويين: على مستوى المنظومة الصحية وعلى مستوى مبدأ التضامن الأممي بين الدّول بين ألمانيا، التي تعتبر أحد أقوى الاقتصادات عالميا، وكوبا المحاصرة منذ 60 سنة.
على مستوى المنظومة الصحية: سقوط النّموذج الطبّي الألماني ونجاح كبير لكوبا الاشتراكية
رغم محاولات الإعلام الغربي ترويج فكرة أن ألمانيا قد حقّقت تقدّما على مستوى مكافحة فيروس COVID_19، إلا أنّ نظرةً عن كثبٍ في الأرقام والمعطيات تبيّن أن هذه الأخبار ما هي إلّا دعاية إعلامية تحاول تغطية الأزمة الحقيقية التي تعيشها المنظومة الصحّية الألمانية. إذ يعكس تزايد عدد المصابين (100000 مصاب إلى حدود اليوم 7 أفريل 2020) فشلا ذريعا على مستوى محاصرة انتشار الفيروس الذي تم التعرف عليه منذ أكثر من ثلاثة أشهر في الصّين. ولم تستطع الدولة الألمانية أن تقدّم أية مساعدات طبّية للمواطنين من أجل حمايتهم من العدوى (غياب كلّي للأقنعة والمواد المطهّرة سواء في المستشفيات أو في الأسواق). كما ترفض الحكومة الفيدرالية سنّ الحجر الصحي لأنه لا يخدم مصالح الشركات الكبرى، تاركة ملايين المواطنين عرضة للعدوى القاتلة.
مقابل ذلك، تفتخر ألمانيا اليوم بكونها وصلت 500 ألف اختبار في الأسبوع، وتروّج لهذه المعلومة على أساس كونها دليل على نجاحهم في مكافحة الفيروس، رغم أن عدد الاختبارات قليل مقارنة مع دول أخرى (من بينها كوبا وكوريا الجنوبيّة والصين…) كما أنه ليس مؤشّرا على تقدّم في حصر المرض ولا في منع تفشّيه. إذ قد يتعرّض أيّ شخص أجرى الاختبار إلى إصابة بالعدوى لاحقا، ولا يكفل هذا التّدبير منع انتشار العدوى، وهو ما تدركه الحكومة رغم تضليلها الإعلامي. فأصحاب القرار في ألمانيا يعلمون جيّدا محدودية التدابير التي اتّخذتها، ويعلمون أيضا ما هي التدابير الفعليّة التي يجب عليهم اتّخاذها في ظلّ هذه الجائحة انطلاقا ممّا وقع في كوريا الجنوبيّة والصين; تعميم الاختبارات والكشف والتشخيص المبكّرين للإصابات، والعزل المبكّر للحالات وللمناطق الموبوءة، والعلاج المبكر، وتركيز جهود الخبراء والموارد للعلاج الكامل، بالاضافة إلى إجراء تحقيقات وبائيّة متعمّقة وضمان تواصل إعلامي مستمرٍّ للتّوعية والإخبار بخصوص تطور الوباء).
كلّ الحكومات في الدول “الديمقراطية” الغربيّة تعلم كيفية التعاطي مع جائحة كرورونا. لكنهم غير مستعدّين للمضيّ قدما في اتّخاذ التدابير الصحّية والاجتماعية المتعلقة بذلك. وذلك بسبب ما يعتبروه خوف من تعمّق الأزمة الاقتصادية، بمعنى الخسارة التي قد تتكبّدها الشركات الكبرى إذا ما توقّف العمّال عن العمل. وبالتّالي فالحكومات في فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتّحدة الأميركية مستعدّة للتضحية بملايين المواطنين من أجل حماية أرباح الشركات. لذلك نجد دونالد ترامب بعد نفيه للجائحة طوال أشهر ينتقد الآن الصين ويعمل على شنّ حرب عسكرية عدوانيّة ضد فنزويلا للتّغطية عن الألف قتيل يسقطون يوميا جرّاء الكورونا. ومن جهة أخرى، ترفض أنجيلا ميركل سنّ الحجر الصحي وتلجأ إلى دعوات الكنيسة وتدعو مواطنيها للصّبر أمام الجائحة. كما يروّج الإعلام الغربي لعدم جدوى استعمال الأقنعة لأنّ أغلب الحكومات لا تستطيع توفيرها للمستشفيات وللمواطنين وبسبب رفض الشركات الكبرى توجيه صناعتها نحو تلبية الحاجيات الطبّية المستعجلة، وهذا رغم ما أثبته استعمال الأقنعة من قدرة على الوقاية من المرض ومنع انتشاره في كوريا الجنوبيّة والصين.
وقد قامت ألمانيا المتقدّمة، التي تحقّق شركة أدوية واحدة فيها 12 مليار يورو من الأرباح الصّافية في السنة، بغلق حدودها مع دول الاتحاد الأوروبي لتترك كلّ شعب يواجه مصيره أمام جائحة فيروس كورونا المستجدّ. في نفس الوقت تختلق دعاية القرصنة الأميركية لشحنة الأقنعة للتّغطية على عجزها على المستوى الداخلي.
وبالمقابل، عملت كوبا، التي تعيش أكثر من 60 سنة من العقوبات والحصار الاقتصادي والسياسي والعسكري الجائر، على دفع 95000 طبيب إلى الخطوط الأمامية لمواجهة كورونا في بلدها، وأجرت اختبارات ل 6,8 مليون كوبي في منازلهم في أسبوع واحد. ووفّرت الاكتفاء الطاقي لكافة المواطنين على مستوى الاستشفاء والرّعاية الصحية. وعبّرت عن استعدادها التام لمساعدة الدول الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية لتجاوز الأزمة.
وقد عرضت كوبا لجميع الدول توفير مضادّ الفيروسات interferon alfa-2B الذي يستعمل لمعالجة المصابين بالكورونا في كوبا والصين والعديد من الدول الأخرى. كما وجّهت جميع المعامل المؤمّمة إلى صناعة الكمّامات والأقنعة الواقية، في الوقت الذي تروّج فيه الحكومات الأوروبية والأميركية لشعوبها أن الأقنعة غير مجدية لتبرير عجزها عن توفيها للمواطنين. بالاضافة لذلك، تتوفر كوبا على نظام للتعاطي مع الأعاصير والكوارث الطبيعية أثبت جدارته على مستوى منطقة الكاريبي.
في مغزى التضامن الأممي:
ألمانيا، التي استقبلت منذ أسابيع قليلة 20,000 جندي ناتو في إطار المناورات العسكرية “Defender 2020″، تغلق حدودها أمام دول الاتّحاد الأوروبي ولم تستقبل غير 6 حالات كورونا رسميّة من كل بلد من فرنسا وإيطاليا. وقد عبّرت هذه الأرقام عن القيم التي تكرّسها الامبريالية الأوروبية بدعم الحروب والتسليح مقابل معاداة للقيم الانسانية من قبيل التضامن والسّلام والعيش المشترك.
وبالمقابل، أرسلت كوبا المحاصرة أكثر من 14 فريق طبّي إلى أوروبا وأميركا اللاتينية لمكافحة فيرويس كورونا المستجدّ، حوالي 600 إطار طبي بينهم 338 إمرأة. ويعتبر التضامن الأممي تقليدا اشتراكيّا جسّدته كوبا منذ الثورة التي قادها فيدل كاسترو، والتي أعلن منذ البداية أن نجاح الثورة لا يتمّ إلا بضمان السلام للشعوب والرعاية الصحّية والاجتماعية وتوفير السّيادة الغذائية والعيش الكريم لكافة المواطنين. وفي هذا السّياق تحوز كوبا على نظام صحّي عمومي شامل يوفّر رعاية صحية لكافة المواطنين ويكفل تقدّما علميا وتطورا طبيّا جعل كوبا في مصاف الدول المتميّزة في مجال الأبحاث الطبيّة.
نفس الروح الإنسانية والدولية التي دفعت كوبا إلى السّماح للباخرة البريطانية Braemar بالرّسو قد قاد هذا البلد الصغير أيضًا إلى إرسال أطبّاء لمساعدة هايتي بعد زلزال 2010 المدمّر لتلك الدولة، ومحاربة الإيبولا في غرب إفريقيا في عام 2014، ومؤخرًا، مساعدة الصحة الإيطاليّة المنهكة وسط جائحة الفيروس التاجي. (عرضت كوبا إرسال مساعدة مماثلة إلى الولايات المتحدة بعد إعصار كاترينا الذي دمّر ساحل الخليج، ولكن تمّ رفضه بشكل متوقّع من قبل إدارة بوش).
حتى خارج حالات الطوارئ المؤقتة، أرسلت كوبا الأطبّاء لفترة طويلة للعمل في البلدان الفقيرة التي تعاني من نقص في الرعاية الطبية. في البرازيل، وقد لقي الأطباء الكوبيّون ترحيبا حارّا لسنوات من قبل حزب العمال الحاكم. بدأ هذا يتغيّر مع صعود اليمينيّ المتطرّف يائير بولسونارو. عندما تولّى منصبه، طرد هذا الأخير معظم الأطباء الكوبيّين من البلاد وادّعى أنهم في البرازيل ليس لعلاج المرضى ولكن “لإنشاء خلايا حرب العصابات وتلقين الناس”.
قبل أسبوعين فقط، وصف بولسونارو بـ “الخيال” فكرة أنّ الفيروس التّاجي يشكّل تهديدًا خطيرًا للصحة العامّة. الآن وقد أثبتت هذه الحقيقة نفسها، يتوسّل الأطباء الكوبيّين للعودة.
وتعكس هذه المعطيات طريقة تعاطي الدّول “الدّيمقراطية” مع شعوبها، وكذلك التّضليل الإعلامي الذي تمارسه ضدّ الدّول الاشتراكيّة، من أجل حماية النّظام الرأسمالي المُنهار وقيمه الاستهلاكيّة والفرديّة والتنافسيّة التي صارت تعاني من تداعياتها أغلب الدّول الرّأسمالية، ولاعجب أن نجد العديد من شركات الأدوية الأوروبيّة التي تمصّ منذ عقود دماء شعوب إفريقيا، تصرخ طلبا للتّضامن والمساعدة من دول لطالما عادتها، مثل الصّين وكوبا.
وكخلاصة لما شهدناه في ظلّ هذه الجائحة العالميّة، يتّضح من خلال التّجربة الواقعيّة أنّ الدول “المتقدّمة” تدرك جيّدا كيف توقّف مرض الكورونا وتقضي عليه. لكنّهم غير مستعدّين لإيقاف مداولات البورصات والبنوك والتّضحية بأرباح الشّركات اليوميّة، ولا هم مستعدّون لسنّ الحجر الصحّي الوقائيّ وتوقيف العمل ولو تطلّب الأمر تقديم ملايين الضّحايا من المواطنين الذين لم يكن لهم خيار المشاركة في الحرب مع كورونا، لكنّهم دفعوا في ذلك أعظم ثمن، حياتهم وحياة ذويهم. انطلاقا من ذلك، يتبيّن أنّ الإنسانية بحاجة لنظام اقتصادي واجتماعي بديل، يضع في أولويّاته مصلحة الإنسان قبل الرّأسمال، يهدف لخدمة الإنسانيّة لا استغلالها.
أضف تعليق