23 كانون الأول 2024 الساعة 06:39

نظرة إلى الخارج.. من نوافذ كورونا

2020-04-11 عدد القراءات : 900
النافذة الأولى: الضفة الفلسطينية
■ نطل من النافذة الأولى على الحالة السياسية الفلسطينية، فنلاحظ أنها تعيش حالة من العطالة، إذ أطبقت كورونا على مفاصل الحياة اليومية فأصبح الهم الأول والأخير، للمؤسسات الرسمية، والقوى السياسية والمجتمعية هو مجابهة هذه الجائحة والتصدي لها، والتخفيف من آثارها الكارثية. حتى البيانات السياسية في  المناسبات الوطنية كيوم الأرض مثلاً، صدرت تحت وطأة كورونا، وكلها دعوات واقتراحات ونداءات لمجابهة الكارثة قبل أن تقع. حتى الاتصالات السياسية على المستويات القيادية، كالتي جرت بين نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية فهد سليمان، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، تناولت وباء كورونا وآثاره القاتلة على المجتمعات الفلسطينية في جميع أماكنها، وكيفية التصدي له، وكيفية توفير المساعدات الضرورية  لشعب تحت الاحتلال، أو في مخيمات اللاجئين، في مناطق عمل وكالة الغوث وخارجها. وبات عمل حكومة السلطة الفلسطينية يتمحور حول مجابهة الوباء، في إجراءات إدارية واقتصادية، وفي ظل تصريحات تؤكد أن القادم على الحالة الفلسطينية ربما (نقول ربما) سيكون أكثر سوءاً.
فالضفة الفلسطينية تحت احتلال فاشي لا يقيم وزناً لأية ظروف إنسانية، رغم أن بعض متجاراته السياسية تذهب إلى حد بعيد لاستغلال ما بات يسمى بالمحرقة، في استجداء عطف المجتمع الدولي، المتهم (زوراً) بالتقصير في مجابهة النازية. ومازالت إجراءات المعابر تخضع لإجراءات التعقيد، بل ربما زادت تعقيداً، بحجة تعقيم البضائع قبل دخولها إلى الضفة بذريعة منع انتشار الوباء إلى مناطق دولة الاحتلال. في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن مصدر الوباء الذي تسرب إلى مناطق السلطة، كان مجموعة من السياح الأجانب الوافدين إلى الضفة من داخل إسرائيل لزيارة المقدسات في بيت لحم. وهذا ما يفسر لماذا كانت بيت لحم هي مصدر الوباء.
ومن الطبيعي أن يزداد القلق الفلسطيني من الوباء، خاصة مع عودة حوالي خمسين ألف عامل فلسطيني كانوا يعملون في إسرائيل: دولة تتباهى بتطور صناعة التكنولوجيا، والأسلحة الحديثة، والصواريخ الذكية، تقف عاجزة عن مكافحة الوباء، فينتشر في أرجائها، وتقع الوفيات في عداد يومي ينبئ أنه تصاعدي. العمال الفلسطينيون، ضحايا الاحتلال، وضحايا تدمير الاحتلال للاقتصاد الفلسطيني، قد يكون بعضهم حاملاً للفيروس، مما ينذر بخطر انتشاره أكثر فأكثر في الضفة الفلسطينية.
الاحتلال فيروس مدمر، والاحتلال في الوقت نفسه هو مصدر فيروس كورونا. ومع ذلك لا يتوقف عن ممارسة فاشيته وساديته، فلم تتوقف اجتياحاته للضفة، واعتقاله الجماعي للمواطنين، الملتزمين في منازلهم نظام الحجر الإلزامي. يستغل حالة الوباء، ليشن أوسع حملة اعتقالات، غير آبهة بردود فعل المجتمع الدولي، بل مستغلاً انشغال المجتمع الدولي بهمه الفيروسي، ليوجه ضرباته إلى نشطاء الحركة الوطنية الفلسطينية.
أما مستوطناته، فقد تأكد أنها صارت مصدراً رئيساً للوباء. خاصة في ظل معتقدات خرافية لدى المتدينين اليهود، أدت إلى انتشار واسع للفيروس في صفوفهم (كما تؤكد ذلك الإحصائيات الإسرائيلية). ولم يتورع لا جنود الاحتلال ولا مستوطنوه، عن تعمد الحاق الأذى بالفلسطينيين وهم يبصقون على أبواب المنازل، في تحدٍ، وكأنهم يقولون «سنلحق بكم المرض»؛ ما يعبر عن عقلية عنصرية مغرقة في فاشيتها ونزعتها العدائية للشعب الفلسطيني.
الفلسطينيون في الضفة في مواجهة جائحتين الاحتلال وكورونا■
  النافذة الثانية: قطاع غزة
 ■ في إطلالة على قطاع غزة، لا بد من أن نقف أمام تصريح صدر على لسان أحد خبراء السياسة الإسرائيليين، حين قال «إن اجتياح كورونا لقطاع غزة معناه نهاية الكون».
قطاع محاصر، في رقعة ضيقة، في كثافة سكانية خانقة، بلا موارد اقتصادية، خدمات شحيحة يفتقر إلى العديد من ضرورات الحياة العادية. كل شيء في القطاع غير عادي.
أرض محتلة، محاصرة، تشرف عليها « سلطة الأمر الواقع»، تنظر إليه السلطة الفلسطينية باعتباره «ملحقاً» بها، وليس جزءاً لا يتجزأ من مناطق السلطة تمارس ضده سياسة التمييز في الخدمات بما في ذلك الرواتب. تضن عليه بالحاجات الماسة، ثم لا تتردد في تسمية ذلك «فضائل» تضن بها عليه. تساوي بين صراعها مع حماس، وصراعها مع القطاع، وكأن القطاع يشكل حقيقة إمارة لحماس.
من «فضائل» الحصار أنه استطاع التحكم بحركة الوافدين إليه، والتقط المصابين، أو المشتبه بإصابتهم باكراً. لذلك بقى العدد محدوداً. لكن هذا لا يشكل عامل طمأنينة بشكل تام. إذ يكفي أن تتسرب حالة واحدة (واحدة فقط) من الوافدين، حتى تلحق الأذى بالعشرات، وهذا من شأنه أن يجعل من القطاع منطقة موبوءة، ونفترض أن التعاون بين أطرافه كافة، من مؤسسات رسمية وأهلية وفصائلية، يأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار هذا الاحتمال، لكن الأكثر فجاجة في الوضع موقف سلطات الاحتلال التي ترفض إدخال المعدات الضرورية  لمكافحة الوباء إلى القطاع، وتطالب بالمقايضة بين المعدات، وبين أسيرين إسرائيليين، تقول دولة الاحتلال أن حماس تحتفظ بهما. مقايضة غير إنسانية، بل هي غاية في التوحش. إن من يرهن مصير حوالي مليوني إنسان بمصير جنديين إسرائيليين، إنما يشكل ذروة العنصرية. بل هو فئة جديدة من النازية الهتلرية التي كانت تصنف البشر درجات. وها هي دولة الاحتلال، تصنف الشعب الفلسطيني تصنيفاً فاشياً. فهل يساوي، يا ترى، الجندي الإسرائيلي الواحد، مليون فلسطيني.
نعتقد أن مثل هذه القضايا تحتاج إلى أوسع حملة إعلامية، لكشف حقيقة الموقف الإسرائيلي أمام الرأي العام الدولي. فهذه سابقة لم يشهد لها  العالم مثيلاً، لا في الحرب الأولى، ولا في الثانية، ولا في حروب فيتنام وكوريا، وحروب الشرق الأوسط.
قطاع غزة أمانة في عنق المجتمع الدولي. لكنه في الوقت نفسه أمانة في عنق حركتي فتح وحماس. هي الفرصة التاريخية لإحداث التقارب المطلوب، ولو من مدخل التعاون ضد الفيروس، وصولاً إلى التعاون ضد الاحتلال، وضد.. الانقسام■
  النافذة الثالثة: إسرائيل
 ■ خلافاً لما هو في الضفة الفلسطينية، فإن الوضع السياسي في إسرائيل، يشهد نشاطاً محموماً في المفاوضات حول تشكيل حكومة جديدة، ترث حكومة تصريف الأعمال برئاسة نتنياهو.
انقلاب غانتس على تحالفه كان الخطوة الكبرى التي أحدثت الهزة الأولى، تبعها هزة ثانية حين انقسمت كتلة يعلون على نفسها، بعضها ذهب إلى تحالف غانتس – نتنياهو، والبعض الآخر، (يعلون) بقى في تحالف مع كتلة يائر لبيد.
الهزة الثانية كانت انفراط عقد «المعسكر»، إذ ذهب «العمل» للالتحاق بغانتس، وحديث عن احتمال حل الحزب بعد أن وصل إلى أرذل العمر، ويبدو أنه فقد وظيفته التاريخية، وصار مجرد ملحق بالسياسة الإسرائيلية، كما يضعها أطراف اليمين، وهكذا نكون أمام نهاية مرحلة تطوي فيها صفحة حزب نجح في أن يقدم نفسه صهيونياً يسارياً، عضواً في الاشتراكية الدولية، مؤسساً لدولة الاحتلال. مضى قادته «التاريخيون» واحداً تلو الآخر، وأصبحوا جزءاً من الماضي، بينما ترأسه أنفار لا يجيدون استعمال المنظار المكبر، لذلك فقدوا القدرة على امتلاك الرؤية التاريخية.
إذن نحن أمام خارطة حزبية جديدة، تختلف عن الخارطة التي أنتجتها الانتخابات التشريعية.
إلى جانب هذا كله، ودون الدخول في التفاصيل نلاحظ حالة الغباء السياسي التي يتسم بها غانتس، وهو الذي كان يوماً ما رئيساً لأركان دولة الاحتلال. كما نلاحظ أنه، كما يبدو، يفتقر إلى المستشارين والخبراء في فن إدارة المفاوضات ، وبحيث يكاد أن يتحول إلى لقمة سائغة بين فكي نتنياهو. إذ من يراقب الأمور يرى، أنه هو المكلف بتشكيل الحكومة باعتباره المرشح من قبل غالبية الكنيست  لكنه في الوقت نفسه يفاوض ليشكل حكومة يترأسها نتنياهو، وهذه سابقة لم نشهد له مثيلاً لا في إسرائيل ولا في أي من بلاد الديمقراطيات على أنواعها. هل وصلت العبقرية بنتنياهو إلى حد استطاع فيه أن يسخّر جنرالاً، كان يوماً ما رئيساً للأركان، في خدمته سياسياً. أم أن لدى غانتس عقدة نقص، بحيث لا يستطيع أن يكون الرجل الأول، ولعل هذا ما دفع أحد المعلقين الإسرائيليين ليصف غانتس أنه عسكري «لم ينتصر مرة واحدة في معاركه العسكرية»؛ فهل ينجح في معركه السياسية؟!.
وخلافاً لغانتس، يبدو أن رئيس الأركان الحالي، أفيف كوخافي، يطمح لتقدم الصفوف، حين طالب في رسالة إلى نتنياهو، وصفنت بأنها سرية، أن يتولى الجيش إدارة البلاد في مجابهة كورونا.
البعض يقول إن خلفية الطلب تستند إلى قناعة أن نتنياهو يحاول أن يجعل من جائحة كورونا أحد أسلحته التفاوضية، لتعطيل محاكمته حتى إشعار آخر، ولشق الطريق أمام عودته إلى الحكومة في الكنيست الجديد.
أما البعض الآخر فيقول إن موقف كوخافي  يستند إلى المنطق القائل إن إسرائيل تخوض، ضد كورونا، حرباً، هي كأي حرب أخرى، وأن الجيش هو المعني بتولي الأمور في زمن الحرب. وليست هي المرة الأولى التي يتقدم الجيش الإسرائيلي ليمسك بزمام القرار السياسي وإرجاع القيادة السياسية خطوة إلى الوراء.
قام بذلك في فرض قرار الحرب العدوانية على مصر وسوريا والأردن في حزيران (يونيو) 67.
قام بذلك أيضاً في حرب 1973، حين رفض التحذيرات المقدمة إليه من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) إلى أن حصلت الحرب المفاجئة.
 قام بذلك في غزو لبنان عام 1982، فرغم أن القرار السياسي أقر الوقوف عند نهر الليطاني، واصل شارون تقدمه نحو بيروت، ونحو البقاع والجبل، مع وضع إسرائيل في ورطة انتهت بمحاكمات سياسية وأخلاقية، وألقت برئيس الحكومة آنذاك، بيغن  في عالم الكآبة والنسيان.
هل يتولى الجيش قيادة إسرائيل، فننتقل إلى مشهد سياسي جديد، قد تكون له تداعياته المميزة؟■
 النافذة الرابعة: العالم العربي
 ■ لا أدري إن كان يصح أن نسميه حقا العالم العربي، ليس من زاوية النطق باللغة العربية، بل من زاوية سياسية، طبقاً للسؤال: هل نحن نعيش في عالم عربي تتوفر فيه عناصر الانتماء إلى هذا العالم، في السراء والضراء؟
اجتاح الوباء الدول العربية ، فانغلق كل منهم على نفسه. أغلقت المطارات والموانئ والمعابر الحدودية. وتعطلت التجارة البينية، وانهمكت كل دولة، منفردة، في حل قضاياها، بمعزل عن جاراتها من الدول، [كحد أدنى] أو مع منظومة دول الجامعة العربية. لا داعي للتذكير أن الدول العربية تتوزع بين غنية، [نفطية] ودول فقيرة، وأن من بينها من يعيش حالة استثنائية كسوريا، ولبنان، أو من يتحمل أعباء آلاف اللاجئين كالأردن، ما ألقى على الجميع أعباء كبرى؛ في مواجهة كورونا.
هناك الحاجة الماسة إلى تزويد الجهاز الصحي بالأدوات والمواد الضرورية، في ظل حرب عالمية تتنافس فيها الدول الكبرى على الاستيلاء على الإنتاج العالمي من هذه المواد والأدوات. ما يعني ارتفاع الأسعار، أي مصاريف إضافية باهظة. فضلاً عن تجنيد المزيد من الأطباء والممرضات واختصاصي التحاليل الطبية وباقي الخدمات، من سيارات إسعاف، وسائقين، ومسعفين ، وإداريين، وغير ذلك من الكادر المطلوب.
الأهم هي حاجة هذه الدول إلى فرض الحجر المنزلي على المواطنين، ما يضع الجميع أمام كارثة اجتماعية، خاصة وأن الحجر المنزلي ملزم، وإغلاق المتاجر [ ماعدا الأغذية والمنظفات والصيدليات والأفران وما يشبهها] معناه التحاق آلاف، بل الملايين، في كل بلد على حدة، بسوق البطالة. شركات أغلقت أبوابها، وسرحت موظفيها، واحتفظت بالبعض بنصف مرتب ودون امتيازات، أي انخفاض حاد في مستوى المعيشة، وفي الدخل الوطني، وفي النمو الاقتصادي للبلاد.
سارعت العربية السعودية إلى عقد مؤتمر افتراضي لمجموعة العشرين، خوفاً على انهيار الاقتصاد العالمي. الاقتصاد أهم من صحة المواطنين.
لم يدَعَ إلى اجتماع افتراضي لوزراء الصحة العرب، لبحث أزمة كورونا. ولم يُدعَ الى اجتماع افتراضي لوزراء الاقتصاد والمال العرب لبحث ضرورات التضامن العربي والتكافل ضد كورونا.
لم يدعَ الى اجتماع افتراضي لوزراء الداخلية والنقل والإعلام العرب (وآخرين) لبحث آليات العلاقة في معركة ضد كورونا.
إذن، افتقدنا في لحظة فارقة المنظومة العربية. جامعة الدول العربية، وما نشأ عنها من أطر ومؤسسات متفرعة، وتحولت الجامعة إلى مجرد مبنى يصدر منه، على لسان الأمين العام، بين يوم وآخر، بيان، لعل الهدف منه أن يذكرنا أن الجامعة ما زالت موجودة، وإن كانت لا تعود على المواطن العربي بأي نفع يذكر.
 كورونا اختبار شديد القسوة، فهل نسلط الضوء، كإعلام وكمثقفين وأصحاب اختصاص ع على هذا الاختبار، ونخرج بالنتائج والخلاصات التي بإمكانها أن تعيدنا وطناً عربياً حقيقة؛ له مؤسساته الفاعلة والمنتجة؟■
يتبع

أضف تعليق