23 تشرين الثاني 2024 الساعة 08:41

ستون عاماً رحيلها سيلفيا بانكهيرست... نجمة النضال النسوي

2020-04-10 عدد القراءات : 887
يحتفظ البريطانيّون بمكانة خاصّة في ذاكرة تاريخهم المعاصر لمجموعة من المناضلات الرائدات اللواتي قدن النضال لانتزاع حقّ الاقتراع للنساء في الانتخابات العامّة بعدما كان مقتصراً في المملكة المتحدة ـــ أمّ الديمقراطيّات المعاصرة ــــ على الرّجال حصراً. ورغم أن تلك المجموعة من النساء تعرّضن لمعاملة قاسية، وللسجن وعنف رجال الشرطة ضدهن، إلا أن أسماءهن وصورهن (58 مناضلة) موجودة الآن على تمثال في ساحة البرلمان البريطاني تخليداً لذكراهنّ. على أن إحداهن، سليفيا بانكهريست (1882 – 1960)، التي تحتفل نسويّات بريطانيا بها في ذكرى غيابها الستين تبقى مع ذلك نجمتهن الساطعة، وحكاية لا تُكرّر في ساحة النضال النسوي العالمي. فهي التي سُجنت 24 مرّة في سجون بلادها بعد مشاركتها في تظاهرات نسوية وعماليّة عديدة، وأُجبرت قسراً على تناول التغذية لعشر مرات بعدما قادت إضرابات رفيقاتها عن الطعام فيها. وكانت صوتاً عالياً ضد إشعال بريطانيا الحرب العالميّة الأولى في وقت كان الاعتراض على الحرب كفيلاً بجلب النبذ المجتمعي وتهم الخيانة العظمى لصاحبه، وأيضاً وجهاً لامعاً في النضالات العماليّة والاشتراكية الأولى.
حضرت مؤتمرات الأممية في موسكو وأمستردام، ومثّلت اليسار البريطاني في اجتماعات الحزب الاشتراكي الإيطالي (كان أنطونيو غرامشي من قادته قبل تأسيسه الحزب الشيوعيّ الإيطالي). اشتهرت في الأوساط اليساريّة بخلافها مع لينين – قائد الثورة الروسيّة – الذي كان دعا يساريي بريطانيا إلى العمل من خلال النظام البرلماني عبر حزب العمّال البريطاني، بينما كانت هي ترى أنّ النظام البرجوازيّ لا يمكنه في أي حال أن يمنح الطبقة العاملة حقوقها. وقد دعمت علناً نضالات الشعوب التي اضطهدتها الإمبراطوريّة البريطانيّة، من الهند إلى إيرلندا، ولذا كان ملفها دائماً مفتوحاً لدى المخابرات البريطانيّة تراقبها بدقّة وتقرأ بريدها.
سيلفيا وُلدت كأن قدرها الثورة. فوالدها كان من قادة الحركة العمّالية في عاصمة الصناعة البريطانية في مانشستر، ووالدتها ليست أقلّ من الشهيرة إميلين بانكهيرست القائدة التي أطلقت حراك المطالبة بمنح البريطانيات حقّ التصويت، وقضت أيّام مراهقتها - وشقيقتاها كريستابيل وأديلا - في أروقة الاتحاد السياسي الاجتماعي للمرأة WSPU الذي كانت والدتها رئيسته. لكن تجربتها الثوريّة الذاتية أخذت اتجاهاً آخر نحو الماركسيّة من بوابة الفن. فهي كانت رسّامة ومصمّمة غرافيكس درست بداية في كليّة مانشستر للفنون العريقة قبل أن تحصل - لتفوّقها - على بعثة للدراسة في الكليّة الملكيّة للفنون في لندن. وقد انطلقت وقتها في رحلة نحو شمال إنكلترا واسكتلندا لتوثّق رسماً لنضالات النساء العاملات، فصدمها البؤس الذي وجدت العمّال ـــ رجالاً ونساءً ـــ يرزحون تحته في ظل تغوّل تام للرأسماليّة الفاجرة. بدأت من حينها تنحى يساراً قبل أن تصطدم بوالدتها وتترك الـ WSPU لدى نشوب الحرب العالميّة الأولى، متهمةً إياها بقيادة حراك برجوازيّ ملطّف اصطفّ وراء القتلة في السلطة البريطانية، فيما اعتبرته خيانة تامة لقضيّة النساء الحقيقيّة. وقد أسّست حينها تنظيماً نسوياً يسارياً أصدر صحيفة ثوريّة كانت تحررها وتكتب فيها، وتركزت نشاطاتها أثناء فترة الحرب في منطقة شرق لندن الفقيرة حيث أسّست مطاعم تبيع بسعر الكلفة الفعليّة كي تجنّب الفقراء ذلّ الحاجة للجمعيّات الخيريّة، ومصنعاً للألعاب كانت كل موظفاته من النساء الأرامل والفقيرات. وما لبث تنظيمها أن تحوّل تدريجاً إلى منظمة شيوعيّة تامة. وقد توافقت في عام 1920 مع الحزب الاشتراكي البريطاني على تأسيس الحزب الشيوعي في بريطانيا الكبرى CPGB مظلّةً جامعة لليسار رغم معارضتها المستمرة للدخول في لعبة البرلمان كساحة للنضال السياسيّ، وهو ما تسبّب لاحقاً في تركها للحزب وإن بقيت مقرّبة من الرفاق اليساريين المتطرفين على هامشه.
بعدما يئست سيلفيا من غلبة تيار المهادنة للنظام على الحزب الشيوعي البريطاني، ابتعدت للنضال وحدها ضدّ الفاشيّة الصاعدة في الثلاثينيات. وعندما غزا موسوليني أثيوبيا واحتلها بالعنف القاهر، جمعت التبرّعات لمساندة المقاومة الأثيوبية ونظّمت بناء أوّل مستشفى تعليمي في أديس أبابا، وما لبثت أن انتقلت للعيش هناك، فأصدرت صحفاً ومجلات تدعم الأثيوبيين ضد الغزاة الطليان وتعرّف بثقافتهم الوطنيّة. وناصرت توحّد القرن الأفريقي في دولة واحدة قويّة، وانخرطت بكل طاقتها في تطوير وعي النّساء الأثيوبيّات. وقد قرّرت البقاء هناك بعد التحرير وأنجبت ابنها الوحيد هناك، إلى أن وافتها المنيّة، فأقيمت لها جنازة وطنيّة كبرى ومُنحت جنسيّة فخريّة، وكانت الأجنبيّة الوحيدة التي دُفنت في باحة «كاتدرائيّة الثالوث المقدّس» في قلب العاصمة أديس أبابا حيث دُفن أبطال المقاومة الأثيوبيّة ضد الاحتلال الإيطالي.

أضف تعليق